قال القيادي في «قوى الحرية التغيير» في السودان، ياسر عرمان، إن الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، مرشحة للاستمرار لفترة أطول، وإن أي طرف لم يستطع تحقيق نصر حاسم بعد 6 أشهر من اندلاعها، مشيراً إلى أن هذه الحرب لا تزال إلى الآن محصورة بين طرفي الصراع عسكرياً، لكن من سماتها الخطرة أنها يمكن أن تتمدد لتصبح حرباً أهلية شاملة بين المكونات المجتمعية في البلاد، ما يستدعي تكوين جبهة مدنية واسعة من القوى الوطنية لإنهائها.
البرهان سيختار أجندة الحرب
وقال عرمان في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن قائد القوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بعد خروجه من القيادة العامة في الخرطوم، لا يستطيع توحيد الجيش على أجندة السلام، وسيلجأ إلى توحيده على أجندة الحرب التي يقف من خلفها الإسلاميون، للقضاء على ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 بعد أن فشلوا في ذلك من طريق الانقلاب.
وأضاف أن «هذه الحرب، بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني المعزول والإسلاميين، هي وسيلة للرجوع إلى السلطة، وهم يسعون إلى أن تكون قوات (الدعم السريع) الشريك الأصغر، وفي سبيل ذلك لا يمانعون أن يصلوا إلى اتفاق معها إذا تخلت عن مواقفها المعلنة».
ويرأس ياسر سعيد عرمان «الحركة الشعبية - التيار الثوري الديمقراطي»، وهو فصيل رئيسي في تحالف «قوى الحرية والتغيير». وكان عرمان من أوائل «الشماليين» من وسط السودان، الذين التحقوا بـ«الحركة الشعبية» و«الجيش الشعبي»، بزعامة الراحل جون قرنق، والتي كانت تقاتل نظام البشير.
«حرب الحروب»
ويرى عرمان أن الحرب الحالية تختلف كمّاً ونوعاً عن كل الحروب السابقة التي شهدتها البلاد ما بعد الاستقلال، وعدها «حرب الحروب» على حد وصفه، وأنها أتت نتاج تراكمات فشل المشروع الوطني، الذي وصل إلى مرحلة نوعية بعد استيلاء الرئيس المعزول عمر البشير، مدعوماً من الإسلاميين، على السلطة في 1989، فاختطفوا الدولة السودانية، وعملوا على تسييس القوات النظامية، ولم يستطيعوا حتى الحفاظ على مؤسسة مهنية واحدة. وبالنسبة للقوات النظامية فقد لجأت إلى تعددية الجيوش للقضاء على حركات المقاومة المسلحة في الريف في سبيل الحفاظ على بقاء نظامهم في السلطة.
ويشير زعيم «التيار الثوري» في «الحركة الشعبية» إلى أن الحرب الحالية نشأت في عصب وقلب قوتين نظاميتين، هما القوات المسلحة السودانية و«الدعم السريع»، واندلعت في مركز السلطة وسيطرة القيادة، وأدت إلى دمار النسخة القديمة من الدولة السودانية، كما ألحقت أضراراً عميقة بالمدنيين والبنية التحتية للدولة ستستمر لعقود مقبلة، وتكاد الدولة تكون قد وصلت الآن إلى مرحلة الانهيار.
لست كاتب خطابات «حميدتي»
ورداً على من يتهمونه بكتابة خطابات قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو الشهير باسم «حميدتي»، قال عرمان: «هذه أقاويل في غاية السذاجة والغرابة. الإسلاميون هم من أجازوا قانون (الدعم السريع) في 2017، وسمحوا له بتكوين جيش موازٍ»، مذكّراً بحديث مشهور للرئيس المعزول، عمر البشير، قال فيه إن قوات حميدتي هي لـ«حمايته».
