مصر تواصل «التصعيد الدولي» في ملف «السد الإثيوبي»

شكت أديس أبابا لمجلس الأمن بسبب «إجراءات الملء الأحادية»

«سد النهضة» الإثيوبي (أرشيفية - أ.ف.ب)
«سد النهضة» الإثيوبي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

مصر تواصل «التصعيد الدولي» في ملف «السد الإثيوبي»

«سد النهضة» الإثيوبي (أرشيفية - أ.ف.ب)
«سد النهضة» الإثيوبي (أرشيفية - أ.ف.ب)

واصلت مصر التصعيد الدولي في ملف «سد النهضة» الإثيوبي، وأكدت في رسالة هي الرابعة من نوعها إلى مجلس الأمن الدولي، أن «تصرفات أديس أبابا الأحادية بشأن الملء، والتشغيل للسد تُشكل تهديداً وجودياً لمصر وتهديداً لاستقرارها».

وشدد الخطاب، الذي أرسلته وزارة الخارجية المصرية للمجلس بمناسبة إعلان إثيوبيا الانتهاء من الملء الرابع لـ«سد النهضة»، على أنه «للمرة الرابعة على التوالي، يتم إبلاغ مجلس الأمن بانتهاكات إثيوبيا المتكررة للقانون والاتفاقيات الدولية، بما فيها اتفاق إعلان المبادئ عام 2015 المتعلق بالسد».

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد أعلن في 10 سبتمبر (أيلول) الماضي، نجاح بلاده في إتمام الجولة الرابعة والأخيرة من ملء «سد النهضة»، في خطوة انتقدتها وزارة الخارجية المصرية في حينه، وعدّتها «تجاهلاً لمصالح وحقوق دولتي المصب (مصر والسودان)، وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي».

وأوضح الخطاب المصري الموجه لمجلس الأمن اليوم (الجمعة)، أن إعلان إثيوبيا انتهاء المرحلة الرابعة من الملء الرابع لـ«سد النهضة»، «يُشكل خرقاً مستمراً لإعلان المبادئ الذي يلزم إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، بشأن القواعد التي تحكم ملء السد وتشغيله»، مشدداً على أن استمرار إثيوبيا في هذه الممارسات، التي وصفها بـ«أحادية الجانب»، يُمكن أن «يشكل تهديداً وجودياً لمصر واستقرارها، ومن ثم يعرض للخطر السلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي».

وأعربت «الخارجية» المصرية في رسالتها لمجلس الأمن عن «رفض مصر القاطع لهذه الإجراءات، التي تتخذها إثيوبيا، وتجاهلها (أي أديس أبابا) بشكل تام بيان مجلس الأمن، الذي دعا مصر والسودان وإثيوبيا إلى التوصل سريعاً إلى صيغة نهائية لنص اتفاق مقبول وملزم للأطراف بشأن ملء السد وتشغيله، وذلك في غضون إطار زمني معقول».

وكان مجلس الأمن قد اعتمد في سبتمبر عام 2021، بياناً رئاسياً دعا فيه أطراف «سد النهضة» إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي. ودعا مجلس الأمن آنذاك، بعد عقده جلسة لمناقشة القضية بطلب من مصر، أطراف سد النهضة إلى استئناف المفاوضات، مشدداً على ضرورة العودة إلى اتفاق المبادئ الموقع في 2015.

من جانبه، أشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، السفير علي الحفني، إلى أن إصرار مصر على مخاطبة مجلس الأمن، وإحاطته علماً بما يجري من تطورات في قضية «سد النهضة»، «يمثلان حقاً مصرياً أصيلاً، واستخداماً لأدوات يتيحها القانون الدولي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، باعتبار المنظمة الأممية ومجلس الأمن يمثلان المرجعية الدولية، المخولة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين».

وأوضح الحفني لـ«الشرق الأوسط»، أن رسالة «الخارجية» المصرية حملت «لغة دبلوماسية وقانونية واضحة ومنضبطة»، من شأنها أن تحمّل المنظمة الدولية مسؤولياتها تجاه السلم والأمن الإقليميين، باعتبار أن الإجراءات الأحادية الإثيوبية تمثل «خرقاً للقانون الدولي، وتهديداً صريحاً لحقوق دول المصب التي كفلتها اتفاقيات الأنهار الدولية والعابرة للحدود».

