نازحون يعودون إلى منازلهم في الخرطوم هرباً من غلاء الإيجارات

فضَّلوا مواجهة مخاطر الحرب على الجوع والمسكنة

سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 (أ.ف.ب)
سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 (أ.ف.ب)
TT

نازحون يعودون إلى منازلهم في الخرطوم هرباً من غلاء الإيجارات

سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 (أ.ف.ب)
سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 (أ.ف.ب)

أدت الحرب التي اندلعت في السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، إلى نزوح نحو 3 ملايين شخص داخلياً، ولجوء نحو مليون إلى دول الجوار، وجميعهم فروا من القتال والرصاص والقصف الجوي والمدفعي الذي أزهق حياة آلاف في الخرطوم ودارفور وشمال كردفان.

وواجه الفارون من القتال ظروفاً صعبة تتمثل في الإسكان والحصول على مستلزمات الحياة، لا سيما أن معظم ذوي الدخول المحدودة لم يتسلموا رواتبهم طوال الأربعة أشهر الماضية، ومن ثم بدأ البعض العودة إلى منازلهم وأحيائهم في الخرطوم، مفضلين العيش وسط المعارك ومواجهة خطر الموت على أوضاع النزوح التي عانوها.

وعلى الرغم من المخاطر المتوقعة التي تنتظرهم في بيوتهم، فإن رحلة العودة إلى الخرطوم نفسها محفوفة بكثير من المخاطر، فهم معرضون لمواجهة «القوة المميتة» التي توعد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان باستخدامها، وهم على ارتكازات (سيطرات) طرفي القتال، أو حتى خلال تحرك الحافلات التي تنقلهم إلى حيث منازلهم.

واللافت أن أعداداً مقدرة قررت العودة إلى «الموت» الذي بدأوا الفرار منه منذ منتصف أبريل الماضي، وهم يقولون: «القذائف لا منجي منها إلا الله، أما الموت جوعاً أو الذل فبمقدورهم تجنبهم لو احتموا ببيوتهم التي غادروها آسفين».

وتتمثل مخاطر طريق العودة في كثرة حوادث السير، ومواجهة مجموعات النهب والسلب المنفلتة، أو عمليات النهب والتهديد التي ربما تمارَس من قبل العسكريين في السيطرات، وأخذ كل شيء من العائد، ربما ماله القليل أو هاتفه الجوال، أو حُلي السيدات، أو حتى سيارته إن كان يملك واحدة.

جنود من الجيش السوداني في إحدى مناطق الارتكاز بالخرطوم الشهر الماضي (أ.ف.ب)

ارتفاع أسعار الإيجارات

ويقول النازح (ح. ع) والدموع تنهمر بغزاره من عينيه فتبلل لحيته التي خطَّها الشيب، إنه وجد نفسه عاجزاً عن دفع إيجار «الشقة» التي أقام فيها بولاية نهر النيل (شمال) ويبلغ إيجارها نحو 250 ألف جنيه سوداني (500 دولار أميركي) شهرياً، بينما تقول ابنته في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «نحن 3 بنات نعيش مع والدنا، فأمنا متوفاة، وحين اندلعت الحرب غادرنا منزلنا بضاحية شمبات بالخرطوم بحري، بسبب المعارك العنيفة بين الجيش و(الدعم السريع) والتي كانت تدور حولنا»، وتتابع: «عشنا حياة النزوح لثلاثة أشهر؛ لكن صاحب العقار طلب زيادة مبلغ الإيجار من 250 ألفاً إلى 350 ألفاً، فترجاه والدنا ليخفض المبلغ قليلاً لكنه رفض، وعلى الفور قررنا حزم حقائبنا والعودة لمنزلنا في شمبات»، واستطردت: «لحسن الحظ وجدنا أقاربنا وجيراننا سبقونا بالعودة إلى منازلهم، بعد أن كانوا قد نزحوا إلى ولايتي القضارف وسنار».