وتابع عرمان قائلاً: «إن الإسلاميين لم يطالبوا مطلقاً بدمج أو حل قوات (الدعم السريع)، بل كانوا يدافعون عنها، وذهبوا بزعيم (حزب الأمة القومي) الراحل، الإمام الصادق المهدي، إلى السجن والمحكمة عندما انتقد (الدعم السريع) في ذلك الحين». ويضيف عرمان أن «إلصاق تلك الاتهامات به جاءت بعدما أجرى (الدعم السريع) تصحيحاً لموقفه من انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وأعلن وقوفه مع الاتفاق الإطاري»، وكانت «قوى التغيير» على وشك التوقيع على اتفاق نهائي يعيدها وقوى ثورة ديسمبر إلى السلطة مرة أخرى. فماذا كانت ستجني من الحرب؟ الإسلاميون هم المستفيدون من الحرب ويقفون خلفها».
لسنا جناحاً سياسياً لـ«الدعم السريع»
واعتبر عرمان دمغ «قوى التغيير» بأنها «الجناح السياسي لقوات (الدعم السريع)، والاتهامات التي تطاله، تربصاً وشيطنة، يطلقها الإسلاميون لتفتيت وتدمير حركة المجتمع السياسي والمدني، وهم الذين دفعوا بهذه الحرب بتقديرات خاطئة، ظناً منهم بأنهم قد يكسبونها في ثلاثة أيام كما صرح قادتهم، ولم يستطيعوا. وهم لا يرون (الدعم السريع) بتسليحها وقوتها والآلاف الذين انضموا إليها، وكل تركيزهم على الخطابات، وإذا تمكن حميدتي من إنشاء جيش وتسليحه، فإنه لا يتمكن من كتابة خطاب. أيهما أصعب: إنشاء الجيش وتسليحه أم مجرد كتابة خطاب؟».
البرهان يمثل الجيش... لا السودان
وحول خطاب رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقول عرمان إن «البرهان يمثل القوات المسلحة بوصفه قائداً للجيش، ولا يمثل السودان، وهو الذي نفذ انقلاباً عسكرياً على الحكم المدني الديمقراطي».
وفي حديثه في نيويورك وزياراته للخارج لم يطرح أي أفكار عملية أو حلولاً لقضية الحرب وكيفية الخروج منها، وكل ما يبحث عنه هو مشروعية وشرعية لإطالة أمد الحرب التي وصفها من قبل بالعبثية، وليس لوضع حدٍّ لها. في مقابل مطالب قائد «الدعم السريع» حميدتي بتصور واضح لإنهاء الحرب، والتزامات قاطعة تجاه الشعب ووقف انتهاكات حقوق الإنسان. وأضاف عرمان أن البرهان وحميدتي أعلنا استعدادهما لوقف الحرب والتزامهما بمنبر جدة، و«نطالبهما الآن بالذهاب والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد، وفتح ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين من المدنيين، ووقف الانتهاكات من الطرفين، والتوجه بمشاركة واسعة من المدنيين الراغبين في التغيير لمخاطبة جذور الأزمة، وبناء جيش مهني مختلف تماماً عن القوات الموجودة الآن».
أوهام الإسلاميين تمنع الحل
وأكد عرمان أن «فلول النظام المعزول هم من يقودون هذه الحرب، ويقفون خلف تعبئة المدنيين للمشاركة في القتال، ويهاجمون البرهان نفسه، ويحذرونه من الذهاب إلى جدة، ومن التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، ويدفعونه لمواصلة الحرب». وقال إن منبر جدة، بوساطة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، أهم محاولة لوقف الحرب في السودان، لكنها اصطدمت بغياب الإرادة السياسية، والمنبر يحتاج إلى توافق وتكامل مع مبادرات منظمة «إيغاد» والاتحاد الأفريقي، وضم قوى جديدة من الاتحاد الأوروبي ومجموعة «الترويكا» والدول العربية والأفريقية، لخلق قوة دفع جديدة.
