هل ما زالت «الثانوية العامة» باباً للصعود الاجتماعي في مصر؟

«أبناء الكادحين» في قوائم المتفوقين رغم الغلاء والدروس الخصوصية

وزير التعليم المصري يكرم أوائل الثانوية العامة (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري يكرم أوائل الثانوية العامة (وزارة التربية والتعليم)
TT

هل ما زالت «الثانوية العامة» باباً للصعود الاجتماعي في مصر؟

وزير التعليم المصري يكرم أوائل الثانوية العامة (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري يكرم أوائل الثانوية العامة (وزارة التربية والتعليم)

يجد المتابعون للتعليم المصري سمتاً يكاد يكون متطابقاً في غالبية أوائل الثانوية العامة من كل عام، خصوصاً أن معظمهم ينتمي لطبقة متوسطة وربما أقل، من بسطاء الأحياء الشعبية والقرى بمختلف المحافظات، من مرتادي المدارس الحكومية. هذا السمت الذي يرتبط عادة بـ«مظهر مُحافظ»، وصفته تدوينة حظيت بآلاف المشاهدات على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، مرفقة بصورة زياد عادل ابن محافظة البحيرة، الثالث على الجمهورية، بأنه (مش لابس حظاظة... مش حالق كابوريا، ومش لابس بنطلون مقطع، ولا من رواد الساحل...).

وعادة ما يلمع غالبية أوائل الثانوية العامة من خارج دائرة الضوء والمدارس الدولية المميزة صاحبة المصروفات الباهظة. ففي ظاهرة مكررة سيطرت المدارس الحكومية «المجانية» و«التجريبية» على النسبة الكبرى من أوائل الثانوية العامة 2023، التي أعلن نتيجتها وزير التربية والتعليم رضا حجازي الأسبوع الماضي. ووفق بيان الوزارة فإن ثلثي الأوائل (36 طالباً)، ينتمون إلى مدارس حكومية.

استمرار ظاهرة تفوق البسطاء من أبناء المزارعين والحرفيين والموظفين في مؤسسات حكومية، رغم دخول أنظمة تعليمية دولية وحديثة بمصروفات مرتفعة، يفسره الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية في القاهرة، بأنه «إدراك واسع لدى قطاع كبير من تلك الطبقات بأن التعليم هو إحدى أدوات الحراك الاجتماعي، الذي ربما ينقذ الأسرة كلها وليس الطالب فقط».

ويقول صادق لـ«الشرق الأوسط» كما أن «الفقر يضع ضغطاً على الطلاب، يكون في المقابل حافزاً للكثير منهم، فعدد من طلاب هذه الفئة الاجتماعية يدرك أن التعليم هو بمثابة فرصة لإنقاذه يتشبث بها، لانتشاله من ظروفه الاجتماعية القاسية، أو ارتقائه إلى طبقة اجتماعية أعلى». الأمر نفسه وفق صادق يكون «مضاعفاً في فتيات الريف، اللاتي يدركن أن النجاح وحده لن يكون كافياً لإقناع الأهالي بحقهن في التعليم وتأجيل مشاريع الزواج، بل لا بد من التفوق اللافت».

في المقابل، نجد أن أبناء الطبقة الأعلى «لا تمنحهم حياتهم المستقرة مادياً واجتماعياً الحافز القوي للتفوق، كون تفوقهم من عدمه لن يهوي بهم إلى مكانة سيئة على الأقل، وفرص توظيفهم عادة ما تكون متاحة مسبقاً»، كما يرى أستاذ الاجتماع المصري.

وتظل «الثانوية العامة» مرحلة فارقة في التعليم المصري، في ظل الاعتماد بشكل رئيسي على مجموع الدرجات من أجل التأهيل للجامعات المصرية. بينما لم ينجح حتى الآن سعي الحكومات المتعاقبة، للاهتمام بالتعليم الفني، في سحب الزخم من الثانوية العامة واهتمام الأهالي بها. وبلغ عدد المتقدمين لامتحانات الثانوية العامة العام الحالي 763206، نجح منهم 598723، بنسبة 78.81%.

وتبني بعض الأسر الفقيرة أحلامها على تفوق استثنائي لأبنائها، قد يسهم في صعودهم لقمة الهرم الاجتماعي أو اعتلاء مناصب حيوية بالدولة، فهذا محمد التميمي، ابن محافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، أحد أوائل الثانوية العامة هذا العام، يطمح في أن يعوض دخوله كلية الطب، ما أنفقه والده خلال مرحلة التعليم الثانوي، وحتى حصوله على المركز السابع في شعبة (علمي - علوم).

يقول التميمي الابن خريج مدرسة (المنزلة الثانوية بنين) الحكومية، لـ«الشرق الأوسط»: «في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية كان الأمر قاسياً علينا... لكن الحمد لله والدي فعل المستحيل، وحاول ألا أشعر بشيء من أجل تحقيق حلمي وحلم الأسرة بأن أصبح طبيباً». ويقر محمد بحصوله على «دروس خصوصية» بمصروفات في مراكز تقوية، بوصفها وسيلة باتت ضرورية لتعويض «ضعف الشرح بالمدارس»، وذلك رغم صعوبة توفير نفقات الدروس.

