ما حقيقة تسرّب «السلاح السائب» من ليبيا إلى دول أفريقية؟

خبراء ينقسمون حول تقارير دولية تتحدث عن وصوله إلى السودان ونيجيريا ومالي

اجتماع في تونس الأسبوع الماضي لفريق العمل المعني بنزع السلاح الليبي (البعثة الأممية)
اجتماع في تونس الأسبوع الماضي لفريق العمل المعني بنزع السلاح الليبي (البعثة الأممية)
TT

ما حقيقة تسرّب «السلاح السائب» من ليبيا إلى دول أفريقية؟

اجتماع في تونس الأسبوع الماضي لفريق العمل المعني بنزع السلاح الليبي (البعثة الأممية)
اجتماع في تونس الأسبوع الماضي لفريق العمل المعني بنزع السلاح الليبي (البعثة الأممية)

أعادت تقارير أميركية وأممية الحديث عن فوضى «السلاح السائب» في ليبيا، و«تسرّب كميات منه إلى دول أفريقية»، وسط انقسام بين محللين وخبراء ليبيين حول «حقيقة هذه الاتهامات من عدمها».

وكان تقارير صدرت مؤخراً عن القيادة العسكرية الأميركية لقارة أفريقيا «أفريكوم» وخبراء الأمم المتحدة تتحدث عن تسرّب أسلحة ليبية إلى دول أفريقية، من بينها نيجيريا ومالي والسودان.

وتباينت آراء محللين ليبيين بين معسكر يؤيد تلك التقارير باعتبارها «موثوقة» وصادرة عن الأمم المتحدة وجهات دولية، وفريق آخر يرى أنها محاولة لـ«تشويه الجهد المبذول» لتأمين الحدود الجنوبية الليبية، في بلد لا يزال يعاني انقساماً عسكرياً مزمناً بين قوات «الجيش الوطني» في شرق البلاد، وقوات تابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة في غربها.

وتشير أحدث دراسة أمنية نشرتها «أفريكوم»، الأسبوع الماضي، إلى «تسرب الكثير من الأسلحة المتداولة في نيجيريا من ترسانة الأسلحة الضخمة التي كان يمتلكها نظام معمر القذافي (الرئيس الراحل)» وفق ما نقلته مجلة «منبر الدفاع الأفريقي» الصادرة عن القوة العسكرية الأميركية عن الرئيس التنفيذي لمبادرة «سولهو» للتنمية إدريس محمد (منظمة إنسانية غير حكومية).

ومن بين المؤيدين لهذه التقارير، الخبير العسكري الليبي عادل عبد الكافي، الذي يعتقد أن «الأسلحة الليبية المهربة تهدد أمن دول جوار ومنطقة شمال أفريقيا مثلما تقول الأمم المتحدة و(أفريكوم)».

ويرى الكافي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن قوات عناصر شركة «فاغنر» الروسية الموجودة في قاعدة الجفرة العسكرية (وسط ليبيا) وبراك الشاطئ (جنوب ليبيا)، «لها دور في نقل السلاح إلى مالي ونيجيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى للمساعدة في الإطاحة بأنظمة هذه الدول الأفريقية عبر عناصر عسكرية محلية».

اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» عقب اجتماع سابق بسرت وسط البلاد (البعثة الأممية)

ومنذ سقوط نظام القذافي عام 2011، دخلت ليبيا حقبة فوضى أمنية عارمة، انتشر خلالها نحو 29 مليون قطعة سلاح بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة ليس داخل البلاد فحسب، بل تُسرب نحو دول الساحل، وفق تقارير دولية.

في المقابل، يعبر الخبير العسكري محمد الترهوني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن استغرابه من التقارير الدولية التي تتحدث عن «استمرار تسريب أسلحة من ليبيا إلى دول جوار في أفريقيا»، واصفاً تلك التقارير بأنها «تنحاز لطرف ضد آخر» ضمن ما سمّاها «أجندة تروج لأن منطقة خط الجنوب غير آمنة».

