تونس تبحث مع الاتحاد الأوروبي سبل إنقاذ ميزانيتها المتدهورة

من خلال تنفيذ مذكرة تفاهم تتضمن وعوداً بالمساعدة المالية

صورة أرشيفية من استقبال الرئيس قيس سعيد لرئيسة وزراء إيطاليا لبحث أزمة الهجرة (رويترز)
صورة أرشيفية من استقبال الرئيس قيس سعيد لرئيسة وزراء إيطاليا لبحث أزمة الهجرة (رويترز)
TT

تونس تبحث مع الاتحاد الأوروبي سبل إنقاذ ميزانيتها المتدهورة

صورة أرشيفية من استقبال الرئيس قيس سعيد لرئيسة وزراء إيطاليا لبحث أزمة الهجرة (رويترز)
صورة أرشيفية من استقبال الرئيس قيس سعيد لرئيسة وزراء إيطاليا لبحث أزمة الهجرة (رويترز)

لا تزال السلطات التونسية تواصل البحث مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي عن طرق مجدية للطرفين لتنفيذ مذكّرة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي، المبرمة بين الجانبين في 16 من يوليو (تموز) الماضي؛ فمن جهة لا يزال الطرف الأوروبي، وخاصة إيطاليا، يعبر عن قلقه من تواصل تدفق المهاجرين الأجانب على سواحلها، فيما تؤكد السلطات التونسية أنها لم تر بعد نتائج الوعود المالية الكثيرة من جانب الاتحاد الأوروبي، وأنها لا تزال تنتظر تدفق المساعدات الموجهة لتمويل الميزانية المهددة بالانهيار.

وفي محادثة هاتفيّة أجراها مساء أمس (الاثنين) نبيل عمار، وزير الخارجية التونسية، مع إيلفا جوهانسون، المفوضة الأوروبية للشؤون الدّاخلية، أكدت تونس ضرورة اعتماد مقاربة شاملة لمعالجة الأسباب العميقة لظاهرة الهجرة غير الشرعية، موضحة أن تعافي الاقتصاد، وإرساء دعائم التنمية المستدامة في البلاد «يبقيان الضمان الأكثر نجاعة للحدّ من تدفقات هجرة الأجانب إلى أوروبا».

من لقاء سابق لوزير الاقتصاد التونسي مع المفوض الأوروبي (إ.ب.أ)

كما طالبت تونس بتسهيل التنقل والهجرة الشرعية إلى البلدان الأوروبية، من خلال إضفاء مرونة أكثر على إجراءات منح التأشيرة لفائدة التونسيين، وهو ما وعدت المسؤولة الأوروبية بطرحه على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما اتفق الطرفان على إرسال «ديناميكية جديدة» في علاقات الشراكة التونسية - الأوروبية، وأكّدا العزم على المضي قدما قصد تعزيزها بشكل أكبر.

في هذا السياق، قال جمال العرفاوي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن تونس والاتحاد الأوروبي «اندفعا كثيراً حين وقعا مذكرة تفاهم بينهما، والحال أن كليهما يسعى إلى تغليب مصلحته على حساب الآخر». متوقعا أن يعود الطرفان إلى أرض الواقع؛ لأن الأرقام «تؤكد تضاعف أعداد المهاجرين نحو أوروبا، وجرة قلم لا يمكن أن تنهي أحلام الآلاف من الشباب المحبط. كما أن الطرف الأوروبي، ومن خلال حالة الانكماش الاقتصادي الذي تعرفه أقوى دوله وصاحبة القرار لديه، سيجد صعوبات كبيرة في الوفاء بوعوده المالية التي ستوجه لانتشال الاقتصاد التونسي».

مظاهرات نظمها شبان تونسيون بالعاصمة للمطالبة بالشغل والتنمية (أ.ف.ب)

ولاحظ العرفاوي أن الدول الأوروبية نفسها «غير متفقة حول تشخيص الوضع الحالي في تونس، فهناك من الأعضاء من ينتقد وضع الحقوق والحريات في تونس، ويشير إلى تعطل المسار الديمقراطي من خلال الدفع بأي طرف معارض إلى الزاوية، وهو ما لا توافق عليه بعض الدول الأخرى»، على حد تعبيره.

يذكر أن تونس وقّعت مع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم حول «الشراكة الاستراتيجية والشّاملة» بين الجانبين في عدة مجالات؛ بينها تعزيز التجارة ومكافحة الهجرة غير النظامية. وركزت هذه المذكّرة على عدد من المحاور الحيوية، وأهمها الهجرة والاقتصاد، ومجال الزراعة والتجارة والطاقة والانتقال الرقمي، غير أن تونس شهدت بعد توقيع الاتفاق تدفّقاً ملحوظاً لمهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصّحراء، وباتت مدن مثل صفاقس (وسط شرقي) منصة مهمة لانطلاق رحلات الموت نحو السواحل الأوروبية، وفق تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة.

