من يكسب معركة سلاح المدرعات السوداني؟

«كرّ وفرّ» حول أقوى وأهم أسلحة الجيش

TT

من يكسب معركة سلاح المدرعات السوداني؟

تصاعد الدخان فوق العاصمة الخرطوم جراء الاشتباكات (رويترز)
تصاعد الدخان فوق العاصمة الخرطوم جراء الاشتباكات (رويترز)

تدور معارك طاحنة للسيطرة على مقرات خمس قيادات عسكرية، بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وذلك منذ بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» الرديفة له في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وهي: مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، ومقر قيادة سلاح المدرعات في منطقة الشجرة في الخرطوم، ومقر قيادة سلاح المهندسين وسط أمدرمان، ومقر قيادة منطقة وادي سيدنا العسكرية التي تضم المطار الحربي وتقع شمال أمدرمان، ومقر قيادة سلاح الإشارة وسط الخرطوم بحري.

وتعد هذه المقرات العسكرية من أهم قواعد الجيش السوداني، وتكمن فيها قوته وفاعليته. ولذلك، تسعى قوات «الدعم السريع» التي سيطرت على مواقع شبه عسكرية وأخرى ثانوية، للسيطرة على تلك المقرات من خلال هجمات تنظمها بشكل دوري على تلك المراكز التي اتخذت قياداتها موقف المدافع، لا سيما سلاح المدرعات الذي دأبت قوات «الدعم السريع» على مهاجمته. ويذكر مراقبون أن المحاولات زادت على 15 محاولة فشل معظمها. بيد أن قوات «الدعم السريع» قالت إنها أفلحت يومي الاثنين والثلاثاء من الأسبوع الجاري في دخول هذه المنطقة الحصينة، وإنها تسيطر على أجزاء منها، فيما قال الجيش إنه طرد القوة المهاجمة وكبَّدها خسائر في الأرواح والعتاد.

مَن يحسم المعركة؟

وتولي قوات «الدعم السريع» أهمية خاصة لسلاح المدرعات، بوصفه «السلاح الاستراتيجي» القادر على حسم المعركة لصالح مَن يسيطر عليه، لا سيما أن سيرته وقدراته التدميرية كفيلة بدكّ الخرطوم وأي قوة مهاجمة، لذلك تعد السيطرة عليه «نهاية المعركة» بين الطرفين.

ويقع مقر سلاح المدرعات في ضاحية «الشجرة» جنوبي الخرطوم، وتُعرف بـ«منطقة الشجرة العسكرية»، ويمتد على مساحة تقدر بنحو 20 كيلومتراً مربعاً، من شرق الشجرة إلى غرب أحياء جبرة، ومن حدود «اللاماب» شمالاً إلى جبرة جنوباً، ويحيطه سور من الباطون المسلح، وتقع داخله القيادة البديلة للجيش السوداني.

ووفقاً لمصادر عسكرية فإن سلاح المدرعات يتكون من ثلاث كتائب دبابات من طراز (T55) روسية الصنع (نحو 40 دبابة)، وكتيبة دبابات (T72) روسية الصنع أيضاً، وكتيبة دبابات (T90) حديثة، ولوائي مشاة آليين، وناقلات جنود من طراز (BRT)، وكتيبة مشاة ميكانيكية بناقلات دروع من طراز المدرعة «البشير»، وهي نسخة مطورة من ناقلة جنود إيرانية حديثة، إضافة إلى كتيبة مدفعية ثقيلة ومتوسطة محمولة على مركبات، معظمها من طراز «هاوزر»، توفر الإسناد الناري للمشاة، وتُستخدم في تدمير المواقع والمباني، إضافةً إلى مركز دعم لوجيستي يضم مركز تدريب، وورش صيانة.

عناصر من قوات «الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)

ومنذ 3 أيام تدور معارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع» حول وداخل قيادة سلاح المدرعات، بعد أكثر من عشر محاولات سابقة. لكنّ المراقبين يقولون إن معارك أمس واليوم هي الأعنف، وإن «الدعم السريع» أفلح فيها في فتح ثغرة في دفاعات قوات المدرعات، وقال بادئ الأمر إنه سيطر على هذا السلاح، ووزع فيديوهات من داخل المنطقة الحصينة، لكنّ الجيش قال إن مجموعة محدودة من «الميليشيا» دخلت المدرعات وأخذت «صوراً دعائية»، تصدت لها قوات المدرعات وقضت عليهم جميعاً.

معارك كرٍّ وفرٍّ

وتَبادل الطرفان مزاعم السيطرة على المدرعات، لكن المعارك تجددت، الثلاثاء، وتكررت المزاعم نفسها. إذ إن «الدعم السريع» يقول إنه دخل مقر سلاح المدرعات ونشر صوراً وفيديوهات لتأكيد مزاعمه، بينما كذب الجيش وقال إنه حسم المعركة لصالحه. وهذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها الجيش بأن قوات من «الدعم السريع» دخلت مقر قيادة المدرعات، بعد أن كانت كل العمليات السابقة تدور حوله.

