انشقاق يهدد فصيلاً مسلحاً يتزعمه وزير المالية السوداني

جبريل إبراهيم يعفي قيادات رفيعة من مناصبهم في «الحركة»

وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم (رويترز)
وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم (رويترز)
TT

انشقاق يهدد فصيلاً مسلحاً يتزعمه وزير المالية السوداني

وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم (رويترز)
وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم (رويترز)

أعفى زعيم «حركة العدل والمساواة» السودانية، الذي يتولى وزارة المالية، جبريل إبراهيم، 4 من كبار القادة من مناصبهم التنظيمية والسياسية في الحركة، من بينهم الأمين السياسي سليمان صندل، في خطوة يتوقع أن تؤدي إلى انشقاق وشيك ومؤثر على المستوى السياسي والعسكري لوضع الحركة، خصوصاً مع تردد أنباء عن انضمام المجموعة المقالة مع مقاتليهم إلى قوات «الدعم السريع» التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وطالت قرارات الفصل أمناء الأمانات بالمكتب القيادي للحركة، وهم أحمد تقد لسان، أمين التفاوض والسلام، ومحمد حسين شرف، نائب أمين التنظيم والإدارة، وآدم عيسى حسابو أمين إقليم كردفان.

وكان صندل مسؤولاً عن ملف الترتيبات الأمنية في «اتفاقية جوبا للسلام» عام 2020، وقد اتهم طرفاً ثالثاً، في إشارة إلى الإسلاميين من النظام السابق، بأنهم وراء إشعال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وتأجيجها بغية العودة إلى السلطة.

الجيش السوداني ناشد المواطنين الانضمام إلى صفوفه لمواجهة قوات «الدعم السريع» (أ.ف.ب)

الطرف الثالث

ساند جبريل إبراهيم الانقلاب العسكري لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وظل في منصبه وزيراً للمالية إلى الآن. ووقّع فصيل العدل والمساواة ومجموعات مسلحة أخرى من إقليم دارفور على سلام جوبا في 2020.

وكتب القيادي المبعد سليمان صندل في صفحته الشخصية على موقع «فيسبوك»، أن الطرف الثالث (الإسلاميين) «رمى بثقله في الحرب في موقف يكشف تعطشهم للسلطة ولو كان على حساب أجساد شباب صغار مغرر بهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل». وأضاف: «كان الطرف الثالث مختبئاً وراء جدار يغذي الصراع في عالم الصحافة والقلم والرأي، الآن باتت المعركة مكشوفة، ودخولهم في الحرب ما عاد من وراء جدار». ودعا صندل الشعب السوداني للتحرك والتوحد لوقف هذه المحرقة وهزيمة «الطرف الثالث» الذي أدخل البلاد في هذه الكارثة، «بإصراره المخيف على تغذية واستمرار الحرب بهذا السلوك الانتقامي الذي أكد أنهم لا يعيشون إلا في أجواء الحرب». وختم قائلاً: «كل طاغية لا يؤمن بالحقوق المتساوية، ويريد أن يعود إلى السلطة بعد أن لفظه الشعب سوف يحفر مقبرته بيده».

رأي شخصي

قال رئيس الحركة جبريل إبراهيم، يوم السبت الماضي، في تغريدة على موقع «إكس»: «إن تغريدات سليمان صندل عن الأوضاع الراهنة تعبر عن رأيه الشخصي، وليس عن موقف الحركة».

وتولى جبريل رئاسة «الفصيل المسلح» في الحركة خلفاً لشقيقه خليل إبراهيم الذي قتل على أيدي نظام الرئيس السابق عمر البشير بعد أشهر من محاولة فاشلة للهجوم على العاصمة الخرطوم عام 2008.

من جانبه، قال أحمد تقد لسان، أمين المفاوضات السابق في الحركة: «أعتقد أن القرارات (التي أصدرها جبريل إبراهيم) مستعجلة وتدل على أن رئيس الحركة يعيش في حالة من التخبط». وأضاف تقد، في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي، أن جبريل «جزء أصيل وداعم للكيزان (الإسلاميين) في هذه المعركة» مشيراً إلى أنه «أعلن موقفاً محايداً، لكنه في نفس الوقت يدير المعركة الآن مع الكيزان». ويستخدم السودانيون كلمة «كوز» للدلالة على الإسلاميين وحركة «الإخوان المسلمين».

تصاعد الدخان فوق أمدرمان جراء المعارك بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» (أ.ف.ب)

«تصرفات دكتاتورية»

ووجّه تقد اتهامات لجبريل بأنه «بدأ يتصرف بشكل دكتاتوري، تصرفاً فردياً، تصرفاً لا يمت للمؤسسية بصلة». وقال إن أبرز هذه التصرفات ما يتعلق «بالموقف من تنفيذ اتفاق السلام (اتفاق جوبا)، والبحث عن ظروف مواتية لتنفيذ الاتفاق، وموقفه من انقلاب 25 أكتوبر والمرحلة ما بعد 25 أكتوبر والدور السالب الذي لعبه في تشتيت جهود الوساطات والجهود الوطنية».

وقال تقد إن جبريل مرتبط «بقوى تقليدية قديمة كانت حاكمة في فترة الـ30 عاماً الماضية»، مضيفاً أن «كل الشارع السوداني يدري بهذه القوى». وأضاف أن «توجهات جبريل وانتماءاته التنظيمية القديمة بدأت تطرأ بشكل كبير على مواقف الحركة، بدلاً من أن تكون حركة مستقلة، لقد صدمنا واصطدمنا بتوجه جديد للدكتور جبريل». وأكد تقد أنهم في حركة العدل والمساواة كانوا رافضين «تماماً لانقلاب 25 أكتوبر»، مضيفاً: «لقد وقفنا ضد أن يحدث أي اضطراب للفترة الانتقالية، لأننا دخلنا الحكومة بمعادلة سياسية معلومة بموجب اتفاق السلام». وتابع قائلاً: «أي تعطيل أو إرباك للمشهد السياسي بالضرورة يكون إرباكاً لاتفاق السلام الذي ضحينا من أجله سنوات طويلة».

صورة أرشيفية لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) مع قواته في جنوب دارفور (أ.ف.ب)

موقف محايد

وأكد تقد أنهم اختلفوا مع جبريل كذلك بشأن الموقف من الحرب الحالية، مضيفاً: «أكدنا أن حركة العدل والمساواة يجب ألا تنحاز لأي طرف من أطراف هذا الصراع، ويجب أن نتخذ موقفاً محايداً، لكن يجب أن نتحرك في نفس الوقت للبحث عن مخرج سياسي عبر حوار سياسي ودعم المبادرات القائمة الآن في منبر جدة، وكذلك المبادرات المطروحة من الاتحاد الأفريقي والإيغاد». وتابع قائلاً: «اتضح لنا جلياً أن دكتور جبريل يريد أن يستمر بهذه الحرب إلى ما لا نهاية، وصار يدعم ويقف بشكل واضح مع الأطراف المؤججة للصراع». وقال إن «مربط الفرس» في الخلاف، حسب وصفه، هو «المشروع الذي يسير فيه (جبريل)، وهو مشروع يختلف عن مواقف الحركة الأساسية».

ووجّه كثير من القوى السياسية، خاصة قوى «الحرية والتغيير» اتهامات للإسلاميين وأنصار الرئيس السابق عمر البشير بالعمل على تأجيج الحرب واستمرارها من أجل العودة إلى السلطة. ونفى تقد أن يكونوا بصدد إعلان انشقاق عن الحركة في الوقت الحالي، مضيفاً: «القرار النهائي لدى قيادات الحركة وقواعد الحركة، وحتى ذلك الوقت نترك الإجابة لوقت لاحق».


مقالات ذات صلة

قبل رحيلها... إدارة بايدن تفرض عقوبات على «حميدتي» وتتهمه بـ«جرائم حرب»

شمال افريقيا حميدتي قال في خطاب الاستقلال الأربعاء إن السودان في مفترق طرق (الشرق الأوسط)

قبل رحيلها... إدارة بايدن تفرض عقوبات على «حميدتي» وتتهمه بـ«جرائم حرب»

«الخارجية الأميركية»: «قوات الدعم السريع»، والميليشيات المتحالفة معها، شنَّت هجمات ضد المدنيين، وقتلت الرجال والفتيان بشكل منهجي، وحتى الرُّضع، على أساس عرقي.

هبة القدسي (واشنطن)
شمال افريقيا مواطنون في بورتسودان يطالبون بتمديد مهلة تبديل العملة (أ.ف.ب)

تبديل الجنيه السوداني يتحول أداةً حربية بين طرفي النزاع

عدّت «قوات الدعم السريع» العملات الجديدة «غير مبرئة للذمة» في المناطق التي تسيطر عليها، وقالت إن العملات القديمة «سارية» وصالحة للتداول فيها.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون يحاولون الدخول إلى حافلة في بورتسودان (أ.ف.ب)

بلينكن يؤكد ارتكاب «الدعم السريع» إبادة في السودان

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن واشنطن تأكدت أن أعضاء «قوات الدعم السريع» والجماعات المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في السودان.

شمال افريقيا أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

تفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في أسواق سودانية، فيما تبرَّأت المفوضية الإنسانية التابعة للحكومة من المسؤولية عن تسريبها.

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)
المشرق العربي الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة

قالت الأمم المتحدة الاثنين إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهرا من الحرب المدمرة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
TT

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)
وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة في حوض البحر الأبيض المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا. ولموسكو، الحليفة للأسد ودمشق منذ أعوام طويلة، ميناء عسكري وقاعدة جوية على الساحل السوري، ما يسهّل عملياتها في المتوسط والشرق الأوسط ووسط أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، غير أن إطاحة الأسد بعد ربع قرن في الحكم عرّضت هذا الحضور للخطر.

وسعى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، إلى طمأنة روسيا، واصفاً إياها بأنّها دولة «مهمّة»، قائلاً: «لا نريد أن تخرج روسيا من سوريا بالشكل الذي يهواه البعض».