وقال طارق عبد الإله، وهو رب أسرة نزح إلى ولاية الجزيرة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه قرر العودة إلى الخرطوم خوفاً على أبنائه من الموت غرقاً. وأضاف: «إن اثنين كادا يموتان غرقاً في النهر. فهما يذهبان مع أندادهما من سكان القرية للسباحة في النهر من دون تدريب، ما يعرضهما للغرق». ويتابع: «كما يواجه الأطفال مخاطر أخرى في الغابات المجاورة التي يصاحبون أندادهم إليها، وهم لا يعرفون ما يختبئ داخلها، لذلك قررنا العودة».

ويعود السبب الرئيسي في عودة الأسر من مناطق النزوح، إلى «النساء»، فاللواتي عشن حياة المدن ولم يسبق لهن العيش في الأرياف صعبت عليهن الحياة هناك، فالمرأة الريفية تستيقظ فجراً لتملأ أواني الماء، وتعد الطبيخ، وتغسل الملابس، وتستقبل الضيوف، وهذا غير معتاد بالنسبة لهن، فيضغطن على أزواجهن للعودة، بغض النظر عن المخاطر.

لكن هناك نازحات أبهرتهن حياة الريف وتأقلمن عليها، وتعلمن بعض حيل الحياة غير المتاحة في المدن، ونشطت تجمعات ثقافية تحض النساء على احتمال صعوبة الحياة في الريف؛ بل وتوظيفها لاكتساب خبرات جديدة، ليصبحن «إضافة» للمنطقة بدلاً عن أن يكن «ناقدات ناقمات»، فالريف السوداني فقير تنقصه الخدمات كافة.

 

الأرض المحروقة

 

فر بعض المواطنين من لهيب حرب الخرطوم إلى ولايات دارفور، عند أقاربهم ومعارفهم؛ لكن الحرب لحقتهم إلى هناك، فاشتعل القتال في غرب دارفور وجنوبها وشرقها وشمالها ووسطها؛ بل اضطر كثيرون ممن احتمى بهم نازحو الخرطوم لعبور الحدود واللجوء إلى دولة تشاد المجاورة، هرباً من المعارك التي دارت وتدور هناك، فعاد أهل الخرطوم منهم أدراجهم.

 

مأساة في الحدود

 

بعض المواطنين -خصوصاً الشباب- فروا من العاصمة إلى المعابر الحدودية مع مصر ودول الجوار الأخرى، وفي الحدود السودانية المصرية اضطر كثيرون للبقاء هناك أسابيع في ظروف بالغة السوء، بانتظار الحصول على «سمة دخول» دون جدوى، فاضطروا للعودة مرة أخرى للحرب في الخرطوم، على الرغم من عدم توقف العمليات العسكرية في كل أحياء مدن الخرطوم الثلاث، فواجه بعض العائدين صعوبات في العودة إلى منازلهم، خصوصاً في حيَّي: المطار، والخرطوم 2، وغيرهما.

وقالت هادية أحمد -وهي أم لخمسة أبناء- لـ«الشرق الأوسط»، إنها استيقظت من نومها مبكرة، وقررت العودة للخرطوم بعد شهرين من نزوحها إلى ولاية الجزيرة، وعرضت الأمر على زوجها محمد عوض، وهو يتناول فنجان قهوته الصباحية: «أرغب في العودة للخرطوم، سئمت من الحياة هنا، هل تعتقد أن اليوم مناسب؟»، وقبل أن يرد عليها عاجلته بقولها: «أنا لا أمزح»؛ لكن زوجها رفض بشدة؛ لكنها لم تتركه على حاله، وبعد نقاش طويل وعدها بالعودة خلال شهر إذا توقفت الحرب أو لم تتوقف، وانتهى الشهر ولم تتوقف الحرب، فغادروا ولاية الجزيرة التي آوت نحو مليون نازح من الخرطوم، إلى بيتهم في الخرطوم، غير مبالين بما يمكن أن يواجههم هناك.

 

للضرورة أحكام

 

وتفسيراً للظاهرة، واختيار مواجهة خطر الموت على البقاء نازحاً، يقول المحلل الاجتماعي محمد عباس لـ«الشرق الأوسط»، إن عودة النازحين إلى ولاية الخرطوم لها أسباب متعلقة بالارتباط العاطفي بالمكان، والحياة القديمة، خصوصاً في أمدرمان، ويضيف: «العودة إلى مناطق الخرطوم وبحري ضعيفة مقارنة بأمدرمان؛ لكن عودة النازحين مضطرين لأسباب اقتصادية أو لحمل أغراض مهمة، للخرطوم والخرطوم بحري، يعرضهم لمخاطر عديدة، لا سيما أن الاشتباكات مستمرة داخلها، مع هدوء نسبي في بعض مناطق أمدرمان».

