زيارات البرهان الخارجية لتحسين موقفه التفاوضي أم بحثاً عن الدعم؟

تحذيرات من مخاطر اللعب بكل الخيوط في وقت واحد

رئيس جنوب السودان سيلفا كير مع الفريق البرهان في مدينة جوبا 4 سبتمبر (الرئاسة السودانية)
رئيس جنوب السودان سيلفا كير مع الفريق البرهان في مدينة جوبا 4 سبتمبر (الرئاسة السودانية)
TT

زيارات البرهان الخارجية لتحسين موقفه التفاوضي أم بحثاً عن الدعم؟

رئيس جنوب السودان سيلفا كير مع الفريق البرهان في مدينة جوبا 4 سبتمبر (الرئاسة السودانية)
رئيس جنوب السودان سيلفا كير مع الفريق البرهان في مدينة جوبا 4 سبتمبر (الرئاسة السودانية)

بعد نحو أسبوع من خروجه، وكسر «الحصار» الذي كان مفروضاً عليه، قام رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد عام الجيش عبد الفتاح البرهان، من القيادة العامة بزيارات قصيرة لخمس عواصم إقليمية استهلها بالقاهرة، ثم جوبا، فالدوحة التقى خلالها الأمير تميم بن حمد، وخرج منها بأن التفاوض مع غريمه قائد «الدعم السريع» «هو الحل»، ثم زار إريتريا، والآن تركيا للقاء الرئيس رجب طيب إردوغان.

كانت زياراته لتلك العواصم قصيرة لم تستغرق يوماً واحداً، ولا يعرف ما إن كان البرهان قد زار تلك العواصم بحثاً عن دعم من أجل التفاوض لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات «الدعم السريع» المستمرة منذ عدة أشهر، أم كان يريد الحصول على دعم سياسي وعسكري من العواصم الثلاثة التي زارها يساعده على حسم المعركة التي طالت، لصالح معسكره، وبالطبع لا يعرف أحد كواليس اللقاءات مع زعماء تلك الدول، لكنهم أعلنوا بصوت واحد في تصريحات مباشرة أو عبر متحدثيهم أن «لا حل عسكرياً».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح الفريق البرهان في العلمين (رويترز)

ففي مصر، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب لقاء البرهان، أهمية وضع خارطة طريق لحل الأزمة في السودان، ووضع جدول زمني لوقف التصعيد، وطمأن البرهان مضيفه بأن «الجيش لا يسعى للاستمرار في الحكم»، وفي جنوب السودان، قال وزير الخارجية المرافق للبرهان: «جوبا هي الأفضل للتوسط لحل الصراع»، وذلك عقب تصريحات وزير خارجية جنوب السودان دينق داو، إن رئيسه بحكمته قادر على حل الأزمة التي يعيشها السودان، وأن بلاده هي الأنسب لإيجاد حل للمشكلة، أما في قطر فقد أكد الأمير تميم بن حمد آل ثاني دعم بلاده لجهود إنهاء القتال حفاظاً على وحدة السودان، وفقاً لتغريدة على منصته الرسمية، بينما قال الديوان الأميري، في بيان، إن تميم أكد دعوته لوقف القتال وانتهاج الحوار وصولاً لسلام مستدام في السودان.

وفي محطته الرابعة العاصمة الإريترية «أسمرا»، التقى البرهان الرئيس آسياس أفورقي، حيث تسرب أن أفورقي أبلغه حرص أسمرا على استقرار ووحدة السودان.

ولا يعرف أحد ماذا طلب البرهان من زعماء تلك الدول التي كان بعض منها على مقربة من الجيش، لكن محللين كانوا يأملون في أن يكون القصد من زيارات البرهان توفير الإسناد للعملية التفاوضية، بيد أن تصريحاته التي أعقبت اللقاءات، تبدو وكأنها تحاول إرضاء الأطراف كافة، فقال لحلفائه الإسلاميين: «سنقاتل الميليشيا حتى آخر جندي»، وقال للمجتمع الإقليمي إنه لا يسعى للبقاء في السلطة، ولمح للمجتمع الدولي بإمكانية الوصول لحل تفاوضي، وهي مواقف وصفتها «السوشيال ميديا السودانية» بالمراوغة، وقالت إن «البرهان يشير إلى اليمين إذا كان يريد الانحراف يساراً».