وكان الجانب الأوروبي قد وعد بتوفير مبلغ 900 مليون يورو لتمويل ميزانية تونس المتدهورة، ومساعدتها على تنفيذ مجموعة من مشاريع التنمية التي بإمكانها خفض معدلات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، لكن ظلت بنود الاتفاق معلقة في انتظار ديناميكية جديدة، كما عبر عنها الطرف التونسي.


مقالات ذات صلة

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

الاقتصاد منظر عام لشارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس (رويترز)

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

أظهرت أحدث نسخة من مشروع قانون الموازنة التونسية، أن تونس تأمل في خفض عجز الميزانية إلى 5.5 في المائة عام 2025 من 6.3 في المائة متوقعة في 2024.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من التظاهرة التي نظّمها أقارب معارضين للرئيس التونسي للمطالبة بالإفراج عنهم (د.ب.أ)

عائلات معارضين تونسيين معتقلين يتظاهرون ضد «الظلم»

تظاهر نحو مائة من أقارب معارضين للرئيس التونسي، بعضهم مسجون منذ ما يقارب العام ونصف العام، لمناسبة عيد الجمهورية للمطالبة بالإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي بإمكان العراقيين السفر إلى تونس من دون تأشيرة دخول (أ.ف.ب)

تونس تُعفي العراقيين والإيرانيين من تأشيرة الدخول

أعلنت تونس إعفاء الإيرانيين والعراقيين من تأشيرة الدخول إلى أراضيها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا تونسيون يعاينون الخراف في مركز بيع بمدينة القصرين حيث زادت أسعار الأضاحي بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف (أ.و.ب)

ارتفاع أسعار أضاحي العيد يقض مضجع التونسيين

أعداد كبيرة من التونسيين عبرت عن تذمرها وشكواها من ارتفاع أسعار أضاحي العيد، وهو ارتفاع كبير وغير منتظر، وأصبح يقض مضجع جل الآباء التونسيين.

«الشرق الأوسط» (تونس)

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
TT

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)

أثار ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» في مصر تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، امتزج بحالة من الجدل المستمر بشأن القرار، الذي يخشى البعض أن يكون مدخلاً لـ«المصالحة» مع تنظيم «الإخوان»، لا سيما أنه تضمّن أسماء عدد من قياداته.

ورفعت مصر، الأحد الماضي، أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية»، بعد تحريات أمنية أسفرت عن «توقف المذكورين عن القيام بأي أنشطة غير مشروعة ضد الدولة أو مؤسساتها»، مع «الاستمرار في مراجعة موقف بقية المدرجين في القوائم لرفع أسماء مَن يثبت توقفه عن أنشطة ضد الدولة».

وعقب البيان الذي أصدرته النيابة المصرية، أشارت قناة «إكسترا نيوز» المصرية إلى أن «القرار جاء استجابةً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي». ونقلت عنه تأكيده أنه «حريص على أبنائه، ويفتح لهم صفحةً جديدةً للانخراط في المجتمع، كمواطنين صالحين يحافظون على بلدهم، ويعيشون في أمان على أرضها».

ورحَّب الأزهر بالقرار، وأكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في بيان على «إكس»، ترحيبه العميق «بتوجيهات الرئيس السيسي التي مهَّدت الطريق لإعطاء الفرصة لهم لبدء صفحة جديدة للعيش بصورة طبيعيَّة في وطنهم ولمِّ شمل أسرهم».

وأثار ترحيب الأزهر ردود فعل عدة على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد عدّ الترحيب «خطوةً في صالح المجتمع»، ومعارضٍ انتقد تعليق الأزهر، بصفته مؤسسةً تعليميةً دينيةً، على أمور سياسية، في حين ذهب البعض إلى حد اتهام بعض قادة الأزهر بـ«دعم الإخوان».

وسعت «الشرق الأوسط» إلى الحصول على تعليق من مصادر مسؤولة بالأزهر، لكن لم يتسنَّ لها ذلك.

وبينما رفض أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، الانتقادات الموجَّهة للأزهر؛ بسبب ترحيبه بالقرار، أرجع حالة الجدل إلى «غياب ونقص المعلومات بشأن أسباب صدور القرار ومعناه، لا سيما أن بعض مَن وردت أسماؤهم في القرار لا يزالون في السجون».

