قصف المشافي يثير موجة غضب عارمة في السودان

مرضى يطلبون العلاج فيعودون أشلاء متطايرة جراء مقذوف طائش

من «مستشفى البشاير» في الخرطوم (أ.ف.ب)
من «مستشفى البشاير» في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

قصف المشافي يثير موجة غضب عارمة في السودان

من «مستشفى البشاير» في الخرطوم (أ.ف.ب)
من «مستشفى البشاير» في الخرطوم (أ.ف.ب)

يذهب بعض المرضى إلى المشافي السودانية طلباً للتداوي، لكن المحزن أنهم «يعودون» إلى بيوتهم «أشلاء مقطعة»، أو تُجمع أعضاؤهم المتناثرة لتدفن كيفما، وأينما اتفق. وقد يحصل في أحيان أخرى أن تتناثر جثة محمولة على الأكتاف إلى المقابر، وتختلط بأشلاء المشيعين، جراء قذيفة استهدفت مستشفى، أو أخرى طائشة تقع على المشيعين في طريقهم إلى المدافن، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة بين المواطنين ضد طرفي القتال اللذين يفجران كل شيء، بما في ذلك المرضى ومواكب التشييع.

هذه المشاهد الدامية ليست من نسج الخيال، بل هي واقع يتكرر حدوثه منذ أن اشتعلت الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» منتصف أبريل (نيسان) الماضي، فيسرع طرفا القتال إلى تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الفعل الشنيع، وتخرج بيانات الإدانة من هذا الطرف ضد الآخر لتتهمه بهذا الفعل البشع، وهذا ما جسدته أحداث أول من أمس الاثنين، حين سقط 4 قتلى في مستشفى «النو» شمالي أم درمان، وتطايرت دماء جرحى آخرين جاؤوا إلى المشفى طلباً للعلاج، جراء قذيفة سقطت على المستشفى، إضافة إلى سقوط 24 قتيلاً وعدد من الجرحى الأسبوع الماضي.

تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (رويترز)

والحرب تقترب من شهرها السابع، حصدت قذائف وصواريخ وطائرات ورصاصات المتقاتلين أرواحاً عدة داخل، أو بالقرب من مشافي الخرطوم أو مشافي إقليم دارفور وكردفان، وأدى ذلك إلى إصابة الناس بحالة من الحزن العميم، اجتاحت البلاد، إلى جانب موجة غضب عارمة تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي، مطالبة المتقاتلين بوقف الحرب التي تقتل طالبي العلاج.

ألم فاق الحدود

«إنهم يقتلون المرضى بسلاحهم، فمن أين أتى هؤلاء؟ وهل سيتبقى للطرفين شعب يتصارعون على قيادته بعد نهاية الحرب؟». هكذا تساءلت المواطنة سميرة صلاح، وهي تذرف الدموع حزناً على ابنها الذي قتل بشظايا قذيفة سقطت بالقرب من أحد المراكز الصحية في منطقة شرق النيل في الخرطوم بحري. وقالت سميرة لـ«الشرق الأوسط»: «كان ابني يعاني من ارتفاع ضغط الدم، فذهب لشراء الدواء، لكنه قتل في الطريق». وقال الصافي فضل المولى لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحدث للمرضى في المشافي القريبة من مناطق الاشتباكات مؤلم جداً، ونتج عنه تزايد ضحايا الصراع الدامي ليصل إلى آلاف القتلى. وأضاف، محملاً قادة الطرفين المسؤولية عن الموت المجاني: «قذائفهم تتساقط بشكل عشوائي، وتضل طريقها إلى أهدافها لتحصد أرواح الأبرياء».

مسعفة في رواق فارغ في «مستشفى سوبا» الجامعي جنوب الخرطوم الذي تضرر بسبب الحرب (أ.ف.ب)

وبالقرب من مناطق الاشتباكات، فإن من لم يمت بأسلحة الطرفين قد يلقى حتفه بسبب عدم توفر الخدمات الطبية، وعدم وجود ممرات آمنة تمكنه من الوصول إلى الخدمات العلاجية الشحيحة، بسبب استهداف الكوادر الصحية، وندرة الدواء. فوصول الأطباء ومساعديهم إلى المشافي هو بحد ذاته مغامرة قد تكلف أحدهم حياته. وقد قتل عدد من الأطباء وهم يهمون بإسعاف مصابين أو مرضى. فمنذ اندلاع الحرب، أغلقت أكثر من 100 مستشفى ومرفق صحي في البلاد أبوابها، إما لوقوعها في مناطق الاشتباكات، أو لتعرضها للقصف المباشر، أو احتلالها من قوات «الدعم السريع».

