ترقب لـ«هدنة غزة» وسط مخاوف من «عراقيل اللحظات الأخيرة»

مصر وقطر تكثفان تحركاتهما الإقليمية والدولية لإتمام «صفقة الأسرى»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
TT

ترقب لـ«هدنة غزة» وسط مخاوف من «عراقيل اللحظات الأخيرة»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

تسابق جهود إقرار «هدنة إنسانية» أولى في قطاع غزة وتنفيذ تبادل للأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس» الزمن، بعد أيام من تباين المواقف وتضارب التصريحات، خاصة من جانب الحكومة الإسرائيلية.

وتواترت تصريحات مصرية وأميركية ومن جانب قادة بارزين بحركة «حماس»، إضافة إلى تقارير رسمية إسرائيلية، تفيد جميعها بـ«قرب إعلان اتفاق»، فيما أبدى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تخوفاً مما وصفوه بـ«عراقيل اللحظات الأخيرة» التي قد تحول دون تنفيذ الاتفاق.

وأكدت مصادر مصرية رسمية، الثلاثاء، وجود تنسيق مصري - قطري مشترك للوصول إلى هدنة في قطاع غزة. وأوضحت المصادر التي وصفت بأنها «رفيعة المستوى» لقناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، أن «القاهرة تُكثف جهودها مع جميع الأطراف المعنية للوصول إلى الهدنة»، وأشارت إلى أن الوساطة المصرية «تسعى لهدنة إنسانية وتبادل للأسرى والمحتجزين لدى الطرفين».

وذكرت تصريحات أميركية متواترة خلال الساعات الأخيرة إلى قرب التوصل لـ«صفقة لإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حركة (حماس)».

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، قال الاثنين، إنه يعتقد أن التوصل «بات قريباً»، وفق ما نقلت وكالة «رويترز». فيما قالت هيئة البث الإسرائيلية إن «اتفاق تبادل الأسرى بات قريباً»، وأوضحت الهيئة الرسمية الإسرائيلية أن «(حماس) أوصلت في الأيام الأخيرة مقترحاً، وإسرائيل وافقت على قبول الشروط والمطالب، وحالياً الكرة انتقلت إلى ملعب (حماس) من جديد وعليها أن تظهر المسؤولية والجدية للوصول إلى الاتفاق».

«حماس» تنتظر رد إسرائيل

في المقابل، أفاد مسؤولون في حركة «حماس»، الثلاثاء، بأن الحركة «تنتظر رد إسرائيل بخصوص اتفاق للهدنة الإنسانية في قطاع غزة بوساطة قطرية ومصرية». وقال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، الثلاثاء، إن «الحركة سلمت ردها للإخوة في قطر والوسطاء، ونحن نقترب من التوصل لاتفاق الهدنة». وأفاد عضو المكتب السياسي للحركة، خليل الحية، في بيان مقتضب «ما زلنا ننتظر رد الاحتلال بخصوص اتفاق الهدنة الإنسانية، بعد أن سلمنا ردنا للإخوة المصريين والقطريين، الذين يبذلون جهوداً مُقَدَّرة للوصول إلى الاتفاق».

ولم يكشف الحية أي تفاصيل بشأن الاتفاق، لكن تقارير متطابقة تحدثت عن «هدنة لمدة خمسة أيام تتضمن إطلاق سراح 50 من المحتجزين لدى حماس من المدنيين وحملة الجنسيات الأجنبية على دفعات يومية». وبحسب الاتفاق فإنه سيتم خلال الهدنة تكثيف إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة بما في ذلك الوقود بالتزامن مع توقف تحليق الطائرات الإسرائيلية في سماء قطاع غزة.

تفاصيل اتفاق الهدنة

من جانبه، كشف عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، عزت الرشق، الثلاثاء، بعض بنود الاتفاق المرتقب مع إسرائيل، مؤكداً أن التفاصيل الكاملة «ستنشرها قطر عند اكتمالها». وقال الرشق في تصريحات تلفزيونية، إن المحادثات الجارية بشأن مسألة المفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين في غزة تتفق، من بين أمور أخرى، مع هدنة تدوم أياما عدة وتتضمن ترتيبات لإطلاق سراح المحتجزين في غزة وإدخال المساعدات إلى القطاع.

ووفق الرشق، فإن الاتفاق سيشمل إطلاق سراح نساء وأطفال إسرائيليين من غزة مقابل إطلاق سراح نساء وأطفال فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، نافياً أن تكون صفقة التبادل متضمنة لأسرى من العسكريين الإسرائيليين، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى استعداد الحركة لـ«اتفاق شامل لجميع الأسرى»، مضيفاً أن «إسرائيل هي التي تبدو غير مستعدة لذلك».

وتحتجز حركة «حماس» 239 من الإسرائيليين والأجانب وفق السلطات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما تتحفظ فصائل المقاومة الفلسطينية على إعلان تفاصيل عدد ما لديها من أسرى، لكنها أعلنت عن مقتل عدد منهم جراء القصف الإسرائيلي، كما أعلنت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، السبت، أنها فقدت الاتصال بمجموعات حماية الأسرى الإسرائيليين، مشيرة إلى أن مصيرهم «لا يزال مجهولا».

وزير الخارجية المصري خلال مباحثات مع وزيرة الدولة للتعاون الدولي في قطر بشأن الوضع في غزة (الخارجية المصرية)

إجراءات لبناء الثقة

من جانبه رجّح أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، الدكتور طارق فهمي، أن يتم الإعلان عن اتفاق لإقرار «هدنة إنسانية وليس وقفا لإطلاق النار مع تبادل لأسرى بين إسرائيل و(حماس)»، مضيفاً أن مصر والأطراف المشاركة سيكونون «ضامنين لإتمام الاتفاق». وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك إرادة تتشكل لإقرار أول هدنة بعد 46 يوما من العمليات العسكرية في قطاع غزة، وأن الهدن «سيتم تطبيقها تدريجيا ومرحليا وأن تبادل الأسرى سيركز على المدنيين والحالات الإنسانية وبأسلوب رأس مقابل رأس».

ووصف فهمي أول هدنة إنسانية حال إقرارها بأنها «خطوة متقدمة»، لكنه أضاف أن التوصل لوقف إطلاق النار «يتطلب إجراءات لبناء الثقة وتأكد الأطراف المشاركة في الوساطة من جدية طرفي الصراع»، لافتاً إلى أن الأميركيين «موجودون عن قرب من جهود الوساطة والمفاوضات سواء لدعم إسرائيل أو خشية من عرقلة الاتفاق في اللحظات الأخيرة».

وأعلنت مصر منذ بداية الأزمة في قطاع غزة انفتاحها على مختلف الجهود الرامية إلى تحسين الوضع الإنساني في القطاع والعمل على وقف إطلاق النار، وأجرى مسؤولون مصريون اتصالات مكثفة بشأن إتمام اتفاق لتبادل الأسرى، كما جرى تنسيق مصري - قطري في هذا الصدد.

خبير الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، لفت إلى صعوبة المفاوضات في ظل إمكانية التراجع في اللحظات الأخيرة نتيجة عدم الاتفاق على تفاصيل فنية أو أمنية تتعلق بإطلاق سراح المحتجزين ومدى توافر إجراءات السلامة والتزام أطراف الصراع، موضحاً أن خروج الاتفاق للعلن سيكون بمثابة «اختراق مهم». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه حتى الساعات الأخيرة لا تزال أطراف داخل حكومة الحرب الإسرائيلية ترفض المضي قدما في اتفاق مع «حماس»، عادة ذلك «صفقة خاسرة» وقيداً على استكمال العمليات العسكرية، لكنه أشار إلى وجود «إرادة أميركية قوية لإتمام الاتفاق، ما يمثل ضغطا مهما على تلك الأصوات المعارضة داخل الحكومة الإسرائيلية».

ونجحت وساطة مصرية - قطرية الشهر الماضي في إطلاق سراح محتجزتين إسرائيليتين لدى حركة «حماس»، التي أعلنت بدورها أن هذه العملية كانت لـ«دواعٍ إنسانية»، كما نجحت قطر قبلها بثلاثة أيام في إطلاق سراح أم وابنتها من حملة الجنسية الأميركية.