ويبلغ متوسط الحصة الأسبوعية للمادة الواحدة في المركز التعليمية بالأحياء الشعبية 100 جنيه (نحو 3 دولارات)، بينما يرتفع المبلغ وفقاً لمستوى المنطقة وكثافة الطلاب والإقبال على المدرس. وترفض وزارة التعليم الاعتراف بالدروس الخصوصية، لكنها فشلت حتى الآن في تحجيمها.

ويدرك محمد التميمي، أن والده المدرس الأزهري، «يقطع من قوت الأسرة جميعاً من أجل دعمه»، لذلك حاول قدر الإمكان «الاقتصاد في طلباته غير التعليمية» من أجل الرفق بظروفهم، على حد قوله.

وتعاني أغلب المدارس الحكومية من ارتفاع في الكثافات الطلابية، ونقص في أعداد المعلمين، فضلاً على أزمات في البنية التحتية. وبينما يشكو الأهالي من ضعف الاهتمام بها، يبدو أن الحكومة أدركت صعوبة إحداث تغيير جذري بها، فاتجهت إلى فتح أنماط متعددة من المدارس الخاصة والدولية لتخفيف الضغط على مدارس القطاع العام، غير أن المحصلة تظل علامة استفهام. وهو ما يفرض «إعادة نظر ومراجعة للمنظومة التعليمية كلها لضبطها»، كما يشير الدكتور عيد عبد الواحد، عميد كليتي التربية والتربية للطفولة المبكرة جامعة المنيا (جنوب مصر)، والمدير السابق للأكاديمية المهنية للمعلمين، والذي وصف عدداً كبيراً من المدارس الخاصة بأنها «مدارس فندقية» لاهتمامها بالشكل على حساب جودة التعليم.

يقول عبد الواحد لـ«الشرق الأوسط»، يجب التركيز على «دعم هؤلاء الطلاب من أبناء الأسر البسيطة الذين يعملون، ودون مساعدة، على توفير بيئة جيدة للاستذكار»، مدعومة بـ«دافعية الطلاب الذاتية للتفوق وتحقيق الذات»، محذراً من أن «تجاهل آلاف المتفوقين في القرى والنجوع من البسطاء بسبب قلة الإمكانات، سيؤدي لاختفاء المواهب، لصالح أصحاب النفوذ المالي والاجتماعي». واقترح توسع الدولة في تحفيزهم مادياً، ورعاية مواهبهم حتى يتمكنوا من تحقيق أحلامهم.

وتمنح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية، أوائل الثانوية العامة من جميع الشُّعب، إعفاءً من المصروفات الدراسية في البرامج العامة بالجامعات الحكومية، كنوع من التكريم لهم على تفوقهم الدراسي، لكن الكثير منهم يأملون في الحصول على منح أجنبية والسفر لاستمرار النجاح بالخارج.

ورغم تمكن البعض من مجاورة أبناء الأسر الميسورة في الجامعات الأجنبية والعليا أو تحقيق أحلامهم بدخول كليات القمة، فإن استمرار نجاحهم وتفوقهم في الجامعة ثم الحصول على وظائف قيادية في مرحلة ما بعد الجامعة ليس مضموناً، وفقاً للدكتور صادق، الذي يشير إلى عراقيل أخرى قد تعطل مسيرتهم في ما بعد التعليم الثانوي، لأن الأمر يخضع لعدة عوامل جديدة، أبرزها «المحسوبية (الواسطة)، فالتعليم رغم أهميته يظل بوابة مؤقتة للصعود للقمة»، ضارباً المثل بفئات تعليمية تكون أقل تفوقاً في الثانوي، لكن دخولها كليات دينية أو عسكرية يمنحها في ما بعد فرصة أكبر للصعود لقمة السلطة على حساب أهل العلوم الأخرى الأكثر تفوقاً.

ورغم إقراره بتلك الصعوبات، يؤمن الدكتور عبد الواحد بأن التعليم بالفعل يستطيع تغيير السلم الاجتماعي والاقتصادي للبشر، وضرب المثل بالأديب المصري طه حسين، وتحديه لظروفه الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وكيف وصل إلى جامعة السوربون وما تلاها من مناصب.

ووفق البيانات الرسمية، لدى مصر 25 مليون طالب في جميع المراحل التعليمية. واعترف الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بأن المرحلة الثانوية في «أشد الاحتياج للتطوير»، وقال خلال إطلاقه فعاليات ملتقى «تطوير المناهج (رؤى وتجارب)»، بالتعاون مع منظمة «يونسيف مصر»، الأحد، تعتزم الوزارة «استكمال منظومة التطوير التي بدأتها بالمرحلة الابتدائية، والآن يجري استكمالها بالمرحلة الإعدادية، وقريباً سيجري تطوير مناهج المرحلة الثانوية، لأنها في أشد الحاجة للتطوير».