ولم يكن ما نقلته «أفريكوم» بعيداً عما كشفه خبراء مجلس الأمن الدولي في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن تدفق أسلحة من ليبيا إلى دول أفريقية.

وحسب التقرير الأممي الذي يغطي الفترة من 25 أبريل (نيسان) 2022 إلى 17 يوليو (تموز) 2023، فقد شاركت عناصر من قوات «الجيش الوطني» الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، التي تتمركز في الجزء الجنوبي من البلاد، في نقل الذخائر والأسلحة عبر مطاري بنينا والكفرة إلى قوات «الدعم السريع» السودانية، بعد وقت قصير من بدء النزاع المسلح في السودان أبريل (نيسان) الماضي، لكن الجيش نفى ذلك جملةً وتفصيلاً.

وبجانب محاولات القوات التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مد نفوذها في الجنوب الليبي، التي تحدث عنها الترهوني، أكد في الوقت ذاته على «استمرار سيطرة وتأمين قوات (الجيش الوطني) للخط الحدودي الممتد من جنوب شرق إلى جنوب غرب ليبيا».

ويقول المحلل الليبي: «الجنوب كان يعاني منذ سنوات من تهريب السلاح والإتجار بالبشر وتهريب الوقود، ومع تأمين الحدود بات يشهد حقبة زمنية من إعادة الإعمار».

وينتقد الترهوني ما وصفه بـ«محاولات الزج بليبيا في الصراع السوداني»، ويرى أن «التقارير أثبتت أنها طرف محايد يسعى إلى السلام في دول الجوار».

ووسط هذا الانقسام، عّد المحلل السياسي السنوسي إسماعيل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «السلاح السائب في ليبيا من تجليات الأزمة الأمنية، التي تتناسب طردياً مع حالة البلاد سياسياً».

ويقول إن «الجيش الليبي التابع للقيادة العامة في بنغازي يسيطر على كامل الحدود الجنوبية والشرقية، كما أن نظيره التابع لرئاسة الأركان في طرابلس أبلى بلاءً حسناً ضد عصابات التهريب المتمركزة في المنطقة الغربية».

وفي فبراير (شباط الماضي) الماضي، أعلنت الأجهزة الأمنية في شرق ليبيا ضبط كميات من الأسلحة «النوعية الخطيرة» بالمنطقة الجنوبية قبل تهريبها إلى مصر عبر واحة الجعبوب جنوب طبرق.

ويرى السنوسي، أن جوهر المشكلة يتمثل في «عدم وجود مؤسسة عسكرية موحدة في البلاد، مع وجود حالة تربص بين العسكريين رغم تقلصه كثيراً منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف عام 2020».

وفي فبراير (شباط) الماضي، أعاد مكتب الأمم المتّحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة تسليط الضوء على «حالة الفوضى التي غرقت فيها ليبيا منذ 2011 التي أدّت إلى تدفّق الأسلحة من الدولة الواقعة في شمال القارّة إلى دول الساحل الواقعة جنوبها»، داعياً حكومات دول منطقة الساحل إلى «مضاعفة جهودها لمنع عمليات تهريب الأسلحة وضبطها».

عصام أبو زريبة وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي (الحكومة)

وسبق لوزير الداخلية بالحكومة الليبية المكلفة من البرلمان عصام أبو زريبة، القول إن التقارير الإعلامية التي أشارت مؤخراً لانتشار أسلحة مهربة من ليبيا ساهمت في ازدياد نشاط قطّاع الطرق بمنطقة الساحل في أفريقيا تعود لما قبل 2016، معتبراً أن الحديث عن ذلك الآن له أهداف سياسية.

وقال أبو زريبة في تصريحات لوكالة «أنباء العالم العربي»، أن هذه التقارير «تتحدث عن فترة تعود إلى أوقات الفوضى في البلاد التي سبقت عام 2016، ولا تمت للوقت الراهن بصلة».