المرضى أهداف حربية

ويصف خبراء في القانون الدولي تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، استهداف المدنيين بأنه «جريمة حرب»، ويعتبرون أن الجريمة تصبح مضاعفة حين يصل الاستهداف إلى المرضى، ويقولون إن «المدنيين غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم بمواجهة المتحاربين، لذلك فإن الاعتداء عليهم يشكل جريمة مكتملة الأركان، مثلما لا يجيز القانون الدولي استهداف العسكريين غير المحاربين إذا كانوا مرضى في المستشفيات». ويتابعون: «الجرائم في السودان متشعبة، ولا تقتصر على انتهاك الحريات والحقوق، بل تخالف مبادئ القانون الدولي الإنساني، وتشكل جرائم مكتملة الأركان».

مرضى فشل كلوي في مستشفى سوبا جنوب الخرطوم حيث المعاناة بسبب الحرب (أ.ف.ب)

وفي ظل تبادل الاتهامات بارتكاب جرائم الحرب ضد المواطنين من قبل طرفي القتال، تقدمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا والنرويج بمشروع قرار إلى مجلس حقوق الإنسان تطالب فيه بإرسال بعثة تقصي حقائق من ثلاثة خبراء للوقوف على الانتهاكات ضد المواطنين خلال الحرب، وتحديد المسؤوليات. لكن وزارة الخارجية السودانية رفضت تشكيل تلك اللجنة، متذرعة بأن من يرتكب الجرائم هي قوات «الدعم السريع»، وأن الجيش يصد عدوان القوات المتمردة، بينما أبدت قوات «الدعم السريع» ترحيبها بتكوين اللجنة، وحملت بدورها الجيش مسؤولية «المقتلة».


مقالات ذات صلة

السودان: عاصمة ولاية شمال كرفان تحت القصف المدفعي ومقتل 6

شمال افريقيا الحرب شرَّدت السودانيين والأرقام تشير إلى نحو 13 مليون شخص فرُّوا من مناطقهم (أ.ف.ب)

السودان: عاصمة ولاية شمال كرفان تحت القصف المدفعي ومقتل 6

لقي 6 أشخاص على الأقل حتفهم، وأصيب 10 آخرون، الجمعة، في قصف مدفعي شنته «قوات الدعم السريع» استهدف أحياء سكنية في مدينة الأُبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري عناصر بالجيش السوداني يحتفلون بعد استعادتهم القصر الجمهوري في الخرطوم 21 مارس الماضي (أ.ب)

تحليل إخباري كيف ترى القاهرة إعلان «الدعم السريع» سيطرتها على «المثلث الحدودي»؟

أثار إعلان «قوات الدعم السريع» السودانية السيطرة على منطقة «المثلث الحدودي» بين مصر والسودان وليبيا تساؤلات حول موقف القاهرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا «الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق سودانية في المثلث الحدودي مع ليبيا ومصر، بينما قال الجيش السوداني إنه أخلى قواته من المنطقة كترتيب دفاعي

أحمد يونس (كمبالا) وجدان طلحة (بورتسودان)
تحليل إخباري قوات «كتيبة السلام» التابعة للجيش الوطني الليبي خلال انتشار في جنوب شرقي ليبيا (الجيش الليبي)

تحليل إخباري هل تُقاتل قوات المشير حفتر فعلاً في السودان؟

أثارت اتهامات الجيش السوداني للجيش الوطني الليبي بـ«تقديم إسناد لـ(الدعم السريع) في اشتباكات مسلحة بمنطقة حدودية» تساؤلات بشأن تدخل قوات حفتر في الحرب السودانية

علاء حموده (القاهرة)
العالم العربي معارك بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تسيطر على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا

أعلن الجيش السوداني، اليوم (الأربعاء)، أن قواته أخلت منطقة المثلث المطلّة علي الحدود بين السودان ومصر وليبيا، في إطار «ترتيبات دفاعية».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

أجسام مضيئة في سماء مصر تُثير تساؤلات

أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)
أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)
TT

أجسام مضيئة في سماء مصر تُثير تساؤلات

أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)
أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)

أثار ظهور أشكال مضيئة في سماء مصر صباح السبت تساؤلات عدة بشأن مصدرها وأسبابها. ورجح مسؤولون ومتخصصون لـ«الشرق الأوسط» أنها «نتيجة القصف الصاروخي المتبادل بين إيران وإسرائيل وكذلك اعتراض الدفاعات الجوية خصوصاً في إسرائيل للصواريخ والمسيّرات التي أطلقتها عليها إيران».

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تغريدات، مصحوبة بصور ومقاطع فيديو، توثق أشكال مضيئة أشبه بانفجارات الصواريخ وفي الوقت الذي عبر البعض عن تعجبه من الأمر وتساءلوا عن أسبابه، فهناك من ربطه بحالة القصف الصاروخي المتبادل حالياً بين إسرائيل وإيران، ولكن آخرين تحدثوا عن أن تلك الأشكال نتيجة لقيام القوات المسلحة المصرية بإطلاق ما وصفوه بقنابل ضوئية وتفعيل أجهزة الإنذار المبكر لرصد أي مسيّرات تخترق المجال الجوي المصري.

