إقليم دارفور: المدنيون يعيشون أوضاعاً كارثية

قلق أميركي من «انتهاكات جسيمة» لحقوق الإنسان

سودانية من مدينة الجنينة غرب دارفور نزحت إلى تشاد تبكي بعد علمها بوفاة أقرباء لها الثلاثاء الماضي (رويترز)
سودانية من مدينة الجنينة غرب دارفور نزحت إلى تشاد تبكي بعد علمها بوفاة أقرباء لها الثلاثاء الماضي (رويترز)
TT

إقليم دارفور: المدنيون يعيشون أوضاعاً كارثية

سودانية من مدينة الجنينة غرب دارفور نزحت إلى تشاد تبكي بعد علمها بوفاة أقرباء لها الثلاثاء الماضي (رويترز)
سودانية من مدينة الجنينة غرب دارفور نزحت إلى تشاد تبكي بعد علمها بوفاة أقرباء لها الثلاثاء الماضي (رويترز)

يشهد إقليم دارفور السوداني وضعاً كارثياً، وسط القذائف التي تتساقط على أجساد المدنيين الذين أنهكتهم الحرب، والإبادة الجماعية التي شهدها الإقليم قبل عقدين من الزمان وازدياد المخاوف من تكرارها بالحرب المندلعة في البلاد منذ أبريل (نيسان) الماضي.

ويتوقع المراقبون ازدياد حالات العنف ضد المدنيين بسبب احتدام المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، واتساع نطاق النزاعات القبلية، واحتمالات تحولها لعمليات تطهير ضد عرقيات محددة.

وقال الناطق الرسمي باسم حكومة الإقليم مصطفى جميل، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأوضاع سيئة للغاية وإن ارتدادات الحرب ستكون خطيرة على سكان الإقليم وعلى البلاد بشكل عام.

دمار سببته الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في إقليم دارفور الملاصق لمنطقة كردفان (أرشيفية - أ.ف.ب)

ووفقاً لجميل، فإن مدينة الفاشر لا تزال تشهد مناوشات بين المتحاربين، تنذر بمعارك وشيكة.

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، حذر من مغبة هجوم متوقع لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، يعرض حياة النازحين للخطر، وحث الطرفين على وقف القتال.

وسيطرت «قوات الدعم» على مقر الجيش في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، بعد استيلائها على حاميات الجيش في كل من نيالا، عاصمة جنوب دارفور، وزالنجي، حاضرة وسط دارفور، ويخشى تحركها للسيطرة على الفاشر، عاصمة شمال دارفور، التي تؤوي أعداداً كبيرة من النازحين الجدد، إضافة إلى النازحين القدامى في المعسكرات.

وتقول تقارير غير رسمية إن المعارك في دارفور أدت لمقتل أكثر من 4 آلاف شخص، بينما لجأ الآلاف إلى دول الجوار، ونزح مئات الآلاف بحثاً عن الأمان في مدينة الفاشر.

سودانيون ينزحون إلى تشاد هرباً من المعارك الثلاثاء الماضي (رويترز)

ووصف الناطق باسم حكومة دارفور مصطفى جميل، الأوضاع في الإقليم بأنها «تشهد اضطراباً فوق العادة»، تسبب في شح للمواد الأساسية والطبية، بما في ذلك مياه الشرب، وأن الباحث عنها يتعرّض لمخاطر.

وقال شهود محليون إن الأيام الماضية شهدت نزوح مواطنين إلى معسكر «زمزم» في أطراف المدينة هرباً من القتال، وهو معسكر قديم منذ حرب دارفور، ويضم أعداداً كبيرة من النازحين. وأضافوا: «معسكر زمزم أكثر أمناً لأنه بعيد نسبياً عن مقار الجيش والمناطق الاستراتيجية».

وأدت الحرب إلى نزوح 60 في المائة من السكان وإلى تعطيل الخدمات، بعد استيلاء قوات «الدعم السريع» على الفرق الثلاث التابعة للجيش في نيالا وزالنجي والجنينة، بعد معارك سقط فيها مئات الضحايا.

