الهدوء الحذر يعود إلى ود مدني بعد هجوم «الدعم السريع»

الأمم المتحدة تعلق العمليات الإنسانية في ولاية الجزيرة

نساء وأطفال في مخيم للنازحين أقيم بمدينة ود مدني بالسودان (أ.ف.ب)
نساء وأطفال في مخيم للنازحين أقيم بمدينة ود مدني بالسودان (أ.ف.ب)
TT

الهدوء الحذر يعود إلى ود مدني بعد هجوم «الدعم السريع»

نساء وأطفال في مخيم للنازحين أقيم بمدينة ود مدني بالسودان (أ.ف.ب)
نساء وأطفال في مخيم للنازحين أقيم بمدينة ود مدني بالسودان (أ.ف.ب)

عاد الهدوء الحذر إلى مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وسط السودان، وعادت الحياة إلى الشوارع بعد ساعات عصيبة من هجوم عسكري مباغت وغير متوقع لقوات «الدعم السريع» على بلدات صغيرة حول المدينة، تسبب في حالة من الذعر والهلع بين المواطنين، شرع على أثرها عدد كبير منهم في النزوح.

وأفادت مصادر محلية من داخل المدينة بعودة الهدوء نسبياً واستقرار الأوضاع الأمنية، عدا سماع أصوات إطلاق نار متقطع من شرق ود مدني، حيث جرت اشتباكات عنيفة بين الجيش و«الدعم السريع» منذ صباح يوم الجمعة. وقالت المصادر ذاتها إن المدينة تشهد انتشاراً واسعاً للقوات النظامية، التي تتجول بسيارات الدفع الرباعي والدراجات النارية، في حين عادت حركة المرور إلى الشوارع وفتحت المحال التجارية أبوابها بعد حالة من التوجس.

واستيقظ سكان مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة (وسط السودان) صباح الجمعة، على أصوات قصف جوي كثيف واشتباكات بين الجيش وقوات «الدعم السريع» على بعد كيلومترات قليلة من المدينة. وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، إن السكان استيقظوا على تحليق طائرات الجيش في سماء بلدات شرق الجزيرة، ولاحقاً سُمعت أصوات انفجارات مدوية.

هلع وذعر بين السكان

وأفادت مصادر مقيمة في منطقة تمبول القريبة من ود مدني، بأن حالة من الهلع والذعر الشديدين انتابت سكان البلدات المجاورة. وقال سكان من داخل مدينة ود مدني إنهم شاهدوا الطيران الحربي يحلق في سماء المنطقة، وسمعوا بوضوح أصوات القصف الجوي والمدفعي وأزيز الذخيرة الحية في محيط مدخل جسر «كبري حنتوب» المؤدي إلى وسط المدينة. وبحسب مواطنين في المنطقة، يبدو أن اشتباكات عنيفة تدور بين الطرفين في مناطق تبعد نحو 15 كيلومتراً من الناحية الشرقية لجسر «حنتوب» على النيل الأزرق الذي يربط المدينة مع مدن شرق السودان.

الحرب المتواصلة في السودان طالت مواقع مدنية عدة (أ.ف.ب)

ولم تعرف تحديداً الجهة التي تقدمت منها قوات «الدعم السريع» المهاجمة، حيث يقيم الجيش السوداني تحصينات عسكرية ثابتة على طول الطريق الشرقية التي تربط العاصمة الخرطوم بولاية الجزيرة، ويحشد قوات وعتاداً عسكرياً كبيراً عند مدخل الجسر لحماية المدينة. وبحسب الشهود، يواصل الطيران الحربي شن ضربات جوية مكثفة ومتتالية من عدة محاور على قوات «الدعم السريع» المتحركة بأرتال من سيارات الدفع الرباعي.

وكانت قوات من «الدعم السريع» هاجمت الخميس بلدة «أبو قوتة» التي تقع داخل حدود الولاية، لكنها تراجعت دون السيطرة عليها. ويعد الهجوم على عاصمة الولاية الوسطية التي تبعد نحو 188 كيلومتراً عن العاصمة الخرطوم، واستقبلت مئات الآلاف من النازحين، تطوراً جديداً في مسار الحرب بالبلاد. وقال قائد «الفرقة الأولى - مشاة» في مدينة ود مدني التابعة للجيش السوداني، اللواء أحمد الطيب، إن «ميليشيا قوات الدعم السريع هاجمت صباح الجمعة قواتنا بولاية الجزيرة في محاولة يائسة لتغطية هزائمها بالخرطوم».