كما أوضح الحفني أن اللجوء المصري المتكرر لمجلس الأمن لم يأتِ إلا بعد استنفاد كل الخطوات على المستويين الثنائي والإقليمي، و«عجز» الاتحاد الأفريقي عن التوصل إلى حل للأزمة في ظل «مماطلة إثيوبية واستنزاف للوقت دام أكثر من 10 سنوات»، مشدداً على أن أديس أبابا «أفرغت الدور الأفريقي من محتواه، وأجهضت الوساطات وجولات التفاوض المتكررة من دون التوصل إلى نتائج تذكر».

الوفد المصري خلال الجولة الثانية من مفاوضات «سد النهضة» في أديس أبابا الشهر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

وكانت مصر والسودان وإثيوبيا قد بدأت سلسلة جديدة من التفاوض بعد توقف دام عامين، إذ أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي بالقاهرة في يوليو (تموز) الماضي، عن اتفاق لاستئناف التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة خلال 4 أشهر. وعقدت الدول الثلاث جولتين في القاهرة وأديس أبابا خلال الشهرين الماضيين، إلا أن الجولتين «لم تسفرا عن إحراز أي تقدم»، بحسب بيانات رسمية لوزارة الموارد المائية والري المصرية.

في السياق ذاته، أشار نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الخبير المتخصص في القضايا الأفريقية وشؤون المياه، الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب، إلى أن الرسائل المصرية المتكررة لمجلس الأمن بشأن قضية «سد النهضة» يمكن قراءتها بوصفها «تعبيراً عن (انسداد أفق) التوصل إلى اتفاق يحقق متطلبات دولتي مصب نهر النيل، في ظل عدم وجود أي مؤشرات جدية على تغير النهج الإثيوبي في التفاوض حتى الآن».

وقال عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»، إن إصرار مصر على وجود بُعد دولي للقضية، يعكس إدراكاً مصرياً بأن «غياب الأطراف الدولية منذ البداية أتاح لأديس أبابا الاستمرار في سياسة إضاعة الوقت، وكان واضحاً الإصرار الإثيوبي على تفادي أي أطر تشارك فيها أطراف دولية، والتمسك بمرجعية الاتحاد الأفريقي»، ومن ثم تُصر مصر على طرح القضية على الساحة الدولية، ليس بعدّها قضية نزاع مائي تقليدي، وإنما بوصفها «تهديداً محتملاً للسلم والأمن الإقليميين والدوليين».


مقالات ذات صلة

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

حذّرت مصر دول نهر النيل، من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

هيمن كل من الحرب في غزة وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

عبد العاطي لبلينكن: الأمن المائي قضية «وجودية» لمصر

أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، رفض مصر وإدانتها للتصعيد الإسرائيلي ضد وكالة «أونروا».

شمال افريقيا وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

مصر تتمسك بقاعدة «الإجماع» لحل «الخلافات المائية» في حوض النيل

أكّدت مصر تمسكها بضرورة العمل وفق قاعدة «الإجماع» في إدارة وحل «الخلافات المائية» مع دول حوض النيل.

عصام فضل (القاهرة)

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
TT

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد، وذلك بعد أيام من إعلان «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» (جهاز حكومي يتبع وزارة الاتصالات) الموافقة مبدئياً على «رفع أسعار خدمات الاتصالات»، و«قرب تطبيق الزيادة الجديدة».

وقدَّم عضو مجلس النواب، النائب عبد السلام خضراوي، طلب إحاطة لرئيس المجلس، ورئيس الوزراء، ووزير الاتصالات حول الزيادة المرتقبة، مطالباً الحكومة بالتدخل لوقف أي زيادات جديدة في أسعار المحمول والإنترنت، في ظل «سوء خدمات شركات المحمول»، على حد قوله.

وجاءت إحاطة خضراوي بالتزامن مع إعلان عدد من النواب، اليوم (السبت)، رفضهم الزيادات المرتقبة، ومنهم النائبة عبلة الهواري، التي قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها ترفض قرار الزيادة «في ظل الظروف الاقتصادية الحالية».

وبحسب مصدر برلماني مطلع «يتجه عدد من النواب إلى تقديم طلبات إحاطة برلمانية بشأن زيادة الأسعار المرتقبة على خدمات الاتصالات، حتى لا يتم إقرارها من قبل الحكومة المصرية».

