كيف تؤثر «حرب غزة» و«دعوات المقاطعة» في «رئاسية مصر»؟

فريد زهران يرصد «تراجع اهتمام»... وتحفيز حكومي لمواطني الخارج

وزيرة الهجرة خلال لقاء أعضاء من الجالية المصرية بالسعودية (مجلس الوزراء المصري)
وزيرة الهجرة خلال لقاء أعضاء من الجالية المصرية بالسعودية (مجلس الوزراء المصري)
TT

كيف تؤثر «حرب غزة» و«دعوات المقاطعة» في «رئاسية مصر»؟

وزيرة الهجرة خلال لقاء أعضاء من الجالية المصرية بالسعودية (مجلس الوزراء المصري)
وزيرة الهجرة خلال لقاء أعضاء من الجالية المصرية بالسعودية (مجلس الوزراء المصري)

أثارت دعوات أطلقتها أحزاب مصرية معارضة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها الشهر المقبل، جدلاً سياسياً واسعاً في البلاد. وبينما رهن المرشح الرئاسي ورئيس «الحزب المصري الديمقراطي» فريد زهران الإقبال على المشاركة بـ«تغييرات في السياسة العامة»، رأى مراقبون أن «الزخم الذي صاحب الانتخابات خلال الأسابيع الماضية، تراجع بصورة ما على خلفية الانشغال بحرب غزة؛ ما قد يؤثر في نسب المشاركة»، وفق تقييم هؤلاء.

وتُجرى الانتخابات بالخارج، على مدار 3 أيام، بداية من الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بينما ينتخب المصريون في الداخل أيام 10 و11 و12 ديسمبر.

وإلى جانب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي يتطلع إلى ولاية ثالثة ويُعد «الأوفر حظاً»، يشارك 3 آخرون في السباق وهم: فريد زهران رئيس «الحزب المصري الديمقراطي»، وعبد السند يمامة رئيس «حزب الوفد»، وحازم عمر رئيس «حزب الشعب الجمهوري».

وعلى مدار الأيام الماضية، نظمت أحزاب مؤيدة للسيسي مؤتمرات عامة بمحافظات مختلفة، إلى جانب لقاءات تعقدها الحملة الرسمية مع ممثلين لفئات مختلفة، بينما واصل المرشحون الآخرون جولاتهم الانتخابية والظهور في برامج تلفزيونية خلال فترة الدعاية الانتخابية التي تستمر حتى موعد بدء الصمت الانتخابي في الداخل يوم 8 ديسمبر.

دعوات مقاطعة

لكن 9 أحزاب تنتمي إلى «الحركة المدنية» المعارضة، وعدداً من الشخصيات العامة دعوا الأسبوع الماضي إلى مقاطعة الانتخابات بسبب ما وصفوه بـ«انتهاكات» خلال مرحلة جمع التوكيلات، في إشارة إلى عدم تمكن البرلماني السابق أحمد الطنطاوي من جمع تأييدات من المواطنين، وقد أرجع الأمر إلى ما وصفه بـ«تضييقات»، لكن الهيئة الوطنية للانتخابات نفت في أكثر من مناسبة وجود أي معوق وأكدت «التزامها الحياد».

وجمع الطنطاوي نحو 14 ألف توكيل، وفق حملته، بينما كان عليه جمع 25 ألف توكيل من 15 محافظة.

ومن بين الداعين للمقاطعة أحزاب (التحالف الشعبي الاشتراكي، الدستور، العربي الديمقراطي الناصري، الكرامة، المحافظون)، وكان يتوقع أن تدعم تلك الأحزاب، المرشح فريد زهران، خصوصاً أن حزبه جزء من «الحركة المدنية»، التي لم تستطع اتخاذ موقف جماعي موحد من الانتخابات حتى الآن.

وفي مؤتمره السادس لحملته الانتخابية بـ«البدرشين» في محافظة الجيزة، قال زهران: «لا أتوقع إقبالاً كبيراً ما لم تكن هناك متغيرات كبيرة تتعلق بالأوضاع السياسية العامة، وألا يحدث أي تضييق على حملات المرشحين في الأيام أو الأسابيع القليلة المتبقية».

تراجع اهتمام

ولا يرى المرشح المعارض «منافسة محمومة» مع تراجع الاهتمام بالانتخابات في الوقت الحالي لأسباب عدة؛ على رأسها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقال: «من الصعب وصف التنافس الحالي بأنه تنافس محموم؛ لأن كثيراً من الظروف أدت لتراجع الاهتمام بالانتخابات الرئاسية أبرزها الوضع في غزة، والعدوان الإسرائيلي الوحشي»، مُضيفاً أنه «من زاوية ثانية، هناك وقت قليل جداً متاح للمعركة الانتخابية التي من المفترض أنها بدأت رسمياً 9 نوفمبر (تشرين الثاني)».

