15 قتيلاً بينهم 10 جنود في حرائق مستعرة شرق الجزائر

الحكومة تستعين بالجيش لمواجهة ألسنة اللهب

سيارة للدفاع المدني في منطقة الحرائق (الدفاع المدني الجزائري)
سيارة للدفاع المدني في منطقة الحرائق (الدفاع المدني الجزائري)
TT

15 قتيلاً بينهم 10 جنود في حرائق مستعرة شرق الجزائر

سيارة للدفاع المدني في منطقة الحرائق (الدفاع المدني الجزائري)
سيارة للدفاع المدني في منطقة الحرائق (الدفاع المدني الجزائري)

أعلنت الحكومة الجزائرية، الاثنين، مقتل 15 شخصاً بينهم 10 من عناصر الجيش، نتيجة حرائق (96 حريقاً) اندلعت بـ 16 محافظة (من 58 محافظة في البلاد)، وطالت الغابات والأدغال والمحاصيل الزراعية، وعزت انتشارها السريع إلى «رياح معتبرة» شهدتها المناطق المتضررة.

وواجهت الجزائر عام 2021، حرائق مهولة خلفت عشرات القتلى، وخسائر كبيرة في الثروة الغابية والحيوانية والمباني... واتهمت «جهات أجنبية بالوقوف وراءها».

عناصر من الجيش والدفاع المدني يحاولون منع تمدد أحد الحرائق (الدفاع المدني الجزائري)

وأعلنت وزارة الدفاع في بيان مساء الاثنين، عن «استشهاد 10 عسكريين وإصابة 25 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة»، خلال عملية إخلاء السكان المحاصرين بالنيران، في منطقتي القصر وبني كسيلة بمحافظة بجاية. ونُقل الجرحى إلى المستشفيات للعلاج.

وقتل العساكر في ظروف ميزتها «سرعة انتشار النيران والأدخنة»، وفق البيان نفسه، الذي أبرز أن النيران غيرت اتجاهها بشكل عشوائي نحو مكان مفرزة الجيش، ما أدى إلى وقوع الكارثة.

وكانت وزارة الداخلية قد أكدت في بيان، أن النيران بدأت ليل الأحد - الاثنين، وأن أكثر المحافظات تضرراً منها، هي بجاية والبويرة وجيجل وتقع شرق البلاد، حيث جرى إحصاء 26 جريحاً إلى جانب المتوفين. وامتدت ألسنة اللهب، وفق البيان نفسه، إلى قرى مأهولة بالسكان، وجرى إجلاء 1500 شخص منهم، يقيمون في بلدتين، إحداهما في بجاية والثانية في البويرة. والمنطقتان معروفتان بغطائهما النباتي الكثيف.

وأضاف بيان الداخلية أن الحكومة أقحمت 7500 عنصر دفاع مدني في الميدان، ووفَّرت 350 شاحنة «من مختلف الأحجام، فضلاً على الوسائل الجوية لإخماد الحرائق ما سمح بالتحكم في أغلبها».

وتابع، أن مواجهة الحرائق استمرت صباح الاثنين، في 6 محافظات هي: بومرداس والبويرة وتيزي وزو، وبجاية وجيجل وسكيكدة، وجرى حشد 13 رتلاً متنقلاً، و3050 عنصر دفاع مدني، وفق البيان، الذي أوضح أن وزارة الداخلية سخرت أيضاً 12 طائرة لإطفاء الحرائق بهذه المحافظات، منها طائرات عمودية تابعة للجيش، «بما في ذلك طائرة الإطفاء ذات السعة الكبيرة».

(الدفاع المدني الجزائري)

وقالت الداخلية، إنها «تطمئن سكان هذه الولايات بأن مصالح الحماية المدنية، تبقى مجندة إلى غاية إخماد النيران نهائياً»، ودعتهم إلى «التحلي بالحيطة واتباع إرشادات السلامة وتجنب الاقتراب من المناطق التي تشهد الحرائق».

وفي وقت سابق من الصباح، أعلن الدفاع المدني نشوب 16 حريقاً ليل الأحد - الاثنين في بجاية (7 حرائق) والبويرة (4) وجيجل (3) وبومرداس (حريقان)، بينما انتشرت في منصات الإعلام الاجتماعي دعوات إلى سكان المناطق المتضررة للمساعدة بتوفير أدوية مضادة للحروق، بسبب نفادها في المصحات والعيادات المحلية. كما انطلقت حملة تضامن كبيرة، ناشد أصحابها سكان المناطق القريبة التي لم تصل إليها ألسنة اللهب، استقبال الهاربين من الحرائق في بيوتهم.

أحد حرائق الشرق الجزائري (الدفاع المدني الجزائري)

وتداول ناشطون بـ«فيس بوك»، الأكثر استعمالاً من بين وسائط التواصل، صور سياح ومصطافين، من محافظات أخرى، يغادرون المناطق المتضررة عائدين إلى بيوتهم. وشهدت هذه المناطق ارتفاعاً كبيراً لدرجات الحرارة، فاقت الـ50، ما خلَّف متاعب صحية للأشخاص المسنَين والمصابين بأمراض الحساسية والربو، وقد توافد الكثير منهم على المصحات العمومية والخاصة، التي عاشت طوارئ منذ مساء الأحد.

ولم تقدم الحكومة تفسيراً لهذه الأحداث المأساوية، التي تكررت في السنوات الأخيرة، بينما ذكر خبراء في الأرصاد الجوية لوسائل الإعلام أن الأمر «يتعلق بعوامل طبيعية مرتبطة بموجة حرارة غير عادية، تجتاح كل بلدان حوض المتوسط».

وتحولت الحرائق المستعرة، إلى كابوس عاشه سكان مناطق بشرق البلاد، خصوصاً منطقة القبائل في صيف 2021، حيث قتلت النيران 42 شخصاً من بينهم 25 عسكرياً من بين الذين جرى نشرهم للمساعدة في إخمادها. كما أسفرت عن تدمير مئات البيوت.

وقال وزير الداخلية يومها إن الحرائق التي اندلعت في الغابات بشمال البلاد «متعمدة»، مؤكداً: «وحدها الأيدي المجرمة يمكن أن تكون مسؤولة عن اندلاع نحو 50 حريقاً في آن واحد في عدة مناطق بالولاية». وجرى اتهام تنظيم يطالب بانفصال منطقة القبائل، يدعى «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، بالوقوف وراء الأحداث. كما اتهم بأنه «يعمل لمصلحة أطراف أجنبية معادية للجزائر».

ومن أكثر المشاهد مأساوية في تلك الحرائق، مقتل ثلاثيني حرقاً يدعى جمال بن إسماعيل، والتنكيل بجثته من طرف سكان محليين، ظنوا أنه جاء من مكان آخر لإضرام النار في محيطهم الغابي. وأدان القضاء 30 شخصاً بالإعدام، بتهمة قتله والتنكيل به.


مقالات ذات صلة

موجة حرائق تلتهم مساحات واسعة من قلب سوريا الأخضر

المشرق العربي زراعة 3 آلاف غرسة في غرب حمص أواخر العام الماضي قام بها طلبة متطوعون (مواقع)

موجة حرائق تلتهم مساحات واسعة من قلب سوريا الأخضر

صور الحرائق في سوريا هذه الأيام لا علاقة لها بقصف حربي من أي نوع تشهده البلاد وجوارها، بعيدة عن الاهتمام الإعلامي وقريبة من ساحات الحرب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ رجال الإطفاء يخمدون حريقاً  ألحق أضراراً بالعديد من المباني في أوكلاند بكاليفورنيا (رويترز)

كاليفورنيا: المئات يخلون منازلهم بسبب حريق غابات

أعلن مسؤول في إدارة الإطفاء الأميركية إنه تم إصدار أوامر للمئات من سكان شمال ولاية كاليفورنيا بإخلاء منازلهم في أحد أحياء مدينة أوكلاند بسبب حريق ينتشر سريعاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم حريق غابات في قرية فيغا بأغويدا في البرتغال - 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي: الفيضانات وحرائق الغابات تظهر أن الانهيار المناخي بات القاعدة

حذّر الاتحاد الأوروبي من الفيضانات المدمّرة وحرائق الغابات التي تظهر أن الانهيار المناخي بات سريعاً القاعدة، مؤثراً على الحياة اليومية للأوروبيين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أميركا اللاتينية دخان الحريق يتصاعد في تلال تينغوا (أ.ف.ب)

