السودان: «قوات الحلو» تستبق «الدعم» بتوسع جنوب كردفان

سيطرت على مدينة الدلنج... و«قوات البرهان» تغض الطرف

أطفال سودانيون نازحون يتنقلون في ولاية القضارف أواخر الشهر الماضي (أ.ف.ب)
أطفال سودانيون نازحون يتنقلون في ولاية القضارف أواخر الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

السودان: «قوات الحلو» تستبق «الدعم» بتوسع جنوب كردفان

أطفال سودانيون نازحون يتنقلون في ولاية القضارف أواخر الشهر الماضي (أ.ف.ب)
أطفال سودانيون نازحون يتنقلون في ولاية القضارف أواخر الشهر الماضي (أ.ف.ب)

في تطور لافت، دخلت قوات من «الجيش الشعبي» التابع لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال (بقيادة عبد العزيز الحلو)»، مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان وانتشرت فيها. ونقلت تقارير محلية أن سكان المدينة استقبلوا القوات بحفاوة، بينما غضت قوة من الجيش السوداني التابع لرئيس «مجلس السيادة» عبد الفتاح البرهان، الموجودة في المدينة، الطرف عن دخول قوات «الجيش الشعبي»، وذلك بعد اجتياح قوات «الدعم السريع» منطقة هبيلا الزراعية بالولاية (شرق الدلنج).

وتمثل خطوة دخول قوات من «الجيش الشعبي» إلى مدينة الدلنج وسط عدم ممانعة من الجيش، متغيراً في التحالفات بجنوب كردفان؛ إذ انخرطت تلك القوات؛ التي يشار إليها كذلك باسم «قوات عبد العزيز الحلو»، في حرب طويلة مع الجيش السوداني، ورفضت الانخراط في اتفاق سلام مع الحكومة، وتقيم بؤرة انفصالية في منطقة كاودا الجبلية الحصينة (جنوب كردفان) وتدير حكومة وتطلق على نطاق نفوذها اسم «المنطقة المحررة».

وقبيل وصول عناصر «الجيش الشعبي» إلى مدينة الدلنج، كانت قوات «الدعم السريع» سيطرت على منطقة هبيلا الزراعية الاستراتيجية (شرق الدلنج)، وبات متوقعاً تقدمها إلى الدلنج التي تضم قوات من الجيش الرسمي للبلاد، غير أن مقاتلي «الشعبي» استبقوا وصول «الدعم» إلى المدينة.

وتأسس «الجيش الشعبي لتحرير السودان» من شخصيات داعمة لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق في الحرب بين الحكومة السودانية والقوات الجنوبية. وبعد انفصال جنوب السودان تبقت الفرقتان «التاسعة»، و«العاشرة» في السودان، ودخلتا في حرب جديدة مع الجيش السوداني في عام 2011، وسيطرتا على منطقة كاودا الجبلية الحصينة، وشكلتا حكومة انفصالية، وأطلقتا على محيط نفوذهما «المنطقة المحررة».

واستمرت الحرب بين «الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال»، والجيش السوداني، حتى سقوط نظام الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بيد أنها لم توقع اتفاق سلام مع الحكومة، أسوة بالمجموعة التي انشقت عنها بقيادة نائب رئيس «مجلس السيادة الانتقالي» الحالي مالك عقار، الذي وقع «اتفاقية جوبا» لسلام السودان عام 2020 مع الحكومة الانتقالية.

ونقلت تقارير محلية عن مصادر عسكرية لم تسمها أن «قوات (الجيش الشعبي) انتشرت في المدينة، بينما تحفظ الجيش على قائد لواء في الدلنج للاشتباه في تعاونه مع (الدعم السريع)، والتسبب في سقوط منطقة هبيلا الزراعية التابعة للولاية».

