«أزمة الخبز» تؤجج مخاوف التونسيين من اختفاء قوتهم الأساسي

تحديد 5 أرغفة للأسرة الواحدة يومياً في عدد من محافظات البلاد

مظاهرة نظمها بعض سكان العاصمة أمام وزارة التجارة للاحتجاج على نقص الدقيق والخبز (إ.ب.أ)
مظاهرة نظمها بعض سكان العاصمة أمام وزارة التجارة للاحتجاج على نقص الدقيق والخبز (إ.ب.أ)
TT

«أزمة الخبز» تؤجج مخاوف التونسيين من اختفاء قوتهم الأساسي

مظاهرة نظمها بعض سكان العاصمة أمام وزارة التجارة للاحتجاج على نقص الدقيق والخبز (إ.ب.أ)
مظاهرة نظمها بعض سكان العاصمة أمام وزارة التجارة للاحتجاج على نقص الدقيق والخبز (إ.ب.أ)

تبدأ رحلة خلدون بن عمو (63 عاماً) في البحث عن الخبز منذ الساعات الأولى للصباح حتى لا يضطر للوقوف لساعات في طوابير الانتظار أمام مخبز الحي، في مشهد بات مألوفاً في تونس منذ أشهر، بعد اندلاع أزمة الخبز، ونقص عدة مواد غذائية في الأسواق، مثل الدقيق الأبيض والسميد. أما ناجية خلف الله (56 عاماً)، التي تعيش في قرية بها مخبز واحد، فتقول لوكالة «رويترز» للأنباء إنه بعد العاشرة صباحاً لا تجد رغيف خبز واحداً، وتؤكد أن السكان باتوا يسجلون أسماءهم وعدد أرغفة الخبز المطلوبة، التي لا يمكن أن تتجاوز 5 للأسرة الواحدة.

عمال بعض المخابز يحتجون على نقص المواد الأساسية لإنتاج الخبز (إ.ب.أ)

مثل هذه المشاهد المحزنة باتت تتكرر يومياً في جميع محافظات تونس بشكل متفاوت، لكن النتيجة واحدة وهي اكتظاظ وتدافع، وطوابير طويلة أمام المخابز للحصول على ما تيسر من الخبز، الذي يعد الخبز عنصراً أساسياً لا تخلو منه موائد التونسيين، حيث يصل معدل استهلاك الخبز للفرد الواحد إلى 70 كيلوغراماً سنوياً. لكن هذا المعدل يرتفع على نحو كبير خلال شهر رمضان مع تغير نمط الاستهلاك ليزيد بنسبة 34 في المائة للفرد، وفقاً لبيانات رسمية من المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية.

وتؤجج أزمة الخبز في تونس مخاوف المواطنين حيال وجود تهديدات حقيقية تمس أمنهم الغذائي، خاصة في ظل نقص عدد من المواد الغذائية الأساسية، كالسكر والدقيق والأرز والقهوة، علاوة على أزمة الحليب التي حدثت قبل أشهر.

مواطن تونسي تمكن من شراء كميات من الخبز بعد انتظار دوره في الطوابير الطويلة (أ.ف.ب)

واتهم الرئيس قيس سعيد «لوبيات وأطرافاً» لم يسمها، بافتعال الأزمة، مطالباً وزارة الفلاحة وديوان الحبوب وجميع الإدارات بأن «تتصدى للمحتكرين والعابثين بقوت التونسيين». وقال إن «الهدف من هذه الأزمات المتعاقبة هو تأجيج المجتمع لغايات سياسية واضحة». كما أقر سعيد في خطاباته في الآونة الأخيرة بضعف الرقابة الاقتصادية، وانفلات الأسعار وتدهور القوة الشرائية، مشيراً إلى وجود «لهفة كبيرة» لدى التونسيين لشراء مختلف السلع الاستهلاكية، وإلى التبذير في استهلاك الخبز، وإلقاء كميات كبيرة منه في القمامة، على الرغم من أنه مدعوم من موازنة الدولة.