وأضاف في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية «سونا»، الجمعة، أن قواته تصدت للقوات المهاجمة، وكبدتها خسائر كبيرة في الأسلحة والمركبات والمعدات.

«الدعم السريع» يطمئن المواطنين

من جانبها، أرسلت قوات «الدعم السريع» بعد ساعات من الهجوم، تطمينات إلى المواطنين في ولاية الجزيرة، وعلى وجه الخصوص في مدينة ود مدني، وقالت إن هدفها «دك معاقل ميليشيا البرهان وفلول النظام المعزول بعدّها أهدافاً مشروعة» لقواتها. وأضافت في بيان نشر على منصة «إكس»، أن «أشاوس قواتنا مصممون على اجتثاث التطرف والإرهاب وعناصرهما في القوات المسلحة التي تهدد أمن واستقرار البلاد والمنطقة».

قوة من «الدعم السريع» (أ.ب)

من جهة أخرى، أعلن مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان (أوتشا)، تعليق جميع العمليات الإنسانية الميدانية داخل ولاية الجزيرة، بدءاً من الجمعة وحتى إشعار آخر، إثر اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات «الدعم السريع» في ضواحي ود مدني التي كانت بمثابة مركز للعمليات الإنسانية. وأفادت في بيان، بأنه بحسب ما ورد إليها، فإن المتاجر والأسواق توقفت عن العمل، وأُغلق جسر «حنتوب» جزئياً من قبل القوات المسلحة كإجراء أمني. وأشارت إلى أن أكثر من 500 ألف شخص نزحوا إلى ولاية الجزيرة منذ اندلاع القتال بين الجيش و«الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

«قوى التغيير» تدين الهجوم

وتوالت ردود الفعل من قادة «قوى الحرية والتغيير»، وهو الائتلاف الحاكم سابقاً في البلاد، مستنكرة هجوم قوات «الدعم السريع» على مدينة ود مدني التي استقبلت أعداداً كبيرة من الفارين من مناطق القتال في الخرطوم. ووصف القيادي في قوى التغيير، رئيس الحركة الشعبية (التيار الثوري) ياسر عرمان، الهجوم على مدينة ود مدني، بأنه «غير مبرر ويشكل انتهاكاً صريحاً لحقوق المدنيين وحمايتهم»، مضيفاً أنها «مدينة تضم الملايين من سكانها والنازحين من الخرطوم وغيرها، والهجوم عليها يأتي بعد النهب الواسع الذي مارسته قوات الدعم السريع ضد سكان الخرطوم ومنازلهم وممتلكاتهم». وأشار إلى القتل والتدمير الكبير الذي ألحقته القوات المسلحة السودانية بالمواطنين والبنية التحتية عبر الطيران في مناطق متفرقة من البلاد.

ياسر عرمان القيادي في «الحرية والتغيير» (الشرق الأوسط)

وقال عرمان إن حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم قضية لا يمكن التغاضي أو الصمت عنها، سواء جاءت من «الدعم السريع» أو من القوات المسلحة، ويقع العبء على كل السودانيين في الداخل والخارج لرفع صوتهم ضد استهداف المدنيين وممتلكاتهم وتعزيز بناء جبهة واسعة لوقف وإنهاء الحرب. وأضاف: «أوقفوا الهجوم على مدينة ود مدني، أوقفوا قصف الطيران على نيالا ومدن وأرياف السودان».

