الجزائر ألغت المنهاج التعليمي الفرنسي «حفاظاً على الهيبة»

القرار أثار جدلاً حاداً في الصحافة الباريسية

الرئيسان الجزائري والفرنسي نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر ألغت المنهاج التعليمي الفرنسي «حفاظاً على الهيبة»

الرئيسان الجزائري والفرنسي نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

أكَدت الحكومة الجزائرية ما نشره الإعلام الفرنسي منذ أسبوع، بخصوص قرارها حظر التعامل بمنهاج التعليم الفرنسي في المدارس الخاصة، وعدّت الأمر «سيادياً». وكان مراقبون ربطوا القرار، بالخلاف الأزلي بين الجزائر وباريس حول «آلام الذاكرة»، الذي حال دون تطبيع كامل للعلاقات بينهما.

وتم طرح هذا الموضوع، السبت، أثناء اجتماع بالعاصمة عقده وزراء: الاتصال محمد لعقاب، والداخلية ابراهيم مراد، والتعليم عبد الحكيم بلعابد، والشغل فيصل بن طالب، تناول تقييم سياسة التشغيل، حيث سأل صحافي لعقاب عن الجدل الذي أثاره قرار الحكومة منع تدريس المقرر الفرنسي في المدارس الخاصة، فقال: «الأمر في النهاية يتعلق بمدارس جزائرية، فهل يسمح لنا نحن بطرح مناهجنا الدراسية في مدارس بلدان أخرى، وبخاصة إذا حصل ذلك من دون اتفاقات؟ لن يسمح لنا بالتأكيد».

وزير الاتصال ومعه وزراء التعليم والداخلية والشغل (وزارة الاتصال)

وقال أيضاً إن مناهج تعليم دول أجنبية، يتم اعتمادها في الجزائر بناء على اتفاقات بين حكومات البلدان المعنية والحكومة الجزائرية، من دون ذكر أسماء هذه الدول.

وتم تداول قرار المنع، الشهر الماضي، عشية الدخول في العام الدراسي الجديد، من طرف آباء تلاميذ يحرصون على تلقين أبنائهم المقرر الفرنسي تحضيراً لاجتياز البكالوريا الفرنسية، ما يسمح لهم بالالتحاق بالجامعات الفرنسية بسهولة، وكتبت عنه صحيفة «لوموند»، وهو يعني بشكل خاص عدداً قليلاً من المدارس الخاصة.

وأفاد وزير الاتصال بأن المدارس الخاصة الجزائرية «ملزمة التقيد بقانوني 2005 و2008»، ويتعلقان بتدريس المناهج الرسمية التعليمية المحلية حصرياً. وأضاف: «الذي حدث في سنوات مضت، أن الدولة فقدت تقريباً هيبتها، وتم استغلال هذا الوضع وباغتوا الدولة فاعتمدوا برامج التعليم الأجنبي. وحالياً، الدولة تستعيد هيبتها تدريجياً ففرضت العمل وفق الطرق القانونية».

وأضاف متحدثاً عن تذمر آباء تلاميذ ومسيري مدارس خاصة يفضلون المنهاج الفرنسي: «لقد تابعت ردود الأفعال، وقالوا إن الإشكال الوحيد المطروح أنهم فوجئوا بالقرار... نعم، أنتم فاجأتم الدولة وباغتموها، والدولة بدورها باغتتكم، والآن ما عليكم إلا الاشتغال بطريقة قانونية».

وبحديثه عن «فقدان الدولة هيبتها في سنوات مضت»، كان لعقاب يقصد فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019)، التي يشار إليها في الخطاب الحكومي بأنها «مرحلة الفساد المعمم». ومما يقال أيضاً عن بوتفليقة والفريق الحاكم معه، إنهم «كانوا يشجعون التيار الفرنكفوني في البلاد»، وهم من «مكنوا (اعتماد) المنهاج التعليمي الفرنسي في المدارس الخاصة الجزائرية».

وزير الاتصال الثالث على اليمين (وزارة الاتصال)

وأكد لعقاب أن «اللغات الأجنبية معتمدة في التعليم الجزائري، منذ الطور الابتدائي إلى الجامعة. والحمد لله عززنا هذا الجانب (خلال الموسم الدراسي الجديد) باللغة الإنجليزية التي هي لغة عالمية، وكل دول العالم تركز عليها».

وتساءل، في إيحاء إلى قطاع من الإعلام الفرنسي مهتم بـ«المشكلة اللغوية بالجزائر»: «ما العيب، وما الجريمة التي ارتكبتها الجزائر عندما عززت منظومتها التعليمية في الابتدائي والجامعة، وذلك باعتماد لغتين أجنبيتين الفرنسية والإنجليزية، إلى جانب العربية؟ هذا مكسب، ومن عده جريمة فذلك شأنه».