وتشير تقارير المعهد التونسي للاستهلاك إلى أن نحو 900 ألف قطعة خبز تلقى في سلة المهملات. وأن تكلفة الهدر في استهلاك الخبز تصل إلى 100 مليون دينار (33 مليون دولار) في العام. وتزامناً مع تصريحات سعيد، قررت وزارة التجارة وقف تزويد المخابز غير المصنفة بالدقيق المدعم، الأمر الذي أثار حفيظة أصحاب المخابز العصرية غير المصنفة، ودفعهم لتنظيم وقفة احتجاجية تم فضها بعد لقاء مع وزيرة التجارة كلثوم بن رجب.

يقول محمد الجمالي، رئيس المجمع المهني للمخابز العصرية بكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (كونكت)، لـ«رويترز» إن سبب الاعتصام أمام الوزارة هو منعهم من إنتاج الخبز، موضحاً أنهم في انتظار التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، خاصة بعد التزام وزيرة التجارة في جلسة مع المجمع بذلك، مشيراً إلى أن 80 في المائة من المخابز العصرية غير المصنفة لم تستأنف العمل بعد، في انتظار تزويدها بالمواد الأساسية.

عمال المخابز في اعتصام أمام وزارة التجارة بالعاصمة التونسية (إ.ب.أ)

ويبلغ عدد المخابز المصنفة، التي تستفيد من الدقيق المدعم، نحو 3737 مخبزاً، بينما تبلغ المخابز غير المصنفة 1443 مخبزاً، تستفيد بحصة مدعمة من الدقيق أقل من المخابز الأخرى، حسبما قال الجمالي، الذي عبر عن دهشته من الحديث عن وجود انفراجة في أزمة الخبز، رغم أن الواقع يظهر أن العديد من الأماكن ما زالت تعاني، مثل منطقة في محافظة القيروان وسط تونس، والتي بها مخبز عصري واحد غير مصنف، لكنه أغلق أبوابه ليجد السكان أنفسهم دون خبز.

وترى جمعية (ألرت)، المعنية بمحاربة ظاهرة الاقتصاد الريعي في تونس، أن أزمة الخبز تكمن في المشاكل الهيكلية، التي تتلخص في مستوى الإنتاج المحلي للحبوب، وتوزيع الحصص من المطاحن وصولاً للمخابز. وقالت إنه حتى في أحسن الأوضاع المناخية لم يكن الإنتاج المحلي قادراً على تغطية الاحتياجات السنوية من الحبوب، وذلك بسبب إهمال القطاع الفلاحي خاصة المحاصيل الرئيسية.

وأرجع خبراء في تونس هذه الأزمة إلى احتكار الدولة عبر الديوان الوطني للحبوب، الذي يعاني من صعوبات مالية، للمعاملات المتعلقة بقطاع الحبوب، بالإضافة إلى تراجع محصول القمح بسبب الجفاف، وتزامن ذلك أيضاً مع الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الفلاحة أن محصول البلاد من القمح تراجع هذا العام 60 في المائة إلى 250 ألف طن بسبب الجفاف، وهو ما من شأن أن يزيد من الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد، في الوقت الذي تحاول فيه الحصول على حزمة إنقاذ دولية.


مقالات ذات صلة

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

الاقتصاد منظر عام لشارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس (رويترز)

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

أظهرت أحدث نسخة من مشروع قانون الموازنة التونسية، أن تونس تأمل في خفض عجز الميزانية إلى 5.5 في المائة عام 2025 من 6.3 في المائة متوقعة في 2024.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من التظاهرة التي نظّمها أقارب معارضين للرئيس التونسي للمطالبة بالإفراج عنهم (د.ب.أ)

عائلات معارضين تونسيين معتقلين يتظاهرون ضد «الظلم»

تظاهر نحو مائة من أقارب معارضين للرئيس التونسي، بعضهم مسجون منذ ما يقارب العام ونصف العام، لمناسبة عيد الجمهورية للمطالبة بالإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي بإمكان العراقيين السفر إلى تونس من دون تأشيرة دخول (أ.ف.ب)

تونس تُعفي العراقيين والإيرانيين من تأشيرة الدخول

أعلنت تونس إعفاء الإيرانيين والعراقيين من تأشيرة الدخول إلى أراضيها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا تونسيون يعاينون الخراف في مركز بيع بمدينة القصرين حيث زادت أسعار الأضاحي بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف (أ.و.ب)

ارتفاع أسعار أضاحي العيد يقض مضجع التونسيين

أعداد كبيرة من التونسيين عبرت عن تذمرها وشكواها من ارتفاع أسعار أضاحي العيد، وهو ارتفاع كبير وغير منتظر، وأصبح يقض مضجع جل الآباء التونسيين.

«الشرق الأوسط» (تونس)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
TT

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة، وغازل عمداء البلديات بـ«الخدمات» من خلال إنهاء وتدشين عدة مشروعات في مناطقهم.

واجتمع الدبيبة في مقر الحكومة بطرابلس العاصمة مع 6 عمداء بلديات، هي الأصابعة وككلة والقواليش والمشاشية ويفرن والقلعة، بالإضافة إلى عدد من أعيانها، لمناقشة عدد من الملفات الخدمية والتنموية والاجتماعية.

وتحدث الدبيبة خلال اللقاء عن دعمه لملف التنمية المحلية واللامركزية، وإقرار عدد من اللوائح والقرارات المنظمة لهذا التوجه المهم، مشدداً على ضرورة توحيد الجهود الوطنية للوصول بالبلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وفق قوانين عادلة ومتفق عليها، وإنهاء المراحل الانتقالية.

الدبيبة مع عدد من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

ووفقاً لمكتب الدبيبة، فقد استعرض رؤساء الأجهزة التنفيذية أهم المشروعات التنموية بالبلديات الحاضرة، ونسب الإنجاز الفنية والمشروعات المعتمدة في الخطة التنموية المقبلة.

ويأتي لقاء الدبيبة بعمداء البلديات الـ6، عقب يوم من لقائه أعضاء المجلس البلدي يفرن وعدداً من أعيان المدينة. وأثار خلال اجتماعه معهم ضرورة «توحيد الجهود الوطنية لإنجاز الدستور والقوانين الانتخابية العادلة، لتكون المرجعية الوطنية التي تتيح إجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية».

وخلال الاجتماعين حرص الدبيبة على توجيه أجهزة حكومته لإنجاز مشاريع معطلة بالبلديات، وقال في اللقاء الذي انتهى، مساء الخميس، إن «عمليات الإمداد المائي لبلديات الجبل تحديداً كانت من أولويات الخطة التنموية، ضمن مشروعات (عودة الحياة)، وما زالت مستمرة حتى استكمالها، تقديراً لظروف المنطقة واحتياجاتها لمياه الشرب».

كما وجّه الدبيبة «الأجهزة التنفيذية بإعطاء الأولوية في المشروعات التنموية لقطاعات المياه والصرف الصحي، والمرافق التعليمية والصحية، وإعطاء الأولوية للمشاريع الجارية لضمان استكمالها».

من جهة ثانية، تتواصل في ليبيا تداعيات إيقاف الدبيبة للقائم بالأعمال في السفارة الليبية لدى مصر، محمد عبد العالي، دون مزيد من الأسباب، لكنه كلف مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، السفير عبد المطلب إدريس، بتسيير مهام السفارة الليبية.

في غضون ذلك، دعا مجلس النواب الليبي أعضاءه إلى جلسة رسمية، الاثنين المقبل، تُعقد في مدينة بنغازي، لمناقشة بنود جدول أعمال المجلس، حسب عبد الله بليحق المتحدث الرسمي باسم المجلس.

الطاهر الباعور مستقبلاً سفير إيطاليا لدى ليبيا (خارجية الوحدة)

من جهته، التقى الطاهر الباعور، المكلف تسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»، الجمعة، في مكتبه بطرابلس، سفير إيطاليا لدى ليبيا، جيانلوكا البريني، حيث أكد الجانبان على عمق العلاقات الثنائية المتميزة التي تربط البلدين والشعبين الصديقين.

ونقلت الخارجية عن السفير «إشادته بمخرجات منتدى الأعمال الليبي - الإيطالي، الذي عُقد بطرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ حيث نقل خلال اللقاء امتنان وتقدير رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني، لنجاح هذا المنتدى.

وأكد الباعور مشاركته وتمثيل الوفد الليبي في «منتدى حوار المتوسط لبلدان البحر المتوسط»، الذي سيُعقد في روما على المستوى الوزاري، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.