مقالات ذات صلة

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

المشرق العربي إسرائيليون يزورون الأحد موقعاً لهجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» قبل عام (رويترز)

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

أعلنت إسرائيل حالة تأهب قياسية، الأحد، بالمواكبة مع الذكرى الأولى لأحداث «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

كفاح زبون (رام الله)
تحليل إخباري فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
خاص دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

خاص في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

«إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى». هكذا كانت رسالة الضباط الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

أعلن الجيش السوداني تحقيق انتصارات في منطقة «جبل موية» الاستراتيجية، بعدما كان قد فقد السيطرة عليها لصالح «قوات الدعم السريع» في أواخر يونيو (حزيران) الماضي. كما التحم الجيش مع قواته في ولاية سنار وولاية النيل الأبيض، منهياً بذلك عزلة هاتين الولايتين التي كانت مفروضة عليهما لنحو 3 أشهر. وقال مؤيدون للجيش ومواطنون إن قوات الجيش استعادت المنطقة، وسيروا مواكب احتفالية لإنهاء الحصار الذي كان مفروضاً عليهم.

وسيطرت «قوات الدعم السريع» على منطقة «جبل موية» في 25 يونيو الماضي، بعد معارك شرسة دارت بينها وبين الجيش، ما مكنها من قطع الطرق الرابطة بين ثلاث ولايات، وعزل قواعد الجيش هناك.

وتقع منطقة «جبل موية» على بعد 250 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم، وتعد موقعاً استراتيجياً تتداخل فيه ثلاث ولايات هي: الجزيرة، وسنار، والنيل الأبيض.

و«جبل موية» عبارة عن ثلاثة تلال جبلية هي «جبل موية، وجبل دود، وجبل بيوت»، وتتحكم المنطقة في الطريق البري الرابط بين مدينتي ربك حاضرة ولاية النيل الأبيض، وسنار أكبر مدن ولاية سنار، كما تتحكم في الطريق الذي يربط منطقة المناقل بمدينة سنار. وتحيط بجبل موية عدة مناطق عسكرية تابعة للجيش هي «الفرقة 17 سنجة» بولاية سنار، و«الفرقة 18 مشاة» بولاية النيل الأبيض، و«اللواء جوي 265 سنار»، وقاعدة «كنانة الجوية».

وحولت سيطرة «قوات الدعم السريع» على جبل موية تلك المناطق العسكرية إلى جزر معزولة عن بعضها، وعزلت الولايات الثلاث عن بقية أنحاء البلاد.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (مواقع التواصل)

وقال إعلام مجلس السيادة الانتقالي في نشرة إن نائب القائد العام للجيش الفريق شمس الدين الكباشي قدم التهاني للجيش بانتصاراته، وتعهد بـ«مواصلة الزحف حتى تطهير آخر شبر من هذا البلد، من دنس الميليشيا الإرهابية المتمردة» في إشارة إلى «قوات الدعم السريع». ونقلت صفحة الجيش على مواقع التواصل الاجتماعي أن مدينة كوستى في ولاية النيل الأبيض شهدت مسيرات جماهيرية عفوية، احتفالاً بانتصارات الجيش في محور جبل موية ومحور طريق ربك - سنار، والتقاء «قوات الفرقة ١٨ مشاة» مع قوات متقدمة ولاية سنار.

ولا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على معظم ولايتي سنار والجزيرة وأجزاء من شمال ولاية النيل الأبيض، التي سيطرت عليها بعد إحكام السيطرة على «جبل موية»، بالتفاف على قوات الجيش الموجودة في مدينة سنار، وسيطرت على مقر الفرقة في مدينة سنجة بجانب مدينتي الدندر، والسوكي وعدد آخر من البلدات المهمة في الولاية.

وفيما يشبه الاعتراف بفقدان المنطقة الاستراتيجية تساءل مستشار قائد «قوات الدعم السريع» الباشا طبيق، في تغريدة ساخرة على صفحته بمنصة (إكس)، من جيش عمره أكثر من 100 عام، ويملك مشاة وطيراناً ومهندسين وبحرية ومظلات واستراتيجية وسلاح أسلحة وغيرها، وتسانده في القتال «كتائب الإسلاميين الإرهابية، وأكثر من 15 حركة مسلحة مرتزقة... وأصبح حُلمه كله عبور جسر وفتح شارع فقط»، وذلك في إشارة لخسارته لمنطقة جبل موية وفتح الطريق الرابط بين سنار وكوستى، وعبور قوات الجيش جسر «الحلفايا» في شمال الخرطوم الأسبوع الماضي.