«الشرق الأوسط» تزور «مسجد تينمل»... المَعلم التاريخي الذي حوله «زلزال الأطلس الكبير» أطلالاً

«يونيسكو»: يتبوأ مكانة مهمة في تاريخ المغرب ومُدرَج في القائمة الوطنية التمهيدية للتراث العالمي

دمار كبير أصاب «مسجد تينمل» التاريخي بفعل الزلزال (الشرق الأوسط)
دمار كبير أصاب «مسجد تينمل» التاريخي بفعل الزلزال (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» تزور «مسجد تينمل»... المَعلم التاريخي الذي حوله «زلزال الأطلس الكبير» أطلالاً

دمار كبير أصاب «مسجد تينمل» التاريخي بفعل الزلزال (الشرق الأوسط)
دمار كبير أصاب «مسجد تينمل» التاريخي بفعل الزلزال (الشرق الأوسط)

على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من قرية ثلاث نيعقوب، في اتجاه تارودانت، لم تكن قرية تينمل، بأعالي الأطلس الكبير، أحسن حظاً مع الزلزال الذي ضرب المغرب، ليلة الجمعة - السبت 8 و9 سبتمبر (أيلول) الماضي، وخلّف خسائر بشرية ومادية فادحة في عدد من القرى والدواوير (الكفور) بأقاليم مراكش، والحوز، وشيشاوة، وورزازات، وتارودانت وأزيلال، غير أن هذه البلدة حظيت بتعاطف كبير، بلغ صداه أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، بعد الدمار الذي لحق مسجدها التاريخي، والذي يعود بناؤه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، خلال حكم الدولة الموحدية.

لعبت منطقة تينمل دوراً مفصلياً ومؤثراً في تاريخ المغرب والغرب الإسلامي (الشرق الأوسط)

وكانت «يونيسكو» أرسلت بعثة خبراء، فوراً بعد الزلزال، لمعاينة أولية للأضرار التي طالت عدداً من البنايات التاريخية، وقالت على موقعها: إن «مسجد تينمل» قد دُمّر بالكامل، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بموقع «يتبوأ مكانة مهمة في تاريخ المغرب ومُدرَج في القائمة الوطنية التمهيدية للتراث العالمي».

وتأكيداً لقيمة البنايات التاريخية التي تضررت بفعل الزلزال؛ قام المسؤولون المغاربة بزيارات ميدانية لعدد منها، بينها «مسجد تينمل»، الذي تقرر أن تبدأ الدراسات اللازمة حول وضعيته، وإعداد مشروع لترميمه.

ويعتز المغاربة كثيراً بتراثهم المادي وغير المادي؛ لذلك عبّروا عن تأثرهم وحزنهم بعد وقوفهم على حجم الخراب الذي ضرب عدداً من البنايات التاريخية، خصوصاً «مسجد تينمل»، الذي انهار بشكل شبه كامل.

وزارت «الشرق الأوسط»، في ذكرى مرور شهر على الزلزال، قرية تينمل، ووقفت على حجم الخراب الذي طال المسجد التاريخي، الذي كان يخضع لعملية ترميم من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكان ينتظر أن تنتهي في الأسابيع المقبلة، قبل أن يحيله الزلزال خراباً، طال جميع أركانه، بشكل حوّله أطلالاً.

من الواجهة المدمرة للمسجد (الشرق الأوسط)

وسبق أن شهد المسجد ترميماً سابقاً، بين 1991 و1994. ويعدّ من البنايات التاريخية التي تختصر حضارة المغرب التي تراكم رصيدها عبر مئات من السنين؛ إذ تحيل كل بناية على حقبة زمنية وأسرة حاكمة، منذ ما قبل حكم الأدارسة (789 – 974)، وصولاً إلى العلويين (1666 – إلى الوقت الحاضر)، مروراً بالمرابطين (1060 - 1147) والموحدين (1145 - 1248) والمرينيين (1244 – 1465) والوطاسيين (1462 - 1554) والسعديين (1554 – 1659).

