انقطاعات الكهرباء في السودان تضاعف معاناة المرضى

أدت إلى تلف الأدوية واضطرت ربات البيوت للطهي يومياً

برج شركة «النيل» أكبر شركات النفط بالسودان يحترق وسط معارك ضارية في 17 سبتمبر (أ.ف.ب)
برج شركة «النيل» أكبر شركات النفط بالسودان يحترق وسط معارك ضارية في 17 سبتمبر (أ.ف.ب)
TT

انقطاعات الكهرباء في السودان تضاعف معاناة المرضى

برج شركة «النيل» أكبر شركات النفط بالسودان يحترق وسط معارك ضارية في 17 سبتمبر (أ.ف.ب)
برج شركة «النيل» أكبر شركات النفط بالسودان يحترق وسط معارك ضارية في 17 سبتمبر (أ.ف.ب)

تبكي أم سلمة أحمد، البالغة من العمر 65 عاماً بحرقة لسببين: لفساد دوائها بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن منطقتها «شرق النيل» واستمراره 3 أيام، ولخوفها من فقدان ابنها حياته وهو يتجول طلباً لدواء جديد، وتقول إنه يخاطر بحياته؛ لأن البحث عن صيدلية يتطلب عبور مناطق تسيطر عليها القوات المتقاتلة.

وقالت المرأة الستينية لـ«الشرق الأوسط»، إنها حاولت حفظ الدواء بوضعه في الماء البارد، لكن فكرتها لم تنجح؛ لأن درجة الحرارة كانت مرتفعة جداً. وتابعت: «عادة، عند انقطاع التيار الكهربائي، أقوم بوضع الثلج في حافظة مياه وبداخلها الدواء». أما سامي حسن فيقول إن أكثر ما يؤلمه أن المتحاربين مشغولون بتحقيق انتصارات زائفة دون الالتفات لمعاناة المواطنين الذين قتلوا بأسلحتهم نتيجة عدم الالتزام بقوانين الحرب التي تحفظ للمواطن حياته وكرامته. ويتابع: «أصبح الحصول على الدواء خبراً مفرحاً للسودانيين... إنها الكارثة».

وتعاني مناطق عدة من العاصمة الخرطوم منذ اندلاع الحرب من انقطاع التيار الكهربائي كلياً، بينما تعاني مناطق أخرى من انقطاعه أياماً عدة، الأمر الذي ضاعف من معاناة المواطنين، لا سيما المرضى منهم. وشكا كثيرون من تقرحات في أجزاء واسعة من أجسادهم، بينما يجري نقل كبار السن للنوم تحت الأشجار، ويحاول ذوو المرضى نقلهم إلى أقربائهم أو أصدقائهم في المناطق التي يتوافر فيها التيار الكهربائي.

مرضى في أحد المستشفيات وسط انتشار حالات الكوليرا وحمى الضنك بمدينة القضارف في 27 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

وأعاد عدم توافر الكهرباء السودانيين عقوداً إلى الوراء، فلجأوا إلى استخدام أشياء كانت مصدر دهشة للجيل الحالي، وكان بعض من أبناء هذا الجيل يقرأ عنها في كتب التاريخ ويشاهدها في الصور القديمة؛ فقد اعتادت الأسر الاحتفاظ بالحليب في أوانٍ ملفوفة بالقماش ورشها بالماء. وتستخدم نفس الطريقة للحصول على المياه الباردة، فضلاً على استخدام أواني الفخار لتبريد المياه، بعد أن اختفت من المنازل منذ عقود. ولم يعد الاحتفاظ بالأطعمة الفائضة أو الخضار أو اللحوم لليوم التالي ممكناً، ما اضطر الناس لشراء الخضار ومستلزمات الطعام يومياً.

تقول حفصة محمد، وهي صيدلانية: «كنت أطهو الجمعة طعاماً وأحفظه في الثلاجة، وهو يكفي أسرتي مدة أسبوع. بعد الحرب، اضطررت للطبخ اليومي، رغم أنني أعمل دوامين، صباحاً ومساءً، وهو أمر مرهق جداً بالنسبة لي». ولجأ كثيرون إلى استخدام الطاقة الشمسية في المنازل والمحال التجارية، وهذه الوسيلة حلت كثيراً من مشكلات المواطنين، خصوصاً الذين يعتمدون في غذائهم على طحين القمح؛ فقد أغلقت المطاحن أبوابها لاستمرار انقطاع التيار الكهربائي. ولا يقتصر نقص الإمداد الكهربائي على الولايات التي تشملها الحرب، فقد أصبحت مشكلة لكل ولايات البلاد.