وأكد السيد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرار خطوة جيدة واستجابة لحكم محكمة النقض»، مشيراً إلى أن «تضمينه أسماء عدد من قيادات الإخوان يثير تساؤلات بشأن نية الدولة للمصالحة، وهي تساؤلات من الصعب الإجابة عنها في ظل نقص المعلومات».

ووفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية، فإن قرار الاستبعاد تضمّن أشخاصاً يُحاكَمون على «ذمة قضايا أخرى»، من بينهم وجدي غنيم، وإن القرار متعلق بقضية واحدة فقط؛ وهي القضية المعروفة إعلامياً باسم «تمويل جماعة الإخوان».

وتعود القضية إلى عام 2014، وأُدرج بموجبها 1526 شخصاً على «قوائم الإرهاب»، عام 2018 لمدة 5 سنوات. وفي 18 مايو (أيار) الماضي، قضت محكمة النقض المصرية بإلغاء حكم «جنايات القاهرة» بتمديد إدراج هؤلاء على «قوائم الإرهاب» لمدة 5 سنوات أخرى، لأن قرار التمديد «لم يُبيِّن بوضوح الوقائع والأفعال التي ارتكبها كل منهم».

وعدّت رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان» السفيرة مشيرة خطاب، قرار الاستبعاد «خطوةً إيجابيةً»، مشيرة إلى أنه «جاء بعد دراسة متأنية من الجهات القانونية المختصة، ولم يكن عشوائياً». وأكدت أن «هناك دستوراً للبلاد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال خرقه أو تجاوزه».

وأشارت خطاب، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة تأهيل المستبعدين من قوائم الإرهاب، كونهم تعرَّضوا لضغوط نفسية واجتماعية، ما يتطلب العمل على إعادة دمجهم في المجتمع». وقالت: «برامج التأهيل لا بد أن توضع بعناية بمشاركة عدد من الجهات المعنية، وبعد دراسة القوائم، وخلفية المدرجين عليها، ومواقعهم، والأدوار التي قاموا بها».

ويتعرَّض كل مَن يتم إدراجه على «قوائم الإرهابيين» لتجميد الأموال وحظر التصرف في الممتلكات، والمنع من السفر، وفقاً لقانون «الكيانات الإرهابية» الذي أصدره الرئيس المصري عام 2015.

بدوره، قال الخبير بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، لـ«الشرق الأوسط» إن القرار «خطوة على طريق التسامح والعدالة الانتقالية»، رافضاً حالة الجدل الدائرة بشأنه، ومتهماً منتقدي القرار بأنهم «يسعون لإبقاء الأوضاع مشتعلةً في البلاد».

وأثار قرار الاستبعاد جدلاً وانتقادات إعلامية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وقال الإعلامي المصري أحمد موسى، في منشور عبر حسابه على «إكس»، إن موقفه «واضح ودون مواربة... لا أمان ولا عهد للإخوان، ولن نتسامح معهم».

وأعرب عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم من أن يدفع القرار نحو «المصالحة» مع تنظيم «الإخوان». وانتقدت الإعلامية لميس الحديدي، القرار، وقالت عبر «إكس»: «نريد أن نفهم ماذا يعني توجه الدولة لمراجعة القوائم ولماذا الآن؟ هل هناك ضغوط دولية لإبرام مصالحة مع الإخوان مثلاً؟».

لكن عضو مجلس النواب محمود بدر، نفى الاتجاه للمصالحة. وقال، عبر «إكس»: «السيسي هو الضمان الأكبر، وربما الوحيد لرفض المصالحة مع الإخوان»، مؤكداً سعادته بـ«ردود الفعل ورفض الناس فكرة المصالحة».

وقال الإعلامي المصري عمرو أديب، في برنامج «الحكاية» على فضائية «إم بي سي»، مساء الاثنين، إن «التفاعل مع القرار أحدث استفتاءً شعبياً بأن 99.9 في المائة من المصريين ضد الإخوان».

ورداً على تلك الانتقادات، قالت خطاب: «الشعب عانى كثيراً من الإخوان، وتعرَّض لمآسٍ، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نخرق القانون... والعقاب لن يستمر مدى الحياة». وأضافت: «مسؤولية الدولة هي إصلاح مَن فسد، والأجدى للمجتمع محاولة إصلاح وتأهيل مَن غرَّر به بدلاً مِن السعي للانتقام ضمن دائرة مفتوحة لا تنتهي».

وعكست الانتقادات حالة من الاحتقان الشعبي، «نبهت إلى دور الإعلام والمؤسسات الدينية في نشر المعلومات لإزالة الشقاق على أساس احترام الدستور والقانون»، بحسب رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان».