الفرار من ود مدني... يجدد ويلات النزوح في السودان

مئات الآلاف غادروا المدينة بحثاً عن ملاذات آمنة

TT

الفرار من ود مدني... يجدد ويلات النزوح في السودان

نازحون بسبب النزاع في السودان يجلسون بالقرب من شاحنة محملة بممتلكاتهم بعد فرارهم من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة (أ.ف.ب)
نازحون بسبب النزاع في السودان يجلسون بالقرب من شاحنة محملة بممتلكاتهم بعد فرارهم من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

دفع اجتياح «قوات الدعم السريع» ولاية الجزيرة بوسط السودان، وسيطرتها على مدينة ود مدني (حاضرة الولاية)، آلاف النازحين إلى تكرار تجربة الفرار بحثاً عن ملاذات آمنة جديدة بعيداً عن القتال المتواصل منذ نحو 8 أشهر بين «الدعم» والجيش.

وظلت مدينة ود مدني بالنسبة إلى كثير من الفارين طوال الأشهر السابقة وجهة أكثر استقراراً بعد احتدام الاشتباكات في الخرطوم، غير أن المعارك لاحقتهم مجدداً؛ الأمر الذي أثار تداعيات اجتماعية وإنسانية عدة بشأن وجهاتهم الجديدة، وتساؤلات بشأن مدة صمودها أو استقرارها.

ودونما اتفاق، بات السؤال الأكثر ترديداً بين النازحين من ود مدني هو: «إلى أين نذهب؟»، وفي الخلفية تتشابك حسابات وتوازنات اجتماعية واقتصادية عدة، يزيد تعقيدها معلومات وإشاعات مجهولة المصدر بشأن اجتياح جديد لهذه المدينة أو تلك، خصوصاً المدن القريبة من ولاية الجزيرة؛ ومنها: سنار، وكوستي، والقضارف، بل وحتى بورتسودان حيث العاصمة المؤقتة.

ومنذ اندلاع شرارة الحرب بين الجيش «والدعم السريع» في أبريل (نيسان) الماضي، نزحت أعداد كبيرة إلى مدينة ود مدني خصوصاً، وولاية الجزيرة عامة؛ وجاءت غالبيتهم من الخرطوم، بالإضافة إلى آخرين من كردفان ودارفور.

ووفق «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)»، فإن مدينة ود مدني وقرى ومدن ولاية الجزيرة، استقبلت نحو 500 ألف نازح من إجمالي 5.5 مليون شخص فروا إلى مواقع داخل البلاد جراء الحرب.

وجهات جديدة

ووفق التطورات الجديدة بعد خضوع ود مدني، ومدن ولاية الجزيرة، لسيطرة «الدعم السريع»، فإن وجهات النازحين الجديدة المحتملة باتت ممثلة في ولايات مثل: سنار، والقضارف، وكسلا، وبورتسودان.

وأفاد شهود عيان، ومراسلة «الشرق الأوسط»، برصد «حركة نزوح كبيرة لآلاف الأشخاص من ود مدني ومدن ولاية الجزيرة، على شاحنات وسيارات نقل، وأوتوبيسات، وغادر البعض الولاية راجلين، في وقت لا يزال فيه بعض الفارين عالقين في دور الإيواء».

نازحون سودانيون من مدينة ود مدني السودانية يصلون أمس إلى ولاية القضارف المجاورة بعد سيطرة «الدعم السريع»... (أ.ف.ب)

وقال نازحون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» إنهم وصلوا إلى بلدة حاج عبد الله القريبة من ود مدني بعد رحلة استمرت 4 ساعات بالسيارة بسبب الزحام، فيما كانت المسافة بينهما لا تزيد على 40 دقيقة في الظروف الطبيعية، فيما تحدث آخرون عن أنهم «قطعوا تلك المسافة راجلين، وأمتعتهم على ظهورهم».