وكان المغرب قد سجل، في 1995، عدداً من المواقع الأثرية في لائحة التراث العالمي، بينها «مسجد تينمل». وارتبطت قرية تينمل بالمهدي بن تومرت، مؤسس الدولة الموحدية. وتذكر كتابات تاريخية، أن المرينيين، الذي أخذوا مكان الموحدين في حكم المغرب، دمَّروا هذه القرية بالكامل باستثناء مسجدها الأعظم، الذي ظل محافظاً على رمزيته الكبيرة.

وتحيل تينمل على منطقة عُرفت بدورها التاريخي المؤثر في عدد من الأحداث المفصلية من تاريخ البلد ومنطقة الغرب الإسلامي، خصوصاً في ما يتعلق بانتقال حكم المغرب الأقصى وكامل الغرب الإسلامي من المرابطين إلى الموحدين.

جانب من جدران المسجد (الشرق الأوسط)

وتبعد قرية تينمل نحو 100 كلم، إلى الجنوب الشرقي من مدينة مراكش، على الطريق المؤدية إلى تارودانت عبر ممر تيزي نتاست. وتنتشر بعض أطلالها، إلى اليوم، على الضفة اليسرى لواد «نفيس»، وسط جبال الأطلس الكبير، على علو يناهز 1230م. وتتحدث مصادر تاريخية عن ظهور حركة دينية إصلاحية توحيدية تزعمها المهدي بن تومرت الذي نُصّب زعيماً روحياً للموحدين سنة 1121م، قبل أن يأمر ببناء قرية تينمل، وجعلها عاصمة له وقاعدة عسكرية لجيوشه. وبعد وفاته، وتخليداً لذكراه، أمر خلفه عبد المؤمن بن علي الكومي، في 1153م، ببناء المسجد، الذي (كان) يقدم، حسب موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، تصميماً مستطيلاً قريباً جداً من المربع، بمقياس 48.10 ‏متر في الطول و43.60‏ متر في العمق، ويمتد على مساحة 2097.16 متر مربع، توزعت على تسع بلاطات متعامدة مع جدار القبلة، وأسكوب واحد موازٍ لحائط المحراب، رسمتها مجموعة من الدعامات ذات أعمدة بارزة تحمل أقواساً منكسرة متجاوزة. وعرض البلاط الموازي للقبلة هو بنفس عرض البلاط الأوسط. ويرسمان معاً شكل الحرف اللاتيني «تي»، الذي تبرزه القبة التي تقع قبالة المحراب. ويبلغ عرض البلاط الجانبي لقاعة الصلاة نفس عرض البلاط الأمامي.

من الدمار الذي أصاب المسجد (الشرق الأوسط)

أما الجزء الآخر من المسجد فيشغله صحن أحيط جانباه برواقين يشكلان امتداداً لبلاطي طرفي قاعة الصلاة. وتنفتح الواجهات الثلاث على المدخل بواسطة أقواس محدبة إلى أقصى حد، تستند إلى دعامات في جهة الجنوب الشرقي، وعلى دعامات ذات ثلاث دُعيمات بالجنوب الغربي والشمال الغربي. وقد تم إبراز المحور الذي يتكون من المحراب والقبة التي تتقدمه، والبلاط الأوسط والباب المفتوح ‏في الحائط الشمالي الشرقي، ببناء الصومعة مباشرة فوق المحراب. وتتخذ الصومعة شكلاً مستطيلاً جعل منها إبداعاً فريداً لن تعرفه المساجد اللاحقة. ويتم الدخول إلى الصحن وقاعة الصلاة على ‏التوالي، من أربعة أبواب وبابين متقابلين وباب سابع مفتوح في وسط الحائط المقابل للقِبلة الذي تحميه كُنَّات بارزة.