ووفقاً لعدد من التحليلات، فإن سلاح المدرعات يعد أهم أسلحة الجيش السوداني، وارتبطت تحركاته بـ«الانقلابات العسكرية» في الذاكرة السودانية، ويراهن الجميع على أنه «قادر» على ترجيح كفة الجيش على «الدعم السريع». لكن المثير لدهشة الجميع أن المدرعات ظلت في حالة دفاع منذ اندلاع القتال. وقال شهود إن الجيش أقام المتاريس وحفر الموانع حول سور المقر، واستخدم الحاويات الفارغة سوراً احتياطياً للحيلولة دون دخول قوات «الدعم السريع»، لا سيما أنه يضم مقراً بديلاً لمقر القيادة العامة للجيش.

والدبابات هي السلاح الوحيد الذي لا تملكه «الدعم السريع». وقد حاولت قيادتها مراراً امتلاك دبابات، لكن محاولاتها واجهت رفضاً قوياً من قادة سلاح المدرعات، ووصل الأمر إلى حد تدبير انقلابين، أحدهما بقيادة قائد سلاح المدرعات اللواء عبد الباقي بكراوي، والآخر بقيادة الفريق هاشم عبد المطلب، زعم قادتها أنهم دبّروا تلك الانقلابات لإنهاء محاولات «الدعم السريع» للسيطرة على الجيش.

الجيش السوداني نفى خسارته المعارك جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)

وأفشل الجيش المحاولتين، وألقى القبض على قادتهما وقدمهما للمحاكمة عندما كانت العلاقة بين قائد الجيش وقائد «الدعم السريع» تشبه «السمن على العسل» كما يقال. وقبل صدور أحكام بحق الانقلابيين، اندلعت الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»، فأفرج عنهم القائد العام للجيش وأعادهم إلى الخدمة، وهم يشاركون في القتال الجاري الآن ضد «الدعم السريع». وذكرت تقارير صحافية أن ثلاثة منهم على الأقل قُتلوا في معارك المدرعات خلال اليومين الماضيين.

الجيش لم يعلن خسارته

ورغم عدم امتلاك «الدعم السريع» دبابات، لكن لوحظت خلال معارك الأيام الماضية أنه استخدم دبابات قال إنه «غنمها» من الجيش الذي لم يعلن خسارته لأي دبابات، فيما أعلن الأخير عقب معركة، الاثنين، أنه دمَّر بعضها وسيطر على بعضها الآخر.

ويبدو أن قيادة قوات «الدعم السريع» تنطلق في محاولاتها للسيطرة على المدرعات من عدة دوافع، لخّصتها مصادر عسكرية بأنها تمثل رداً على رفض قادة المدرعات وجود قوات «الدعم السريع»، وأن السيطرة على سلاح المدرعات تمهد الطريق للسيطرة الكلية على الخرطوم، وتسد حاجة قوات «الدعم السريع» من المدرعات والدبابات والمدفعية اللازمة.

تصاعد الدخان فوق العاصمة الخرطوم جراء الاشتباكات (رويترز)

ومثلما تدور معارك مستمرة حول سلاح المدرعات، فإن معارك أخرى ظلت تدور حول سلاح المهندسين في أمدرمان. وزعم قادة «الدعم السريع» أنهم سيسيطرون، عاجلاً أم آجلاً، على السلاح «الفني المهم»، فيما يستمر القصف على القيادة العامة للجيش منذ اليوم الأول للحرب، والتي يسيطر كل طرف على جزء منها، بينما خفّت المعارك حول «سلاح الإشارة» في الخرطوم بحري في الآونة الأخيرة، بعد محاولات كثيرة للسيطرة عليه. أما منطقة وادي العسكرية والمطار العسكري، فلا تزال بعيدة عن أيدي وأسلحة قوات «الدعم السريع»، التي ذكرت في أكثر من مرة أنها نفذت ضدها عمليات خاصة وأخرى بمسيّرات.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تستعيد السيطرة على قاعدة رئيسية في دارفور

شمال افريقيا اندلع الصراع بين «الدعم السريع» والجيش في أبريل 2023 (أرشيفية - رويترز)

«الدعم السريع» تستعيد السيطرة على قاعدة رئيسية في دارفور

قالت «قوات الدعم السريع» السودانية إنها استعادت السيطرة على قاعدة لوجيستية رئيسية في شمال دارفور، اليوم (الأحد).

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
خاص وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

خاص وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إن حكومته أكدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، تمسكها بمفاوضات «منبر جدة» لحل الأزمة السودانية.

وجدان طلحة (بورتسودان) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طرفي النزاع في السودان إلى «إلقاء السلاح» بعد عام ونصف العام من الحرب التي تعصف بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
TT

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)

تعوّل الحكومة الجزائرية على تحسّن معدلات الصناعة العسكرية، بغرض رفع نسبة النمو في قطاع الصناعة وإنعاش الاقتصاد التابع تبعية مطلقة لإيرادات النفط والغاز.

