ماذا يستهدف مبعوث الرئيس الفرنسي من لقاءاته بساسة ليبيا؟

يجري جولات مكوكية بين طرابلس وبنغازي

حفتر مستقبلاً مبعوث الرئيس الفرنسي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للقيادة العامة)
حفتر مستقبلاً مبعوث الرئيس الفرنسي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للقيادة العامة)
TT

ماذا يستهدف مبعوث الرئيس الفرنسي من لقاءاته بساسة ليبيا؟

حفتر مستقبلاً مبعوث الرئيس الفرنسي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للقيادة العامة)
حفتر مستقبلاً مبعوث الرئيس الفرنسي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للقيادة العامة)

تكثّف فرنسا من وجودها السياسي والدبلوماسي في ليبيا، بينما تنشغل غالبية الأطراف الدولية بما يجري في قطاع غزة من تصعيد إسرائيلي.

وطرحت جولات مكوكية يجريها بول سولير، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، والسفير مصطفى مهراج لدى ليبيا هذه الأيام، أسئلة عن طبيعة الاجتماعات مع ساسة البلاد غرباً وشرقاً، وماذا تستهدف في ظل انقطاع زيارات دبلوماسيين غربيين آخرين عن العاصمة طرابلس؟

وفي ظل الجمود السياسي الذي يعتري الأزمة الراهنة، وعدم التوصّل لاتفاق بين ساسة البلاد، باتت أصابع الليبيين تشير مجدداً إلى ما تلعبه الدول التي تتدخل في الملف من «دور سلبي، لحساب مصالحها وأجندتها»، ويعتقدون أن فرنسا واحدة من تلك الدول، بالنظر إلى ما يجري في فلسطين من مواقف داعمة لإسرائيل.

حفتر مستقبلاً بول سولير المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا والسفير مصطفى مهراج (القيادة العامة)

ويتبنى الخطاب الفرنسي المعلن في ليبيا، التأكيد على ضرورة التوجه نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية «في أسرع وقت ممكن»، وهو ما عبّر عنه سولير، في لقائه بمحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، ضمن اجتماعات كثيرة بأطراف الأزمة.

ويتحدث محللون سياسيون ليبيون عن أن فرنسا تعمل على استغلال الأوضاع سواء في ليبيا أو بالمنطقة «لاستعادة مكانتها المفقودة، وتعويض ما خسرته في أفريقيا خلال الأشهر الماضية»، لافتين إلى أنها توطد علاقاتها بالأطراف كافة، بعد أن كانت مقتصرة على التواصل مع شرق ليبيا عبر القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر.

وعدّ إدريس إحميد المحلل السياسي، أن المشهد الليبي يعاني من «تدخلات خارجية»، ورأى أن «فرنسا إحدى هذه الدول التي لها أطماع قديمة وتسعى لتحقيقها، خاصة في جنوب البلاد».

وقال إحميد لـ«الشرق الأوسط» إن فرنسا «تعاني اليوم من فشل سياسي في أفريقيا، ولا أرى أهمية للدور الذي يمكن أن تلعبه في ليبيا بمواجهة دور أميركا وأوروبا»، لافتاً إلى أنها تسعى للاستفادة من حالة الانقسام، وترى أن ليبيا «ساحة مناسبة لتحقيق أهدافها».

وأثناء لقاءاته بساسة ليبيا، أكد المبعوث الفرنسي، ضرورة تحريك العملية السياسية باتجاه إجراء انتخابات رئاسية ونيابية في أسرع وقت ممكن، وهو ما نتج عن اجتماعه بقائد «الجيش الوطني» في الرجمة بشرق ليبيا.

ونقل المكتب الإعلامي عن القيادة العامة للجيش، أن حفتر ناقش مع سولير، الذي استقبله في مكتبه بمقر القيادة والوفد المرافق له مساء الأحد آخر التطورات السياسية في ليبيا، وأهمية إجراء الانتخابات بناءً على مخرجات لجنة «6 + 6» المشتركة، كما تطرق الطرفان إلى التباحث حول الاستمرار في التنسيق والتعاون بين البلدين لمحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة.

ويعتقد سياسيون كثر، أن فرنسا «تسعى لتحسين صورتها في ليبيا لكونها إحدى الدول التي شاركت مع حلف (الناتو) في تدمير البلاد خلال إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، دون تقديم المساعدة في بناء الدولة»، مشيرين إلى أنها أيضاً «تعمل على تعظيم مكاسبها في البلاد، في مواجهة تصاعد النفوذ التركي».

المنفي مستقبلاً المبعوث الفرنسي والوفد المرافق له في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)

واندمجت فرنسا ضمن الدول التي تقدمت بمساعدات إلى المدن المنكوبة بشرق ليبيا عقب إعصار «دانيال»، وامتداداً لذلك أبدى المبعوث الفرنسي خلال لقائه محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، دعم بلاده «لهيئة وطنية جامعة لإعادة إعمار المدن المنكوبة تتوفر فيها معايير الكفاءة»، بحيث تشمل ممثلين محليين عن المناطق المتضررة، مشيراً إلى أن فرنسا تدعم اللجنة «المالية العليا»، بوصفها «نموذجاً لتأسيس منصة وطنية شاملة» لإعادة إعمار مدينة درنة وبقية مناطق الجبل الأخضر المتضررة.

بول سولير المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا والسفير مصطفى مهراج (المجلس الرئاسي)

وأمام ما يراه إحميد، «تدخلاً خارجياً» من قبل المبعوثين الدوليين، ومن بين ذلك المبعوث الفرنسي في أمور البلاد، يعتقد أنه «ما لم يكن هناك حل ليبي - ليبي، فلن نتوقع أي حل لأزمة البلاد في ظل هذه التدخلات الأجنبية».


مقالات ذات صلة

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

شمال افريقيا المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

حسمت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا الجدلَ حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

تتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».