ولفت إلى أن الباحثين الجزائريين، «يتم إقصاؤهم من عرض بحوثهم في المؤتمرات العلمية التي تنظم عبر العالم، بسبب اللغة»، في إشارة إلى أن اللغة المعتمدة في هذه المؤتمرات هي الإنجليزية، بينما الباحث الجزائري، حسبه، تلقى تكوينه بلغة موليير كلغة أجنبية وحيدة. وتابع: «بفضل التوجهات الجديدة (التركيز على الإنجليزية في المدارس والجامعات) ستأخذ الجزائر مكانتها إقليمياً وعالمياً».

الرئيس الجزائري مع الوزيرة الأولى الفرنسية بالجزائر في 10 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

من جهته، صرح وزير التعليم للصحافة، بأن الحكومة «اكتشفت أن مجموعة قليلة من المدارس الخاصة، تقوم بتدريس برنامج تعليمي أجنبي غير مرخص، رغم أن القانون يمنع ذلك، وقد طلبت من هذه المدارس الرجوع إلى القانون»، مؤكداً أن «تحرك الوزارة جاء لجعل هذه المؤسسات تعمل في إطار القانون، ولم نستهدف برنامجاً أو لغة أجنبية بعينها». وشدد على أن «المناهج التي تعتمدها وزارة التربية، نابعة من ثقافة وتاريخ المجتمع الجزائري، ولا يمكن تدنيسها بثقافة بلاد أخرى».


مقالات ذات صلة

نقاشات سعودية - أوروبية تتناول جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية

الخليج وزير الدولة السعودي خلال اجتماعه مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي (واس)

نقاشات سعودية - أوروبية تتناول جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية

شهدت العاصمة الرياض، الأحد، مناقشات سعودية - أوروبية تناولت جهود الجانبين في حل النزاعات الإقليمية والدولية وأوجه التعاون والتنسيق المشترك في العديد من المجالات

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

يقول صنصال إن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وإن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها، مرتكبين بذلك حماقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج م. وليد الخريجي وفروخ شريفزاده يترأسان الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين السعودية وطاجيكستان في الرياض (واس)

مشاورات سعودية - طاجيكية تناقش تعزيز التعاون في شتى المجالات

بحثت جولة المباحثات الثالثة من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والطاجيكستانية، الأربعاء، تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج م. وليد الخريجي ترأس الجانب السعودي في الجولة الثانية من المشاورات السياسية مع «الخارجية الصينية» (واس)

مشاورات سعودية – صينية تعزز التنسيق المشترك

بحثت الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والصينية في الرياض، الاثنين، تطوير العلاقات الثنائية، وأهمية تعزيز التنسيق المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

ليبيون يتخوفون من تصاعد «خطاب الكراهية» على خلفية سياسية

يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)
يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)
TT

ليبيون يتخوفون من تصاعد «خطاب الكراهية» على خلفية سياسية

يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)
يرى ليبيون أن «خطاب الكراهية يعد عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي» (البعثة الأممية)

حذر ليبيون، اندمجوا في ورشة عمل نظمتها الأمم المتحدة، من تصاعد «خطاب الكراهية» في البلد المنقسم سياسياً، وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، مطالبين بالتصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها خشية توسعها في المجتمع.

وقالت الأمم المتحدة إن الورشة التي عقدت عبر «الإنترنت» جاءت جزءاً من برنامج «الشباب يشارك» التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وناقش خلالها، 24 مشارِكة ومشاركاً من جميع أنحاء البلاد «سبل مكافحة خطاب الكراهية السائد في ليبيا، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي».

وأعاد الانقسام السياسي الذي تشهده ليبيا راهناً «خطاب الكراهية» إلى واجهة الأحداث، وذلك على خلفية الصراع حول السلطة، ما يفتح الباب لمزيد من التجاذبات السياسية.

وأوضحت الأمم المتحدة أن المشاركين سلّطوا الضوء على «مدى كون خطاب الكراهية عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي، مع وجود خلط واسع النطاق بين ما يعدّ انتقاداً مشروعاً وبين ما يمكن وصفه بـخطاب كراهية»، ورأوا أن «الاستقطاب الحاد في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لعب دوراً كبيراً في تفاقم خطاب الكراهية وانتشار المعلومات المضللة في البلاد».

رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالنيابة ستيفاني خوري في فعاليات سابقة بحضور ليبيات (البعثة الأممية)

وقالت سميرة بوسلامة، عضو فريق حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة، إنه «يجب على أصحاب المناصب اختيار كلماتهم بعناية»، مضيفة أن «الاختيار الخاطئ لمفردات اللغة يمكن أن يتسبب في عواقب وخيمة».

وأكد المشاركون أن النساء والشباب «كانوا المستهدفين في خطاب الكراهية في معظم الأحيان، وأن بعضهم يتضرر بهذا الأمر في حياته اليومية»، مضيفين أن «من الصعب على الشباب، خاصة الفتيات، رفع أصواتهم من دون مواجهة العواقب».

ولا يقتصر «خطاب الكراهية» في ليبيا على وسائل التواصل الاجتماعي، وحديث المسؤولين، بل يتعدى ذلك إلى البرامج السياسية في الفضائيات المتعددة، بالإضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية التي أُنشئت لترويج أفكار وبرامج على أساس جهوي.

وذكرت البعثة الأممية نقلاً عن أحد المشاركين أن «مكافحة خطاب الكراهية في ليبيا تمثل تحدياً كبيراً، حيث إن أغلب الصفحات التي تعج بهذا الخطاب وتنشره تتركز على منصة (فيسبوك)، وغالباً ما يديرها أشخاص مؤثرون». وأشار إلى أن «هذا الوضع يجعل التصدي لخطاب الكراهية أمراً صعباً ويشكل خطراً على الشباب».

وأوصى المشاركون في نهاية ورشة العمل بـ«معالجة خطاب الكراهية في مراحل مبكرة، وذلك من خلال التثقيف في المدارس حول منع التنمر والجرائم الإلكترونية وإلحاق الأذى بالآخرين»، مطالبين بـ«دعم السلطات لمكافحة هذا الخطاب وزيادة الوعي بالمخاطر المحيطة به بين الشباب من خلال مراكز الشباب والمجالس الشبابية».

واقترح المشاركون في ورشة العمل تنظيم حملات مناصرة لدعم تغيير في القوانين الليبية يهدف إلى تعريف خطاب الكراهية وضمان احترام هذه القوانين، كما دعوا لدعم المجتمع المدني واتحادات الطلبة ومنظمات تقصي الحقائق.

كما اقترحوا «العمل بشكل وثيق مع منصات التواصل الاجتماعي لتشخيص خطاب الكراهية في ليبيا ومواجهته»، بالإضافة إلى «دعم ضحايا خطاب الكراهية لبناء قدراتهم على التكيف والصمود وتعزيز الحوار»، ولفتوا إلى ضرورة «جمع مختلف المجتمعات المحلية معاً للتغلب على الحواجز وإزالة الانقسامات الاجتماعية».

وتشير البعثة الأممية إلى أن الهدف من ورشة العمل هو «جمع أفكار المشارِكات والمشاركين وتوصياتهم لإثراء عمل البعثة مع الشباب في جميع أرجاء ليبيا وإيصال أصوات أولئك الذين يتم في العادة استبعادهم لمن يجب أن يسمعها».

سفير الاتحاد الأوروبي نيكولا أورلاندو خلال لقائه ستيفاني خوري في طرابلس (البعثة)

وفي شأن آخر، دعت الأمم المتحدة في ليبيا إلى اتخاذ إجراءات لحماية وتعزيز حقوق المرأة، كما أطلقت «حملة 16 يوماً» لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات.

وقالت الأمم المتحدة، الاثنين، إن هذه «حملة دولية سنوية تبدأ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، الموافق اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتنتهي في 10 ديسمبر (كانون الأول) المقبل».

وتدعو الحملة، التي تجري تحت قيادة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى اتخاذ إجراءات عالمية لزيادة الوعي وحشد جهود المناصرة ومشاركة المعرفة والابتكارات لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات إلى الأبد.

وتؤكد الأمم المتحدة في ليبيا، «دعمها الثابت لليبيين في إنهاء جميع أشكال العنف، بما في ذلك ضد النساء والفتيات. وندعو السلطات الوطنية والمحلية إلى معالجة أي شكل من أشكال العنف ضد النساء والفتيات بشكل عاجل وتعزيز حماية حقوق المرأة وتمكينها بما يتماشى مع الالتزامات الدولية لهذه السلطات».

ووفقاً للبعثة الأممية، توضح التقارير، الزيادة المقلقة للعنف عبر «الإنترنت»، بما في ذلك «التحرش والتهديد والابتزاز الجنسي»، خصوصاً ضد الناشطات والشخصيات العامة، «ما يبرز بشكل متزايد الحاجة إلى تعزيز حماية حقوق المرأة، بما في ذلك في الفضاء الرقمي».

وأوضحت المنظمة الدولية أنه «مع بدء حملة 16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، تود الأمم المتحدة في ليبيا أن تشيد بالتقدم المحرز من خلال التعاون بين الدولة وكيانات الأمم المتحدة في حماية وتمكين النساء والفتيات. وسنواصل العمل مع الحكومة والشركاء المحليين والمجتمع المدني لضمان أن تتمتع كل امرأة وفتاة في ليبيا بحقوقها الكاملة وأن تعيش في مأمن من العنف».

في السياق ذاته، دعا رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا السفير نيكولا أورلاندو مجلس النواب إلى اعتماد قانون «القضاء على العنف ضد المرأة» الذي أقرته لجنته التشريعية في 18 يناير (كانون الثاني) 2024.

وجدد أورلاندو «التزام الدول الأوروبية بدعم ليبيا لحماية النساء والفتيات من هذه الآفة العالمية»، وقال: «اكسروا حاجز الصمت. أوقفوا العنف. لا يوجد أي عذر للعنف ضد المرأة».