أولويات البرهان

ويقول المحلل السياسي والإسلامي السابق أبو ذر علي الأمين، إن أهمية وأولوية كل من مصر وجنوب السودان، جعلت البرهان يضعهما في مفتتح زياراته، لعله يغلق الباب أمام الخط الذي يقوده الاتحاد الأفريقي ومجموعة «إيغاد»، اللتين تتعاملان مع «سودان الحرب» باعتباره حكومة بلا قيادة، وأضاف: «زيارة مصر ومراسم الاستقبال التي نظمت لاستقباله، تقفان في موازاة مسعى الاتحاد الأفريقي الذي لا يعترف بشرعية البرهان منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ولا تزال عضويته مجمدة فيه».

أمير قطر لدى استقباله البرهان في الدوحة (سونا)

ويوضح الأمين أن الاستقبال الرسمي الرئاسي الذي نظم للبرهان في جنوب السودان، واستناداً إلى أن جنوب السودان عضو آلية «إيغاد الرباعية»، يؤكد أن جوبا ترفض التعامل مع السودان كقطر بلا قيادة شرعية، وأضاف: «البرهان لعب كُرته بمهارة، أكملتها زيارته للدوحة، صعبت على الاتحاد الأفريقي والإيغاد التعامل مع السودان بغير رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وبصفته رئيساً للبلاد».

وكونت الهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» لجنة رباعية من رؤساء «جنوب السودان، جيبوتي، كينيا، إثيوبيا»، وأوكلت رئاستها للرئيس الكيني وليم روتو، بيد أن السودان اعترض على رئاسة روتو، واعتبرته الخارجية السودانية «منحازاً» للطرف الآخر من الحرب، وتوعدت بالخروج من المنظمة الإقليمية حال تمسكها برئاسة كينيا، لكن تقارير صحافية أعقبت زيارة البرهان لجوبا ذكرت أن الرئيس سلفاكير ميارديت أفلح في إذابة الجليد بين البرهان وروتو، ليدخل كل من الاتحاد الأفريقي والخرطوم في حملة ملاسنات عقب وصف المتحدث للاتحاد الحسن ولد لبات لبيان الخارجية الرافض لمقترح الإيغاد بأنه «منحط».

الحصول على الشرعية

أما الصحافي والمحلل السياسي فايز السليك، فقد ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن البرهان يريد اكتساب شرعية سياسية كرئيس للدولة بزيارة تلك الدول ولقاء الرؤساء، وفي الوقت ذاته يريد الحفاظ على موقعه في الجيش، ما يجعله يتحدث بلسانين ويرقص على حبال عدة، ويتابع: «في الخارج يصور نفسه أنه يريد إنهاء الحرب ولا يرفض التفاوض مع الدعم السريع، بيد أنه يؤكد للجيش وللإسلاميين الداعمين له رغبته في سحق قوات الدعم السريع».

ويرى السليك أن البرهان تحركه مطامحه السياسية وهواجسه العسكرية، بقوله: «هو يخاف من عزله من منصبه كقائد عسكري؛ لأن الجناح العسكري للإسلاميين يسيطر على قرار الحرب داخل الجيش، لذلك قد يتخلى عن قيادة الجيش، ويكتفي بمنصبه كقائد أعلى، تحت ذريعة بُعده عن مسرح العمليات، وللتفرغ للعمل السياسي وإدارة الدولة، وذلك لأن زيارته لم تقتصر على قضية الحرب والسلام، بل شملت فتح المعابر مع مصر، وقضايا السلع والبترول».

البرهان لدى زيارته معسكراً للجيش في مدينة الدمازين جنوب غربي السودان (مجلس السيادة «فيسبوك»)

ويرى السليك أن زيارات البرهان واستقباله بتلك الطريق، لهما أثر معنوي على الجيش، يجعل قرار الإطاحة به من قيادة الجيش ذا كلفة عالية، إضافة إلى أنه كان يبحث أيضاً عن دعم عسكري وسياسي، ويطالب بتصنيف «الدعم السريع» «منظمة إرهابية»، وفي الوقت ذاته تطمين دول الجوار بأن الإسلاميين والإخوان لا يسيطرون على القرار.

وذكر محلل سياسي طلب عدم كشفه، أن الزيارات الثلاث التي أعقبت خروج الرجل كلها خلصت إلى نتيجة واحدة «لا حرب» والاستعداد للتحول والانتقال الديمقراطي، وقال: «الخيارات أمام البرهان ضيقة، لذلك هو لا يملك فرصاً كثيرة، وقواته التي تقاتل منذ أشهر منهكة، وفي الوقت ذاته أصبحت البلاد من دون موارد».