وكانت مراسلة «الشرق الأوسط» في ود مدني، وجدان طلحة، شاهدة على تجربة نزوح من المدينة؛ إذ قطعت مع آخرين «طريقاً برية بعيدة عن الطرق المعهودة، للخروج من منطقة (دلوت البحر) شرق ولاية الجزيرة (تقع على الطريق الرابطة بين ود مدني والخرطوم ودخلتها قوات الدعم السريع منذ الأيام الأولى لبدء هجومها على الجزيرة)».

وتقول وجدان: «سلكنا طريقاً قديمة لا يعرفها إلا رعاة البطانة (رعاة إبل من أهل المنطقة خبراء بدروبها)، تُعرف بـ(طريق الأربعين)، وهي تمر بقرى عدة وتعبر مشاريع زراعية، لتوصلنا إلى منطقة تعرف بأم القرى، ثم الفاو، ومن هناك أخذنا المواصلات إلى القضارف، ومن ثم إلى بورتسودان»، وأضافت: «أوقفنا جنود من (الدعم السريع)، لكنهم سمحوا لنا بعد ذلك بالعبور».

تجار الحرب

ووفق نازحين؛ فإن «تجار الحرب» استغلوا الظروف المستجدة وسارعوا إلى مضاعفة سعر الانتقال بالأوتوبيس من ود مدني إلى مدينة سنار، وبعد أن كان السعر قبل القتال بيوم واحد 12 ألف جنيه سوداني (الدولار الأميركي يساوي نحو 600 جنيه سوداني)، أصبح يساوي بين 50 و60 ألف جنيه».

نازحون فارون من ود مدني بولاية الجزيرة السودانية يصلون (الثلاثاء) إلى ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

ووفق المسؤول عن معسكرات النزوح في شرق ود مدني، محمد عبد الفتاح، فإن «معسكراته تضم نحو ألفي نازح؛ غالبيتهم من النساء والأطفال، و70% من النازحين غادروا إلى سنار ومناطق أخرى»، بيد أنه قال إن «ود مدني لا تزال آمنة، ويمكن أن يأتي نازحون جدد إلى المعسكرات». وقال: «داخل ود مدني لا توجد اشتباكات، والنازحون المتبقون يعيشون حياة طبيعية».

بدورها؛ أفادت مها عبد الماجد، مسؤولة «مركز إيواء مبارك زروق» في وسط ود مدني، بأن «المركز كان يضم نحو 65 أسرة نازحة، تبقت منها 7 أسر فقط؛ لأنها لم تعد تملك المال الذي يمكنها من النزوح مجدداً».

نزوح متجدد وانتهاكات

وبموازاة التكرار الثاني لتغريبة النزوح، يتصاعد تهديد ووعيد من موالين لـ«قوات الدعم» بأنهم سيتجهون لمناطق أخرى، مثل: سنار، والقضارف، وكوستي، حيث وصل بالفعل بعض الفارين من ود مدني. ورصد شهود عيان وجود سيارات تابعة لـ«الدعم السريع» قرب ولاية القضارف القريبة من ود مدني شرقاً، وتعد الولاية «مصدر الغذاء الرئيسي للبلاد»، وحال سيطرة «الدعم السريع» عليها، ينفتح الباب أمامها إلى ولاية كسلا شرقاً، والتي تجاورها ولاية بورتسودان (العاصمة البديلة) التي يقيم فيها قيادات الجيش؛ في مقدمتهم البرهان.

في غضون ذلك، شهد معظم المدن التي سيطرت عليها «الدعم السريع» عمليات «نهب وسلب للممتلكات، لا سيما السيارات والأموال والذهب»، وفق مراقبين محليين. فيما يتهم البعض عناصر في «الدعم» بارتكاب «جرائم اغتصاب» بالمشاركة مع متفلتين ومواطنين محليين ولصوص جرى إطلاق سراحهم من السجون.

ووفق أحدث إحصائية صادرة عن «مكتب الأمم المتحدة (أوتشا)»، فإن عدد الفارين من الحرب في السودان بلغ أكثر من 7 ملايين شخص، منهم نحو 5.5 مليون نازح داخلياً، بالإضافة 1.5 مليون لجأوا إلى بلدان الجوار، ولا تشمل تلك الإحصائية النازحين الجدد من ود مدني.


