جزائريون يتساءلون عن سر ضعف الإمكانات المخصصة لمواجهة حرائق الغابات

فيما تشكك الحكومة في وجود «أياد إجرامية» وراء الأحداث التراجيدية

أحد عناصر الدفاع المدني في محاولة لإطفاء النيران التي اندلعت في غابات بجاية (رويترز)
أحد عناصر الدفاع المدني في محاولة لإطفاء النيران التي اندلعت في غابات بجاية (رويترز)
TT

جزائريون يتساءلون عن سر ضعف الإمكانات المخصصة لمواجهة حرائق الغابات

أحد عناصر الدفاع المدني في محاولة لإطفاء النيران التي اندلعت في غابات بجاية (رويترز)
أحد عناصر الدفاع المدني في محاولة لإطفاء النيران التي اندلعت في غابات بجاية (رويترز)

أظهرت مخلفات الحرائق المستعرة التي ضربت شرق الجزائر في الأيام الأخيرة، مدى ضعف الإمكانيات اللوجيستية والقدرات البشرية لمواجهة هذه الظاهرة، التي باتت تتكرر كل عام مع اقتراب فصل الحرارة، وخلفت عدة خسائر بشرية ومادية، حيث قتلت النيران التي اشتعلت في الغابات ليل الأحد الماضي، واستمرت ليومين، 34 شخصاً، من بينهم 10 عسكريين، فيما تم توقيف 17 شخصاً بشبهة إضرام النار في محافظات معروفة بغطائها النباتي الكثيف.

وبينما تؤكد وزارة الداخلية في بيانات متتالية أن الاستعانة بطائرات مضادة للنيران سمحت باحتواء رقعة الكارثة، أفاد ناجون منها في فيديوهات تم بثها من أماكن الأحداث، بأنهم انتظروا فرق النجدة طويلاً لكنها لم تصل إليهم، حسبهم، وقتما كانت النيران في ذروتها، أو لم تصل أبداً. كما أن عدم تدخل أجهزة الإنقاذ للحد من اتساع الحرائق، حال دون تمكن سيارات الإسعاف من الوصول إلى الأماكن المتضررة لإجلاء الأشخاص المسنّين والمصابين بأمراض مزمنة، والذين توفي بعضهم اختناقاً بسبب الدخان الكثيف.

وزير الداخلية يزور عناصر الدفاع المدني بالمناطق المنكوبة (الداخلية)

وتعرف الجزائر منذ سنوات قليلة حرائق عدة، مسّت أساساً محافظات شرق البلاد بسبب كثافة غطائها النباتي. ومع كل حريق، يتم إحصاء خسائر بشرية وفي الأملاك الخاصة والمرافق العامة، زيادة على فقدان مساحات كبيرة من المساحات الخضراء. ومع تكرار هذه الكوارث، أصبح الجزائريون يطرحون هذا التساؤل كل عام: لماذا تشتعل غابات الجزائر بسرعة كبيرة؟ ولماذا لا تتخذ الاحتياطات لتجنبها وتفادي وقوع ضحايا؟

يؤكد مختصون في هيئات حكومية مكلفة بالمحافظة على الغابات والوقاية من تدهورها أن هناك سببين رئيسيين يقفان وراء هذه الأحداث المأساوية كل عام؛ الأول هو أن صنف الأشجار والغطاء النباتي الذي يكسو ولايات الشرق معرض للاشتعال بسهولة. أما السبب الثاني فيتمثل، حسبهم، في وجود نقائص جمة يعاني منها جهاز الإنقاذ الوطني، وضعف سلسلة الإسعافات الطبية المطلوب تحركها ساعة الكوارث، بسرعة وفاعلية.

مواطنة جزائرية تعاين آثار الحرائق التي اندلعت في ملولة (أ.ف.ب)

وأبرزت تصريحات خبراء في ميدان الإنقاذ للصحافة في الأيام الأخيرة مدى حاجة البلاد لدعم قدراتها في مواجهة الكوارث بعتاد حديث، وخاصة طائرات إخماد النيران وشاحنات مخصصة للتدخل وسط الغابات المشتعلة، وبتكوين وتوظيف عدد كبير من رجال الإنقاذ، خاصة أن الدفاع المدني الجزائري يشتكي من قلة الموارد البشرية، فضلاً عن تدني أجور أعوان الإنقاذ، الذين طالما خرجوا إلى الشارع للاحتجاج والمطالبة بتحسينها.

وإلى جانب ضعف القدرات في هذا المجال، برزت حاجة المحافظات المنكوبة للمواد الغذائية والدواء ووسائل للتكفل بالمصابين، ورعايتهم نفسياً، وخاصة الأشخاص الذين فقدوا أفراداً من عائلتهم، وتأثرهم من مشاهد الرعب التي عاشوها ليل الأحد الماضي. ففي بلدية الأخضرية بمحافظة البويرة (100 كلم شرق)، مثلاً، نقلت السلطات المحلية الأشخاص الذين دمر الحريق بيوتهم ومزارعهم إلى المدارس بوسط المدينة. ومنها أطلق الفرع المحلي للهلال الأحمر الجزائري نداءات للتبرع بالأغذية وحليب الأطفال، ومروحيات للتهوية ومكيفات بغرض التخفيف من المعاناة.

ووسط التعامل مع مخلفات الحرائق، تعالت أصوات مطالبة بإحداث «وزارة للطوارئ»، علماً بأن حوادث أخرى كثيرة تسفر عن سقوط ضحايا يومياً، مثل الغرق في البحر والوديان والبرك، وحوادث السير في الطرقات.

سيارات دمرتها الحرائق التي اندلعت في بلدة واد داس في بجاية (إ.ب.أ)

وبعد إخماد النيران في المحافظات الـ11 التي طالتها، أظهرت السلطات العمومية شكوكاً في وجود «أياد إجرامية» وراء الكارثة، حيث أعلن النائب العام بمحكمة بجاية (250 كلم شرق)، وهي أكثر المناطق تضرراً (22 قتيلاً)، أمس الثلاثاء، عن توقيف 14 شخصاً مشتبهاً بهم في إضرام حرائق الغابات بشكل متعمد. وصرح بأن المشتبه فيهم سيحاكمون أمام القضاء بتهمة «ارتكاب أعمال إجرامية».

وفي اليوم نفسه، أعلنت النيابة بسككيدة (550 كلم شرق) عن توقيف 3 أشخاص، وتقديمهم للمحكمة بشبهة إشعال النار عمداً في غابات المنطقة. وشدد القضاء على إحالة هذه الملفات على محاكم العاصمة، المختصة في مثل هذه الجرائم التي تم تكييفها على أنها «أعمال إرهابية».


مقالات ذات صلة

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته في الأمازون (أ.ف.ب)

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

يزور جو بايدن الأمازون ليكون أول رئيس أميركي في منصبه يتوجه إلى هذه المنطقة، في وقت تلوح فيه مخاوف بشأن سياسة الولايات المتحدة البيئية مع عودة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أمازوناس)
الولايات المتحدة​ امرأة وزوجها وسط أنقاض منزلهما الذي أتى عليه الحريق في كاماريللو (أ.ب)

حرائق كالفورنيا «تلتهم» أكثر من 130 منزلاً

أكد عناصر الإطفاء الذين يعملون على إخماد حريق دمّر 130 منزلا على الأقل في كالفورنيا أنهم حققوا تقدما في هذا الصدد الجمعة بفضل تحسن أحوال الطقس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ رجل إطفاء يوجه خرطوم مياه نحو النار في منزل دمّره حريق «ماونتن فاير» قرب لوس أنجليس (أ.ف.ب)

السيطرة على حرائق غابات مدمّرة قرب لوس انجليس

بدأ رجال الإطفاء السيطرة على حريق غابات استعر قرب مدينة لوس انجليس الأميركية وأدى إلى تدمير ما لا يقل عن 132 مبنى.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
المشرق العربي زراعة 3 آلاف غرسة في غرب حمص أواخر العام الماضي قام بها طلبة متطوعون (مواقع)

موجة حرائق تلتهم مساحات واسعة من قلب سوريا الأخضر

صور الحرائق في سوريا هذه الأيام لا علاقة لها بقصف حربي من أي نوع تشهده البلاد وجوارها، بعيدة عن الاهتمام الإعلامي وقريبة من ساحات الحرب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ رجال الإطفاء يخمدون حريقاً  ألحق أضراراً بالعديد من المباني في أوكلاند بكاليفورنيا (رويترز)

كاليفورنيا: المئات يخلون منازلهم بسبب حريق غابات

أعلن مسؤول في إدارة الإطفاء الأميركية إنه تم إصدار أوامر للمئات من سكان شمال ولاية كاليفورنيا بإخلاء منازلهم في أحد أحياء مدينة أوكلاند بسبب حريق ينتشر سريعاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.