حرب أوكرانيا تحول الجزائر إلى ثاني مورد للطاقة لأوروبا

إيطاليا شكّلت «جسراً» لرفع إمدادات الغاز الجزائري إلى القارة

الرئيس الجزائري عند استقباله رئيس الوزراء الإيطالي سابقاً في أبريل 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري عند استقباله رئيس الوزراء الإيطالي سابقاً في أبريل 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

حرب أوكرانيا تحول الجزائر إلى ثاني مورد للطاقة لأوروبا

الرئيس الجزائري عند استقباله رئيس الوزراء الإيطالي سابقاً في أبريل 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري عند استقباله رئيس الوزراء الإيطالي سابقاً في أبريل 2022 (الرئاسة الجزائرية)

كان لتوقف إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، أثر إيجابي على الجزائر، التي تمكنت بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على اندلاع المواجهات من أن تصبح ثاني أكبر مورد للطاقة عبر الأنابيب إلى أوروبا بعد النرويج، وفق تقرير «منتدى البلدان المصدرة للغاز».

وأفاد التقرير، الذي يغطي فترة الأشهر الـ9 الأولى من 2023، بأن الجزائر سجلت نسبة 20 في المائة من صادرات الطاقة إلى أوروبا بعد النرويج، التي عادت إليها نسبة 54 في المائة، مبرزاً أن الإمدادات الغازية الروسية لا تزال مستمرة، على الرغم من انخفاضها الملموس بنحو 66 في المائة، إذ كانت في حدود 17 في المائة خلال الفترة ذاتها، أي ما يعادل 19 مليار متر مكعب.

منشأة غازية بشمال الجزائر (وزارة الطاقة)

وحسب التقرير نفسه، فقد رفعت الجزائر حصتها من صادرات الغاز إلى القارة الأوروبية بشكل لافت خلال عامي 2022 و2023، بعدما تربعت موسكو خلال سنوات طويلة على عرش الدول المصدرة للغاز إلى أوروبا، وذلك بنوعيه المسال والمنقول بواسطة خطوط الأنابيب.

ووفق خبراء الطاقة، فقد كانت الجزائر من أكبر المستفيدين من آثار الحرب في أوكرانيا على أسواق الغاز العالمية؛ حيث دفع الوضع الجديد الدول الأوروبية إلى مواجهة أزمة الإمدادات الطاقوية، بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، فاغتنمت الجزائر الفرصة لزيادة حجم صادراتها من الغاز إلى القارة، علماً بأن المحروقات تشكل 97 في المائة من مداخيل الجزائر (50 مليار دولار عام 2022).

بعض كوادر شركة سوناطراك في منشأة للمحروقات (سوناطراك)

وأكد تقرير «منتدى البلدان المصدرة للغاز» أن واردات أوروبا من الغاز الجزائري عبر خطوط الأنابيب استقرت عند 23 مليار متر مكعب في الأشهر التسعة الأولى من 2023، دون تغيير عن المدة نفسها من 2022، ومقارنة بـ26 ملياراً و12 مليار متر مكعب في عامي 2020 و2021 على التوالي.

وتعد إيطاليا المستفيد الأول ضمن دول أوروبا من صادرات الجزائر في فترة الحرب الروسية على أوكرانيا؛ حيث أعلنت شركة الطاقة الإيطالية «إيني» في سبتمبر (أيلول) 2022 عن استحواذها على أنشطة شركة «بريتش بتروليوم» (بي بي) في الجزائر، كما استحوذت على امتيازات في بعض حقول الغاز في الجزائر، وهما «إن أميناس» و«إن صالح». وتلعب شركة «إيني» حالياً الدور الأكبر ضمن خطة تأمين الطاقة في القارة الأوروبية؛ حيث تهدف إلى إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي، وإيجاد إمدادات بديلة له، علماً بأن حصة إيطاليا من الغاز الروسي كانت 45 في المائة، قبل الحرب.