مقالات ذات صلة

البرهان: سيكون السودان خالياً من التمرد قريباً

شمال افريقيا جندي سوداني فوق آلية في شمال بحري (رويترز)

البرهان: سيكون السودان خالياً من التمرد قريباً

«ما عندنا مفاوضات أو صلح مع أي شخص، ولن نقبل أي متمرد يأتينا، ولن نقبل أي شخص وقف مع التمرد، وسنمضي في طريقنا حتى النهاية».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة بالأقمار الاصطناعية لحريق يلتهم أكبر مصفاة نفط في السودان وسط معارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ب) play-circle 01:35

الجيش السوداني يعلن استعادة مصفاة الخرطوم

أعلن الجيش السوداني، استعادة «مصفاة الجيلي» للبترول في شمال العاصمة الخرطوم، وهي أكبر مصفاة في البلاد، بعد حصار من عدة محاور استمر لأيام.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال استقباله وزير التجارة والصناعة بجنوب السودان في القاهرة الشهر الحالي (الخارجية المصرية)

القاهرة وجوبا... محادثات تتناول تعزيز العلاقات

زار وفد حكومي من جنوب السودان، القاهرة، السبت، لبحث تعزيز العلاقات بين البلدين، والتشاور بشأن المستجدات الإقليمية.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا 
الدخان يتصاعد خلال اشتباكات سابقة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

الجيش السوداني يستعيد مقر قيادته

في تطور عسكري لافت، أعلن الجيش السوداني، أمس، فك الحصار الذي تفرضه «قوات الدعم السريع» على مقر قيادته العامة في وسط الخرطوم، وإكمال المرحلة الثانية من عملياته.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني في أم درمان (أرشيفية - رويترز)

حركات متحالفة مع الجيش السوداني تعلن قتل 400 من «الدعم» في شمال دارفور

أعلنت الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، الجمعة، مقتل أكثر من 400 من عناصر «قوات الدعم السريع» خلال هجوم لـ«الدعم» على مدينة الفاشر بشمال دارفور.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الجزائر: 22 إسلامياً من «الإنقاذ» المحظورة أمام القضاء الشهر المقبل

قيادات «جبهة الإنقاذ» الأصيلة المعتقلون (حسابات ناشطين)
قيادات «جبهة الإنقاذ» الأصيلة المعتقلون (حسابات ناشطين)
TT

الجزائر: 22 إسلامياً من «الإنقاذ» المحظورة أمام القضاء الشهر المقبل

قيادات «جبهة الإنقاذ» الأصيلة المعتقلون (حسابات ناشطين)
قيادات «جبهة الإنقاذ» الأصيلة المعتقلون (حسابات ناشطين)

أعلن محامون وحقوقيون بالجزائر، الأحد، عبر حساباتهم بالإعلام الاجتماعي، تنظيم محاكمة لـ22 ناشطاً من رموز «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، في 16 فبراير (شباط) المقبل، بعد قرابة عام ونصف العام على اعتقالهم بتهمة «تقويض الأمن في البلاد».

وخاض هؤلاء في الأسابيع الماضية، إضراباً عن الطعام؛ احتجاجاً على «سجنهم تعسفياً»؛ ما دفع بالسلطات إلى التعجيل بتحديد موعد محاكمتهم.

وأكد المحامي مصطفى بوشاشي أن «قضية علي بن حجر ومَن معه»، أُحيلت إلى محكمة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء، بالضاحية الشرقية للعاصمة، للفصل فيها الشهر المقبل.

علي بن حجر (يمين) رأس المتهمين بتقويض الأمن (حساب نجله بالإعلام الاجتماعي)

وعلي بن حجر، إسلامي سبعيني، أَطلق مطلع تسعينات القرن الماضي تنظيماً مسلحاً إثر إلغاء الجيش نتائج الانتخابات البرلمانية، التي حقَّق فيها حزبه «جبهة الإنقاذ» فوزاً عريضاً. وحلَّ التنظيم طواعيةً بداية سنة 2000، في إطار تدابير سياسية جاء بها «قانون الوئام المدني».