ونقلت حسابات على منصات التواصل الاجتماعي إفادات ومقاطع عن سكان محليين في الدلنج وغضبهم واتهامهم القيادة العسكرية بالمنطقة بتسليم منطقة هبيلا الزراعية الشهيرة إلى «الدعم السريع».

كما جرى تداول فيديو لضابط بالجيش السوداني وهو يحث الجنود على «تجنب الفتن والالتزام بقومية الجيش»، مندداً بـ«مغادرة أعداد من جنوده الثكنات، تجنباً لغدر قد يلحق بهم».

في غضون ذلك، أعلن حاكم ولاية القضارف السودانية، محمد عبد الرحمن محجوب، اليوم الأحد، تسليح جميع مواطني الولاية من أجل التصدي لزحف «قوات الدعم السريع». وذكرت «وكالة السودان للأنباء» أن الوالي دعا المواطنين أيضاً، في كلمة أمام تجمع شعبي دعماً للقوات المسلحة، إلى «استخراج أسلحتهم ومركباتهم الخاصة المقننة وغير المقننة من ذات الدفع الرباعي لحماية الأرض والعرض والقتال حتى آخر جندي ومستنفر».

وأكد محجوب أنه لا تفاوض مع «الدعم السريع» والأحزاب الداعمة لها، كما دعا إلى «أخذ الحيطة والحذر من المتربصين والمرتزقة المرجفين عبر نشر الخلايا الأمنية بالأحياء كافة».

على صعيد آخر، رهنت وزارة الخارجية السودانية الوصول لوقف إطلاق النار وبدء عملية سلام شاملة مع «قوات الدعم السريع» بالتزامها بتنفيذ «إعلان جدة» الإنساني والالتزامات التالية له؛ بما في ذلك «الانسحاب من المدن وإخلاء ولاية الجزيرة».

ووجهت «الخارجية» السودانية انتقادات حادة للجولة الأفريقية التي يقوم بها «قائد الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وعدّتها «حملة دعائية كاذبة» القصد منها «محاولة إعادة تسويق (الميليشيا)».

وقالت «الخارجية»، في بيان صحافي حصلت عليه «الشرق الأوسط» (الأحد)، إن «جولة (حميدتي) الأفريقية وخارجها حملة دعائية كاذبة لمحاولة إعادة تسويق قيادة الميليشيا الإرهابية»، التي وصفتها بأنها «مسؤولة عن أسوأ انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في القارة، منذ الإبادة الجماعية في رواندا».

وعدّت أن «إعلان حميدتي استعداده لإقرار وقف إطلاق نار عبر (إعلان أديس أبابا) مع (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية - تقدم) جاء مع مجموعة سياسية سودانية مؤيدة له أصلاً».

وجددت «الخارجية»، باسم الحكومة، الالتزام بتحقيق السلام، على النحو الذي أكده رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في منطقة جبيت بشرق السودان السبت الماضي، والذي رفض خلاله «أي مجال للصلح أو الاتفاق» مع «الدعم السريع»، قاطعاً بأن «تعامل الجيش سيكون معهم في الميدان، وسيقاتلون حتى تدمير العدو وينتهون منه، أو ينتهي منهم».


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تسيطر على أكبر حقل نفطي في السودان

المشرق العربي أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)

«الدعم السريع» تسيطر على أكبر حقل نفطي في السودان

سيطرت «قوات الدعم السريع»، التي تخوض حرباً ضد الجيش السوداني، على أكبر حقل نفطي في البلاد يقع في إقليم كردفان، على الحدود مع دولة جنوب السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا تقف نساء نازحات من الفاشر في طابور لتلقي مساعدات غذائية في مخيم العفّاد الذي أُنشئ حديثاً في الدبّة بولاية شمال السودان (أ.ب) play-circle

«الصحة العالمية»: مقتل أكثر من 100 في هجمات على روضة أطفال ومستشفى بالسودان

 قالت «منظمة الصحة العالمية» اليوم الاثنين إن أكثر من 100 شخص، من بينهم عشرات الأطفال، قُتلوا في هجمات على روضة أطفال في السودان.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)

ما نعرفه عن المعارك الضارية في منطقة كردفان السودانية

تشهد منطقة كردفان الاستراتيجية في السودان قتالاً عنيفاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع» التي شجعها تقدّمها في إقليم دارفور، وسيطرتها الكاملة عليه.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان)
شمال افريقيا أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)

«الدعم السريع» تسيطر على أكبر حقل نفطي في السودان

سيطرت «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش السوداني، يوم الاثنين، على أكبر حقل نفطي في البلاد يقع في إقليم كردفان، على الحدود مع جنوب السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
العالم العربي جامعة الدول العربية تندد باستمرار ما وصفته بـ«الجرائم البشعة والانتهاكات الجسيمة» للقانون الدولي في السودان (رويترز)

«الجامعة العربية» تندد بالهجمات في السودان وتدعو لتحقيقات مستقلة ومحاسبة الجناة

نددت جامعة الدول العربية اليوم الأحد باستمرار ما وصفته بـ«الجرائم البشعة والانتهاكات الجسيمة» للقانون الدولي في السودان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كيف ترى القاهرة مقترح لقاء السيسي - نتنياهو؟

صورة أرشيفية للقاء سابق جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك (الرئاسة المصرية)
صورة أرشيفية للقاء سابق جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك (الرئاسة المصرية)
TT

كيف ترى القاهرة مقترح لقاء السيسي - نتنياهو؟

صورة أرشيفية للقاء سابق جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك (الرئاسة المصرية)
صورة أرشيفية للقاء سابق جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك (الرئاسة المصرية)

بينما تتردد أحاديث إعلامية عن مساع أميركية لقيادة مبادرة تهدف لعقد لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد مصدران مسؤولان في مصر أن القاهرة لم تتلق حتى الآن أي اتصالات من جانب الإدارة الأميركية بهذا الصدد.

وكان موقع «أكسيوس» قد نقل عن مسؤول أميركي وآخر إسرائيلي، الأحد، أن «البيت الأبيض يسعى إلى التوسط لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو اللذين لم يتواصلا علناً منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكثر من عامين».

لكنّ المصدرين المصريين، اللذين طلبا عدم ذكر اسميهما، قالا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «المسؤولون في القاهرة قرأوا عن تلك المبادرة في الإعلام، لكن لم يحدث أي تواصل أميركي - مصري في هذا الشأن حتى هذه اللحظة».

وشددا في الوقت ذاته على أن مصر «تحترم علاقاتها الرسمية مع كل الدول بما فيها إسرائيل، لكن الاتصالات واللقاءات على مستوى الرئاسة تخضع لتقدير الدولة المصرية وأجهزتها، لما في ذلك من فائدة للأمن القومي للبلاد ومصالحها ومواقفها فيما يخص القضايا المثارة على الساحة».

وشرح المصدران أن القاهرة ترى أن أي لقاء للسيسي مع نتنياهو مرهون بممارسات إسرائيل وسياستها بشأن حل القضية الفلسطينية «والتوقف تماماً ونهائياً عن أي حديث لتهجير الفلسطينيين، لما في ذلك من تصفية للقضية الفلسطينية، وتهديد مباشر للأمن القومي المصري».

وأشارا إلى ما صدر في إسرائيل في الآونة الأخيرة من تصريحات تفيد بفتح معبر رفح أمام خروج أهل غزة نحو مصر، وهو ما أغضب القيادة السياسية المصرية بشدة، ودفع هيئة الاستعلامات في القاهرة إلى إصدار نفي له، والتأكيد على أن فتح المعبر لن يكون إلا في الاتجاهين، بحيث يسمح بالدخول والخروج من غزة وليس الخروج فحسب.

معبر رفح البري مفتوح من الجانب المصري في أغسطس الماضي (الشرق الأوسط)

وقال أحد المصدرين: «هناك فرق شاسع بين كون مصر وجهت الدعوة لنتنياهو لحضور قمة السلام في شرم الشيخ، التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزعماء من عدة دول، وشهدت توقيع اتفاق إنهاء الحرب في غزة، وكون الرئيس السيسي يقبل بلقاء رئاسي طبيعي مع نتنياهو؛ لأن حضور نتنياهو لقمة شرم الشيخ كان سيعني موافقة رسمية إسرائيلية على الاتفاق الذي تم في القمة، ويتضمن عدم الحديث عن تهجير الفلسطينيين، لكن اللقاء الرئاسي الطبيعي دون التزام إسرائيلي بهذا الأمر لا تفضله مصر إلا بعد حل الأمور العالقة».

وكان من المقرر أن يحضر نتنياهو «قمة السلام» الخاصة بغزة في مدينة شرم الشيخ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي كان قد جرى تنسيقها بدعم من الرئيس الأميركي، إلا أن الرئاسة المصرية قالت في بيان حينها إن «نتنياهو لن يشارك في القمة، بسبب الأعياد الدينية».

صفقة الغاز

وفي تقريره، نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن على نتنياهو الموافقة أولاً على صفقة غاز استراتيجية مع مصر، واتخاذ خطوات أخرى تشجع الرئيس المصري على القبول بعقد لقاء.

وعدّ المسؤول الأميركي الذي استشهد التقرير بحديثه أن هذه «فرصة كبيرة لإسرائيل... إذ إن بيع الغاز لمصر سيخلق حالة من الاعتماد المتبادل، ويقرّب بين البلدين، ويؤسس لسلام أكثر دفئاً، ويمنع الحرب».

إلا أن المصدرين المصريين أكدا أن القاهرة «تفصل تماماً في علاقاتها بالدول بين ما هو سياسي وما دون ذلك من أمور اقتصادية أو غيرها، وأن مسألة صفقات الغاز أو غيرها من الأمور التجارية تحكمها المصالح المتبادلة، ولا تقبل مصر باستخدامها في إطار المواءمات السياسية».

لقطة لخيام تؤوي نازحين فلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة الشهر الحالي (أ.ف.ب)

ومنذ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979، لم تشهد العلاقات بين البلدين توتراً مثل الحادث حالياً بسبب الحرب في غزة؛ خصوصاً بعد احتلال إسرائيل محور «فيلادلفيا» المحاذي للحدود المصرية بالمخالفة لمعاهدة السلام، ثم نقضها اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير (كانون الثاني) الماضي بوساطة القاهرة، واستئنافها الحرب وقطع المساعدات للقطاع، ثم احتلالها محور «موراج»، والترتيب لبناء مدينة خيام للغزيين قرب حدود مصر.

هذا فضلاً عن احتلال القوات الإسرائيلية معبر رفح من الجانب الفلسطيني وحصار القطاع، وكذا محاولة تل أبيب إلقاء اللوم على مصر في حصار وتجويع الشعب الفلسطيني وترديد ذلك في الإعلام العبري، وسماح السلطات الإسرائيلية لبعض الأشخاص بتنظيم مظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب «للتنديد بدور مصر» المزعوم في حصار الغزيين، وهو الأمر الذي أغضب القاهرة بشدة ودفعها لإصدار بيانات رسمية تدينه.

وتصاعدت المناوشات الإعلامية بين الطرفين من حين لآخر خلال الفترة الماضية.

ولم تعتمد القاهرة أوراق سفير جديد لإسرائيل منذ انتهاء مدة السفيرة الإسرائيلية السابقة في الربع الأول من عام 2024؛ كما استدعت مصر سفيرها من إسرائيل قبل عدة أشهر، ولم يعد إلى هناك حتى الآن.