بدوره، أدان القيادي في قوى التغيير، خالد عمر يوسف، الأفعال التي توسع من رقعة الحرب، سواءً كانت بالهجوم على ود مدني من قبل قوات «الدعم السريع»، أو بقصف طيران القوات المسلحة لمدينة نيالا بجنوب دارفور الخميس الماضي، أو باستمرار تبادل القصف المدفعي الذي يصيب المدنيين العزل في العاصمة وغيرها من المناطق المتأثرة بالقتال. وكرر دعوته لقادة القوات المسلحة و«الدعم السريع» بالاحتكام لصوت العقل، وإيجاد مخرج لهذه «الكارثة» عبر الحلول السلمية التفاوضية، داعياً إلى الاستجابة لدعوة مبادرة منظمة التنمية الحكومية (إيغاد)، والبناء على ما تحقق في «منبر جدة» من أجل وقف فوري لإطلاق النار وعملية سياسية تنهي الحرب وتعالج آثارها بصورة مستدامة.

وأدانت نقابة أطباء السودان الهجوم على ود مدني، محذرة بشدة من نقل الحرب إلى المناطق خارج نطاق القتال التي فر إليها المواطنون طلباً للأمان. وقالت في بيان إن ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني من الولايات الآمنة بدرجة كبيرة، حيث انتقلت إليها الخدمات الصحية وعدد كبير من الكوادر الطبية، وما يحدث الآن سيفاقم انهيار الخدمات الصحية في السودان بشكل عام.


مقالات ذات صلة

500 قتيل خلال 4 أيام في السودان

شمال افريقيا 
مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

500 قتيل خلال 4 أيام في السودان

أدانت أحزابٌ وقوى سياسية سودانية، أبرزها «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، القصف الجوي والمدفعي الذي سُجّل خلال الأيام الأربعة الماضية، وأدى إلى مقتل.

أحمد يونس (كمبالا)
العالم العربي آثار الدمار في العاصمة السودانية جراء الصراع المسلّح (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: حرب السودان قد تزهق أرواحاً لا تحصى دون تحرك فوري لوقفها

قالت حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية بإقليم شرق المتوسط، اليوم (الثلاثاء)، إن حرب السودان قد تزهق أرواحاً لا حصر لها دون اتخاذ إجراءات فورية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا توزيع الطعام من أحد المطابخ العامة في الخرطوم (رويترز)

طرفا الصراع في السودان يهاجمان متطوعين يكافحون المجاعة

«في أحياء كان لدينا فيها مطبخ واحد، نحتاج الآن إلى ثلاثة مطابخ أخرى... ومع استمرار الحرب، سنرى المزيد من الناس يصلون إلى الحضيض».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج مقر وزارة الخارجية الإماراتية (الشرق الأوسط)

الإمارات تؤكد استهداف الجيش السوداني مقر رئيس بعثتها في الخرطوم

أكد سالم الجابري، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والعسكرية، استهداف الجيش السوداني مقر رئيس بعثة دولة الإمارات في الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شمال افريقيا رئيس مجلس الوزراء المصري خلال لقاء عدد من المفكرين والكُتاب (مجلس الوزراء المصري)

«سد النهضة»: مصر تلوح بـ«توجه آخر» حال نقص حصتها المائية

لوّحت الحكومة المصرية باتخاذ «توجه آخر» تجاه قضية «سد النهضة» الإثيوبي حال نقص حصة القاهرة من مياه النيل.

أحمد إمبابي (القاهرة )

500 قتيل خلال 4 أيام في السودان


مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)
مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)
TT

500 قتيل خلال 4 أيام في السودان


مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)
مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

أدانت أحزابٌ وقوى سياسية سودانية، أبرزها «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، القصف الجوي والمدفعي الذي سُجّل خلال الأيام الأربعة الماضية، وأدى إلى مقتل قرابة 500 شخص، بغارات نفذها طيران الجيش على مدينة الحصاحيصا، وسط السودان، ومدن حمرة الشيخ شمال كردفان، وكتم ومليط بشمال دارفور، وبقصف مدفعي نفذته «قوات الدعم السريع» على منطقة الحتانة في شمال أم درمان. ودعت هذه القوى السياسية المجتمع الدولي إلى «التدخل العاجل من أجل وقف الانتهاكات».

ويقول الجيش إنه يستهدف «تجمعات قوات الدعم السريع»، بينما يقول «الدعم» إنه يستهدف بالمدفعية وحدات الجيش العسكرية.