وحتى يتسنى لها تعزيز الشراكة مع الجزائر، دخلت «إيني» و«سوناطراك» الجزائرية الحكومية في مشروعات طويلة الأجل، تهدف إلى زيادة قدرات الجزائر في مجال تصدير الطاقة إلى أوروبا، ودراسة قدرة الجزائر على التوسع في مجال الطاقة المتجددة. وأثمرت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي السابق، ماريو دراغي، إلى الجزائر في أبريل (نيسان) 2022، اتفاقاً ثنائياً يخص تصدير 10 مليارات متر مكعب من الغاز إضافية إلى أوروبا، تنقل عبر خط أنابيب «ترانسميد».

وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب (وزارة الطاقة)

والاثنين الماضي، صرّح وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، بمناسبة انعقاد النسخة الخامسة من «يوم الطاقة الجزائري - الألماني»، بأن بلاده «لن تتخلى عن الاستثمار في الغاز في خطة التنمية المستدامة التي تتبعها»، وقال إن «مساعي الانتقال إلى الطاقات الجديدة لا تعني بالضرورة التخلّي عن الغاز الطبيعي».

كما أكد عرقاب أنّ الجزائر «استثمرت كثيراً في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، وعملت على تطوير بنيتها التحتية لضمان أمن الطاقة، والمساهمة في تلبية الطلب العالمي، ومن أجل تأمين استدامة هذه الاستثمارات كان لزاماً أن تكون هناك رؤية واضحة لتطورات الطلب العالمي، ومعرفة جيدة لمتطلبات السوق لتأمين الطلب على الطاقة بصفة موثوقة على المدى الطويل».


مقالات ذات صلة

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

يقول صنصال إن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وإن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها، مرتكبين بذلك حماقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)
قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)
TT

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)
قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

علق عشرات المهاجرين غير النظاميين الآتين من باكستان على الحدود بين موريتانيا ومالي، بعد أن رفضت الأخيرة استقبالهم بوصفهم مرحّلين من طرف السلطات الموريتانية، مما أثار الجدل حول ازدياد أعداد المهاجرين القادمين من مختلف دول العالم نحو موريتانيا بوصفها بوابة للوصول إلى الأراضي الأوروبية.

الشرطة الموريتانية نشرت بياناً حول الحادثة، قالت فيه إن «عدداً من مواطني جمهورية باكستان الإسلامية دخلوا البلاد قبل أسابيع بطريقة غير شرعية عبر الحدود مع جمهورية مالي»، وإن فرقها «المختصة في محاربة الهجرة غير الشرعية أوقفت هؤلاء، وقررت إبعادهم وإعادتهم من حيث أتوا»، وبالفعل بدأت إجراءات ترحيل المهاجرين الذين جرى توقيفهم في العاصمة نواكشوط.

مهاجرون في نواكشوط يبيعون بضائع تقليدية لتمويل رحلتهم إلى أوروبا عبر «قوارب الموت»... (أ.و.ب)

وقالت الشرطة إن السلطات المالية «رفضت السماح للمهاجرين الباكستانيين بدخول أراضيها من معبر (كوكي) على الحدود بين البلدين، بحجة أنهم لا يتوفرون على أوراقٍ ثبوتية أو وثائق سفر تؤكد أنهم دخلوا موريتانيا عن طريق الأراضي المالية».

وتوجب على السلطات الموريتانية أن تعيد المهاجرين الباكستانيين إلى العاصمة نواكشوط التي تبعد عن الحدود أكثر من 1200 كيلومتر، وقالت الشرطة في البيان الصحافي إنها «شرعت في إجراءات ترحيلهم إلى باكستان وفق القانون، وبالتنسيق مع المصالح القنصلية الباكستانية في نواكشوط».

ووفق المصدر نفسه، فإن القنصلية الباكستانية «أكدت أنها تواصلت مع ذوي المعنيين في باكستان، وقرروا تحَمُّلَ نفقات عودتهم إلى وطنهم»، فيما قالت الشرطة الموريتانية إن المهاجرين الباكستانيين «سيبقون في عهدتها حتى موعد ترحيلهم، حيث توفر لهم كل أنواع الرعاية؛ بما في ذلك التغذية والصحة، طبقاً للقانون الدولي الإنساني، وعلى أساس المعاهدات والاتفاقات الدولية ذات الصلة».

