«دانيال» يعري «تهالك» البنية التحتية... ويفتح باب الانتقادات واسعاً للسلطات الليبية

سياسيون حملوا المسؤولية لجميع الحكومات منذ عهد القذافي

من آثار الدمار الذي خلفه إعصار «دانيال»" في درنة (رويترز)
من آثار الدمار الذي خلفه إعصار «دانيال»" في درنة (رويترز)
TT

«دانيال» يعري «تهالك» البنية التحتية... ويفتح باب الانتقادات واسعاً للسلطات الليبية

من آثار الدمار الذي خلفه إعصار «دانيال»" في درنة (رويترز)
من آثار الدمار الذي خلفه إعصار «دانيال»" في درنة (رويترز)

استغل ليبيون حجم الدمار المهول الذي خلفه إعصار «دانيال» في مدن شرق البلاد لانتقاد البنية التحتية وتهالكها بعموم البلاد، وتوجيه اتهامات بـ«فساد» القائمين على السلطة خلال السنوات الماضية، وإهدارهم ثروات البلاد النفطية في صراعاتهم على السلطة.

ورغم إقرارهم بأن الحكومات المتعاقبة منذ عهد نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وحتى يومنا الراهن، وكذلك المجالس التشريعية، تتحمل قدرا من المسؤولية عن البنية التحتية المتهالكة، وتضررها خلال الصراعات المسلحة التي شهدتها البلاد، فإن المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي اعتبر أن حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تعد «المسؤول الرئيسي عما خلفه الإعصار من خسائر».

إعصار «دانيال» فضح ضعف البنيات التحتية في مدينة درنة (رويترز)

وبرر المهدوي اتهاماته لحكومة «الوحدة» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «ما توفر لحكومة الدبيبة من حصيلة العوائد النفطية يفوق ما توفر لدى أي حكومة سابقة». وقال بهذا الخصوص: «كان ينبغي عليها توظيف هذه الأموال في إعادة إعمار الكثير من المدن الليبية، طبقا لخطط علمية تتناسب واحتياجات كل مدينة».

كما تحدث المهدوي عن الاتهامات الموجهة لحكومة الدبيبة في أكثر من تقرير رسمي لديوان المحاسبة بالتجاوز في إنفاق المال العام، مشيراً إلى أن الأول كان رئيساً لجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، وهي هيئة استثمارية حكومية وجدت بعهد القذافي، وكانت مكلفة بتحديث البنية التحتية للمؤسسات.

منازل وبيوت تساقطت سريعا بسبب ضعف البنيات التحتية (أ.ف.ب)

في المقابل، قالت حكومة «الوحدة» إنها أرسلت عقب الكارثة لجنة فنية لحصر الأضرار في شبكة الطرق العامة، فتبين أن الشبكة المنهارة في درنة تقدر بـ30 كيلومترا، كما تم رصد خمسة جسور منهارة عند مجرى الوادي بدرنة.

بدوره، انتقد رئيس منظمة «بلادي لحقوق الإنسان»، طارق لملوم، حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلس النواب، ومن سبقها من حكومات بالمنطقة الشرقية، وحملها «جزءا كبيرا من المسؤولية عن تداعيات الإعصار وفداحة خسائره». وقال لملوم لـ«الشرق الأوسط»: «كان المفترض أن تسارع حكومة حماد بخطوات احترازية كتحديد المواقع التي ستكون معرّضة بدرجة أكبر للخطر، وتشرف على سرعة إخلائها، وألا تكتفي فقط بالدعوة لذلك أو بحظر التجوال».

وأضاف لملوم موضحا: «من المفترض أن تكون تلك الحكومة قد استعانت عندما عقدت اجتماعاتها قبل حدوث الإعصار بمن يدرك مدى جسامة عدم إخلاء الأحياء القريبة من مصبات الأودية والسدود، خاصة مع ما هو معروف بأن أغلب المباني الموجودة هناك شيدت بشكل عشوائي».

ورأى لملوم أن «ضعف البنية التحتية مشكلة مطروحة منذ عهد النظام السابق»، وقال إن مسؤوليتها يتحملها الجميع، مبرزا أن حكومات المنطقة الشرقية، بما فيها حكومة حماد، ومن قبلها حكومة عبد الله الثني، لم تعانِ من عجز الأموال، بل من قصور الإدارة الصحيحة.

من مخلفات إعصار «دانيال» وسط أحياء درنة (رويترز)

كما رأى الناشط الحقوقي أن الاهتمام الأكبر في شرق وغرب البلاد «كان للتحشيد العسكري وليس للبناء»، وقال في هذا السياق: «في ظل عدم الاستقرار السياسي، وتخوف كل طرف من الآخر، حرصت القوى الفاعلة شرقا وغربا على استيراد السلاح، واستقطاب العناصر البشرية تحسبا لمعركة قادمة، وأنفقوا في سبيل ذلك الكثير والكثير من الأموال».

من جانبه رفض السياسي الليبي، محمد محفوظ، ما وصفه بـ«عملية متاجرة البعض بالكارثة الإنسانية التي حلت بالبلاد، وتوظيفها سياسيا عبر تبادل الاتهامات بالمسؤولية عنها لهذا الطرف أو ذاك». وقال محفوظ لـ«الشرق الأوسط» إن «الجميع يحاول تقديم أقصى جهد، لكن للأسف دون أن يتناسب ذلك مع حجم الكارثة، وهذا ينطبق على حكومة «الوحدة» وحكومة الشرق، ولذلك لا بد من الإقرار بحقيقة ما خلفه الانقسام السياسي، الذي تعيشه ليبيا منذ سنوات من ضعف الأداء بمؤسساتها التنفيذية، وكيف أن التعامل مع كل أزمة تمر بالبلاد يكون في نطاق رد الفعل، والمعالجة بعد سقوط المواطنين ضحايا». مشيرا إلى أنه رغم ثروات ليبيا «لم يتم الاهتمام بمراجعة أوضاع البنية التحتية، ولم يتم إنشاء مراكز علمية قوية تختص بالتنبؤ بالكوارث الطبيعية، والتدريب على كيفية مواجهتها؛ وهو ما أسفر حاليا عن سقوط عدد غير هين من العناصر المتطوعة».

من جهته، أكد رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي، صقر عمران بوجواري، على انتهاء العمر الافتراضي للبنية التحتية بعموم البلاد، وخاصة شبكات الصرف الصحي، ضاربا مثلا بمدينته بنغازي التي رغم كبر مساحتها، وتعدادها السكاني، فإنها لا تملك سوى 34 محطة صرف بالمدينة، وبعضها معطل، بحسب تعبيره.

وقال بوجواري لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع هناك أخطاء حدثت، فهناك من شيد أبنية في مجاري الأودية، وهناك أقلية أيضا استهانت بالحدث، ولم تلتفت للتحذيرات التي أطلقتها الحكومة».



«تسريع مفاوضات» الصومال وإثيوبيا... اختبار لسياسة خفض التوتر بـ«القرن الأفريقي»

لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

«تسريع مفاوضات» الصومال وإثيوبيا... اختبار لسياسة خفض التوتر بـ«القرن الأفريقي»

لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)

مؤشرات على التفاهم، بعد عام من الخلافات، انتهى إليه اجتماع بأديس أبابا بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تضمنت استعادة التمثيل الدبلوماسي، وتسريع وتيرة «مفاوضات المصالحة» بين الجارتين الأبرز بمنطقة القرن الأفريقي.

ذلك الاجتماع الذي جرى، السبت، في العاصمة الإثيوبية، جاء ضمن مباحثات إعلان أنقرة، الذي جرى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويُعد «اختباراً جديداً» للتوتر بين الصومال وإثيوبيا، وفق تقديرات خبراء في الشؤون الأفريقية تحدّثوا، لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدين أن «مثل هذه الاجتماعات ستبقى مجرد مُسكّنات، في حال لم تطبَّق مُخرجاتها بشكل سريع وجاد».

