شبح الجفاف يؤرق الحكومة المغربية بعد سنوات من قلة التساقطات

وسط تخوفات من انخفاض إنتاج المحاصيل وتدهور جودة المياه

بسبب توالي سنوات الجفاف تضطر نساء البوادي لقطع مسافات طويلة للحصول على مياه الآبار التي أصبحت شبه جافة (إ.ب.أ)
بسبب توالي سنوات الجفاف تضطر نساء البوادي لقطع مسافات طويلة للحصول على مياه الآبار التي أصبحت شبه جافة (إ.ب.أ)
TT

شبح الجفاف يؤرق الحكومة المغربية بعد سنوات من قلة التساقطات

بسبب توالي سنوات الجفاف تضطر نساء البوادي لقطع مسافات طويلة للحصول على مياه الآبار التي أصبحت شبه جافة (إ.ب.أ)
بسبب توالي سنوات الجفاف تضطر نساء البوادي لقطع مسافات طويلة للحصول على مياه الآبار التي أصبحت شبه جافة (إ.ب.أ)

يُبدي المُزارع المغربي، عيسى المنور، تذمّره من الوضع الذي آلت إليه زراعته بعد توالي سنوات الجفاف في البلاد، والتي قلّصت مساحة الأرض التي كان يزرعها إلى 90 هكتاراً فقط من 200 هكتار في السابق. وقال في حوار أجرته معه «وكالة أنباء العالم العربي»: «حتى إنْ تساقطت الأمطار خلال الأسابيع المقبلة، فلن أستطيع جني أكثر من 20 في المائة من المساحة الإجمالية... فالوضع سيئ جداً، ولا أمل حتى في حفر الآبار، التي لا أعتمد عليها لأن الكمية المائية ضعيفة، ولا نجد ما يكفي للري».

صورة تبين تراجع منسوب نهر واد بومقلة (إ.ب.أ)

وفي منطقة بن سليمان بضواحي الدار البيضاء أيضاً، يخشى المزارع محمد منياوي أن يصبح محصوله الزراعي من الخضر والحبوب والفاكهة مهدداً بالضياع؛ لأن المياه اختفت من الآبار، والأمطار أصبحت شبه منعدمة. يقول منياوي إنه لم يستطع خلال السنوات الثلاث الأخيرة جمع رأس المال الذي أنفقه على زراعته، على الرغم من توفير بدائل للري، لكنها لم تفِ بالغرض، بحسب تعبيره. وتسبب نقص هطول الأمطار لفترات طويلة والتغيّرات المناخية والاحتباس الحراري بالعالم في أزمة جفاف حادة في المغرب، أثّرت سلباً في الموارد المائية بالبلاد، ما أدى إلى انخفاض إنتاج المحاصيل وتدهور جودة المياه.

جهود مضنية لمحاربة الجفاف

اعتمد المغرب استراتيجيات لإدارة المياه، عبر تحسين فاعلية استخدامها في الزراعة وتطوير مصادرها البديلة، بالإضافة إلى تعزيز التوعية بأهمية الحفاظ على الماء. وفي هذا الإطار، ترأّس العاهل المغربي الملك محمد السادس، يوم الثلاثاء الماضي، جلسة عمل خُصّصت للتداول بشأن مشكلة المياه في البلاد. كما كشف وزير التجهيز والماء نزار بركة عن أن الفترة الممتدة من سبتمبر (أيلول) 2023 إلى منتصف يناير (كانون الثاني) الجاري شهدت عجزاً في تساقط الأمطار، بلغت نسبته 70 في المائة، مقارنة مع المعدل الطبيعي لهذه الفترة في السنوات السابقة، فيما بلغت نسبة ملء السدود 23.2 في المائة، مقابل 31.5 في المائة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال ترؤسه جلسة عمل خُصّصت للتداول بشأن مشكلة المياه في البلاد (ماب)

بدوره، قال محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إن الجفاف الشديد تسبب في تقلّص مساحة المنطقة، التي تُروى من السدود، من 750 ألف هكتار قبل موجة الجفاف إلى 400 ألف فقط، مشيراً إلى تقلص مساحة مناطق زراعة الحبوب عبر الريّ بمياه الأمطار هذا العام إلى 2.3 مليون هكتار، من 3.65 مليون العام الماضي، والذي كان قد شهد جفافاً أيضاً.

تراجع منسوب السدود

يقول حكيم الفيلالي، الأستاذ الجامعي المتخصص في علم المناخ بمدينة خريبكة، إن جلسة العمل التي خُصّصت لبحث مشكلة الماء كان شعارها تسريع وتيرة إنجاز البنيات التحتية المائية، والبرنامج الوطني للتزود بمياه الشرب والري «ارتباطاً بالأزمة والإجهاد المائي، الذي يعرفه المغرب»، مضيفاً أن سنة 2022 «كانت الأكثر جفافاً التي عرفها المغرب منذ أكثر من 60 سنة، والوضعية اليوم أكثر حرجاً مما كانت عليه قبل سنة»، ومؤكداً أن المغرب عاش أمام توالي سنوات الجفاف على الاحتياطي المائي فقط.

وزير التجهيز والماء نزار بركة يقدم حصيلة عن وضعية المياه في المغرب (الشرق الأوسط)

وتابع الفيلالي موضحاً: «هذا ما يفسّر أن نسبة ملء السدود اليوم لا تتجاوز 23 في المائة، أي بمورد مائي لا يتجاوز 3.7 مليار متر مكعب. وأكثر من ذلك، فإن الجفاف الذي عرفه المغرب خلال السنوات الأخيرة زاد الضغط على الاحتياطي المائي، حيث إن ضعف التساقطات المطرية أرغم مستعملي المياه على تكثيف الحصول على المياه من الفرشة الباطنية (المياه الجوفية)... وهذا الأمر عمّق الأزمة المائية، ومن خلاله يُمكن تفسير تراجع مستوى المياه بمختلف الفرشات الباطنية وتزايد نسبة الملوحة بالمناطق الساحلية».

اقتصاد الماء

يقول الفيلالي إن المغرب «عمل في السنوات الأخيرة على تغيير سياسته الزراعية، ورفع حجم الصادرات الزراعية، خاصة تلك التي تحتاج إلى موارد مائية، بما يعني أن المغرب (كان) يصدّر الماء لعدة سنوات؛ واليوم نحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بتثمين الموارد المائية». واستطرد قائلاً: «الجارة الإسبانية مثلاً قامت بعملية حسابية مفادها أن إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو، على سبيل المثال، يكلّفها دولارين من الموارد المائية، وعلى هذا الأساس، أصبحت تستورد هذه المادة، وتحافظ على احتياطيها المائي وتجني أرباحاً من ذلك؛ لأن كلفة استيرادها ستكون أقل من دولارين دون استهلاك الماء والطاقة والمكونات العضوية». وتابع الفيلالي موضحاً: «نجد أن مناطق جافة كمنطقة سوس، ومعظم المياه فيها تحت الأرض، تُنتج مواد تحتاج موارد مائية كبيرة جداً، وبالتالي يجب تكييف السياسة الزراعية مع خصائص البيئة والاقتصاد في استهلاك الماء، خاصة في القطاع الزراعي... صحيح أنه يجب أن نواصل الاستثمار في تحلية مياه البحر، ومعالجة المياه المستعملة، لكن يجب كذلك أن نركّز بشكل كبير على الاقتصاد في استهلاك الماء، ثم التحكم في الموارد المائية، وباعتراف رسمي، فإن 91 في المائة من الآبار غير مرخصة، وهو ما يعني أن السلطات والمؤسسات المعنية ليست لديها القدرة على التحكم في الفرشات الباطنية». وتظهر معطيات منشورة على الموقع الرسمي لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أن الزراعة ظلت عرضة على مدى عقود لآثار ندرة متزايدة في الموارد المائية، وذلك تحت التأثير المزدوج لفترات الجفاف المتتالية والطويلة، وارتفاع الطلب على الماء من طرف باقي القطاعات الاقتصادية. ومن أجل التغلب على التحدي المتمثل في إنتاج كميات أكبر من المنتجات الزراعية، باستعمال كميات أقل من الماء، بشكل مستدام وتنافسي، اعتمدت الوزارة سياسة طوعيّة لتعميم تقنيّات الري المقتصدة للماء، وتثمين مياه الري الزراعي من خلال اعتماد البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري. ويهدف هذا البرنامج إلى توسعة المساحة التي تُروى باستعمال تقنيات الري الموضعي لتصل إلى 550 ألف هكتار، فضلاً عن التوسع في الري عبر إقامة سدود، والذي يهدف إلى استحداث مناطق زراعية تتوفر فيها سبل الري، وتعزيز الري داخل النطاق الحالي على مساحة 130 ألف هكتار.



مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
TT

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)

لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم، وأُصيب أكثر من 250 مدنياً، جرّاء قصف الطيران الحربي السوداني لمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور، في عملية وصفها مراقبون بأنها «أكبر المجازر» ضد المدنيين، ارتكبها الطيران المقاتل التابع الجيش السوداني منذ بدء الحرب. وفي غضون ذلك لقي العشرات مصرعهم في غارات جوية أخرى استهدفت مناطق مليط وود أبو صالح شمال ولاية شمال دارفور، وأم ضوا بان بالخرطوم، وسط مطالبات بفرض حظر على الطيران العسكري التابع للجيش السوداني.

