حميدتي في كيغالي... والخرطوم تستدعي سفراء احتجاجاً على استقباله

الطيران يقصف ود مدني بالبراميل المتفجرة ويصيب مدنيين ويدمر منازل

TT

حميدتي في كيغالي... والخرطوم تستدعي سفراء احتجاجاً على استقباله

حميدتي لدى وصوله إلى العاصصمة الرواندية كيغالي الجمعة (حسابه على منصة «إكس»)
حميدتي لدى وصوله إلى العاصصمة الرواندية كيغالي الجمعة (حسابه على منصة «إكس»)

تواصلت زيارات قائد قوات «الدعم السريع» إلى دول أفريقية، لتحط طائرته في العاصمة الرواندية كيغالي، قادماً من جنوب أفريقيا. وهي سادس محطة أفريقية له بعد كمبالا (أوغندا) وأديس أبابا (إثيوبيا) ونيروبي (كينيا) وجيبوتي، ما دفع الخارجية السودانية إلى استدعاء سفيريها في كل من كمبالا ونيروبي، احتجاجاً على استقبال رؤساء تلك الدول لقائد «الدعم السريع» رسمياً. ويتوقع أن تمتد جولة حميدتي إلى بلدان أفريقية وعربية أخرى.

من جهتها، استدعت الخارجية السودانية، يومي الخميس والجمعة، سفيريها في كل من نيروبي وكمبالا، احتجاجاً على الاستقبال الرسمي لقائد قوات «الدعم السريع» في البلدين. وقالت الخارجية في بيانين منفصلين إن استقبال حميدتي في العاصمتين كان استقبالاً رسمياً. ونقل البيانان عن وزير الخارجية المكلف علي الصادق، أنه استدعى سفيري السودان في نيروبي وكمبالا للتشاور، احتجاجاً على الاستقبال الرسمي لقائد «الميليشيا». وقال الصادق إن نيروبي وكمبالا تناسيتا ما أطلق عليه «الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها قواته المحلولة، والدمار الذي ألحقته بالبنى التحتية ومقدرات البلاد وممتلكات المواطنين»، وإن المشاورات مع السفير السوداني في نيروبي ستتناول «كلّ الاحتمالات لمآلات علاقات السودان مع كينيا، التي ظلّت منذ اندلاع الحرب الغادرة في البلاد، توالي التمرد وتستضيف قادته وداعميه، فضلاً عن التآمر مع القوى الإقليمية المعادية ضد السودان».

واستقبل حميدتي استقبالات رسمية في كل من كمبالا وأديس أبابا ونيروبي وبريتوريا. وتناقلت منصات التواصل الاجتماعي السودانية أن رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، استقبل حميدتي استقبالاً رسمياً. ونقلت صفحة الرئاسة في جنوب أفريقيا عن رامافوزا أنه استقبل حميدتي بصفته «الرئيس محمد حمدان دقلو»، قبل أن تعود وتعدلها إلى قائد قوات «الدعم السريع».

اشتباكات ونهب وبراميل متفجرة

وفي ود مدني، عززت قوات «الدعم السريع» قواتها حول «الفرقة الأولى - مشاة» وقصر الضيافة وأمانة الحكومة، بينما انسحبت أعداد كبيرة من القوات من الأحياء السكنية في المدينة إلى خارجها، في اتجاه حدود ولاية الجزيرة مع ولاية سنار، وذلك وفقاً لشهود عيان، وقال سكان في قرى شرق ولاية الجزيرة إن قوات من «الدعم السريع» حاولت لليوم الثالث على التوالي الدخول إلى القرى ليلاً، لكن المواطنين تصدوا لها وصدوها، بعد أن تجمهروا في الطرقات ومداخل القرى والبلدات، فيما هاجم رجال سيارات ودراجات بخارية في قرى أم عليلة ومدينة رفاعة، ونهبوا سيارات بعض المواطنين.

آثار المعارك على أحد شوارع مدينة ود مدني (أ.ف.ب)

وقال شهود عيان تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إن الطيران الحربي شن هجمات عنيفة على مدينة ود مدني، وألقى عدداً من البراميل المتفجرة، سقط ثلاثة منها في حي الدباغة، شمال مدينة ود مدني، في منزل أحد المواطنين، ومبنى بالقرب من نادي الشعلة، وآخر قرب فندق إمبريال، وسقطت براميل متفجرة أخرى في أحياء المدينة، ما أدى لمقتل شخص واحد وإصابة امرأة على الأقل، ولم تصدر إحصائيات دقيقة عن حجم الإصابات.

وتسيطر قوات «الدعم السريع» على ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني، منذ منتصف الشهر الماضي، بعد انسحاب الجيش من مقر «الفرقة الأولى - مشاة». وقال الجيش إنه يجري تحقيقاً مع قائد الفرقة اللواء أحمد الطيب لمعرفة ملابسات انسحاب قواته وتسليم المدينة لـ«الدعم السريع». ولم يتم الإعلان عن نتائج هذا التحقيق بعد.

كر وفر في أمدرمان

وفي العاصمة الخرطوم، حلق الطيران الحربي في مدن الولاية الثلاث، خصوصاً وسط الخرطوم. وقالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش أحرز تقدماً على الأرض في مناطق بأمدرمان، فيما نقل شهود للصحيفة أن مناطق «أم بدة» غرب أمدرمان، ومناطق الحارات الغربية في شمال أمدرمان، شهدت اشتباكات عنيفة بين الجيش و«الدعم السريع»، منذ مساء أمس وحتى ظهر اليوم الجمعة، فيما قال مواطنون إنهم سمعوا أصوات اشتباكات متقطعة حول قيادة سلاح المدرعات جنوب الخرطوم. وتشهد مناطق عدة في أمدرمان انقطاع المياه منذ ثلاثة أشهر، وعدم استقرار التيار الكهربائي، وشكا مواطنون من ندرة السلع الغذائية والخضار، وبات مئات الآلاف مهددين بالجوع.

الدخان يتصاعد في مدينة أمدرمان جراء عمليات القصف (رويترز)

وقال شاهد للصحيفة إن منطقة شمال أمدرمان المعروفة بمحلية كرري تعيش أوضاعاً سيئة منذ 5 أيام، واستمر تبادل القصف حولها بين الجيش المتمركز في شمال منطقة كرري العسكرية، وقوات «الدعم السريع» المتمركزة في جنوبها، ما أدى لانقطاع المياه، الأمر الذي يضطر المواطنين للمخاطرة بجلبها من النيل مباشرة وسط القصف.

وظل الجيش يسيطر على المناطق الشمالية من أمدرمان، التي لم يغادرها معظم سكانها، وزادت كثافتها السكانية أخيراً بفرار المواطنين من المناطق الأخرى إليها، وتزايدت عمليات النزوح إلى المنطقة بعودة بعض النازحين إليها، لا سيما بعد سيطرة «الدعم السريع» على مدينة ود مدني وولاية الجزيرة.


مقالات ذات صلة

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

شمال افريقيا الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

أصدر قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، السبت، أوامر مشدّدة لقواته بحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي صورة نشرها الموفد الأميركي على «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف

«متحالفون» تدعو الأطراف السودانية لضمان مرور المساعدات

جدّدت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام بالسودان» دعوتها الأطراف السودانية إلى ضمان المرور الآمن للمساعدات الإنسانية المنقذة لحياة ملايين المحتاجين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

يلقى النزاع في السودان جزءاً ضئيلاً من الاهتمام الذي حظيت به الحرب في غزة وأوكرانيا، ومع ذلك فهو يهدد بأن يكون أكثر فتكاً من أي صراع آخر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو خلال مؤتمر صحافي في جنيف 12 أغسطس (إ.ب.أ)