قبل الحرب، كان 39 بالمائة من سكان السودان يتمتعون بخدمة الكهرباء، مع عجز في التوليد يبلغ 1000 ميغاواط، بيد أن العجز بعد الحرب ازداد ليبلغ 3 آلاف ميغاواط/ ساعة، وفقاً لخبراء في الكهرباء، إذ خرجت الكثير من محطات التوليد عن الخدمة. ويتبادل طرفا القتال الاتهامات باستهداف محطات المياه والكهرباء. وزاد وزير الطاقة المكلف، محمد عبد الله، رسوم الكهرباء، بما في ذلك القطاع السكني، في الوقت الذي لم يتقاضَ فيه العاملون في الحكومة مرتباتهم منذ قرابة 6 أشهر، ما أثار موجة احتجاج واسعة بين المواطنين، اضطر معها نائب القائد العام للجيش، شمس الدين الكباشي، لإلغاء تلك الزيادة.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

البرهان: لا تفاوض ولا تسوية مع «قوات الدعم السريع»

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)
TT

البرهان: لا تفاوض ولا تسوية مع «قوات الدعم السريع»

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)

أكد رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، الاثنين، رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع «قوات الدعم السريع»، وقال إن «التسوية التي طرحناها أن تضع تلك القوات السلاح، وتتجمع في أماكن معينة»، بعد ذلك ينظر الشعب في شأنها».

ولدى مخاطبته مؤتمر حول قضايا المرأة في شرق السودان، بمدينة بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، تعهد البرهان بالقضاء على «الميليشيا المتمردة طال الزمن أو قصر». وأضاف أن ما يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي عن تسوية مع «قوات الدعم السريع» غير صحيح، مشيراً إلى أنها ارتكبت انتهاكات في حق المواطنين، ولا تزال تحاصر مدينة الفاشر عاصمة شمال ولاية دارفور في غرب البلاد.

وأضاف أن الحديث عن تقدم مجلس السيادة بدعوة للقوى السياسية لعقد مؤتمر للتفاوض بمدينة أركويت في شرق السودان، «ليس صحيحاً»، مضيفاً أن «باب التوبة مفتوح، ونرحب بأي سوداني مخلص، لكن التوبة لها شروط».

وقال إن القوات المسلحة (الجيش) والقوات النظامية الأخرى و«المستنفرين» (المدنيين الذين سلحهم الجيش) يمضون «بكل عزيمة وإصرار نحو القضاء على ميليشيا آل دقلو الإرهابية المجرمة»، في إشارة إلى عائلة قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي».

وشدد البرهان على ضرورة الاهتمام بالمرأة لتسهم في بناء السودان، مشيراً إلى أن المرأة في شرق البلاد لم تنل حظها في التعليم، بسبب عادات وتقاليد كانت سائدة في المجتمع.

نازحون سودانيون من ولاية سنار لدى وصولهم إلى مدينة القضارف في يوليو الماضي (أ.ف.ب)

ميدانياً، واصل الجيش تقدمه في ولاية سنار، حيث استعاد عدداً من البلدات بعد سيطرته مؤخراً على مدينة سنجة عاصمة الولاية التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي للبلاد. وأفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط» بأن قوات الجيش مسنودة بعدد من كتائب الإسلاميين «المستنفرين» تمكنوا منذ يوم الأحد من استعادة السيطرة الكاملة على بلدات ريفية مجاورة للعاصمة سنجة، وهي «ود النيل» و«أبوحجار» و«دونتاي»، دون خوض معارك مع «قوات الدعم السريع» التي انسحبت، وبدأت في التوغل نحو ولاية النيل الأزرق جنوب شرقي البلاد. ووفق المصادر نفسها، أصبحت كل مدن وبلدات الولاية تحت سيطرة الجيش الذي يحاصر ما تبقى من «قوات الدعم السريع» في بلدتي «الدالي» و«المزمزم».

وكان الجيش قد أعلن، يوم السبت، استعادته رئاسة «الفرقة 17» مشاة في مدينة سنجة. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط ولاية سنار بولايتي الجزيرة والنيل الأبيض.

ولا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولايات كردفان إلى الجنوب. ووفقاً لحصر الأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني في السودان، قتل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألفاً منذ اندلاع الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023.