ازدياد أعداد المهاجرين يزيد الضغط على الموارد المحلية المحدودة (الحكومة الموريتانية)

وظلت موريتانيا معبراً لعشرات آلاف المهاجرين الأفارقة المتوجهين نحو الأراضي الأوروبية، خصوصاً شواطئ جزر الكناري الإسبانية، القريبة جداً من الشواطئ الموريتانية، ولكن في الأشهر الأخيرة ظهرت فئات من المهاجرين الجدد والقادمين من دول آسيوية بعيدة.

صحيفة «صحراء ميديا» واسعة الانتشار في موريتانيا، كتبت تقريراً تحدثت فيه عن انتشار المهاجرين القادمين من دول آسيوية مثل باكستان وبنغلاديش، في أحياء العاصمة الموريتانية نواكشوط.

وتساءلت الصحيفة: «رغم المسافة الكبيرة التي تفصل موريتانيا عن باكستان، والتي تقدر بنحو 7700 كيلومتر، فإنها أصبحت وجهة للمهاجرين الآسيويين؛ فما الذي دفعهم للمخاطرة والقدوم إلى هذا البلد البعيد؟».

مصادر رسمية موريتانية تتحدث عن وجود شبكات تهريب تعمل في مجال الهجرة، تستهدف موريتانيا بوصفها بوابة مثالية للوصول إلى الشواطئ الأوروبية، خصوصاً بعد إغلاق كثير من مسالك الهجرة غير النظامية في العالم.

وفي شهر مارس (آذار) الماضي وقعت الحكومة الموريتانية مع نظيرتها الإسبانية إعلاناً مشتركاً يؤسس لشراكة في مجال الهجرة، كان من أهم بنوده محاربة شبكات تهريب المهاجرين غير النظاميين.

موريتانيا لم تقبل احتضان المهاجرين الأجانب ممن يرحّلون إليها من أوروبا (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقبل أسابيع تداولت الصحف المحلية الموريتانية أن الشرطة فتحت تحقيقاً داخلياً أُوقف فيه أكثر من 10 أفراد من الشرطة، يشتبه في أنهم تورطوا بتسهيل دخول مهاجرين غير نظاميين إلى البلاد.

ويخشى مراقبون أن تكون شبكات التهريب قد اخترقت الأجهزة الأمنية الموريتانية، فيما قالت صحيفة «لوموند» الفرنسية إن التحقيقات الموريتانية قادت إلى توقيف 11 من أفراد الشرطة وضابط وشخصين آخرين يعملان في التهريب، ووجهت إليهم تهمة تلقي رشى من مهاجرين أفارقة مقابل مساعدتهم على الفرار من مركز احتجاز.

وتسببت الحادثة في إقالة رئيس «مكتب مكافحة الهجرة والاتجار بالبشر»، بالإضافة إلى إجراء تعديلات واسعة في صفوف مسؤولي الشرطة الموريتانية، فيما قالت الصحيفة الفرنسية إن ما سمته «فساد الشرطة الموريتانية يقوض جهود التعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية».

وفي تعليق رسمي على تقرير الصحيفة الفرنسية، قال وزير الثقافة الموريتاني الناطق الرسمي باسم الحكومة، الحسين ولد امدو، إن التقرير كان «متحاملاً ويخالف الواقع»، وأضاف أن «التقرير مغرض وغرضي قدمته جهة ما عن موريتانيا وعن آليات تعاطيها مع المهاجرين؛ والأكيد، بحسب المتابعين المحليين والدوليين، أن طبيعة تعاطي موريتانيا مع الهجرة تقوم على مقاربة أصيلة تحترم، كل الاحترام، جميع القوانين الإنسانية الضابطة للعملية».