المبعوث الأميركي يحذر من تمديد الحرب في السودان إقليمياً

حذر المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو من احتمالات اتساع رقعة الحرب في السودان لتهدد دول الإقليم، وحمّل استمرار الحرب لـ«قوى سياسية سلبية» في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
أفريقيا وزير الصحة السوداني يبحث تنفيذ الاشتراطات الصحية لدخول مصر (الصحة السودانية)

تجاوب سوداني مع اشتراطات مصرية جديدة لدخول البلاد

أعلنت وزارة الصحة السودانية «ترتيبات الخدمات الخاصة بتوفير الاشتراطات الصحية لتصاريح السفر، من بينها توفير لقاحات شلل الأطفال لجميع الأعمار».

أحمد إمبابي (القاهرة )

خلاف الجزائر وفرنسا الجديد حول الصحراء يعقّد أكثر حلّ قضايا الذاكرة

الخلاف الجديد بين الجزائر وفرنسا حول الصحراء المغربية يعقّد مرة أخرى حلّ قضايا الذاكرة (أ.ف.ب)
الخلاف الجديد بين الجزائر وفرنسا حول الصحراء المغربية يعقّد مرة أخرى حلّ قضايا الذاكرة (أ.ف.ب)
TT

خلاف الجزائر وفرنسا الجديد حول الصحراء يعقّد أكثر حلّ قضايا الذاكرة

الخلاف الجديد بين الجزائر وفرنسا حول الصحراء المغربية يعقّد مرة أخرى حلّ قضايا الذاكرة (أ.ف.ب)
الخلاف الجديد بين الجزائر وفرنسا حول الصحراء المغربية يعقّد مرة أخرى حلّ قضايا الذاكرة (أ.ف.ب)

يرى خبراء أن الخلاف الجديد بين الجزائر وفرنسا حول الصحراء المغربية، الذي يأتي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في السابع من سبتمبر (أيلول) المقبل، يعقّد مرة أخرى حلّ قضايا الذاكرة، التي تتحدّث عنها الدولتان بانتظام.

يقول الباحث حسني عبيدي من مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الرواية الوطنية حول حرب الجزائر ما زالت مهيمنة (في البلاد)، وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، الجزائريون حساسون تجاه هذه القضايا في خياراتهم السياسية الداخلية».

الرئيس الجزائري مع الوزيرة الأولى الفرنسية بالجزائر في 10 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وأشار الرئيس المنتهية ولايته، عبد المجيد تبون، المرشح لولاية ثانية، إلى ذلك في ذكرى يوم المجاهد (قدماء المحاربين) في 20 من أغسطس (آب) الحالي، مذكّراً بالماضي الاستعماري لفرنسا التي «راهنت على إخماد ثورة الشعب بقوة الحديد والنار». وحسب عبيدي، سيتعيّن على تبون «تعديل خطابه الانتخابي إلى حدّ ما لحماية نفسه من الانتقادات المحتملة في السياسة الخارجية»، بعد «الفشل الذريع» لاستراتيجيته في التقارب مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول قضايا الذاكرة بين البلدين، علماً بأن الرئيسين سبق أن قرّرا في صيف عام 2022 تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين لوضع حد لأزمة دبلوماسية كانت بدأت قبل عام تقريباً، بسبب تصريحات أدلى بها ماكرون، انتقد فيها «نظاماً سياسياً عسكرياً» في الجزائر «مبنياً على ريع الذاكرة».

الرئيسان الجزائري والفرنسي بمتحف الجيش بالعاصمة الجزائرية عام 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وتكمن المشكلة، وفقاً عبيدي، في أن ملف الذاكرة «لم يصل أبداً إلى السرعة القصوى، ولم يتمكّن من التحرّر من السلطة السياسية».