وأوضح شهود محليون، لـ«الشرق الأوسط»، أنهم يتحركون في تلك المدن بحذر شديد، خوفاً من تجدد الاشتباكات بين الجيش و«الدعم السريع».

وأشار مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، الأسبوع الماضي، إلى مقتل 17 شخصاً وجرح 35 ونزوح أكثر من 17 ألف شخص في المعارك، التي دارت في نيالا وزالنجي، ولا تشمل الإحصائية الجنينة.

نازحون سودانيون من مناطق الصراع في دارفور ينتقلون عبر الحدود إلى تشاد في أغسطس الماضي (رويترز)

وقال المسؤول المحلي في معسكر «زمزم» آدم محمود لـ«الشرق الأوسط»، إن أكثر من 110 أسر وصلوا إلى المعسكر من مدينة نيالا، ولا يزال المعسكر يستقبل تدفقات النازحين الذين وصلوا إلى الفاشر ويجري حصرهم.

ووفقاً للمسؤول المحلي، فإن معسكر زمزم استضاف عشرات الأسر التي فرت من الخرطوم، وبات «سكان المعسكر بحاجة إلى دقيق الخبز والسلع الغذائية، ويعانون الأمراض مثل الملاريا والإسهالات وأمراض سوء التغذية، التي تنتشر بكثافة في المعسكر، وتهدد حياة الكثيرين لا سيما الأطفال وكبار السن، نتيجة الجوع وعدم توفر الدواء»، وقال: «أدعو الطرفين المتحاربين لوقف القتال رأفة بالمواطنين الذين يدفعون فاتورة حرب ليسوا طرفاً فيها».

وفي الخرطوم، عبّرت السفارة الأميركية، الخميس، عن قلقها الشديد إزاء تقارير من شهود عيان تفيد بارتكاب قوات الدعم السريع وفصائل مرتبطة بها «انتهاكات جسيمة» لحقوق الإنسان بالسودان.

وقالت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، الأربعاء، إن ما وصفتها بجماعات عربية مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع ارتكبت «انتهاكات خطيرة» لحقوق الإنسان في ولاية غرب دارفور.

وذكرت البعثة، في بيان، أنها تلقت تقارير «مثيرة للقلق» تفيد بأن هذه الجماعات المتحالفة مع «الدعم السريع» ارتكبت الانتهاكات في الفترة بين الرابع والسادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، لا سيما في حي أردمتا بالجنينة في غرب دارفور.

وقالت السفارة الأميركية إن تقارير تفيد باستهداف «لأفراد وشيوخ من قبيلة المساليت والاعتقال التعسفي للمدنيين بمن فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء... هذه الأفعال المروعة تسلط الضوء مرة أخرى على نمط من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع فيما يتصل بحملتها العسكرية».

وأضاف البيان أن الولايات المتحدة تذكّر طرفي الصراع بالسودان بالتزاماتهما «بموجب إعلان جدة الموقع في 11 مايو (أيار) لحماية المدنيين في السودان، بما في ذلك السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود وحماية المدنيين وحقوق الإنسان والالتزام بالقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
TT

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

يأمل ليبيون في إخضاع متهمين بـ«ارتكاب جرائم» خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى «محاكمة عادلة وسريعة».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تحدث ضمن إحاطة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، عن «خريطة طريق» لمحاكمة المتهمين في ليبيا من بينهم المتورطون في «المقابر الجماعية» في ترهونة (غرب البلاد).

وقفة احتجاجية لعدد من أهالي ضحايا ترهونة بغرب ليبيا (رابطة ضحايا ترهونة)

ورغم تعهد خان في إحاطته، بالعمل على «قدم وساق لتنفيذ خريطة طريق لاستكمال التحقيقات في جرائم حرب حتى نهاية 2025»، فإنه لم يوضح تفاصيلها، إلا أن عضو «رابطة ضحايا ترهونة» عبد الحكيم أبو نعامة، عبّر عن تفاؤل محاط بالتساؤلات على أساس أن «4 من المطلوبين للجنائية الدولية في جرائم حرب وقعت بالمدينة منذ سنوات لا يزالون خارج قبضة العدالة».

ويقصد أبو نعامة، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» قائد الميليشيا عبد الرحيم الشقافي المعروف بـ«الكاني»، إلى جانب فتحي زنكال، ومخلوف دومة، وناصر ضو، فيما يخضع عبد الباري الشقافي ومحمد الصالحين لتصرف النيابة، بعد القبض على الأخير السبت.

ومن بين ملفات اتهام متنوعة في ليبيا، قفزت منذ أشهر إلى مقدمة أجندة المحكمة الدولية جرائم «مقابر جماعية» ارتكبت في ترهونة (غرب ليبيا) إبان سيطرة ما تعرف بـ«ميليشيا الكانيات» بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، علماً بأن الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية» قرّرت رفع السرية عن ستة أوامر اعتقال لمتهمين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وينتاب من يتهمون بهذا الملف وأسر ضحايا في ترهونة، القلق مما يرونه «تسييس عمل المحكمة الدولية، وغياب الآلية الفعّالة لتنفيذ مذكرات القبض ضد المتهمين، في ظل وجودهم في بعض الدول»، وفق ما أفاد علي عمر، مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط».

يُشار إلى أن خان، أبلغ مجلس الأمن الدولي عن اتفاقه مع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، على آلية جديدة للتعاون بين الطرفين، لكنه لم يكشف عن تفاصيلها.

إلى جانب مخاوف «التسييس»، يبدو أن تحديد المدعي العام للجنائية الدولية إطاراً زمنياً للانتهاء من التحقيقات نهاية العام المقبل، قد يكون مثار قلق أكبر لعائلات الضحايا.

ووفق عمر: «قد يفاقم الإفلات من العقاب ويشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»، مع إيحاء سائد لدى البعض «بعدم وجود نية لملاحقة مرتكبي الجرائم أو فتح جميع ملفات الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة».

ومن بين الاتهامات التي تلاحق «ميليشيا الكانيات» كانت تصفية أغلب نزلاء سجن «القضائية»، و«الدعم المركزي» بترهونة، في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، في رواية نقلتها «رابطة ضحايا ترهونة».

ويلاحظ متابعون، أن ظلال الانقسام السياسي انعكست على زيارة خان إلى طرابلس، وفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الواحد القمودي. وعلى نحو أكثر تفصيلاً، يشير مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» علي عمر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غياب التعاون من قِبل السلطات في شرق ليبيا وغربها، من بين عراقيل أخرى تقف أمام «نزاهة التحقيقات».

مقبرة جماعية مكتشفة بترهونة (غرب ليبيا) (هيئة التعرف على المفقودين في ليبيا)

في غضون ذلك، فرض الدور الروسي الزائد في ليبيا نفسه على إحاطة خان، أمام مجلس الأمن، بعدما شككت مندوبة روسيا في ولاية المحكمة على الملف الليبي، مذكرة بأن ليبيا «ليست طرفاً في نظام روما الأساسي».

وفي حين يستبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا عبد المنعم الحر دوراً روسياً معرقلاً للمحاكمات، فإنه يتفق مع مندوبة روسيا في أن «الإحالة من جانب مجلس الأمن لم تعط المحكمة الجنائية الدولية ولاية مطلقة على ليبيا»، مشيراً إلى أنها «اقتصرت على جرائم حصلت قبل تاريخ 19 فبراير (شباط) 2011».

ويستند الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي أجاز «التحقيق في جريمة أو أكثر ارتكبت»، وهو «ما يجعل القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ خارج ولاية المحكمة».

وقد يبدو «التفاؤل محدوداً» بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بليبيا أمام المحكمة في لاهاي، وفق «مدير منظمة رصد الجرائم»، لكنه يشير إلى مخرج من هذا المأزق، وهو «اتخاذ خطوات أكثر جرأة، تشمل دعماً دولياً لضمان استقلالية التحقيقات، ووضع آلية فعّالة لتنفيذ مذكرات القبض».

وعلى نحو يبدو عملياً، فإن أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يقترح «حلاً قانونياً بتشكيل محكمة خاصة مختلطة يترأسها قاض ليبي تضم في هيئتها قضاة ليبيين ودوليين، على غرار المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005».