وأضاف عرمان أن «العقبة الحقيقية هي أوهام الإسلاميين بإحراز نصر في هذه الحرب. فهم يسعون لإطالة أمد الحرب لإنتاج نموذج سوري في السودان، للاعتراف بهم من المجتمع الدولي، ويعتقدون أنه بالتجييش يمكن أن يجدوا قوة كافية لهزيمة قوات (الدعم السريع)، ونخشى أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية شاملة ومشاكل إثنية وجهوية في البلاد». وأكد عرمان أن «الفرصة الآن متاحة لوقف الحرب والبحث عن مشروع وطني جديد يكسب فيه السودان، ولا يكسب فيه أي من طرفي الحرب».
المطلوب إرادة سياسية مدعومة إقليمياً ودولياً
وبشأن المبادرات المطروحة لوقف الحرب في السودان، قال: «إذا لم تتوفر الإرادة السياسية لدى الأطراف، فلن نحرز أي تقدم. والمبادرات تحتاج إلى قوى ضغط إقليمية ودولية. صحيح أن الجهود الحالية تضم قوى وبلداناً مهمة، لكن بلا تنسيق وعمل مشترك لن تستطيع التأثير على الأطراف». وأشار عرمان إلى أن «غياب الاتحاد الأوروبي والدور الفاعل للأمم المتحدة، ساهم في إضعاف المبادرات وجعلها تعمل بإرادة محدودة، وكذلك التناقضات وتضارب المصالح الإقليمية والدولية، وعدم مشاركة المدنيين بصورة فاعلة، ورغبة بعض الأطراف التي تدفع بالاستمرار في الحرب، مثل وزارة الخارجية السودانية في الهجوم الذي تشنه على بلدان (إيغاد) والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي».
واعتبر أن «المطلوب تجميع كل المبادرات، أي منبر جدة مع كافة المنابر الأخرى، لخلق صلة تكاملية مشتركة، وأن يكون المدنيون طرفاً فاعلاً، وفي الوقت نفسه يأخذ المجتمع الدولي قرارات حقيقية ضد كل من يريد إطالة أمد الحرب».
السودانيون هم أساس الحل
ورأى القيادي في «قوى التغيير» أن «الضغوط الدولية على طرفي القتال غير كافية، والضغط الحقيقي يجب أن يأتي من السودانيين»، مشيراً إلى أن «الحركة السياسية التي هجرت ونزحت من أهم مراكزها في العاصمة الخرطوم، تحتاج إلى وقت لإعادة ترتيب أجندتها وتنظيم صفوفها». وأكد عرمان أن «لا أحد يدعم التدخل الدولي أو الأمم المتحدة لتولي قيادة السودان، وهذا غير مطلوب أو مرغوب بالنسبة للسودانيين، وأفضل الحلول هي التي يشارك فيها السودانيون ويقودونها بأنفسهم، والتدخل الإقليمي والدولي مكلف، ويمكن للسودانيين في الخارج أن يلعبوا دوراً فاعلاً في إعادة الاهتمام بالقضية السودانية، وكذلك المجتمع السياسي والمدني».
وأعرب عرمان عن خشيته من أن «هذه الحرب مرشحة لأن تكون طويلة إذا لم يوحد السودانيون قواهم، ويجعلوا الاهتمام بقضية الحرب محوراً أساسياً، إقليمياً ودولياً»، مؤكداً أن «الأولوية الرئيسية لشعبنا هي إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، ووقف الانتهاكات، وليس لتكوين حكومة في بورتسودان شرق البلاد أو في العاصمة الخرطوم. وعلى طرفي النزاع التوجه لوقف الأعمال العدائية بشكل شامل».
دور «الفلول» و«التماسيح»
ولفت القيادي السوداني إلى «محاولات الفلول والتماسيح الموجودين في بورتسودان للدفع بأن تكون الأولوية للتوظيف وإعطاء ألقاب ليست موجودة على الواقع، بأن يكون هنالك رئيس وزراء أو وزراء، يستنزفون القليل الموجود من إمكانيات البلاد، ويدفعون في تكريس تقسيم السودان».