وتعهَّد الاتفاق، الذي رعته تركيا، الشهر الماضي، بين الصومال وإثيوبيا، بإنهاء الخلاف والذهاب إلى محادثات، في نهاية فبراير (شباط) المقبل؛ بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون 4 أشهر، بمساعدة تركية، في ظل رفض مقديشو توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

وعقب لقاء الرئيس الصومالي، بآبي أحمد، في أديس أبابا، صدر بيان مشترك بين البلدين، يؤكد اتفاق الجانبين على استعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل بين أديس أبابا ومقديشو، والتعاون الاقتصادي والأمني، والتزامهما بإعلان أنقرة وروح الصداقة والتضامن وتسريع المفاوضات الفنية المنصوص عليها في إعلان أنقرة.

الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن «إثيوبيا لها هدفان: الأول تشكيك وتفكيك التحالف الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، والثاني خفض التوترات ضدها»، مُرجّحاً «أن تكون تلك المحادثات تخديراً من إثيوبيا للمشاكل دون حل في النهاية».

في حين عَدَّ المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «هذا الاتفاق يمثل خطوة إيجابية نحو تحسين العلاقات بين البلدين، وقد يؤدي إلى خفض التوتر بينهما، وكذلك بمنطقة القرن الأفريقي»، موضحاً: «لكن كل هذا يحتاج إلى متابعة عملية وتنفيذ واقعي، ومن ثم سيكون القادم اختباراً حقيقياً لما جرت صياغته في البيان المشترك».

وتُعد زيارة حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا هي الأولى بعد نحو شهر من توقيع إعلان تفاهمات بوساطة تركية، وسبق أن زار وفد حكومي صومالي، برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية، علي بلعد، أديس أبابا، الشهر الماضي؛ بهدف «متابعة تنفيذ اتفاق أنقرة وتعزيز العلاقات»، وفق ما ذكرته «وكالة الأنباء» الصومالية.

وباعتقاد مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، فإن الزيارة الرئاسية الصومالية تحمل أبعاداً أكبر من «الاتفاق على تسريع مفاوضات البلدين»، موضحاً أن «مقديشو تجسُّ نبض أديس أبابا ونياتها، وتريد أن تختبر مدى إمكانية أن تُوقف أديس أبابا دعمها للتحركات المزعزعة للاستقرار في الصومال، خاصة في ظل وجود مشاكل داخلية بمعظم الأقاليم مثل إقليم غوبالاند وبونتلاند؛ وهما إقليمان يتلقيان دعماً عسكرياً من إثيوبيا».

ويتوقف مستقبل تلك الزيارة على «مدى إمكانية تطبيق مُخرجاتها بشكل سريع، يُظهر للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية أن هناك نية حسنة من البلدين لتعزيز السلام والتعاون»، وفق تقديرات عبد الولي جامع بري.

أما الأكاديمي الصومالي المختص في منطقة القرن الأفريقي، علي محمود كلني، فيرى أن ما جرى التوصل إليه بين الصومال وإثيوبيا يُظهر مرة أخرى أن البلدين أصبحا أقرب من ذي قبل، ويبدو أنه «جرى التوصل إلى حل لنقاط بعض الخلافات الحاسمة، وهذا سيكون له دور كبير في خفض التوتر بين البلدين، ومن ثم ستطول تداعياته جميع دول المنطقة».

وأكد كلني أن «الفترة المقبلة ستشهد تقييماً لمدى التزام البلدين ببنود الاتفاق وتنفيذها»، حيث إن «هناك نفوذاً وتدخلات خارجية مباشرة في كل الاتفاقيات السابقة، بعضها عرقل إتمامها، وأخرى أسهم في تطبيقها».