 

رهاب الشباب

 

يتم إنزال الشباب «في سن الجندية» من المركبات المتجهة للخرطوم، ومنعهم من العودة إليها في سيطرات القوتين المتقاتلتين، تحسباً لإمكانية انضمامهم لهذا الطرف أو ذاك، ويتعرضون لعمليات ابتزاز وإغراء للانضمام لهذا الطرف أو الآخر، ويقول الصحافي أحمد خليل لـ«الشرق الأوسط»، إنه خلال عودته للخرطوم لاسترداد وثائق تخص أسرته في بيته بشرق النيل، لاحظ إجراء احترازياً تتخذه قوات الجيش، تمنع بموجبه الشباب من العودة للخرطوم دون إبداء أسباب؛ لكن المتداول منعهم من الالتحاق بقوات «الدعم السريع».

وقال خليل إن قوات «الدعم السريع» هي أيضاً تمنع الشباب من العودة للخرطوم دون أسباب؛ لكن الراجح أيضاً هو الحيلولة دون التحاقهم بالجيش، ويتابع: «يتم إغراء الشباب بشروط خدمة وامتيازات كبيرة»، وبسبب البطالة وتوقف الإنتاج لا يستبعد خليل أن ينضم كثيرون لأحد طرفي القتال، لا سيما أن «الدعم السريع» يقدم امتيازات كبيرة لمنسوبيه.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تهاجم مقر الأمم المتحدة بجنوب كردفان ومقتل 6 جنود بنغلادشيين

شمال افريقيا عناصر من «قوات التدخل السريع» يقومون بدورية في بلدة شمال السودان (أرشيفية - أ.ب) play-circle

«الدعم السريع» تهاجم مقر الأمم المتحدة بجنوب كردفان ومقتل 6 جنود بنغلادشيين

شنت «قوات الدعم السريع»، (السبت)، هجوماً بالمسيَّرات على مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان استهدف مقراً للأمم المتحدة، مما أدى إلى مقتل 6 جنود بنغلاديشيين.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جنود من الجيش السوداني يسيرون بجوار مركبات عسكرية مدمرة بعد معركة مع «قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز) play-circle

السودان: الجيش يتهم «الدعم السريع» بقصف مقر للأمم المتحدة أوقع 6 قتلى

قُتل ستة جنود بنغلادشيين على الأقل، السبت، في هجوم بطائرة مسيّرة على قاعدة تابعة لبعثة حفظ سلام أممية في كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان المحاصرة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
أوروبا عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب)

عقوبات بريطانية على شقيق حميدتي وقادة من «الدعم السريع»

أعلنتِ المملكة المتحدة، أمس، فرضَ عقوبات على أربعة من قادة «قوات الدعم السريع» في السودان، بينهم الرجلُ الثاني فيها، عبد الرحيم دقلو، شقيق قائدها محمد حمدان.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle

غوتيريش يدعو «الدول ذات التأثير» إلى استخدام نفوذها لوقف الحرب في السودان

ندد الأمين العام للأمم المتحدة، الجمعة، بالهجمات على المدنيين والبنية التحتية بالسودان، مطالباً جميع أطراف الصراع بالالتزام بالقانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب) play-circle 02:04

عقوبات بريطانية على قادة من «الدعم السريع» بينهم شقيق «حميدتي»

بريطانيا تفرض عقوبات على أربعة من قادة «الدعم السريع»، أبرزهم عبد الرحيم دقلو شقيق «حميدتي»، واتهمتهم بارتكاب جرائم قتل جماعي وعنف جنسي بالسودان.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«الدعم السريع» تهاجم مقر الأمم المتحدة بجنوب كردفان ومقتل 6 جنود بنغلادشيين

عناصر من «قوات التدخل السريع» يقومون بدورية في بلدة شمال السودان (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات التدخل السريع» يقومون بدورية في بلدة شمال السودان (أرشيفية - أ.ب)
TT

«الدعم السريع» تهاجم مقر الأمم المتحدة بجنوب كردفان ومقتل 6 جنود بنغلادشيين

عناصر من «قوات التدخل السريع» يقومون بدورية في بلدة شمال السودان (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات التدخل السريع» يقومون بدورية في بلدة شمال السودان (أرشيفية - أ.ب)

شنت «قوات الدعم السريع»، أمس (السبت)، هجوماً بالمسيَّرات على مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان المحاصرة، استهدف مقراً للأمم المتحدة، مما أدى إلى مقتل ستة جنود بنغلادشيين على الأقل، في حين بدأت بعض المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة في المدينة، تنفيذ عمليات إجلاء لموظفيها، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية.

وأعلنت بعثة الأمم المتحدة الأمنية الموقتة لأبيي (يونيسفا) أن «ستة جنود قتلوا وأصيب ستة آخرون» عندما ضربت طائرة مسيّرة معسكرهم في كادوقلي، مضيفة أن جميع الضحايا من بنغلادش. وأعرب رئيس وزراء بنغلادش محمد يونس في بيان عن «حزنه الشديد» إزاء الواقعة.

بدوره، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الهجمات على قوات حفظ السلام الأممية في السودان «غير مبررة وترقى لجرائم حرب».

وطالب غوتيريش، في منشور على منصة «إكس»، بمحاسبة المسؤولين عن استهداف قوات حفظ السلام.

«السيادة» السوداني يدين

وعدَّ مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الهجوم «خرقاً جسيماً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني». وقال في بيان إن «استهداف منشأة أممية محمية يمثل تصعيداً خطيراً وسلوكاً إجرامياً يرقى إلى عمل إرهابي منظم ويكشف عن استخفاف متعمَّد بالقانون الدولي».

الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني (أ.ف.ب)

وحمَّل المجلس «الدعم السريع»، «المسؤولية الكاملة عن هذا الاعتداء»، داعياً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ «مواقف حازمة وإجراءات رادعة» تكفل حماية المنشآت الأممية.شنت «قوات الدعم السريع»، أمس (السبت)، هجوماً بالمسيَّرات على مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان المحاصرة، استهدف مقراً للأمم المتحدة، مما أدى إلى مقتل 6 مدنيين على الأقل، في حين بدأت بعض المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة في المدينة، تنفيذ عمليات إجلاء لموظفيها، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية.

وعدَّ مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الهجوم «خرقاً جسيماً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني». وقال في بيان إن «استهداف منشأة أممية محمية يمثل تصعيداً خطيراً وسلوكاً إجرامياً يرقى إلى عمل إرهابي منظم ويكشف عن استخفاف متعمَّد بالقانون الدولي، وتهديد مباشر لعمل البعثات الإنسانية والدولية». وحمَّل المجلس «الدعم السريع»، «المسؤولية الكاملة عن هذا الاعتداء»، داعياً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ «مواقف حازمة وإجراءات رادعة» تكفل حماية المنشآت الأممية.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)

تأتي الخطوة بعد يومين من اتهامات متبادلة بين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي وصف «الدعم السريع» بـ«القوات السيئة»، وردت «الدعم السريع» باتهام الأمم المتحدة بـ«ازدواجية المعايير».

وتحدثت مصادر متعددة عن قيام «قوات الدعم السريع» بشن هجوم بالمسيَّرات على مدينة كادوقلي. وشوهدت أعمدت الدخان، في المدينة. وأفاد مصدر طبي لوكالة الصحافة الفرنسية، بمقتل 6 مدنيين على الأقل في القصف الذي استهدف مبنى تابعاً للأمم المتحدة.

فرار السكان

ونقل موقع سوداني أن تحالف السودان «تأسيس» التابع لـ«الدعم السريع»، طالب الخميس، سكان كادوقلي بضرورة مغادرة مناطق التماس العسكري وخطوط العمليات. وذكر أن النداء وجد استجابة واسعة من السكان، مشيراً إلى أن هذه الموجة من النزوح تعد الأكبر منذ اندلاع الحرب، وقال إن غالبية المغادرين من النساء والأطفال وكبار السن.

