درنة المدمَّرة تحصي ضحايا الفيضانات... واستمرار جهود الإغاثة

مخاوف من حصيلة أكبر بكثير من المعلنة حتى الآن

TT

درنة المدمَّرة تحصي ضحايا الفيضانات... واستمرار جهود الإغاثة

تظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو نشرته قناة «المسار» التلفزيونية الليبية على شبكات التواصل الاجتماعي في 13 سبتمبر رجلاً يقوم بالتفتيش للتعرف على إحدى الجثث الملفوفة للضحايا الذين لقوا حتفهم في أعقاب الفيضانات بعد أن ضربت عاصفة «دانيال» مدينة درنة الواقعة في شرق ليبيا (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو نشرته قناة «المسار» التلفزيونية الليبية على شبكات التواصل الاجتماعي في 13 سبتمبر رجلاً يقوم بالتفتيش للتعرف على إحدى الجثث الملفوفة للضحايا الذين لقوا حتفهم في أعقاب الفيضانات بعد أن ضربت عاصفة «دانيال» مدينة درنة الواقعة في شرق ليبيا (أ.ف.ب)

تواصل مدينة درنة المدمّرة في شرق ليبيا الأربعاء إحصاء ضحايا الفيضانات الكارثية التي يتوقع أن ترتفع أعدادها أكثر بكثير من 2300 قتيل المؤكدة حتى الآن، بينما بلغ عدد المشردين في المدينة أكثر من ثلاثين ألفا، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وتعهدت الأمم المتحدة تقديم عشرة ملايين دولار لدعم الناجين، وكانت تركيا ومصر والإمارات بين أول الدول التي هرعت لتقديم المساعدات، بينما لا يزال هناك عشرة آلاف شخص في عداد المفقودين، وفق الصليب الأحمر.

وبث تلفزيون «المسار» الليبي على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي صورا مروعة لعشرات الجثث الملقاة على رصيف في مدينة درنة وملفوفة بأقمشة ملونة، بينما تجمّع حولها عدد من الأشخاص.

وكانت العاصفة «دانيال» ضربت المنطقة بعد ظهر الأحد، وتساقطت أمطار غزيرة جدا تسببت في انهيار سدّين قريبين من درنة، فتدفقت المياه في المدينة جارفة معها الأبنية والناس. وجُرف الكثير منهم إلى المتوسط، بينما شوهدت جثث على شواطئ مليئة بالحطام.

وحفر ناجون مصدومون بين أنقاض المباني المدمرة المغطاة بالطين لانتشال جثث الضحايا التي دفن الكثير منها في مقابر جماعية.

في وقت متأخر الثلاثاء، بلغت حصيلة صادرة عن السلطات في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، والتي تعاني من أزمات سياسية وانقسامات، 2300 قتيل على الأقل. إلا أن بعض المسؤولين في الشرق الليبي يتحدّثون عن أرقام أعلى بمرّتين.

ونقلت تقارير إعلامية عن ناطق باسم وزارة الداخلية التابعة لحكومة شرق ليبيا قوله الثلاثاء إن «أكثر من 5200 شخص» قضوا في درنة وحدها.

وقال المسؤول في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر تامر رمضان الثلاثاء إن عشرة آلاف شخص ما زالوا في عداد المفقودين.

وقال: «ليست عندنا أرقام نهائية في الوقت الحالي». لكنه شدد على أن مصادر مستقلة أكدت للمنظمة أن «عدد المفقودين وصل إلى 10 آلاف شخص حتى الآن». وقال إن «حصيلة القتلى ضخمة وقد تصل إلى الآلاف».

أفراد من فريق الإنقاذ من الجيش المصري يسيرون في الشارع بعد العاصفة القوية التي ضربت درنة بليبيا في 13 سبتمبر 2023 (رويترز)

تفاقم القلق الدولي

ولم تتعاف ليبيا الغنية بالنفط منذ سنوات من الحرب والفوضى التي أعقبت انتفاضة شعبية عام 2011 أطاحت بزعيمها معمر القذافي، بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتدير البلاد حكومتان متنافستان: واحدة معترف بها من الأمم المتحدة ومقرّها طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى في الشرق، حيث وقعت الكارثة، يرأسها أسامة حمّاد بتكليف من البرلمان ودعم من المشير خليفة حفتر.

وتحيط تلال بمدينة درنة الواقعة على بعد 300 كيلومتر شرق بنغازي، ويمرّ فيها مجرى نهر يجفّ عادة خلال الصيف، لكنه تحوّل بعد انهيار السدين إلى مجرى لتيار قوي من المياه الموحلة التي جرفت معها عدداً من الجسور الرئيسية.

يسكن درنة حوالي 100 ألف نسمة. وقد انهار كثير من أبنيتها المتعددة الطوابق على ضفاف مجرى النهر، فيما اختفى الآلاف مع منازلهم ومركباتهم في المياه.

وأعلن المجلس النرويجي للاجئين الثلاثاء أن «قرى بأكملها غمرتها الفيضانات» في مناطق أخرى من شرق ليبيا، و«تتواصل حصيلة القتلى الارتفاع فيها».

وأضاف في تقرير «عانى السكان في أنحاء ليبيا من سنوات من النزاعات والفقر والنزوح. ستفاقم الكارثة الأخيرة صعوبة الوضع بالنسبة لهؤلاء. وستضغط على المستشفيات ومراكز الإيواء».

وفيما يتفاقم القلق الدولي حيال الكارثة، قدّمت دول عدّة مساعدات عاجلة وأرسلت فرق إنقاذ لمساعدة الدولة التي تعاني من الحروب، وتعصف بها ما وصفها مسؤول من الأمم المتحدة بـ«نكبة بأبعاد أسطورية».

وخصصت الأمم المتحدة عشرة ملايين دولار لجهود الإغاثة، كما أعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة مارتن غريفيث.

وكتب على منصة «إكس» (تويتر سابقا) «حصدت العاصفة دانيال آلاف الأرواح وتسببت في أضرار كبرى، وقضت على سبل العيش في شرق ليبيا»، مضيفا «نقف إلى جانب شعب ليبيا في هذا الوقت العصيب».

رجل يسير بين الأنقاض بعد عاصفة قوية وأمطار غزيرة ضربت درنة في ليبيا في 12 سبتمبر 2023 (رويترز)

ووصلت فرق إنقاذ من مصر وتركيا إلى شرق ليبيا، وفق السلطات. كما عرضت بلدان عدة بينها الجزائر وفرنسا وإيطاليا وقطر وتونس إرسال مساعدات.

وأرسلت الإمارات طائرتي مساعدات بهما 150 طنا من المساعدات والمستلزمات الطبية إلى بنغازي، وأعلنت فرنسا أنها سترسل مستشفى ميدانياً وحوالي 50 عنصرا عسكريا ومدنيا يمكنهم علاج 500 شخص يوميا.

وأقلعت طائرة كويتية الأربعاء تقل 40 طنا من المساعدات، فيما أرسل الأردن طائرة عسكرية محملة بعلب مواد غذائية وخيم وبطانيات وفراش.

وأعلنت المفوضية الأوروبية أيضا الأربعاء إرسال مساعدة من ألمانيا ورومانيا وفنلندا إلى مدينة درنة.

وقال ناطق باسم المفوضية الأوروبية: «تم تفعيل آلية الدفاع المدني في الاتحاد الأوروبي، والمساعدة التي قدمتها ألمانيا ورومانيا وفنلندا في طريقها» إلى ليبيا.



وتشمل هذه المساعدة أسرّة ميدانية وخيماً وأغطية ومولدات كهربائية ومواد غذائية وخزانات مياه، كما جاء في بيان صادر عن المفوضية التي أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي مستعد «لتنسيق عروض مساعدة أخرى».

وربط خبراء مناخ كارثة ليبيا بتضافر آثار ارتفاع حرارة الأرض وسنوات من الفوضى السياسية ونقص الاستثمار في البنية التحتية في البلاد.

وتعرف العواصف المتوسطية القوية مثل إعصار دانيال الذي سبق أن ضرب تركيا وبلغاريا واليونان، بأنها يمكن أن تزداد قوة حين يمتص الهواء الدافئ المزيد من الرطوبة.

وتميل الظواهر الجوية القصوى إلى أن تحصد عددا أكبر من الضحايا في الدول الفقيرة، أو التي تشهد نزاعات بسبب نقص البنى التحتية وأنظمة الإنذار المبكر وخدمات الاستجابة لحالات الطوارئ.