* تراجع استراتيجي نحو ليبيا

في ظل عدم وضوح التشكيل السياسي في سوريا الجديدة، باتت موسكو مضطرة لبدء تراجع استراتيجي نحو ليبيا، وفي هذا السياق يقول جلال حرشاوي، الباحث في المعهد البريطاني «رويال يونايتد سرفيسز»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ ذلك يهدف «على وجه الخصوص للحفاظ على المهمات الروسية القائمة في أفريقيا»، مضيفاً أنّه «رد فعل لحفظ الذات» من جانب موسكو، الحريصة على «التخفيف من تآكل موقعها في سوريا».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

في مايو (أيار) 2024، كشف اتحاد التحقيقات السويسري «All Eyes On Wagner» (كل العيون على فاغنر) وجود الأنشطة الروسية في نحو 10 مواقع ليبية، من بينها ميناء طبرق، حيث وصلت معدّات عسكرية في فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) الماضي. وكان عديد القوات الروسية في فبراير 2024 يناهز 800 عنصر، لكنه ارتفع إلى 1800 في مايو من العام نفسه.

* رجال ومعدّات

في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بأنّه تمّ نقل رادارات وأنظمة دفاع جوي روسية، من بينها «إس-300» و«إس-400» من سوريا إلى ليبيا، مستندة في ذلك إلى مسؤولين ليبيين وأميركيين. وفي هذا الإطار، يؤكد حرشاوي أنّه منذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، «تم نقل كمية كبيرة من الموارد العسكرية الروسية إلى ليبيا من بيلاروسيا وروسيا»، مشيراً في الوقت نفسه إلى إرسال مقاتلين. ومن جانبها، أفادت الاستخبارات الأوكرانية في الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي بأنّ موسكو تخطّط لـ«استخدام سفينتي الشحن (سبارتا) و(سبارتا 2) لنقل معدات عسكرية وأسلحة».

تركيا دعمت حكومة الوفاق الوطني السابقة وبعدها حكومة الدبيبة في طرابلس (الوحدة)

في هذا السياق، يقول الخبير في المجلس الأطلسي في واشنطن، عماد الدين بادي، إنّ هذا التحوّل «لا ينبع من تغيير قسري بسيط للحليف الإقليمي، بل من البحث عن الاستمرارية»، مؤكداً أنّها «خطوة تؤكد أهمية ليبيا بوصفها عنصراً في استراتيجية طويلة الأمد»، وأنّ «الأسد قدّم لموسكو مرسى على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ومنصّة لاختبار قدراتها». وأثارت التحرّكات الروسية انزعاج حكومة طرابلس، والقوة الاستعمارية السابقة إيطاليا، بينما يراقبها الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» بقلق. وقد أكد وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروسيتو، أنّ موسكو تنقل «موارد من قاعدتها السورية في طرطوس باتجاه ليبيا».

* الوجود الروسي أكثر وضوحاً

تحدثت مصادر عدة عن مساعٍ أميركية لإقناع المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني، برفض تمركز الروس بشكل دائم في ميناء طبرق، وهو أمر يسعون إليه منذ عام 2023، لكن الكرملين لن يتمتّع بالأريحية نفسها التي كانت متوافرة في عهد الأسد.

يقول أولف لايسينغ، المسؤول عن برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، إنّ سوريا «كانت مناسِبة على الصعيد العملي... كانت صندوقاً أسود دون دبلوماسيين أو صحافيين أجانب. (الروس) فعلوا إجمالاً ما أرادوه». ويضيف لايسينغ مستدركاً: «في ليبيا، سيكون الوضع أكثر تعقيداً بكثير. من الصعب الحفاظ على الأسرار هناك، كما أنّ الوجود الروسي سيكون أكثر وضوحاً».

المشير خليفة حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)

إضافة إلى ذلك، سيتعيّن على موسكو التعامل مع قوى أخرى، من بينها تركيا، حليفة حكومة الوفاق الوطني، وبعدها «الوحدة» المؤقتة. كما ستكون حريصة على عدم تعريض مستقبلها للخطر إذا ساءت الأمور بالنسبة إليها. وفي هذا السياق، يقول فلاد كليبتشينكو، المراسل العسكري لموقع «تسارغراد» المؤيد للكرملين: «يجب عدم تكرار الأخطاء السورية والرهان، دون خيار بديل، على ديكتاتور محلي». وفي ليبيا المنقسمة، التي تشهد نزاعاً منذ الإطاحة بمعمَّر القذافي في عام 2011، يحاول كل طرف أن يُبقي خياراته مفتوحة مع الآخرين، حسبما يؤكد لايسينغ. فمنذ عام، تتقرب أنقرة من حفتر عبر مشاريع اقتصادية واجتماعات ذات غايات دبلوماسية، لكن هذا الأخير لن يستطيع أيضاً أن يدير ظهره للغربيين، الذين دعموه سراً انطلاقاً من قناعتهم بقدرته على وقف تمدُّد الإسلام السياسي. ويقول لايسينغ: «لذلك، هناك دون شك حدود لما يمكن لروسيا أن تفعله في ليبيا».