وقال شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» هاتفياً من مليط، إن الطيران الحربي، التابع للجيش السوداني، استهدف سوق منطقة الكومة صبيحة الجمعة، وألقى عدداً من «البراميل المتفجرة»؛ مما أدى إلى إحراق السوق بشكل واسع، وقُتل جرّاء الغارة الجوية أكثر من 60 شخصاً، وجُرح أكثر من 250 مدنياً، جراح بعضهم خطيرة؛ إذ كانوا يرتادون «سوق الجمعة»، في حين ينتظر أن يتزايد عدد القتلى تباعاً بين الجرحى، بسبب عدم وجود الرعاية الصحية والطبية.

ووصف شهود ما حدث في منطقة الكومة بأنها «مجزرة» غير معهودة، استهدفت عن قصد المدنيين المقيمين هناك، بسبب عدم وجود أي مشاهد أو تمركزات لـ«قوات الدعم السريع» في السوق المكتظة بالمدنيين، وقالوا إن السوق «كانت تشهد نشاطاً طبيعياً عندما استهدفها القصف الجوي فجأة ودون سابق إنذار؛ مما أسفر عن دمار واسع فيها، في حين تناثرت جثث القتلى في أرجائها».

وفي مدينة مليط، قال شهود عيان إن الطيران الحربي استهدف، الجمعة، أيضاً «حفل عرس»؛ ما أدى إلى مقتل نحو 13 شخصاً وجُرح آخرون، في عملية وُصفت هي الأخرى بأنها استهداف للمدنيين، حيث لا توجد عناصر لـ«قوات الدعم السريع» في المكان.

ويؤكد قادة الجيش دائماً أن العمليات الحربية الجوية تستهدف «قوات الدعم السريع»، لكن النشطاء وشهود عيان ينفون وجود هذه القوات، في حين تتصاعد دعوات بين مؤيدي الجيش وأنصاره من الإسلاميين وكتائبهم إلى استهداف ما يسمونه «الحواضن الاجتماعية» لـ«قوات الدعم السريع»؛ انتقاماً من انتهاكاته بوسط وشمال البلاد.

ونشر نشطاء على وسائط التواصل الاجتماعي قوائم بأسماء الضحايا، من النساء والأطفال وكبار السن، الذين كانوا يمارسون التسوق أو يعرضون سلعهم للبيع في السوق الأسبوعية، وبينهم زوجة وابنة شقيق عضو «مجلس السيادة الانتقالي» ومساعد قائد الجيش إبراهيم جابر.

ووجّهت قوى سياسية وحركات مسلحة وتنظيمات حقوقية انتقادات حادة لتصعيد العمليات الجوية للجيش السوداني في إقليم دارفور خصوصاً، وطالبت بفرض حظر للطيران الحربي في الإقليم. وقالت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) في بيان، السبت، إن سوق مدينة الكومة شهدت انتهاكاً مريعاً بحق المدنيين، جرّاء قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني؛ مما أدى إلى إزهاق أرواح عشرات القتلى ومئات الجرحى من الذين تصادف وجودهم في أثناء الغارة الجوية.

كما نددت «تقدم» بغارات جوية استهدفت مناطق أم ضو بان بالخرطوم، وود أبو صالح ومليط بولاية شمال دارفور، نتج عنها مقتل العشرات من المدنيين وجرح المئات.

وأبدت «تقدم» أسفها لما أطلقت عليه «استمرار الانتهاكات على المدنيين، وتكرارها بشكل ممنهج في مختلف أنحاء السودان»، ودعت إلى التذكير بـ«إعلان جدة الإنساني» الذي شدد على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم يُتوقع أن يسبب أضراراً مدنية عرضية مفرطة، مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. ودعت طرفي القتال إلى حقن دماء السودانيين والانخراط فوراً في مفاوضات لوقف الحرب.

من جهتها، وصفت القوى المدنية الدارفورية الغارة الجوية بأنها «واحدة من أبشع جرائم الحرب»، وقالت إن الطيران الحربي قصف مدينتي الكومة ومليط بوابل من الصواريخ والبراميل المتفجرة، والأسلحة المحرمة دولياً، مستهدفاً مناطق «مأهولة جداً بالسكان المدنيين»؛ مما خلّف عشرات القتلى والجرحى، إلى جانب قصف تجمع مدني في «سرادق عزاء» بمدينة مليط، راح ضحيته أكثر من 100 قتيل.

وناشد التجمع المدني المنظمات الحقوقية والإنسانية التدخل السريع والحاسم؛ لوضع حد لما سمّاه «جرائم جماعات الهوس الديني وطيران جيش الفلول، الذي بات سجله متخماً بالمذابح في حق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة»، مندداً بصمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة حيال الجرائم التي يرتكبونها، ومطالباً الأسرة الدولية بفرض حظر على الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، «الذي ظلّ يحصد أرواح المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء»، وفقاً للبيان.