مقالات ذات صلة

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

شمال افريقيا وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

خلَّفت زيارة بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، التي التقى خلالها وزير الخارجية، هاكان فيدان، قدراً من التساؤلات.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

أكدت حكومة الوحدة، في بيان مساء الجمعة، أنه «لا صلة لها بإجراءات إرسال 95 شخصاً من حملة الجنسية الليبية»

خالد محمود (القاهرة )
المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

تُسرّع الحكومة المصرية من «إجراءات تعويض أهالي منطقة (رأس الحكمة)، الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد)»، لتتمكن من تسلُّم أراضي المرحلة الأولى المخصصة للمشروع المشترك بين مصر والإمارات، الذي يستهدف تنمية وتطوير المنطقة.

ووجّه رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، السبت، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، شريف الشربيني، بمتابعة موقف تعويضات الأهالي والتعاون مع محافظة مرسى مطروح والجهات المعنية الأخرى «لسرعة الانتهاء من هذا الملف». وأكد مدبولي خلال جولة له بمدينة العلمين (شمال مصر)، السبت، أنه «لا بديل عن الالتزام بالمواعيد المحددة لبدء المرحلة الأولى من المشروع».

ووقّعت مصر اتفاقاً لتطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، في فبراير (شباط) الماضي، بـ«استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة المشروع»، (الدولار الأميركي يساوي 48.30 جنيه في البنوك المصرية).

وذكر مدبولي خلال توقيع الاتفاق أن مدينة رأس الحكمة الجديدة ستقام على مساحة 170.8 مليون متر مربع، وستوفر كثيراً من فرص العمل، معتبراً أن مثل هذه النوعية من المشروعات «يمكنها المساهمة في تحقيق حلم مصر لجذب 40 أو 50 مليون سائح». ووفق إحصاءات سابقة لوزارة السياحة والآثار المصرية فإن «نحو 14.9 مليون سائح زاروا مصر العام الماضي».

وقال مدبولي في وقت سابق إن «مشروع تنمية وتطوير رأس الحكمة»، يعد أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر. وشدد حينها على أن المشروع «شراكة استثمارية وليس بيع أصول».

رئيس الوزراء المصري ووزير الإسكان خلال زيارة "العلمين الجديدة" (مجلس الوزراء المصري)

في غضون ذلك، عقد رئيس مجلس الوزراء المصري، السبت، عقب جولته بمدينة العلمين الجديدة، اجتماعاً مع عدد من المسؤولين، أكد خلاله «أهمية المشروعات الجاري تنفيذها في الساحل الشمالي». وقال إنها «تضع مصر على خريطة الاستثمار والسياحة العالمية»، مشيراً إلى أنه «إلى جانب المشروعات المهمة، التي يجري تنفيذها في مدينة العلمين الجديدة، فقد بدأ العمل الجاد تمهيداً للمرحلة الأولى من مشروع رأس الحكمة، الجاري تنفيذه بشراكة مصرية-إماراتية». ووصف مدبولي المشروع بأنه «متوقع أن يدر على الاقتصاد المصري موارد دولارية ضخمة خلال فترتي الإنشاء والتشغيل».

وكان المشروع قد جرى توقيعه في وقت شهدت مصر خلاله «فجوة دولارية». واعتبر خبراء ومراقبون وقتها (أي قبل تحرير سعر صرف الجنيه في مارس/ آذار الماضي) أن الحكومة تحتاج إلى «حلول عاجلة» لإحداث توازن بين السعر الحقيقي للجنيه، والسعر المتداول للدولار في «السوق السوداء».

مخطط مدينة "رأس الحكمة" (موقع خريطة مشروعات مصر)

من جانبه، استعرض وزير الإسكان المصري خلال الاجتماع مع مدبولي «ملف التعويضات» التي سيتم تقديمها للأهالي في منطقة رأس الحكمة، تمهيداً لتسليم أراضي المرحلة الأولى للجانب الإماراتي، لبدء تنفيذ المشروع. وأكد الوزير المصري أن التنسيق مع الجانب الإماراتي «يجري بشكل متسارع من أجل تسليم أراضي المرحلة الأولى». وعرض الوزير أيضاً الموقف التخطيطي لمشروع «السكن البديل لأهالي منطقة رأس الحكمة»، لافتاً إلى أن هذا المشروع «سيتم تنفيذه بما يلائم تطلعات سكان المنطقة».

وكانت الشركة «القابضة» الإماراتية (ADQ) قد ذكرت في وقت سابق أن مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة «يستهدف ترسيخ مكانة رأس الحكمة بوصفها وجهة رائدة لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركزاً مالياً، ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر»، وفق بيان لـ«وكالة الأنباء الإماراتية».