ونقل موقع «السودانية نيوز» عن قيادي في «تأسيس» التزام التحالف الكامل بحماية المدنيين وتيسير عمليات الإجلاء الطوعي من مدينة كادوقلي، مجدِّداً دعوته جميع المواطنين إلى الابتعاد عن مواقع الاشتباكات حفاظاً على أرواحهم.

تأتي هذه التطورات وسط مخاوف متزايدة من اتساع رقعة المواجهات العسكرية في ولاية جنوب كردفان وتأثيرها على الأوضاع الإنسانية للمدنيين.

ويسيطر الجيش على آخر ثلاث مدن في ولاية جنوب كردفان، وهي: كادوقلي العاصمة، والدلنج، وأوجبيهة.

و«تأسيس» هو تحالف سياسي بمشاركة «قوات الدعم السريع»، انطلق في يوليو (تموز) الماضي، وأعلن تشكيل حكومة موازية في السودان برئاسة محمد حسن التعايشي.

مَسيرات حاشدة في الخرطوم

إلى ذلك خرج الآلاف من السودانيين أمس، في مسيَّرات حاشدة بالعاصمة الخرطوم وغيرها من مدن البلاد؛ تأييداً للجيش في حربه ضد «قوات الدعم السريع»، التي بدورها حذرت من استغلال المواطنين في مواجهة المجتمع الدولي، لإجهاض جهوده وقف الحرب الدائرة في البلاد.

تأتي المسيَّرات تلبيةً لدعوات أطلقتها «اللجنة العليا للاستنفار والمقاومة الشعبية»، بالتنسيق مع الفصائل المسلحة والتيارات الإسلامية التي تقاتل في صفوف الجيش السوداني.

مسيرة في بورتسودان مؤيدة للجيش السبت (أ.ف.ب)

والشهر الماضي، أعلن رئيس اللجنة، الفريق بشير مكي الباهي، التعبئة العامة وفتح معسكرات التدريب في عدد من الولايات؛ لإسناد الجيش في جميع محاور القتال في الخطوط الأمامية في كردفان.

وقالت اللجنة في بيان: «إن هذا الخروج الشعبي الواسع يجسد الإرادة الحقيقية للشعب السوداني، ويؤكد أنه لا شرعية فوق مؤسسات الدولة الوطنية». ورصدت «الشرق الأوسط» خروج مسيَّرات في عواصم الولايات التي يسيطر عليها الجيش السوداني، منها: «الخرطوم، وبورتسودان، ومدني، ودنقلا، وسنار، وحلفا».

كما خرج متضامنون في عشرات البلدات والقرى الصغيرة في ولاية الجزيرة وسط البلاد التي شهدت انتهاكات واسعة من «قوات الدعم السريع».

ورفع المتظاهرون لافتات تدعو للوقوف خلف الجيش السوداني، ورددوا هتافات «جيش واحد، شعب واحد»، كما رفع البعض الآخر شعارات تطالب بتصنيف «قوات الدعم السريع» منظمة إرهابية.

في المقابل، أطلقت القوى المناهضة للحرب، أبرزها التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) هاشتاغاً تداوَل بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «نعم للسلام والديمقراطية.. لا للحرب.. لا لحكم العسكر».


«الدفاع» الجزائرية تنفي إنشاء وحدات مرتزقة لتنفيذ عمليات سرية بالساحل

السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري (وزارة الدفاع)
السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري (وزارة الدفاع)
TT

«الدفاع» الجزائرية تنفي إنشاء وحدات مرتزقة لتنفيذ عمليات سرية بالساحل

السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري (وزارة الدفاع)
السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري (وزارة الدفاع)

نفت وزارة الدفاع الوطني في الجزائر قطعياً، السبت، ما وصفته بـ«الأخبار المضللة، والاتهامات غير المؤسسة» التي تحدّثت عن «إنشاء الجزائر وحدات مرتزقة تنشط في منطقة الساحل لتنفيذ عمليات سرية». وقالت وزارة الدفاع في بيان نشرته في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «في افتراء سافر وكذب مكشوف، وفي محاولة أخرى يائسة للمساس بسمعة الجيش الوطني الشعبي، وتلطيخ الصورة الناصعة للجزائر إقليمياً ودولياً، لم تجد بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية المعروفة بتوجهاتها التي لا تحمل من هذه المهنة إلا الاسم سوى الترويج لروايات وسيناريوهات وهمية فاشلة سيئة الإخراج من نسج خيالها وخيال أسيادها».

وأوضح المصدر نفسه أن هذه الروايات والسيناريوهات «تتضمن معلومات زائفة وعارية عن الصحة حول إنشاء الجزائر وحدات مرتزقة تنشط في منطقة الساحل لتنفيذ عمليات سرية».

وذكرت وزارة الدفاع أن الجيش الوطني الشعبي «يؤدي مهامه في إطار الاحترام التام للدستور ولقوانين الجمهورية الجزائرية، وفي انسجام تام مع سياستها ومبادئها الثابتة القائمة على حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتفضيلها الحوار والمفاوضات في حل الأزمات».

ونوهت الوزارة بأن الجزائر، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من منطقة الساحل وتشاركها المصير نفسه والمصالح، لا يمكنها بأي حال من الأحوال، أن تكون طرفاً في زعزعة استقرارها، بل على عكس ذلك تماماً، تسعى دوماً للإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسكان المنطقة، تكريساً لمبدأ التضامن، ووفاءً للعلاقات التاريخية والإنسانية المتميزة، التي تربطها مع شعوب منطقة الساحل.

وشددت وزارة الدفاع على أن الجزائر لن تقبل بأن يزايد عليها أحد في مواجهتها الإرهاب، مؤكدة أن «هذه الحملات الدعائية الدنيئة التي تغذيها الشائعات والأخبار الزائفة، لن تتمكن من تحقيق مآربها الخسيسة، ولن تستطيع التشويش على الدور المحوري لبلادنا في المنطقة، بوصفها طرفاً فاعلاً في تعزيز السلم والاستقرار».


مصر: حوادث «تسرب الغاز» تُجدد الحديث بشأن «إجراءات الأمان»

آثار انفجار الغاز على المنازل المحيطة بالمنزل المنهار في إمبابة (محافظة الجيزة)
آثار انفجار الغاز على المنازل المحيطة بالمنزل المنهار في إمبابة (محافظة الجيزة)
TT

مصر: حوادث «تسرب الغاز» تُجدد الحديث بشأن «إجراءات الأمان»

آثار انفجار الغاز على المنازل المحيطة بالمنزل المنهار في إمبابة (محافظة الجيزة)
آثار انفجار الغاز على المنازل المحيطة بالمنزل المنهار في إمبابة (محافظة الجيزة)

جدّد تكرار وقوع حوادث بسبب «تسرب الغاز» الحديث حول «إجراءات الأمان» المتبعة في البنايات والجهات المختلفة التي يتم تزويدها بالغاز، سواء عبر شبكات الخطوط أو من خلال الأسطوانات التي تستخدم في المنازل والمحال العامة.

وتعرّضت مصر خلال يومين لتكرار حوادث أسفرت عن وفيات وإصابات بسبب «تسرب الغاز». وكان من بين هذه الحوادث انفجار غازي وقع مساء الخميس في عقار سكني بمنطقة إمبابة في محافظة الجيزة، ما أدّى إلى وفاة شخصين وإصابة 3 آخرين. وفي حادثة أخرى، توفي 5 أشخاص من أسرة واحدة، يوم الجمعة، في منطقة بولاق الدكرور بالجيزة، إثر تسرّب الغاز أثناء نومهم داخل المنزل.

كما توفيت زوجة وأُصيب زوجها بحالة اختناق نتيجة تسرّب الغاز في منزلهما بإحدى قرى محافظة المنيا (صعيد مصر)، فيما أُصيب 4 أشخاص من أسرة واحدة بحالات اختناق مماثلة في محافظة البحيرة (دلتا مصر)، وتم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.

وأعادت الحوادث المنزلية المتكررة إلى الواجهة الحديث عن إجراءات الأمان المتّبعة، ولا سيما بعدما شهدت مصر خلال العام الحالي انفجارين في خطوط غاز رئيسية بمحافظة الجيزة؛ وقع الأول في يناير (كانون الثاني) الماضي، وأسفر عن وفاة شخص، فيما وقع الثاني أبريل (نيسان) الماضي، وأسفر عن وفاة 9 أشخاص وإصابة 5 آخرين.

ودفع تكرار حوادث تسرب الغاز عضو مجلس النواب المصري، هشام حسين، إلى تقديم طلب إحاطة للحكومة في مايو (أيار) الماضي، طالب فيه بتوضيح إجراءات وضوابط تأمين خطوط الغاز الطبيعي ومعايير السلامة المهنية. وقال لـ«الشرق الأوسط»، السبت، إن «التواصل مع الحكومة مستمر في هذا الشأن لتجنب تكرار مثل هذه الحوادث».

وأضاف أن هناك اجتماعات تُعقد مع عدد من الجهات المعنية «للتأكد من الالتزام بجميع إجراءات السلامة والأمان في توصيلات الغاز»، مشيراً إلى «استمرار العمل مع الجهات المختصة للتوصل إلى حلول حاسمة وجذرية لهذه المشكلة».

وتنفذ الدولة خطة تعتمد على التوسع في توصيل الغاز الطبيعي إلى المنازل، إذ بلغ عدد الوحدات السكنية المستفيدة نحو 15.5 مليون وحدة، وفقاً لإحصاءات وزارة البترول الصادرة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وذلك بعد إدخال الغاز الطبيعي إلى نحو 572 ألف وحدة سكنية خلال العام المالي المنتهي في يونيو (حزيران) الماضي.

محافظ الجيزة خلال تفقد المنزل المنهار بسبب تسريب الغاز (محافظة الجيزة)

ونشرت حسابات إحدى شركات الغاز المملوكة للدولة عدداً من النصائح الموجّهة للمواطنين بشأن إجراءات الحماية الواجب اتباعها، من بينها التأكّد من سلامة توصيلات خراطيم الغاز الطبيعي، وعدم وجود تآكل قد يؤدي إلى تسرب، إضافة إلى إجراء أعمال صيانة دورية لجميع توصيلات الغاز الطبيعي داخل الشقق السكنية أو المنشآت.

ومن بين النصائح التي وجهتها الشركة تأكيد «صلاحية منافذ التهوية القريبة من مصادر الغاز داخل الشقق، والتأكد من سلامة الأجهزة الموجودة منعاً لحدوث أي حريق، مع تجنب تشغيل أو إيقاف مفاتيح الكهرباء عند استشعار رائحة غاز، وضرورة إغلاق مصادر الاشتعال القريبة وتهوية المكان بفتح النوافذ والأبواب».

خبير الحماية المدنية، أيمن سيد الأهل، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «فصل الشتاء يشهد عادة ارتفاعاً في معدلات حوادث الاختناق أو التضرر الناتج عن تسرب الغاز لأسباب عدة، في مقدمتها إحكام غلق المنازل والشقق بسبب برودة الطقس، ما يؤدي إلى استمرار زيادة ضغط الغاز حتى يصل أحياناً إلى حدّ الانفجار»، مشيراً إلى أن «وجود منافذ للتهوية يوفر فرصة أكبر للنجاة من أضرار الغاز، سواء عبر عدم وصوله إلى درجة الانفجار أو تقليل احتمالات وقوع وفيات، خصوصاً أثناء فترات النوم».

وأكد أن «تكرار الحوادث خلال الفترة الأخيرة يفرض ضرورة نشر ثقافة اقتناء المواطنين مستشعرات تسرب الغاز، وهي أجهزة بسيطة يمكن تركيبها داخل المنازل، إلا أن ارتفاع أسعارها حالياً يحدّ من انتشارها على نطاق واسع»، لافتاً إلى أنه بجانب حملات التوعية بالإجراءات الواجب اتباعها، «يجب تعزيز توفر هذه المستشعرات في المنازل، لما لها من دور مهم في الكشف المبكر عن أي تسرب للغاز».