وقطع المصدر بأن الخيار الوحيد المتاح للبرهان الآن السفر إلى مدينة جدة السعودية، والجلوس للتفاوض، وتابع: «أما في حال اختياره الحرب والإصرار عليها، ومحاولة الاحتماء بروسيا، فربما ينتظره سيناريو شبيه بالسيناريو السوري».

فهل يخضع البرهان لمطالب الداخل والخارج ويوقف الحرب، أم يتمسك بالحل العسكري و«القضاء على الدعم السريع» إرضاء لحلفائه من الإسلاميين وأنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير، أم يواصل لعبة ترويض الأفاعي وانتظار مصير «علي عبد الله صالح؟!».


مقالات ذات صلة

الإمارات تؤكد استهداف الجيش السوداني مقر رئيس بعثتها في الخرطوم

الخليج مقر وزارة الخارجية الإماراتية (الشرق الأوسط)

الإمارات تؤكد استهداف الجيش السوداني مقر رئيس بعثتها في الخرطوم

أكد سالم الجابري، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والعسكرية، استهداف الجيش السوداني مقر رئيس بعثة دولة الإمارات في الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شمال افريقيا رئيس مجلس الوزراء المصري خلال لقاء عدد من المفكرين والكُتاب (مجلس الوزراء المصري)

«سد النهضة»: مصر تلوح بـ«توجه آخر» حال نقص حصتها المائية

لوّحت الحكومة المصرية باتخاذ «توجه آخر» تجاه قضية «سد النهضة» الإثيوبي حال نقص حصة القاهرة من مياه النيل.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا الدخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

السودان: اتهامات لكتائب موالية للجيش بـ«إعدام العشرات» جماعياً

وجه نشطاء حقوقيون سودانيون اتهامات لكتائب موالية للجيش وأفراد يرتدون الزي العسكري له بارتكاب ما وصفوه بـ«انتهاكات جسيمة» تضمنت عمليات «إعدام جماعي لعشرات».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا الرئيس الصيني يرحب بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال «قمة منتدى التعاون الصيني - الأفريقي» في بكين مطلع سبتمبر الماضي (مجلس السيادة)

بكين تدعو إلى احترام سيادة ووحدة السودان وعدم التدخل بشؤونه

«الشركات الصينية تهتم بالسودان، وتتابع تطورات الأحداث أولاً بأول، وترغب بعد وقف الحرب العودة مرة أخرى واستئناف عملها في الاقتصاد التجاري».

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش في الخرطوم يوم 26 سبتمبر (رويترز)

الجيش السوداني ينفي قصف سفارة الإمارات بالخرطوم

قال الجيش السوداني في بيان إنه «لا يستهدف مقار البعثات الدبلوماسية، أو مقار ومنشآت المنظمات الأممية أو الطوعية».


تونس تنتخب رئيسها اليوم

نقل صناديق الاقتراع داخل أحد مراكز العاصمة تونس (إ.ب.أ)
نقل صناديق الاقتراع داخل أحد مراكز العاصمة تونس (إ.ب.أ)
TT

تونس تنتخب رئيسها اليوم

نقل صناديق الاقتراع داخل أحد مراكز العاصمة تونس (إ.ب.أ)
نقل صناديق الاقتراع داخل أحد مراكز العاصمة تونس (إ.ب.أ)

يتوجّه التونسيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد، بعد نحو 3 أسابيع من انطلاق حملة المترشّحين للرئاسة.

ويواجه الرئيس قيس سعيّد، النائب البرلماني السابق زهير المغزاوي، والنائب السابق ورجل الأعمال العياشي زمال، الذي سُجن، بعد قبول هيئة الانتخابات ترشحه الشهر الماضي.

هذه الانتخابات تعد، وفق مراقبين، مختلفة عن سابقاتها، وذلك بسبب الاحتجاجات التي رافقت الحملة الانتخابية، والانتقادات التي وجهت لهيئة الانتخابات، واتهامها بتعبيد الطريق أمام الرئيس للفوز بسهولة على منافسيه، وأيضاً بسبب مخاوف من عزوف التونسيين عن الاقتراع.

وقال رئيس «الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات» (عتيد)، بسام معطر، إن نسبة المشاركة «تواجه تحديات بسبب الإشكالات الكثيرة التي رافقت الحملة الانتخابية، ودعوات المقاطعة من قِبَل عدة أحزاب من المعارضة».