رفع توصيات لرئيسي الجزائر وفرنسا حول مسعى «مصالحة الذاكرتين»

في ظل إصرار باريس على رفض «التوبة» عن جرائم الاستعمار

لقاء بين الرئيسين الجزائري والفرنسي بالعاصمة الجزائرية في نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
لقاء بين الرئيسين الجزائري والفرنسي بالعاصمة الجزائرية في نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

رفع توصيات لرئيسي الجزائر وفرنسا حول مسعى «مصالحة الذاكرتين»

لقاء بين الرئيسين الجزائري والفرنسي بالعاصمة الجزائرية في نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
لقاء بين الرئيسين الجزائري والفرنسي بالعاصمة الجزائرية في نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

رفعت «اللجنة الجزائرية - الفرنسية المشتركة المعنية بالذاكرة والاستعمار»، إلى الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، تقريراً يتضمن 11 توصية بأفضل الطرق المؤدية إلى «مصالحة بين الذاكرتين»، وهي العقبة الوحيدة، في نظر قطاع واسع من المراقبين، أمام إقامة علاقات ثنائية طبيعية «لا تؤثر فيها رواسب الماضي الاستعماري».

والتقت «اللجنة» المكونة من 5 باحثين جزائريين في التاريخ، وعدد مماثل من باحثين فرنسيين، في قسنطينة (شرق الجزائر) يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، في أول اجتماع لهم منذ بداية «المهمة» العام الماضي. وكانت «اللجنة» التأمت مرتين عبر الفيديو ، من بُعد، منذ أشهر.

أعضاء «لجنة الذاكرة» خلال استقبالهم من قبل الرئيس تبون في 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ووقع على «تقرير اجتماع قسنطينة»، عن الجانب الجزائري محمد الحسن زغيدي مدير «متحف المجاهد» سابقاً، والمؤرخ الكبير بنجامان ستورا عن الجانب الفرنسي، وهو جزائري المولد عاش في أسرة يهودية بقسنطينة قبل الاستقلال (1962).

وأكدت مصادر صحافية، أن باكورة الأعمال الأولية لـ«اللجنة»، شملت توصية بمواصلة عمل خاص في وضع تسلسل زمني للأحداث؛ العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بين 1830و1962 (كامل فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر)، وإنشاء «مكتبة مشتركة» للبحوث والمصادر المطبوعة أو المكتوبة بخط اليد في القرن التاسع عشر، والموجودة في مراكز الأرشيف بفرنسا. وسيكون ذلك، وفق المصادر ذاتها، أساساً لنشر أهم المصادر والأعمال ورقمنتها، وترجمتها إلى اللغتين، وإمكانية إعادتها إلى الجزائر.

المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا (حسابه الشخصي - الإعلام الاجتماعي)

كما تضمن التقرير إطلاق بوابة رقمية مخصصة للمصادر المطبوعة، والمحفوظات الرقمية، والموضوعات والبحوث، ورسم الخرائط، والصوت، والأفلام، والتسلسل الزمني، خلال حقبة الاحتلال. واتفق أعضاء «اللجنة» أيضاً، وفق المصادر نفسها، على برنامج للتبادل والتعاون في شؤون التاريخ، مع إشراك 15طالباً وباحثاً جزائرياً في هذا العمل، في إطار دراساتهم للحصول على درجة الدكتوراه، والقيام في فرنسا بمهام جرد ودراسة محفوظات الفترة الاستعمارية.

وأثار «تقرير قسنطينة» مسائل تحديد هوية المقابر، وعدد وأسماء المساجين الجزائريين، في القرن التاسع عشر، الذين توفوا ودفنوا في فرنسا، وإدراجهم في لائحة ضحايا الاستعمار، فضلاً عن الترويج لهذه الأماكن التذكارية على بوابة «اللجنة». ويعتزم «فريق الـ10» استكمال رقمنة السجلات المدنية والمقابر، في الفترة الاستعمارية المحفوظة في الجزائر.

والمعروف أن عبد المجيد شيخي كان ترأس مجموعة الباحثين الجزائريين أعضاء «اللجنة»، لكنه أبُعد عن هذا العمل في سياق قرار تنحيته عن مستشارية الرئيس لشؤون الذاكرة والتاريخ، الشهر الماضي.

وتتسم نظرة الجزائر وباريس لهذا الملف الشائك، بتباعد كبير. ففيما يرى الجزائريون أن «الاشتغال على الذاكرة» يعني اعترافاً صريحاً من فرنسا بجرائم الفترة الاستعمارية وطلب الاعتذار عنها، يفضل الفرنسيون التعامل معه من زاوية أخرى، بحيث يقترحون فسح المجال للباحثين ودارسي تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، «للتحديد بدقة إن كان ما جرى في فترة 132عاماً من الاستعمار، يستدعي توبة فرنسا، وطلب الاعتذار من الجزائر».

محمد زغيدي رئيس فريق الباحثين الجزائريين حول الذاكرة (الشرق الأوسط)

وعن هذه النقطة تحديداً، قال ماكرون في مقابلة مع مجلة «لوبوان» الفرنسية نشرت مطلع 2023: «أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول: نحن نعتذر، وكلّ منّا يذهب في سبيله». وشدد على أن «عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب، إنه عكس ذلك تماماً»، موضحاً أن «عمل الذاكرة والتاريخ يعني الاعتراف بأن في طيّات ذلك أشياء لا توصف و أشياء لا تُفهم... أشياء لا تُبرهَن، وأشياء ربّما لا تُغتفر».

وكانت الجزائر تعاملت ببرودة شديدة، في 2020، مع تقرير أعدّه المؤرّخ ستورا، بناءً على تكليف من ماكرون، دعا فيه إلى «القيام بسلسلة مبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين»؛ لأنه لم يتضمن توصية بتقديم اعتذار أو إبداء ندم عن جرائم الاستعمار.


مقالات ذات صلة

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (540 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية والسلامة الترابية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.