من جهته، كتب السياسي المعارض فضيل بومالة، أن الإسلاميين أحمد الزاوي ومحمد شهيد ومبروك سعدي وبلقاسم خنشة، و18 آخرين، سيحاكَمون بعد 20 يوماً. وكان الزاوي من أهم قياديي «الإنقاذ»، وقضى سنوات طويلة في نيوزيلندا، منفى اختيارياً، وعاد في السنوات الأخيرة ليقيم بين أهله في مدينة المدية جنوب العاصمة.

وصرَّح بادي عبد الغني، أحد المحامين المدافعين عن المجموعة، بأنه زار أحمد الزاوي في السجن في 22 من الشهر الحالي، «فوجدته مرهقاً جداً، لونه شاحب، ويسير بخطى متثاقلة»، مشيراً إلى أن الزيارة شملت أيضاً علي بن حجر، وعضواً بالمجموعة يدعى بدر الدين قرفة، موضحاً أن الزاوي «لم يقوَ على الجلوس مطولاً من شدة التعب، فنادينا العون المكلف الحراسة الذي لم يكن يقف بعيداً، لنقله على كرسي متحرك إلى العيادة نظراً لعدم قدرته على الوقوف».

أحمد الزاوي قيادي «جبهة الإنقاذ» سابقاً (وسط) (حساب ناشطين إسلاميين بالإعلام الاجتماعي)

واعتقل الأمن في البداية علي بن حجر و3 من أفراد المجموعة، في نهاية سبتمبر (أيلول) 2023، ثم توالت التوقيفات لتصل إلى 22 شخصاً تم إيداعهم الحبس الاحتياطي بعد اتهامهم بـ«المس بالنظام العام».

وتعود المشكلات التي تعرَّض لها إسلاميو «الإنقاذ» مع السلطات، إلى فيديو بثَّه بن حجر على الإنترنت من بيته، تضمَّن انتقاداً حاداً للحكومة، حيث قرأ بياناً باسم «أطر الجبهة الإسلامية للإنقاذ الأصيلة»، جاء فيه أن الوضع الاجتماعي في البلاد «يكشف حجم المأساة من خلال الانقسام الحاد الذي يعيشه الشعب؛ نتيجة السياسات الخاطئة، والأنانية المدمرة، والجشع اللامحدود». وبحسب أصحاب البيان، فإن «اليأس دفع الشباب والكفاءات إلى مغادرة البلاد بشكل نهائي».

كما أشارت الوثيقة إلى «أزمة سياسية خانقة وقمع للحريات، وعدم استقرار يهدد المؤسسات، ما يفتح الباب أمام تقويض الحياة الدستورية والانزلاق نحو الفوضى». كما دعت إلى «رفع القيود» عن علي بن حاج، نائب رئيس «جبهة الإنقاذ» سابقاً، الذي يظل منذ خروجه من السجن في عام 2003 تحت مراقبة أمنية مشددة، وقبل أقل من عام وضعته السلطات في إقامة جبرية، دون السماح له بمغادرة بيته. ومع ذلك، يناكفها بفيديوهات تنتقد سياساتها.

القيادي الإسلامي علي بن حاج في الإقامة الجبرية (الشرق الأوسط)

وفي تقدير مراقبين، أيقظ فيديو بن حجر هواجس لدى السلطات من احتمال عودة «جبهة الإنقاذ» إلى النشاط السياسي، بعد أن حرصت على طي صفحتها نهائياً، منذ أن حلتها بقرار قضائي عام 1992 بتهمة «الإرهاب». أما الإسلاميون المتهمون، فينقل عنهم محاموهم، عدم وجود رغبة لديهم في خوض مشروع سياسي جديد، علماً بأن الحكومة سنَّت قانوناً عام 2006 سمَّته «قانون المصالحة»، يمنع عن «الإنقاذيين» الترشح للانتخابات أو أن يكونوا أعضاء في أحزاب، على أساس أنهم يتحملون مسؤولية الدماء التي سالت في التسعينات، خلال الاقتتال الدامي بين قوات الأمن والجماعات المسلحة. غير أن القانون لم يتناول أي أحد منهم بالاسم.