فريد زهران يتوسط أعضاء حملته خلال مؤتمر بـ»البدرشين» (حملته الانتخابية)

وتوضح أميرة صابر المتحدثة باسم حملة فريد زهران، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن توقعات زهران بتراجع الإقبال «ترتبط بشكل مباشر بأحداث غزة، وليس بالاستجابة لدعوات المقاطعة». ورغم إدراكه أن المشهد الخارجي (حرب غزة) يفرض نفسه على الأوضاع في مصر، يرى الخبير بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور صبحي عسيلة، أن هذا الوضع يتطلب «خروجاً مكثفاً في الانتخابات الرئاسية وليس العكس».

وقال عسيلة لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوضع الخارجي يفرض منح الرئيس المقبل أكبر قدر من الشرعية عبر تكثيف المشاركة في الانتخابات». ورأى أن دعوات المقاطعة «غير موفقة»، وتنطلق من «تيارات سياسية لا تسعى لاستقرار مصر بشكل كامل»، بل تستهدف «مكايدة النظام السياسي القائم فقط».

ويصف خالد فؤاد، رئيس حزب «الشعب الديمقراطي»، الدعوة لمقاطعة الانتخابات بـ«الآثمة»، ورأى مروجيها «جهات لا ترغب في الخير للشعب المصري» مؤكداً أن «الوقت الحالي وما يحيط بمصر من صراعات وحروب أمور تستلزم وحدة ودعماً وعدم عرقلة للمسيرة السياسية الحالية».

وبدوره، قال عضو المجلس الرئاسي لحزب «المحافظين» طلعت خليل لـ«الشرق الأوسط»، إن «أزمة التوكيلات أثرت في اهتمام الشارع المصري بالانتخابات الرئاسية»، لافتاً إلى أن الأصل في الأمر «ليس في دعوة حزبه مع آخرين للمقاطعة، لكن في اتخاذ الناخبين هذا القرار بأنفسهم».

وتسعى الحكومة المصرية إلى تشجيع المواطنين للمشاركة في الانتخابات، واستهلت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج السفيرة سها جندي جولتها بالخارج بزيارة السعودية للقاء رموز وقيادات الجالية المصرية ضمن حملة «شارك بصوتك» من أجل تحفيز نحو 3 ملايين مصري موجودين بالمملكة على المشاركة.

وجاءت زيارة الوزيرة ضمن جولة تستهدف دولاً خليجية وأوروبية عدة يوجد بها العدد الأكبر من المصريين بالخارج الذين يصل عددهم إلى نحو 14 مليون شخص سيكون لهم حق التصويت.

ويعتقد عضو المجلس الرئاسي لـ«حزب المحافظين» أن «عدم استشعار الناخبين لجدية العملية الانتخابية بجانب ما يحدث في غزة أمور تجعل من الصعب توقع مشاركة كثيفة»، لكن رئيس «حزب الشعب الديمقراطي» شكك في تلك التوقعات، مؤكداً «أنها لن يكون لها صدى بين الناخبين في ظل التفاعل المستمر مع الفعاليات الانتخابية».


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
شمال افريقيا سيارة إطفاء تعمل بعد إخماد حريق كبير في الموسكي بوسط القاهرة (رويترز)

حرائق متكررة في وسط القاهرة تُثير جدلاً

أعاد الحريق الهائل الذي نشب في بنايتين بمنطقة العتبة في حي الموسكي وسط القاهرة، وتسبب في خسائر كبيرة، الجدل حول تكرار الحرائق في هذه المنطقة

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يتخوفون من غلاء أسعار السلع بعد رفع الوقود (الشرق الأوسط)

مصريون يترقبون تحركات حكومية لمواجهة الغلاء بعد رفع أسعار الوقود

وسط ترجيحات بزيادة جديدة على «أسعار السلع والمنتجات خلال الأيام المقبلة» عقب تحريك أسعار الوقود، يترقب مصريون «التحركات الحكومية لمواجهة موجة الغلاء المتوقعة».

محمد عجم (القاهرة)
شمال افريقيا مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

الحكومة المصرية لتشديد عقوبات «سرقة الكهرباء»

وسط إجراءات مصرية مكثفة لاستمرار «تنفيذ خطة عدم قطع الكهرباء» في البلاد، تدرس الحكومة المصرية تشديد عقوبات «سرقة الكهرباء».

أحمد إمبابي (القاهرة )

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز