تباينت الآراء في الساحة الليبية بشأن الاجتماع الذي عُقد في بنغازي بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر.
ففيما عدّه البعض بداية لانفصال المنفي، ومجلسه عن حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، رأى آخرون أن الاجتماع خطوة استباقية لقطع الطريق على المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، الذي يعتزم تقديم إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي (الثلاثاء)، للحيلولة دون إعلانه عن تشكيل لجنة موسعة تتولى مهمة التوافق على القوانين الانتخابية.
ويعتقد عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، بالطرح الذي يرجح ابتعاد المنفي عن الدبيبة، خاصة بعد الاشتباكات التي اندلعت مؤخرا بالعاصمة طرابلس، وقال إن الأحداث الأخيرة ولجوء الدبيبة لأعيان وحكماء منطقة سوق الجمعة والنواحي الأربع في طرابلس للتوسط بين الأطراف «أظهر عجزه عن السيطرة على الوضع بشكل عام بالعاصمة»، وتحديداً التشكيلات المسلحة التي اعتمد عليها لتأمين بقاء حكومته.
وقال الزرقاء في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من الطبيعي أن يحاول المنفي توثيق تحالفه مع قوى مستقرة في شرق وجنوب البلاد»، مستبعداً حديث البعض بأن الاجتماع في بنغازي هو غطاء لحدوث توافق ما بين الدبيبة وحفتر حول ضم حكومتي «الوحدة» مع الحكومة المكلفة من البرلمان والتي يرأسها أسامة حماد.
وتابع: «الدبيبة في وضعه الراهن يسعى لمثل هذا التقارب، ولكن باعتقادي أن حفتر لا يريد ربط نفسه بحكومة الدبيبة في ظل الاتهامات الموجهة للأخيرة بـ(الفساد)».
وعد كثير من المراقبين أن ما تضمنه البيان الصادر عن الاجتماع بالتأكيد على «تولي مجلس النواب اتخاذ الإجراءات الكفيلة باعتماد القوانين الانتخابية المُحالة إليه من لجنة (6 + 6) بعد استكمال أعمالها؛ لوضعها حيز التنفيذ» إشارة لاستعداد المنفي للموافقة على إزاحة حكومة الدبيبة، وذلك في ظل ما تضمنته خريطة الطريق للمسار التنفيذي لتلك القوانين الانتخابية من «تشكيل حكومة جديدة موحدة بالبلاد».
بالمقابل، عد رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي» أسعد زهيو، أن الرسالة الرئيسية من اجتماع بنغازي هي التأكيد على استمرار تحكم الأطراف الليبية بالمسار السياسي وإقصاء أي إشراف أممي عليه، بما في ذلك إجهاض أي إعلان من باتيلي عن تشكيل لجنته الرفيعة المستوى للتوافق بشأن القوانين.
وقال زهيو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الجميع كان يعرف أن باتيلي قد اقترب من تشكيل لجنته التي كانت ستكون أقرب لطاولة التفاوض تضم فقط الأطراف الرئيسية بالمشهد أي رئيسي مجلس النواب والأعلى للدولة والمنفي والدبيبة».
وأضاف «ولكن تلك الأطراف لا تريد الحوار تحت إشراف وهيمنة البعثة الأممية، وبالتالي سارعوا بالتأكيد على الملكية الوطنية للعملية السياسية».
ووفقاً لرؤية زهيو فإن هذا «لا يعني سوى إدخال المسار السياسي والأزمة الليبية إلى مرحلة الجمود واحتفاظ أفرقاء الصراع بمواقعهم إلى أطول فترة ممكنة وعدم إجراء الانتخابات».
موضحا «ربما كان بإمكان لجنة باتيلي الوصول لمقاربات فعلية بشأن التوافق على القوانين الانتخابية، وهذا ما لا تريده القوى الفاعلة، فالخلاف حول تلك القوانين بات وسيلتهم جميعاً للبقاء في المشهد». لافتا إلى عدم صدور أي رد فعل من قبل الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، على اجتماع بنغازي.
وفي رده على تساؤل حول وضع الدبيبة وإذا ما كان المنفي قد انفصل عنه، قال زهيو: «وضعية الدبيبة ليست سيئة كما يتوقع البعض، فهو مستفيد من استدامة الوضع الراهن، وما دام لن يتم التوافق بين البرلمان و(الأعلى للدولة) وحلفائهما حول القوانين الانتخابية فلا يوجد توافق حول تشكيل حكومة جديدة تزيح حكومته».
وأضاف أما المنفي «فلا يمكن القول إنه انفصل نهائيا عن الدبيبة لأنه لم يكن من البداية مرتبطا به كما يردد البعض، وأعتقد أن تلك الرسالة وصلت للمجتمعين ببنغازي».
ولم يبتعد الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله الكبير، عن الطرح السابق، بأن الاجتماع ببنغازي كان لقطع الطريق على إعلان باتيلي لتشكيل لجنة سياسية موسعة، مما قد يؤدي بدوره لعرقلة إجراء الانتخابات خاصة إذا رضخ باتيلي بالفعل لما أعلن في الاجتماع.
كما لم يستبعد المحلل السياسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وجود خطة تحظى بالموافقة الضمنية من فرقاء المشهد السياسي كافة لاستدامة الوضع الراهن، موضحاً «ربما رأت قيادات الشرق الليبي أن التفاهم مع الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، قد يكون الحل الأفضل خاصة مع تعذر إزاحة الأخير من موقعه».
وأوضح «سيتم تقاسم الإيرادات عبر اللجنة المالية العليا وربما عبر خطوة توحيد المصرف المركزي، وتنهي حالة الانقسام بين هؤلاء، ويستمر الجمود السياسي مسيطرا على الملف».