مقالات ذات صلة

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

يوميات الشرق حظي المنتدى بجلسات علمية بين الجانبين (وزارة التعليم)

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

السفير الأميركي مايكل راتني: المنتدى هو نتيجة عامٍ من التعاون بين سفارتنا ووزارة التّعليم السعودية.

عمر البدوي (الرياض)
الاقتصاد مسؤولو الذراع الاستثمارية لشركة «إي إف جي هيرميس» ومجموعة «جي إف إتش» المالية خلال إطلاق صندوق التعليم السعودي (إكس)

«هيرميس» تطلق صندوقاً للتعليم بـ300 مليون دولار في السعودية

أطلقت شركة «إي إف جي هيرميس» صندوقاً للتعليم السعودي (SEF) بقيمة 300 مليون دولار لبناء مشغل تعليمي عالمي المستوى في السعودية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية جانب من اجتماع الوفدين المصري والتركي في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقاهرة (من حساب رئيس مجلس العليم العالي التركي في «إكس»)

مصر وتركيا تتفقان على إنشاء جامعة مشتركة في القاهرة

تم الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية - تركية مشتركة بالقاهرة تنفيذاً لمذكرة تفاهم وُقِّعت بين الجانبين خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في سبتمبر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
TT

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

قال رئيس منظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، إن كثيراً من النساء وأطفالهن يعانون من صدمات نفسية سيئة جراء الحرب الدائرة في السودان، مشيراً إلى أن بعض الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم بضعة أشهر تعرضوا لإصابات بالذخيرة الحية في مناطق الرأس والصدر.

وأضاف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أننا إزاء أسوأ أزمة إنسانية شهدتها المنظمة على الإطلاق... آلاف الأسر تفرقت، خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً، أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم، ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية، يبدو هذا الأمر مستحيلاً في بعض أجزاء البلد.

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم زمزم للنازحين (أ.ف.ب)

ورأى أن «الحرب تعد مشكلة حقيقية للنساء والأطفال تحديداً... أجرينا في أحد المستشفيات العاملة بالعاصمة الخرطوم فحوصات لنحو 4200 امرأة وطفل، ووجدنا أن ثلثهم يعاني من سوء التغذية الحاد، وهذا القياس يدل على أن كل الذين أجريت لهم فحوصات، يعانون من سوء التغذية المتوسط والحاد بدرجات متفاوتة».

وأوضح أن «واحداً من كل 6 جرحى يعالجون في المستشفى ذاته، يعاني من أمراض مصاحبة... لدينا أطفال لا تتعدى أعمارهم شهوراً تعرضوا لإصابات بالرصاص في الرأس أو الصدر، وللأسف في بعض الأحيان لا تتوفر المواد الطبية اللازمة لعلاجهم، في ظل حالة الحصار على المستشفى، ومنع وصول المعونات الطبية إليه».

الوضع في دارفور

وكشف الرئيس الدولي لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، عن ارتفاع نسبة حالات الإصابة بسوء التغذية وسط النساء الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع في إقليم دارفور (غرب البلاد)، «وهو ما يتسبب في الوفيات لأسباب بسيطة يمكن علاجها لو توفرت الإمدادات الطبية».

امرأة وطفلها في مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

وقال إن «نسبة انتشار أمراض سوء التغذية وفقر الدم أعلى بكثير من قدرة فرقنا على علاجها».

وأضاف كريستو: «في أغسطس (آب) الماضي، أجرينا فحوصات لنحو 30 ألف طفل في عمر سنتين وأقل، حيث أثبتت أن ثلث هذا العدد يعاني من سوء تغذية حاد».

وكشف تقرير سابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» في فبراير (شباط) الماضي عن وفاة طفل كل ساعتين في «مخيم زمزم» للنازحين في ولاية شمال دارفور.

ووفقاً للمنظمة، فإن الصراع في إقليم دارفور «أخذ طابعاً عرقياً، وعلى وجه الخصوص أحداث العنف التي جرت في ولاية غرب دارفور، وأدت إلى مقتل الآلاف ولجوء أكثر من 500 ألف شخص إلى تشاد».

وتجاوزت نسبة وفيات الأمهات في جنوب دارفور منذ مطلع العام الحالي التي سجلتها مرافق «أطباء بلا حدود»، 7 في المائة، وبينت الفحوصات التي أُجريت لرصد سوء التغذية بين الأطفال، معدلات هائلة تتجاوز عتبات الطوارئ.

وحض كريستو المجتمع الدولي «على بذل مزيد من الجهود للضغط على الأطراف المتحاربة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية العاجلة؛ لتوفير الغذاء والدواء للآلاف من المدنيين في السودان».

وعالجت فرق «أطباء بلا حدود» أكثر من 4214 إصابة ناجمة عن العنف، بما في ذلك الأعيرة النارية وانفجارات القنابل، وشكلت نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، 16 في المائة منهم.