ولكن مصدراً مصرياً مسؤولاً قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا كلام غير صحيح»، مؤكداً أن «أجهزة الرصد لدينا تعمل على مدار الساعة وعمليات الرصد والاستكشاف تعمل تكنولوجياً ولا يصدر عنها انفجارات أو أضواء أو أدخنة، لدينا منظومات دفاع جوي ومراقبة معقدة ومتطورة وآليات للقيادة والسيطرة».

خبراء رجحوا أن تكون هذه الأجسام ناتجة عن اعتراض إسرائيل صواريخ إيران (صفحة بني سويف على فيسبوك)

وشدد المصدر على أنه «لم يحدث أي اختراق للمجال الجوي المصري خلال القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران» مرجحاً أن «الأشكال التي رآها البعض في مصر غالباً ناتجة عن تفاعل غازات الصواريخ الباليستية التي تتحول إلى نيتروجين مثلما يحدث مع عادم الطائرات النفاثة، وهذه الصواريخ مقصوفة شرقاً نحو إسرائيل وبعد ذلك تحولت عوادمها غرباً مع الهواء لذلك تمكن البعض من رؤيتها بمصر لأن إسرائيل مجاورة».

تفسير ظهور هذه الأشكال شهد تبايناً (الشرق الأوسط)

فيما رجح عدد من المغردين أن تكون تلك الأشكال التي ظهرت في السماء نتيجة عمليات تقوم بها أجهزة الرصد الإشعاعي بمصر لكشف أي تسرب إشعاعي بعد الإعلان عن ضرب منشآت نووية في إيران.

لكن نائب رئيس هيئة الطاقة النووية بمصر سابقاً، الدكتور علي عبد النبي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «محطات الرصد البيئي والنووي موزعة في جميع ربوع مصر وعلى حدودها وتعمل بشكل دائم ولا تحتاج لوجود حرب أو قصف لتعمل، كما أن هناك أجهزة رصد إشعاعي في قناة السويس وفي المطارات والمواني لكشف أي شحنات مشعة»، مشيراً إلى أن «المنشآت التي تم ضربها في إيران في الغالب كان مستخدماً فيها مادة سادس فلوريد اليورانيوم UF6 وهي تستخدم لتخصيب اليورانيوم وغير مشعة على نطاق واسع، ولكنها لو تسربت تؤدي لتسمم في الجو والأرض على نطاق قصير لأنها مادة ثقيلة».

تساؤلات بشأن ظهورها فجر السبت في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)

ورجح عبد النبي أن «تكون الأشكال المضيئة التي ظهرت في مصر نتيجة اختراق صواريخ أو أجسام للطبقات العليا من الغلاف الجوي مما أدى لانفجارات مضيئة وتظهر ثابتة أمام أعيننا لأنها على ارتفاعات كبيرة جداً».

وأكد كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، الدكتور يسري أبو شادي، عدم وجود تسرب إشعاعي مؤثر يصل إلى مصر ولا حتى دول الخليج. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما ظهر في سماء مصر من أجسام مضيئة يمكن أن يكون احتياطات من الجيش لكشف أي احتمال لأخطاء في المقذوفات الطائرة بسبب الحرب الحالية».

وكانت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية بمصر قد أصدرت بياناً السبت، جاء فيه أنه «في ضوء التطورات الجارية في المنطقة تود هيئة الرقابة النووية والإشعاعية أن تطمئن السادة المواطنين أنه لا يوجد مؤشرات على أي تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية داخل جمهورية مصر العربية».

جانب من الأشكال المضيئة شرق مصر (الشرق الأوسط)

وأوضحت الهيئة أنها «تتابع على مدار الساعة التطورات المتعلقة بوضع المنشآت النووية بالمحيط الإقليمي وفقاً لتطورات الأحداث الجارية، وذلك من خلال المتابعة المستمرة للتقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتنسيق الدائم مع الجهات الوطنية المعنية، ومتابعة الخلفية الإشعاعية من خلال منظومة الرصد الإشعاعي والإنذار والإبلاغ المبكر بالهيئة، التي تستخدم أحدث أجهزة الرصد الإشعاعي المنتشرة في أنحاء الجمهورية كافة».

وأهابت الهيئة بالمواطنين في مصر الاعتماد فقط على البيانات الرسمية الصادرة كمصدر موثوق للمعلومات في هذا الشأن، وفق البيان.

وأكد مسؤولون بمعهد البحوث الفلكية، وهيئة الاستشعار عن بُعد، وهيئة الأرصاد الجوية بمصر، لـ«الشرق الأوسط» عدم رصد أي ظواهر في مجال تخصصاتهم سببت تلك الأشكال المضيئة في السماء.

فيما قال عالم الفضاء المصري عصام حجي لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الواضح أنها آثار اعتراض صواريخ وطائرات مسيّرة من منظومة دفاع جوي». موضحاً أن «الخطوط الرفيعة في تلك الأشكال هي المسار للصاروخ الاعتراضي والسحابة الكبيرة هي الانفجار للجسم المستهدف في الغالب لمسيّرات».