زادت الاحتجاجات الشعبية، التي شهدتها مدينة درنة الليبية من حدة المطالب الرسمية الداعية لضرورة التحقيق في انهيار سدّي «وادي درنة»، و«أبو منصور»، في وقت تشهد فيه المدينة حالة من الغضب وانتشار الشائعات.
وأحال ديوان عام المحاسبة الليبي، برئاسة خالد شكشك، تقريراً بكافة الوقائع حول تعثر مشروعي صيانة السدين، وأوصى بالتحقيق مع المسؤولين «عن عدم استكمال تلك المشروعات، رغم توفر البيئة الملائمة والأموال اللازمة خلال فترات تاريخ التعاقد وحتى وقوع كارثة الإعصار».
وكان عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، قد كشف عقب «الفاجعة» عن أن عقود صيانة سدي «وادي درنة» و«أبو منصور» توقفت منذ عام 2011، ونقل عن وزارة التخطيط التابعة لحكومته «وجود تشققات، وهبوط أرضي ومشكلات إنشائية بالسدين المنهارين، وعدم إخضاعهما للصيانة منذ رحيل نظام الرئيس الراحل معمر القذافي».
جانب من مظاهرة حاشدة شهدتها مدينة درنة مساء (الاثنين) (من مقطع فيديو متداول على حسابات موثوقة)
وتحدث ديوان المحاسبة في تقريره عن حصول الجهة المتعاقدة على الموافقات التعاقدية اللازمة لتنفيذ تلك المشروعات في تواريخ التعاقد ما بين عامي 2007، 2009»، مؤكداً «أن الأموال اللازمة للتنفيذ أُتيحت للشركات المنفذة»، وأنه لا توجد أي قيود رقابية من قبل الديوان «تعوق عمليات التنفيذ حتى تاريخ انهيار السدود ووقوع الكارثة».
وأصبح الخلل في صيانة السدود، الذي كشفته السيول، محل تحقيق من المستشار الصديق الصور النائب العام الليبي راهناً، بعدما طالب محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس حكومة «الوحدة»، النيابة العامة بفتح تحقيق شامل في تداعيات الإعصار، ومحاسبة المسؤولين عن «انهيار سدي درنة».
وبات جميع الليبيين يتلقفون أخبار سدود درنة التي شُيّد اثنان منها قبل 50 عاماً، ويعرفون أسماءها بالنظر إلى حجم الكارثة التي حلّت بالبلاد، بل إن مكتباً لتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، أبدى مخاوفه بشأن سدّي «وادي جازا» و«وادي القطارة» الواقعين قرب مدينة بنغازي. وقد أرجعت الأمم المتحدة مخاوفها إلى أن السدين أصبحا يتحملان كميات هائلة من ضغط المياه بعد الفيضانات التي شهدتها درنة، لكن جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق بغرب البلاد طمأن المواطنين، حيث قال الفريق الميداني التابع له في بنغازي، إنه تفقد سد «وادي القطارة» ومجرى عبوره حتى تقاطع طريق الهواري، وأكد التقرير الفني الذي قدمه أنه «بحالة جيدة، ويحتاج فقط إلى الصيانة الدورية الاعتيادية».
وشهدت درنة مظاهرة حاشدة مساء (الاثنين)، وعبر المواطنون الذين هتفوا ضد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن غضبهم من السلطات الحالية في البلاد، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين بعد تسعة أيام من مقتل الآلاف من سكان المدينة في سيول وفيضانات أتت على أحياء بأكملها.
كما طرح المحتجون أسئلة حول «الأسباب التي دعت المسؤولين لتجاهل صيانة السدين، على الرغم من وجود الاعتمادات المالية اللازمة»، لكنهم أرجعوا ذلك للفساد الذي تفشى في ليبيا بشكل كبير» خلال العقد الماضي.
ويعتقد سياسيون ليبيون أن غضبة سكان درنة «مؤشر خطير» على كل الأجسام السياسية بالبلاد، بالنظر لتحميلهم المسؤولية الكاملة عن الكارثة التي حلت البلاد، وهو الأمر الذي دفع ديوان المحاسبة إلى أن يوصي بتكليف مكتب استشاري دولي للتأكد من مدى وجود علاقة مباشرة بين تعثر مشروعات صيانة السدود، وانهيارها في ظل حجم العاصفة الهائلة.
ودخل المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا على خط الأزمة؛ إذ أعلن رئيسه المستشار مفتاح القوي عن تشكيل لجنة للتحقيق في الكارثة، التي شهدتها مدينة درنة، وقال في بيان: «سنستعين بخبرات دولية في التحقيقات في حال تطلب الأمر ذلك».
وأمام الكارثة التي غيّرت مجريات أمور عديدة بالبلاد، أكد عبد الله باتيلي، رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا «ضرورة الرقابة السليمة على المخصصات المالية لضمان وصول المساعدات إلى الأشخاص المستحقين، واستخدام المواد بشكل ملائم في إعادة إعمار جميع المناطق المتضررة». وجدد التأكيد على أهمية «الشفافية والمساءلة» في إدارة الأزمة الناجمة عن الإعصار «دانيال» الذي ضرب شرق البلاد.
وكان فرحات حق، نائب الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، قد أكد أهمية فتح تحقيقات حول أسباب انهيار سد درنة، وقال إن هذا الأمر يتعلق بالسلطات الليبية، مبرزاً أن الأمم المتحدة «لا تجري تحقيقات إلا إذا طلب مجلس الأمن ذلك، ونحن نحاول أن نتأكد أن السلطات على الأرض هي التي تجري هذه التحقيقات؛ وهذا أمر مهم للغاية».
وكان الليبي عبد الونيس عاشور، الباحث بكلية الهندسة في «جامعة عمر المختار» بالبيضاء، قد حذر في دراسة أكاديمية، العام الماضي، من وجود أضرار لحقت ببعض سدود درنة، مبرزاً أنها تتطلب الخضوع للصيانة، ودعا عقب زيارته إلى المدينة بحماية المواطنين الذين تقع مساكنهم في مجرى وادي درنة.
وفي تصريح سابق، قال مصدر بالنيابة العامة الليبية لـ«الشرق الأوسط» إن النائب العام بدأ التحقيقات في القضية منتصف الشهر الحالي لمعرفة الأسباب التي أدت لانهيار السدين، مشيراً إلى أن «المساءلة ستشمل مسؤولين من السلطات التي تعاقبت على حكم البلاد خلال العقد الماضي». وقد استدعى النائب العام مسؤولين من وزارة الموارد المائية، والهيئة المختصة بصيانة السدود «للاستماع لأقوالهم، بالنظر إلى وجود تحذيرات مسبقة من كارثة قد تتعرض لها درنة، حال تعرضها لأي فيضان، إذا لم تبدأ السلطات صيانة السدود».
وتعيش درنة راهناً حالة من الغضب والغليان، في ظل انتشار شائعات حول منع فرق الإنقاذ أو المتطوعين من المدينة، ونفى آمر «كتيبة 603» محمد الحصان، الذي ينتمي إلى المنطقة الغربية، ما يتردد عن طرد فرق الإنقاذ، مؤكداً أن عمليات البحث والانتشال لا تزال مستمـرة «بوتيرة جيدة».