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيراً، وسوف يحيله لمجلس النواب (البرلمان) للموافقة عليه.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، أن مشروع القانون يهدف إلى «تحسين بيئة العمل الخاصة بالأطباء والفريق الصحي، ويرتكز على ضمان توفير حق المواطن في تلقي الخدمات الطبية المختلفة بالمنشآت الصحية، وتوحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يضمن عملهم في بيئة عمل جاذبة ومستقرة»، وفق إفادة وزارة «الصحة» المصرية، الجمعة.

وأشار الوزير المصري إلى تضمن القانون «توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يكفل الوضوح في هذا الشأن ويراعي صعوبات العمل في المجال الطبي»، مع الحرص على «منع الاعتداء على مقدمي الخدمة الصحية، وتقرير العقوبات اللازمة في حال التعدي اللفظي أو الجسدي أو إهانة مقدمي الخدمات الطبية، أو إتلاف المنشآت، وتشديد العقوبة حال استعمال أي أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى».

جانب من العمل داخل أحد المستشفيات (وزارة الصحة المصرية)

وحسب عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب، النائبة إيرين سعيد، فإن «هذه الخطوة تأخرت كثيراً»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القانون كان يفترض جاهزيته منذ عامين في ظل مناقشات مستفيضة جرت بشأنه، لافتة إلى أن القانون سيكون على رأس أولويات «لجنة الصحة» فور وصوله البرلمان من الحكومة تمهيداً للانتهاء منه خلال دور الانعقاد الحالي.

لكن وكيل نقابة الأطباء المصرية، جمال عميرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع القانون «لا يوفر الحماية المطلوبة للأطباء في مقابل مضاعفة العقوبات عليهم حال الاشتباه بارتكابهم أخطاء»، مشيراً إلى أن المطلوب قانون يوفر «بيئة عمل غير ضاغطة على الطواقم الطبية».

وأضاف أن الطبيب حال تعرض المريض لأي مضاعفات عند وصوله إلى المستشفى تتسبب في وفاته، يحول الطبيب إلى قسم الشرطة ويواجه اتهامات بـ«ارتكاب جنحة وتقصير بعمله»، على الرغم من احتمالية عدم ارتكابه أي خطأ طبي، لافتاً إلى أن النقابة تنتظر النسخة الأخيرة من مشروع القانون لإصدار ملاحظات متكاملة بشأنه.

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقته شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، والاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض نهاية الشهر الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية بالمستشفيات المصرية تكررت خلال الفترة الأخيرة (وزارة الصحة المصرية)

وينص مشروع القانون الجديد، وفق مقترح الحكومة، على تشكيل «لجنة عليا» تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتعد «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، والمعنية بالنظر في الشكاوى، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية»، حسب بيان «الصحة».

وتعوّل إيرين سعيد على «اللجنة العليا الجديدة» باعتبارها ستكون أداة الفصل بين مقدم الخدمة سواء كان طبيباً أو صيدلياً أو من التمريض، ومتلقي الخدمة المتمثل في المواطن، لافتةً إلى أن تشكيل اللجنة من أطباء وقانونيين «سيُنهي غياب التعامل مع الوقائع وفق القوانين الحالية، ومحاسبة الأطباء وفق قانون (العقوبات)».

وأضافت أن مشروع القانون الجديد سيجعل هناك تعريفاً للمريض بطبيعة الإجراءات الطبية التي ستُتخذ معه وتداعياتها المحتملة عليه، مع منحه حرية القبول أو الرفض للإجراءات التي سيبلغه بها الأطباء، وهو «أمر لم يكن موجوداً من قبل بشكل إلزامي في المستشفيات المختلفة».

وهنا يشير وكيل نقابة الأطباء إلى ضرورة وجود ممثلين لمختلف التخصصات الطبية في «اللجنة العليا» وليس فقط الأطباء الشرعيين، مؤكداً تفهم أعضاء لجنة «الصحة» بالبرلمان لما تريده النقابة، وتوافقهم حول التفاصيل التي تستهدف حلاً جذرياً للمشكلات القائمة في الوقت الحالي.