وبرزت أهمية التصنيع الحربي في «معرض الإنتاج الوطني» السنوي الذي انطلق الخميس الماضي. ففي الجناح المخصص لوزارة الدفاع في المعرض الذي يقام بالضاحية الشرقية للعاصمة، يتم تقديم مختلف المنتجات الخاصة بالقوات المسلحة، والترويج لها على أساس أنها «قاطرة الصناعة في البلاد».

تصنيع عربات عسكرية بالشراكة مع شركة «مرسيدس» الألمانية (وزارة الدفاع)

وأبرز الرئيس عبد المجيد تبون، خلال افتتاح التظاهرة الاقتصادية والتجارية، «أهمية الصناعة العسكرية كنموذج يجب اتباعه وكرافعة للصناعة الوطنية». وأكد أن الجيش «حقق مستويات في الصناعة، أتمنى أن تصل إليها الشركات الأخرى»، وهنّأ القائمين على جناح وزارة الدفاع بالمعرض، لـ«معدل التكامل العالي الذي أنجزته الصناعة العسكرية»، من دون أن يقدم أي رقم فيما يخص التصنيع الحربي.

ولفت تبون إلى أن «السياسة التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة، الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، ساهمت في تقليص فاتورة الواردات بنسبة 40 في المائة»، داعياً إلى «عدم التفريق بين الشركات التي تتبع للجيش، وبين الشركات الحكومية والخاصة؛ إذ تساهم جميعها في رفع شأن الإنتاج الجزائري».

وتشارك في «معرض الإنتاج الوطني 2024» مئات المؤسسات الحكومية والخاصة. وغالباً ما تستعرض الحكومة «عضلاتها» من خلال هذا الحدث الاقتصادي، للتأكيد على «قدرة المنتوج الجزائري على المنافسة في الأسواق الدولية»، علماً أن الجزائر حققت الاكتفاء الذاتي في قطاع من المنتجات الزراعية، في حين تستورد كل حاجاتها من المواد المصنّعة ونصف المصنّعة.

الرئيس تبون يستمع إلى خطة عمل مؤسسات خاصة (الرئاسة)

ويقول مصدر حكومي، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الصناعة العسكرية في الجزائر «أصبحت اليوم نموذجاً يحتذى به في التنظيم والحوكمة، وكذلك في الجودة والأداء. إنه قطاع تمكن بفضل صرامته من التكيّف مع متطلبات ومعايير الإنتاج في عدة مجالات، بدءاً من صناعة الأسلحة ووصولاً إلى وسائل النقل واللوجستيات والملابس».

وأوضح المصدر ذاته، أن قطاع التصنيع العسكري «يواجه اليوم تحديات جديدة، تتمثل في التحكم في مجالات ذات قيمة تكنولوجية عالية، مثل صناعة المسيّرات ومعدات الاتصالات. ويتمثل التحدي الآخر في تحسين نسب الاندماج، من خلال الاعتماد على الإنتاج والمناولة المحلية، بهدف رفع مستويات الاندماج إلى أكثر من 60 في المائة في السنوات المقبلة».

ووفق المصدر ذاته، فإنه «يجب الإشادة بجهود والتزامات المؤسسة العسكرية في تحديث وتطوير هذه الصناعة الحربية التي تم تصنيفها كأولوية استراتيجية؛ نظراً لتأثيرها في تعزيز القوة العسكرية؛ كونها ركيزة أساسية للسيادة الوطنية». واللافت أنه لا تتوفر بيانات محددة حول نسبة مساهمة الصناعة العسكرية في نمو الصناعة الجزائرية بشكل عام.

رئيس البلاد مع مسؤولين من وزارة الدفاع في جناح الإنتاج الحربي في معرض الإنتاج الوطني (الرئاسة)

ويشار إلى أن موازنة الجيش لعام 2025 محددة بـ22 مليار دولار (الموازنة العامة مقدرة بـ126 مليار دولار)، وهي في زيادة مستمرة منذ 5 سنوات. وتبرر الحكومة حجم الإنفاق العسكري العالي بـ«التهديدات والمخاطر المحيطة بالجزائر»، وتقصد، ضمناً، الاضطرابات في مالي والنيجر، وفي ليبيا أيضاً، وتعاظم تجارة السلاح والمخدرات ونشاط المهربين في جنوب الجزائر الفسيح.

وكان تبون صرّح بنهاية 2023 بأن نسبة الاندماج في مجال الصناعات الميكانيكية العسكرية تجاوزت 40 في المائة؛ ما يدل على تقدم ملحوظ في هذا القطاع في تقدير السلطات. بالإضافة إلى ذلك، نجحت المؤسسات الصناعية التابعة للجيش الوطني الشعبي في أن تكون داعماً مهماً للنسيج الصناعي الجزائري، بعد أن وسعت دائرة اهتماماتها لتشمل مختلف المجالات الصناعية.

وعلى الرغم من هذه التطورات، لا تزال الصناعات العسكرية الجزائرية ناشئة، وفق خبراء مستقلين. فهي بحاجة إلى المزيد من الوقت لتطوير قدراتها الإنتاجية والتكنولوجية، خاصة في مجالات الأسلحة المتطورة.