وتجدر الإشارة إلى أن مصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» في أغسطس (آب) الماضي إن «القاهرة لا تتفاعل مع أي اتصالات مع إسرائيل على مستوى الرئاسة ولا الحكومة ولا الخارجية»، وإن الاتصالات تقتصر على ما يتعلق بالوفود الأمنية بشأن وساطة غزة، أو التنسيق الأمني المنصوص عليه في اتفاقية السلام.


تجدد التوتر الأمني في الزاوية الليبية وسط صمت «الوحدة»

الدبيبة وتكالة خلال فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد (مجلس الدولة)
الدبيبة وتكالة خلال فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد (مجلس الدولة)
TT

تجدد التوتر الأمني في الزاوية الليبية وسط صمت «الوحدة»

الدبيبة وتكالة خلال فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد (مجلس الدولة)
الدبيبة وتكالة خلال فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد (مجلس الدولة)

التزمت حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة الصمت حيال عودة التوتر الأمني إلى مدينة الزاوية، الواقعة غرب العاصمة طرابلس، بعد تجدد الاشتباكات بين بعض الميليشيات المسلحة.

وحسبما نقلت وسائل إعلام محلية عن شهود عيان، فقد سمعت أصوات إطلاق النار، بينما أغلقت سواتر ترابية الطريق، وأشعل مسلحون النار في إطارات السيارات لإغلاق كوبري الخضرة بالمدينة، فيما سيطرت حالة من الرعب على الأهالي، إثر تجمع عدد من السيارات المسلحة. وأكد أسامة علي، المتحدث باسم جهاز الإسعاف، إغلاق الطريق الساحلي، مما تسبب في شلل حركة المرور في المنطقة.

كانت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا قد وثَّقت وفاة طفل متأثراً بإصابته جراء أعمال العنف والاشتباكات، التي شهدتها منطقة الحرشة بمدينة الزاوية الخميس الماضي، على خلفية مقتل أحد عناصر «الكتيبة 103»، المعروفة باسم «السلعة»، والخاضعة لإمرة عثمان اللهب، إثر تعرض رتل تابع للكتيبة لإطلاق نار في أثناء مروره بالطريق الساحلي.

وتتجدد الاشتباكات في الزاوية بسبب تنافس الميليشيات المحلية على النفوذ، وطرق تهريب الوقود والمهاجرين، إضافةً إلى صراعات انتقامية مرتبطة بالاعتقالات، في ظل غياب سلطة أمنية موحّدة.

وتعد الزاوية، الواقعة على بُعد 45 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس، موقعاً استراتيجياً يضم الميناء والمصفاة والطريق الساحلي، مما يجعل السيطرة عليها هدفاً اقتصادياً وسياسياً للتشكيلات المسلحة، المرتبطة اسماً بالحكومة، لكنها تعمل فعلياً باستقلالية، الأمر الذي يفاقم هشاشة الأمن، ويهدد حركة الطريق والمصفاة بشكل متكرر.

رئيس حكومة «الوحدة» لم يعلق على التطورات الأمنية في الزاوية (الوحدة)

ولم يعلق رئيس حكومة «الوحدة»، عبد الحميد الدبيبة، أو أجهزتها العسكرية والأمنية، على هذه التطورات، لكنه ناقش الثلاثاء في طرابلس مع السفير السويسري، جوزيف رينقلي، المواضيع التي تهم البلدين، إلى جانب مستجدات العملية السياسية، في إطار الجهود الرامية لدعم الاستقرار وتعزيز المسار السياسي.

كما دعا الدبيبة خلال حضوره فعاليات اليوم العالمي لمكافحة الفساد، التي نظمتها هيئة الرقابة الإدارية، إلى درس مواطن الخلل في الموازين والأنظمة الإدارية، ومراجعة الإجراءات التي تؤدي إلى انتشار الفساد، وصياغة المقترحات اللازمة لتعديلها، واعتماد معايير جديدة لاختيار القيادات الإدارية. وشدد على أهمية توحيد الجهود الوطنية، ونبذ المصالح الشخصية والانصياع لأجندات تعرقل بناء الوطن، لتحقيق إرادة الشعب الليبي، وطموحاته في حياة كريمة وتنمية مستدامة.

تكالة رأى أن «الدولة الليبية تدرك تماماً أن مكافحة الفساد باتت ضرورة وطنية» (الوحدة)

من جانبه، رأى رئيس مجلس الدولة محمد تكالة، الذي شارك برفقة نائبيه الأول والثاني في هذه الفعاليات، أن «الدولة الليبية التي تشق طريقها نحو الاستقرار تدرك تماماً أن مكافحة الفساد ضرورة وطنية، وأحد أهم ركائز دولة القانون والحكم الرشيد». مؤكداً أن مكافحة الفساد تتحقق من خلال تكامل الأدوار بين السلطات التشريعية والتنفيذية والرقابية، وبمشاركة فاعلة من مؤسسات المجتمع المدني، وإرساء قيم النزاهة في الوسط الاجتماعي والتربوي والإعلامي.

وأكد تكالة دعم المجلس الكامل لكل الجهود الرامية إلى مواجهة الفساد ومكافحته بجميع أشكاله، وتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة، وتمكين مؤسسات الدولة من أداء أدوارها الرقابية بكفاءة.

صورة وزعها سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا بمناسبة إطلاق برنامجه لمكافحة الفساد

في المقابل، قال نيكولا أورلاندو، سفير الاتحاد الأوروبي، الذي شارك في إطلاق المرحلة الجديدة من برنامج الاتحاد «بناء قدرات ليبيا الوطنية لمنع ومكافحة الفساد وغسيل الأموال»، الذي ينفذه مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، إن «الفساد في أي مكان يفاقم عدم المساواة، ويحرم المواطنين من فرصهم، ويضعف السيادة في نهاية المطاف».

وأعرب عن فخره بدعم الاتحاد الأوروبي للمؤسسات الليبية في تعزيز النزاهة والشفافية، والاستخدام المسؤول للثروة العامة، مما يسهم في بناء دولة مسؤولة يثق بها المواطنون.

صورة وزعتها السفارة الأميركية لاجتماع القائم بأعمالها مع رئيس ديوان المحاسبة

بدورها، قالت السفارة الأميركية إن القائم بأعمالها، جيريمي برنت ناقش، في طرابلس مع رئيس ديوان المحاسبة الليبي، خالد شكشك، أهمية الحوكمة المالية الشفافة والمؤسسات الرقابية القوية لدعم استقرار ليبيا وقدرتها على المنافسة وازدهارها، مشيرةً إلى «التزام الولايات المتحدة بالشراكة مع المؤسسات التكنوقراطية في ليبيا».

ورأى برنت، خلال لقائه ممثلي عدد من الشركات الأميركية العاملة في ليبيا، خلال الاحتفال بعيد استقلال الولايات المتحدة في طرابلس، ما وصفها بإمكانات حقيقية لتوسيع الفرص التجارية الأميركية، بما يعزز ازدهار البلدين.


من «المبادرات» إلى «الحوارات»... ليبيا تدور في دوامة المفاوضات «بحثاً عن حل»

عبد الحميد الدبيبة رئيس «الوحدة» مستقبلاً المبعوثة الأممية إلى ليبيا (مكتب الدبيبة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس «الوحدة» مستقبلاً المبعوثة الأممية إلى ليبيا (مكتب الدبيبة)
TT

من «المبادرات» إلى «الحوارات»... ليبيا تدور في دوامة المفاوضات «بحثاً عن حل»

عبد الحميد الدبيبة رئيس «الوحدة» مستقبلاً المبعوثة الأممية إلى ليبيا (مكتب الدبيبة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس «الوحدة» مستقبلاً المبعوثة الأممية إلى ليبيا (مكتب الدبيبة)

تتأرجح الأزمة الليبية داخلياً وخارجياً، بين إبرام مبادرات وعقد حوارات، بحثاً عن حل ينهي تعقيدات المشهد الراهن، وذلك منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي. ويأتي ذلك وسط ترقب لإعلان البعثة الأممية عن أسماء المشاركين في «الحوار المُهيكل».

و«الحوار المُهيكل» هو جزء من «خريطة الطريق»، التي قدمتها البعثة إلى مجلس الأمن في أغسطس (آب) الماضي، ومن المفترض أن تُعلن أسماء المشاركين فيه الذين يتكونون من 120 عضواً في 14 من الشهر الحالي.

ويهدف الحوار - بحسب البعثة الأممية - إلى «توسيع نطاق شمول العملية السياسية، من خلال جمع الليبيين والليبيات من المناطق والتوجهات السياسية والثقافية والمجتمعية كافة».

ومبكراً، اتجه ملف الأزمة إلى مدينة غدامس الليبية، مع نهاية ولاية المبعوث الأممي الثالث طارق متري، السياسي والأكاديمي ووزير الإعلام اللبناني الأسبق. ومع تسلّم الإسباني برناردينو ليون، المبعوث الرابع، مهمته في أغسطس (آب) 2014، انطلقت جولات الحوار الليبي فيما عُرف بـ«غدامس1» مع نهاية سبتمبر (أيلول).

وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، انعقد حوار «غدامس2»، غير أنه فشل في التوصل إلى تسوية، فانتقل الملف سريعاً إلى جنيف منتصف يناير (كانون الثاني) عام 2015 في جولتين سريعتين لم يفصل بينهما إلا 10 أيام، لتتوالى منذ التاريخ المبادرات والحوارات في الداخل والخارج.

«مبادرات تدور في دوائر مغلقة»

يرى خالد الترجمان، المحلل السياسي الليبي ورئيس «مجموعة العمل الوطني»، أن «البعثة الأممية والدول المهيمنة على المشهد السياسي لا تريد لليبيا الوصول إلى الانتخابات الرئاسية والنيابية». وقال إن البلاد شهدت «طرح كثير من المبادرات التي تدور في دوائر مغلقة، والتي لا تبدأ من حيث انتهى الآخرون؛ لكنها تكرر ما سبق».

يرى خالد الترجمان أن «البعثة الأممية والدول المهيمنة على المشهد السياسي لا تريد لليبيا الوصول إلى الانتخابات (المفوضية)

وأضاف الترجمان في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن ليبيا «مرّت بأكثر من عشرة حوارات رعتها الأمم المتحدة دون جدوى؛ وراهناً تتحدث البعثة عن الحوار المُهيكل؛ وهي تسمية جديدة طرحتها البعثة».

ووجه الترجمان انتقادات للحوار المرتقب لجهة أعداد المشاركين فيه، متسائلاً: «هل سيقود هذا الحوار ليبيا إلى عقد الانتخابات في عام 2026؟».

ويأتي موعد الإعلان عن انطلاق الحوار المُهيكل قبيل الإحاطة، التي من المقرر أن تقدمها المبعوثة الأممية هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الدولي في 19 ديسمبر الحالي. وقال مصدر مقرب من البعثة إنها «تعمل وفق ما يقترحه الليبيون لمساعدتهم على عقد الاستحقاق العام، وفق (خريطة الطريق) السياسية المعلنة».

وسبق أن أوضحت البعثة الأممية أن «(الحوار المُهيكل) ليس هيئة لصنع القرار بشأن اختيار حكومة جديدة؛ بل سيُعنى بالتوصل إلى توصيات ملموسة لتهيئة بيئة مواتية للانتخابات، ومعالجة التحديات المُلحة في مجالات الحوكمة والاقتصاد والأمن».

ورأت البعثة أن هذه الخطوة تأتي «من خلال دراسة وتطوير مقترحات سياسية وتشريعية لمعالجة دوافع الصراع الطويل الأمد؛ ويهدف إلى بناء توافق في الآراء حول رؤية وطنية، تُشكّل مسار الاستقرار في ليبيا».

الفرصة الأخيرة

يقول الناشط السياسي الليبي، جمال السعداوي، إن «المسارات باتت واضحة أمام جميع الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي»، مشيراً إلى أن البعثة «سبق أن أوضحت بشكل لا يحتمل الالتباس أن الفترة الفاصلة بين الإعلان عن الحوار والإحاطة ستكون الفرصة الأخيرة أمام مجلسي النواب و(الدولة) لإنجاز المهام المنوطة بها».

وتتمحور هذه المهام - وفق السعداوي - حول الاتفاق على إعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات، بما يضمن نزاهة الإشراف، وتعديل القوانين المُنظمة للمسار الانتخابي، بالإضافة إلى تقديم تصور وطني متوافق حول هيكلة الحكومة القادمة.

من جلسة سابقة لمجلس الأمن حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

وفي حال تمكّن مجلسا النواب و«الدولة» من إنجاز هذه الخطوات قبل 19 ديسمبر الحالي، فإن حق تشكيل الحكومة سيُمنح لهما دعماً لمبدأ الملكية الليبية للحل. أما إذا تعذّر الوصول إلى توافق واضح قبل الإحاطة، فقد أكدت البعثة أنها ستتوجه إلى مجلس الأمن للحصول على تفويض مباشر لتشكيل «لجنة وطنية دولية مشتركة»، تتولى العمل على الإجراءات نفسها، التي من شأنها المساعدة في إجراء الانتخابات.

وتعد محطة «الصخيرات» بالمغرب، التي وصلت إليها الأزمة الليبية، «الأهم والأخطر». فمع نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وقّع الأفرقاء في البلاد على اتفاق سياسي، برعاية أممية، لتبدأ منذ ذلك التاريخ فترة من «عدم التوافق» بين ما وُصف بمعسكري غرب وشرق ليبيا، حول «مخرجات اتفاق الصخيرات».

فرصة الليبيين للمشاركة

لا يزال الجدل يسبق الإعلان عن أسماء المشاركين في الحوار المُهيكل، إذ أعلنت ليلى سويسي، رئيسة المجلس الوطني الأعلى للمرأة الليبية، اعتذارها عن جميع الترشيحات التي دُفع بها للمشاركة في الحوار المرتقب.

وأرجعت سويسي في تصريح صحافي عبر صفحتها على «فيسبوك» هذا الاعتذار عن المشاركة «لتعدد مسؤولياتها وانشغالاتها العملية خارج ليبيا خلال الفترة المقبلة»، ورأت أن ذلك «يجعل التزامي الكامل مستحيلاً؛ والمسؤولية عندي موقف قبل أن تكون حضوراً».

من اجتماع سابق لمجلس النواب الليبي (المجلس)

ويرى سياسي ليبي، مرشح للمشاركة في الحوار، أن البعثة الأممية «تسعى للبحث عن حل يأتي من الليبيين أنفسهم وليس من الخارج». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أمام الليبيين الوطنيين فرصة لتجاوز سلبيات الاتفاقات الماضية، من خلال المناقشات والأطر التي تفيد المسار الديمقراطي».

ويتميز «الحوار المُهيكل» عما سبقه من مبادرات وحوارات رعتها الأمم المتحدة بأنه يمنح فرصة أمام الجمهور الليبي للمشاركة.

وكانت البعثة قد وعدت بتوفير «فرص متنوعة» لتقديم مساهماتهم والتفاعل مع القضايا، التي تُناقش على طاولة الحوار، بما في ذلك من خلال استطلاعات الرأي عبر الإنترنت، والاجتماعات الحضورية والافتراضية.