تفاقم الخلافات

في نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي، أعلنت باريس دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية لإقليم الصحراء المتنازع عليه، ما سيوجّه، في رأي عبيدي، «ضربة جديدة لقضية الذاكرة»، ويهدّد بـ«إعادة إيقاظ جراح الماضي الاستعماري»، في ظلّ دعم الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية. ومن هذه الجراح الاستعمار الفرنسي الطويل للجزائر منذ عام 1830، وتدمير بناها الاجتماعية والاقتصادية من خلال عمليات ترحيل جماعي، وقمع شرس لثورات عدّة قبل حرب الاستقلال الدامية، حيث يؤكد مؤرخون جزائريون أن الحرب بين 1945 و1962 أوقعت مليوناً ونصف مليون قتيل، بينما يتحدّث مؤرخون فرنسيون عن 500 ألف قتيل، بينهم 400 ألف جزائري.

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وقال المؤرخ حسني قيطوني لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه القضية «أصبحت محور خطاب يعود بانتظام، وتستغله السُلطتان بحسب متطلبات المرحلة ومصالح كل منهما». غير أن النزاع حول الذاكرة، حسب قيطوني، هو قبل كل شيء «قضية فرنسية فرنسية بحتة»، منذ أن تمّ نقل مختلف مكونات المستعمرة السابقة إلى التراب الفرنسي بعد الاستقلال سنة 1962. ويتعلق الأمر، حسب قيطوني، بـ«الأقدام السود (فرنسيو الجزائر الذين عادوا إلى فرنسا)، والحركي (قوات شبه عسكرية ساندت القوات الاستعمارية) وأحفاد المستعمرين (هاجروا إلى فرنسا من أجل العمل)، ولكل منهم علاقة مختلفة مع الماضي، وكل منهم يطالب بالاعتراف بمعاناته وتعويضات من الدولة» الفرنسية، ما يفتح الباب لنقاشات سياسية كبيرة، كما حدث عندما ندّد نواب الجمعية الوطنية رسمياً بقتل المتظاهرين الجزائريين في باريس في أكتوبر (تشرين الأول) 1962.

أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم بالرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وخلال عمل اللجنة المشتركة للمؤرخين، طلبت الجزائر من باريس إعادة جماجم قادة المقاومة في بداية الاستعمار، بالإضافة إلى قطع تاريخية ورمزية من القرن التاسع عشر، بما في ذلك قطع تعود للأمير عبد القادر المناهض للاستعمار (1808 - 1883). وأشارت أميرة زاتير، المستشارة في «مؤسسة الأمير عبد القادر»، إلى أن العديد من هذه القطع سُرقت عندما سقطت الزمالة (عاصمة الأمير المتنقلة مع قواته وحاشيته) في 16 من مايو (أيار) 1843، وعندما نُهبت مكتبته. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه القطع «موجودة في متاحف في فرنسا، ووجودها هناك غير قانوني».

صورة أرشيفية لمظاهرات 08 مايو 1945 بشرق الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وتطالب الجزائر أيضاً بإعادة وثائق الأرشيف الأصلي للفترة الاستعمارية (1830 - 1962)، التي تم نقلها إلى فرنسا بعد خروج القوات الفرنسية عام 1962، وكذلك تلك المتبقية من الفترة العثمانية، والتعويض عن الأعمال التي ارتكبتها الدولة المستعمرة السابقة، مثل التجارب النووية الـ17 التي أجريت بين عامي 1960 و1966 في الصحراء الجزائرية. وطالب مصطفى بودينة، رئيس الجمعية الوطنية للمحكوم عليهم بالإعدام في زمن الحكم الاستعماري، بأكثر من ذلك، قائلاً: «يجب الضغط على أعدائنا (فرنسا) للاعتذار وطلب الصفح عن جرائمهم الكثيرة». ويرى العديد من المؤرخين أن الاعتراف بالاستعمار، باعتباره «جريمة ضد الإنسانية»، سيكون أكثر ملاءمة أكثر، وهو المصطلح الذي استخدمه ماكرون خلال حملته للانتخابات الرئاسية في ولايته الأولى في 2017، ما أثار حملة انتقادات بين اليمين الفرنسي.