وكان خضراوي قد أكد في إحاطته البرلمانية أنه كان على الحكومة أن تتدخل لإجبار الشركات على تحسين الخدمة، التي «أصبحت سيئة خصوصاً في المناطق الحدودية والقرى»، عادّاً أن الشركات «تحقق أرباحاً كبيرة جداً»، ولا يوجد ما يستدعي رفع الأسعار، سواء في الوقت الحالي أو حتى في المستقبل.

وأعلن الرئيس التنفيذي لـ«الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات»، محمد شمروخ، قبل أيام «الموافقة المبدئية على رفع أسعار خدمات الاتصالات؛ بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل التي تواجه شركات الاتصالات». وقال خلال مشاركته في فعاليات «معرض القاهرة الدولي للاتصالات» أخيراً، إن الجهاز «يدرس حالياً التوقيت المناسب لتطبيق الزيادة».

الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات (مجلس الوزراء المصري)

من جهتها، أكدت وكيلة «لجنة الاتصالات» بمجلس النواب، النائبة مرثا محروس، لـ«الشرق الأوسط» أن قرار الزيادة لم يُتَّخذ بعد، لكنه مطروح منذ تحريك سعر الصرف في مارس (آذار) الماضي لأسباب عدة، مرتبطة بالإنفاق الدولاري للشركات، والرغبة في عدم تأثر الخدمات التي تقدمها «نتيجة تغير سعر الصرف»، عادّة أن الزيادة المتوقعة ستكون «طفيفة».

ويشترط القانون المصري موافقة «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» قبل تطبيق شركات الاتصالات أي زيادة في الأسعار، في حين ستكون الزيادة الجديدة، حال تطبيقها، هي الثانية خلال عام 2024 بعدما سمح «الجهاز» برفع أسعار خدمات الجوال للمكالمات والبيانات، بنسب تتراوح ما بين 10 و17 في المائة في فبراير (شباط) الماضي.

وتعمل في مصر 4 شركات لخدمات الاتصالات، منها شركة حكومية هي «المصرية للاتصالات»، التي تمتلك أيضاً حصة 45 في المائة من أسهم شركة «فودافون مصر»، وجميعها طلبت زيادة الأسعار مرات عدة في الأشهر الماضية، بحسب تصريحات رسمية لمسؤولين حكوميين.

وجاء الإعلان عن الزيادة المرتقبة بعد أسابيع قليلة من إنهاء جميع الشركات الاتفاق مع الحكومة المصرية على عقود رخص تشغيل خدمة «الجيل الخامس»، مقابل 150 مليون دولار للرخصة لمدة 15 عاماً، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، مع انتهاء التجهيزات الفنية اللازمة للتشغيل. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

احدى شركات الاتصالات تقدم خدماتها للمستخدمين (وزارة الاتصالات)

بدوره، رأى عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء»، أحمد مدكور، أن الحديث عن زيادة أسعار خدمات الاتصالات في الوقت الحالي «يبدو طبيعياً مع زيادة تكلفة المحروقات على الشركات، والتزامها بزيادات الأجور السنوية، بالإضافة إلى زيادة نفقات التشغيل بشكل عام»، عادّاً أن الزيادة «ستضمن الحفاظ على جودة انتظام الشبكات».

وقال مدكور لـ«الشرق الأوسط» إن نسب الأرباح التي تحققها الشركات، والتي جرى رصد زيادتها في العام الحالي حتى الآن، «لا تعكس النسب نفسها عند احتسابها بالدولار في سنوات سابقة»، متوقعاً «ألا تكون نسب الزيادة كبيرة في ضوء مراجعتها حكومياً قبل الموافقة عليها».

الرأي السابق تدعمه وكيلة «لجنة الاتصالات» بالبرلمان، التي تشير إلى وجود زيادات جرى تطبيقها في قطاعات وخدمات مختلفة، على غرار «الكهرباء»، و«المحروقات»، الأمر الذي يجعل لدى الشركات مبرراً قوياً لتنفيذ زيادات في أسعار الخدمات «لكي تتمكّن من استمرار تنفيذ خططها التوسعية، وتحسين جودة الخدمات، وتطوير الشبكات المستمر».