مقالات ذات صلة

قبائل غرب ليبيا تطالب بإخراج «المرتزقة» والقوات الأجنبية

شمال افريقيا جانب من التحضير لمؤتمر «لم الشمل» عقده موالون للنظام السابق (من صفحات موالية لنظام القذافي)

قبائل غرب ليبيا تطالب بإخراج «المرتزقة» والقوات الأجنبية

صعّدت قبائل موالية لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي ضد وجود «المرتزقة» والقوات الأجنبية في ليبيا، مطالبين بإخراج هذه العناصر، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً أعضاء هيئة الدستور الليبي (حكومة «الوحدة»)

ساسة ليبيا ينقسمون بين تشكيل «حكومة جديدة» والعودة لـ«الدستور»

تعمل السلطة بطرابلس الليبية على الدفع بالبلاد باتجاه إجراء «استفتاء على الدستور». في مقابل ذلك، تنشط جبهة شرق ليبيا ممثلة في مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس مجلس النواب الإيطالي لورينزو فونتانا مستقبلاً عقيلة صالح (مكتب صالح)

ليبيون يتساءلون عن أهداف زيارة رئيس «النواب» إلى إيطاليا

انشغلت الأوساط السياسية في ليبيا بالزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى العاصمة الإيطالية، الأسبوع الماضي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في لقاء سابق مع رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)

«الرئاسي» الليبي يتحدى «النواب» بشأن «مفوضية الاستفتاء»

أعلن المجلس الرئاسي الليبي، الأربعاء، اعتزامه «تفعيل عمل (المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني) رغم اعتراضات مجلس النواب».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» خلال زيارة سابقة إلى تاورغاء وبجواره عميد البلدية عبد الرحمن الشكشاك (الوحدة)

ليبيا: عودة الاحتقان إلى تاورغاء بعد 6 أعوام من «المصالحة» مع مصراتة

وسط دعوات لوقفات احتجاجية يرفض سكان مدينة تاورغاء قراراً أصدره رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بضمها بوصفها فرعاً بلدياً إلى جارتها مصراتة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مباحثات جزائرية أوروبية لحل «أزمة اتفاق الشراكة»

رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

مباحثات جزائرية أوروبية لحل «أزمة اتفاق الشراكة»

رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

يلتقي مطلع الشهر المقبل مسؤولون من الحكومة الجزائرية مع أطر من مفوضية الاتحاد الأوروبي لبحث مراجعة «اتفاق الشراكة»، الذي يؤطر قضايا التجارة والاستثمارات بينهما منذ قرابة 20 سنة، والذي بات «متعارضاً مع واقع اقتصادي جديد»، وفق الطرح الجزائري للقضية المثيرة للجدل.

وأعلن سفير الاتحاد بالجزائر، دييغو ميلادو، عن المشاورات المنتظرة، خلال لقاء مع وسائل إعلام محلية، نشرت الخميس تقريراً عنه، أهم ما جاء فيه أن التبادل بين الخبراء من الجهتين «سيكون ذا طابع فني، وسيتناول مجمل النزاعات التجارية بين الطرفين». وسيقود التفاوض عن الجهة الأوروبية وفد من مديرية التجارة تابع للمفوضية، يقابله وفد من وزارة التجارة الخارجية الجزائرية.

ممثل السياسة الخارجية في «الاتحاد الأوروبي» جوزيب بوريل في لقاء سابق مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

وستتناول المشاورات، حسب الدبلوماسي الأوروبي نفسه «القضايا التقنية؛ مثل قواعد المنشأ، والمعايير الصحية والصحية النباتية، والإجراءات الجمركية». مشدداً على «أهمية إحداث جو هادئ بين الطرفين... فمع الجزائر، نريد النظر إلى العلاقة بشكل شامل». مبرزاً أن العلاقة بين الطرفين «إيجابية بالنظر إلى أهمية التبادلات التجارية».

وقال السفير إن أوروبا هي الزبون الأول للجزائر في مجال الغاز، وأكبر مستثمر برصيد 23 مليار يورو، وتبادلات تجارية بقيمة 50 مليار يورو. وأضاف بهذا الخصوص: «نحن على دراية بأن هناك إرادة في الجزائر لتنويع الاقتصاد، ونحن في أوروبا نراهن على التصنيع في القارة. يجب أن تكون الجزائر شريكاً في هذا المسار التصنيعي لأوروبا».

سفير الاتحاد الأوروبي في الجزائر (البعثة الأوروبية بالجزائر)

ووفق ميلادو، «يتعلق الأمر أساساً بتقييم التبادلات بشكل أكثر وضوحاً، من خلال مراجعة اتفاق الشراكة بشكل شامل... ولا توجد لدينا دراسة نقطة بنقطة». لكن كلام السفير الأوروبي حمل في طياته ما يتعارض مع مطلب طرحه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 2021، يخص «مراجعة الاتفاق بنداً ببند، مع الأخذ في الاعتبار سيادة الجزائر، وبناء على مبدأ تقاسم المنفعة»، وكان يقصد ضمناً أن الاتفاق درّ ربحاً على دول الاتحاد، دون بلاده، خصوصاً ما ارتبط بتفكيك التعريفة الجمركية عن السلع الأوروبية، وهو ما حرم خزينة الدولة من أموال كبيرة، حسب الجزائريين. وفي مقابل هذه الرؤية، يقول خبراء مستقلون إن أصل المشكلة هو أن المنتجات الجزائرية عجزت عن أن تجد لها مكاناً في الأسواق الأوروبية، وهو ما فوّت على الدولة مداخيل مهمة.

وفي تقدير السفير ميلادو فإن اجتماع يناير (كانون الثاني) المقبل «مهم جداً في هذا السياق العالمي الجديد. وضمن هذا السياق، يجب الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجيوسياسية»، من دون توضيح ما يقصد.

وزير خارجية الجزائر (يسار) في لقاء سابق مع نظيره المجري لبحث وساطة مع «الاتحاد الأوروبي» تحل الخلاف التجاري (الخارجية الجزائرية)

كما خاض السفير في «التحديات المناخية والانتقال الطاقوي»، مؤكداً أن «الطاقة أمر حاسم مع الجزائر، ونحن نريد شريكاً قوياً في هذا المجال للانتقال نحو الطاقة المستدامة». مشيراً في هذا السياق إلى «إعادة النظر في سياسة الجوار الأوروبية». وقال موضحاً: «نريد إيجاد عناصر مشتركة لإعادة تعريف ميثاق للبحر الأبيض المتوسط، إنها حقاً إرادة سياسية، ولا يتعلق الأمر فقط بالعلاقات التجارية». كما أوضح أيضاً أن ميثاقاً للبحر المتوسط «سيكون بعنوان رئيسي: تعزيز الروابط... ونحن نريد سياسة مشتركة، وهذا ما نرغب تطويره في الميثاق الجديد، خاصة مع الجزائر، سواء في مجالات الاستثمار والاستقرار الاقتصادي، وإيجاد فرص للعمل، أو في مجال الطاقة».

السفير الأوروبي في الجزائر (يسار) مع وزير خارجية الجزائر (متداولة)

ومطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، صرح الرئيس تبون في مقابلة بثها التلفزيون العمومي بأنه «بات لزاماً علينا أن نطلب مراجعة اتفاق الشراكة مع الأوروبيين، فعندما وقعناه (عام 2002 ودخل التنفيذ في 2005)، لم تكن الجزائر آنذاك تمتلك قدرات تصدير. لكن أوضاعنا تغيرت؛ إذ أصبحنا ننتج ونصدر حالياً مجموعة كبيرة من المواد المصنعة، والأجهزة الكهربائية وغيرها. وكنا نستورد حاجياتنا الزراعية، بعكس وضعنا حالياً». مبرزاً أن «جوهر الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي يقوم على التجارة الحرة، ونحن نريد إعادة النظر فيه على أساس هذا الجوهر، دون الدخول في صراع».