جهود مضنية لمكافحة آلاف الحرائق في البرازيل

تواصل البرازيل مكافحة عشرات آلاف الحرائق التي يغذيها أسوأ جفاف تشهده البلاد حيث أصبحت مدن كبرى مثل ريو دي جانيرو وساو باولو، مهددة.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أوروبا طائرة تلقي بمواد كيمائية لإطفاء حريق في جبال هارتس الألمانية (أ.ب)

استدعاء طائرات الإطفاء لمكافحة حريق غابات هائل في ألمانيا

كثف رجال الإطفاء، السبت، جهودهم للسيطرة على حريق غابات هائل في جبال وسط ألمانيا أجبر المئات على الإخلاء.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)

فرنسا تعترف بمسؤوليتها عن قتل المناضل الجزائري العربي بن مهيدي

صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)
صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تعترف بمسؤوليتها عن قتل المناضل الجزائري العربي بن مهيدي

صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)
صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)

انتظرت فرنسا 67 عاماً للاعتراف بأن جيشها قتل المناضل الجزائري، العربي بن مهيدي، في ليلة الثالث إلى الرابع من شهر مارس (آذار) عام 1957 شنقاً، بينما ظلت الرواية الرسمية للدولة الفرنسية تقول إن المهيدي «انتحر». والغريب أن بيان قصر الإليزيه، الذي يؤكد أن أمر الإعدام الذي أُعطي للجنود الفرنسيين جاء من الجنرال بول أوساريس. والحال أن الأخير اعترف في 2001 بأنه هو مَن أمر بشنق المهيدي، وجرى تمويه قتله بعملية انتحار.

العربي بن مهيدي (وسط) وشرقي إبراهيم (يمين) أمام فيلا البيار حيث كانا محتجَزين منذ اعتقالهما (أ.ف.ب)

الاعتراف الرسمي بقتل المناضل الجزائري جاء في بيان مطوَّل من 672 كلمة، صدر عن قصر الإليزيه بمناسبة الذكرى السبعين لانطلاق الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954، التي كان المهيدي أحد أهم صُناعها.

وجاء في بيان الإليزيه أن رئيس الجمهورية «يعترف، اليوم، بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة، الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر 1954، قتله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس».

واللافت أن فرنسا، التي درجت على الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها قواتها في الجزائر بـ«التقسيط»، كالت المديح والثناء بعد سنوات من الكذب الرسمي للمهيدي، المولود عام 1923، وتوقفت عند تفاصيل حياته، مثل حصوله على الشهادة الابتدائية، ثم دراسته في المرحلة الثانوية، وانتمائه للكشافة، وانضمامه باكراً إلى التيار المطالب بالاستقلال، بعد مجازر ولاية قسنطينة صيف عام 1945، وكذا التحاقه بالثورة الجزائرية التي أصبح أحد قادتها. وأشار البيان الرسمي إلى أن المهيدي كان مهندس المؤتمر الأول لجبهة التحرير الجزائرية، وأُسندت إليه قيادة منطقة العاصمة الجزائر. وقال بيان الإليزيه إنه كان أحد قادة «معركة الجزائر» في عام 1957، وهو العام الذي سقط فيه بقبضة الجيش الفرنسي الذي شنقه. كما أشار البيان إلى أن مصير العربي بن مهيدي شبيه بمصير المناضل الشيوعي موريس أودان، والمحامي الجزائري علي بومنجل، وكلاهما قُتل على أيدي القوات الفرنسية، في إطار «منظومة أمنية جاءت خارج مجتمع حقوق الإنسان والمواطن، وبسبب السلطات الخاصة التي أعطاها البرلمان للحكومة لإعادة النظام إلى الجزائر».

القادة الستة الذين فجّروا ثورة الجزائر. العربي بن مهيدي جالساً على اليمين (متداولة)

وذهب بيان الرئاسة إلى التنويه بالصورة التي أخذت للعربي بن مهيدي «مبتسماً وهو مكبَّل اليدين، ونظرة تنمُّ عن الكبرياء، بحيث إن العسكريين الفرنسيين الذين كانوا على دراية بشهرته أثّرت فيهم شجاعته والكاريزما» التي تحلَّى بها.

وجاء هذا الاعتراف وسط حالة من التوتر تهيمن على العلاقات الفرنسية الجزائرية. وكانت زيارة الدولة، التي قام بها الرئيس ماكرون إلى المغرب، وإعادة تأكيده أن «حاضر الصحراء ومستقبلها يُكتبان في إطار السيادة المغربية»، لتُفاقما التوتر بين الطرفين. ورغم ذلك، حرص «الإليزيه» على التذكير بأن هذا الاعتراف يندرج في إطار «العمل من أجل (إبراز) الحقيقة التاريخية» لما جرى خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية للجزائر، وهو «العمل الذي أطلقه ماكرون مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، وهذا العمل سيتواصل».

أعضاء لجنة الذاكرة الجزائريين مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

ويُعد هذا الاعتراف، وفق القراءة الفرنسية، جزءاً من «تصالح الذاكرات»، وهو الهدف الذي يسعى إليه الطرفان من خلال قول الحقيقة؛ خدمة للأجيال القادمة. في هذا السياق، شدد البيان على أن ماكرون «سعى، منذ عام 2017، إلى البحث عن حقيقة تاريخ الاستعمار وحرب الجزائر؛ بهدف خلق ذاكرة سِلمية ومشتركة. وهذا الطموح، الذي كان إعلان الجزائر المشترك هو العمل التأسيسي له، هو أيضاً طموح الرئيس تبون».

المؤرخ الفرنسي الشهير بن جامان ستورا (حسابه الشخصي)

وأمس، كتبت صحيفة «لو موند» أن المؤرخ الفرنسي المعروف، بن جامان ستورا، الذي اقترح على ماكرون العمل من أجل تصالح الذاكرتين الفرنسية والجزائرية، هو من اقترح على الرئيس الفرنسي التخلي عن الكذبة الرسمية وقول الحقيقة بخصوص موت العربي بن مهيدي، الذي قُتل في سن الـ34 عاماً. ويقارن ستورا بين الأخير وبين جان مولين، بطل محاربة الألمان النازيين، مؤكداً أن العربي بن مهيدي «أهم قائد للثورة الجزائرية ولحرب الاستقلال». وبرأيه، فإن بادرة ماكرون تعني عملياً «الاعتراف بالشرعية السياسية لحرب الوطنيين الجزائريين».

والمتعارف عليه في أوساط المؤرخين الفرنسيين أن العربي بن مهيدي شعار رمز لاستقلال الجزائر. وقد فرض العربي بن مهيدي احترامه، حتى على أعتى أعدائه، ومنهم الجنرال مارسيل بيجار الذي قاد كتيبة المظليين في معركة الجزائر. ويُنقل عنه أنه قال إنه «كان الأكبر حقيقة».

ونجحت مجموعة من المظليين في اعتقال العربي بن مهيدي، القائد العسكري والسياسي الذي عُثر عليه جثة هامدة بعد أيام قليلة. وخرجت بعدها رواية انتحاره في السجن. ووفق هذه الرواية الرسمية وقتها، فإنه انتحر في السجن، بعد أن مزّق قميصه قِطعاً وصنع منه حبلاً ربطه بحديد شُباك خليته. والحال أن مَن قتله هو «القائد صفر»، وهو رمز الجنرال بول أوساريس مع ستة من جنوده، وكان مكلفاً وقتها رسمياً بالتنسيق بين المخابرات والشرطة والقضاء. وانتظر أوساريس حتى عام 2001 ليعترف بمسؤوليته عن إعدام العربي بن مهيدي، وذلك في كتابه «الأجهزة الخاصة، الجزائر 1955ــ1957» الصادر عن دار بيران.

فهل ستكفي بادرة ماكرون؟ كثيرون يَبدون مشككين بما قد ينتج عنها. والمأخذ الرئيسي أن ماكرون يعمل «على القطعة»، بينما المطلوب شيء آخر. وليس سراً أن عدداً من الملفات تعوق، حتى اليوم، «تصالح الذاكرتين»، وليس آخرها الملفات السياسية، كملف الصحراء على سبيل المثال.