الوساطة في غزة... هدن متقطعة أم وقف شامل لإطلاق النار؟

إسرائيل تدرس تقديم «عرض جديد»... وهنية باقٍ في القاهرة لمواصلة التشاور

صورة تم التقاطها من جنوب إسرائيل على الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
صورة تم التقاطها من جنوب إسرائيل على الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

الوساطة في غزة... هدن متقطعة أم وقف شامل لإطلاق النار؟

صورة تم التقاطها من جنوب إسرائيل على الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
صورة تم التقاطها من جنوب إسرائيل على الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

لا تزال جهود الوساطة المصرية - القطرية تبحث عن «اختراق في جدار المواقف المتصلبة» التي يحاول طرفا الصراع في قطاع غزة؛ إسرائيل و«حماس» إعلان التمسك بها، بينما تستمر الحرب الإسرائيلية على القطاع التي انتصف شهرها الثالث، ولم تشهد سوى «هدنة إنسانية وحيدة حتى الآن».

وأعلنت الحكومة الإسرائيلية مراراً رفضها «وقف الحرب إلا بعد القضاء على (حماس)»، لكنها في الوقت ذاته أوعزت لقيادات أجهزتها الأمنية الانخراط في عملية التفاوض مع الوسطاء من أجل التوصل إلى اتفاق جديد لـ«هدنة إنسانية» يتضمن تبادلاً للأسرى، فيما تتمسك فصائل المقاومة الفلسطينية بـ«وقف شامل للحرب».

وبينما يواصل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، مشاوراته مع مسؤولين أمنيين في القاهرة لليوم الثالث، بشأن الموقف في قطاع غزة وما يجري من تفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق جديد لتبادل الأسرى، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية، الخميس، أن حكومة الحرب الإسرائيلية تدرس تقديم عرض لحركة «حماس»، يتضمن «هدنة طويلة نسبياً وليس أسبوعاً فقط».

وبعد إعلان الفصائل الفلسطينية رفضها أي محادثات بشأن تبادل الأسرى الإسرائيليين؛ إلا بعد انتهاء الهجوم الإسرائيلي، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين لم تسمهم، القول إن إسرائيل تناقش حالياً مقترحات إضافية من شأنها إقناع «حماس» بالتراجع عن مطالبها، وإتاحة الفرصة لإحراز تقدم يؤدي إلى صفقة مهمة لإطلاق سراح الأسرى. وأضافت الهيئة أن قطر «تقود مفاوضات شاقة، تتضمن ضغوطاً على (حماس) لبدء صفقة تبادل الأسرى، مما يعزز بشكل كبير فرصة التوصل إلى اتفاق».

وكانت الفصائل الفلسطينية قد تمسكت، في بيان، بأنه «لا حديث حول الأسرى ولا صفقات تبادل؛ إلا بعد وقف شامل للحرب».

فلسطيني يحمل جثمان حفيده الذي استشهد في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)

ويشار إلى أن الهدنة الوحيدة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قد جرى التوصل إليها بوساطة مصرية - قطرية - أميركية في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأسفرت عن توقف للأعمال القتالية دام أسبوعاً، وسمحت بإطلاق سراح 105 من المحتجزين في قطاع غزة مقابل 240 أسيراً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية.

ووصف خبير الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سعيد عكاشة، المفاوضات الجارية حالياً من أجل التوصل إلى صفقة جديدة لتبادل الأسرى بأنها «صعبة للغاية»، متوقعاً أن «تستغرق وقتاً أطول مما استغرقته الهدنة الأولى، رغم ما يبدو من ضغوط من أجل الإسراع بالتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد».

وأضاف عكاشة لـ«الشرق الأوسط»، أن طرفي الصراع في إسرائيل وفي قطاع غزة «يبدو منهكاً للغاية» بعد ما يزيد على 10 أسابيع من القتال القاسي، مشيراً إلى أن الأوضاع في الداخل الإسرائيلي، وتوالي الخسائر البشرية في صفوف الجنود والضباط، فضلاً عن قتل أسرى إسرائيليين في القطاع برصاص وقصف جيش الاحتلال، «كل ذلك يضع حكومة الحرب في حرج بالغ»، سواء بسبب الضغوط المتصاعدة من أسر الأسرى والمحتجزين، أو بسبب ثبوت (عدم دقة) ما يعلنه المسؤولون الإسرائيليون بشأن القدرة على مواصلة القتال لشهور طويلة مقبلة».

وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موقفه بأن الحرب «لن تنتهي إلا بالقضاء على (حماس)، والإفراج عن جميع الرهائن، وضمان ألا تشكل غزة أي تهديد آخر لإسرائيل». وقال في بيان الأسبوع الماضي: «من يظن أننا سنتوقف فهو منفصل عن الواقع».

ويعلن الجيش الإسرائيلي بصورة يومية عن سقوط قتلى ومصابين في صفوفه خلال معارك بقطاع غزة، وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية سحب لواء «غولاني» من قطاع غزة بعد 60 يوماً من القتال تكبد فيها خسائر كبيرة، وجاء هذا التطور بعد يوم من إعلان مقتل 10 من الجنود والضباط، 8 منهم من الكتيبة 12 في لواء «غولاني»، الذي يُصنف ضمن «قوات النخبة» في الجيش الإسرائيلي.

يعمل الجيش الإسرائيلي في موقع محدد باسم بيت حانون بشمال قطاع غزة... الصورة مأخوذة من مقطع فيديو (رويترز)

وعودة إلى عكاشة الذي يرى أن إعلان وسائل إعلام في تل أبيب عن وجود «عروض جديدة» من جانب حكومة الحرب الإسرائيلية، يعتمد على تسريبات «لا تخلو من أهداف دعائية»، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية «تحاول أن تبدو في صورة الطرف المرن الذي يحرص على إتمام الصفقة، في مقابل محاولة إظهار فصائل المقاومة الفلسطينية وبخاصة (حماس) في صورة الطرف المتشدد الذي لا يكترث بمصير سكان غزة».

وأضاف أن ذلك الأداء الإسرائيلي «يسعى إلى تحقيق هدف مزدوج، يشمل احتواء الضغوط الداخلية، وكذلك المطالب الأميركية الداعية إلى إنهاء الحرب خلال الآونة المقبلة»، وفي الوقت ذاته، إطالة أمد الحرب لتسجيل انتصار سواء بالوصول إلى بعض القيادات البارزة في «حماس»، مع استمرار الضغط المتصاعد على الفصائل عبر العمليات العسكرية المكثفة ومزيد من إحكام الحصار على القطاع لتليين شروط الطرف الفلسطيني لتبادل الأسرى والقبول بما تعرضه إسرائيل، وهو ما سيتم ترويجه في الداخل الإسرائيلي، بعدّه انتصاراً لحكومة نتنياهو.


مقالات ذات صلة

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون، اليوم (السبت)، في قصف إسرائيلي استهدف شمال مدينة رفح في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ 
ترمب ونتنياهو قبل بدء اجتماعهما أمس (د.ب.أ)

نتنياهو يستكمل «مظلته» الأميركية بلقاء ترمب

بلقائه الرئيس الأميركي السابق، وربما اللاحق، دونالد ترمب، أكمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، مظلته الأميركية، التي شملت وقفة في الكونغرس

هبة القدسي (واشنطن) نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 25 يوليو (أ.ب)

البيت الأبيض يحذّر نتنياهو من خطورة تنازلاته للمتطرفين في حكومته

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن اللقاءات الثلاثة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن مع بايدن وهاريس وسوليفان، كانت صعبة للغاية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي امرأة فلسطينية تحمل ابنتها بجوار أنقاض منازل دمرت خلال غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: ضغط دولي يُعزز جهود الوسطاء نحو صفقة المحتجزين

ضغوط دولية تتصاعد لوقف الحرب في غزة والدفع نحو هدنة ثانية بالقطاع تعززها دعوة أسترالية - كندية - نيوزيلندية لإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نهر السين في باريس (أ.ف.ب)

رياضيون مؤيدون للقضية الفلسطينية يستعدون لإظهار «التضامن» في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية

يستعد رياضيون لإظهار تضامنهم مع القضية الفلسطينية خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الذي سيقام في العاصمة الفرنسية باريس.

«الشرق الأوسط» (لندن)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز