«قمة الجوار» تطلق آلية لمنع تفكك السودان

شكلت "مجموعة وزارية" لإيجاد "حل شامل" و"وقف فوري" للقتال

TT

«قمة الجوار» تطلق آلية لمنع تفكك السودان

القادة المشاركون في «قمة جوار السودان» في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
القادة المشاركون في «قمة جوار السودان» في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

توافقت «قمة دول جوار السودان»، التي عُقدت في القاهرة بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على «تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، يكون اجتماعها الأول في تشاد»، مهمتها «وضع خطة عمل تنفيذية لوقف القتال، والتوصل إلى حل شامل للأزمة، عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة في تكاملية مع الآليات القائمة بما فيها الإيقاد والاتحاد الأفريقي».

وأكدت القمة التي عقدت الخميس بمشاركة رؤساء دول وحكومات دول جوار السودان (مصر، تشاد، إثيوبيا، جنوب السودان، ليبيا، إريتريا، أفريقيا الوسطى)، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية، «الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة».

قلق من استمرار الحرب

وأعرب المشاركون في القمة التي عقدت في قصر الاتحادية الرئاسي (شرق القاهرة) في بيانهم الختامي، الذي تلاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن «القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمني والإنساني في السودان». وناشدوا الأطراف المتحاربة «وقف التصعيد والالتزام بـ(الوقف الفوري والمستدام) لإطلاق النار لإنهاء الحرب وتجنب إزهاق أرواح المدنيين».

وأشار البيان الختامي إلى «أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها ومنع تفككها أو انتشار عوامل الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل»، وكذلك التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بـ«شكل جاد وشامل» يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، الأمر الذي يمثل ضغطاً إضافياً على موارد هذه الدول يتجاوز قدراتها على الاستيعاب، وهو ما يقتضي ضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة لمسؤولياتهم في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، والذي عقد في يونيو (حزيران) الماضي.

 

صورة جامعة لـ«قمة جوار السودان» في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

وأعرب المشاركون عن قلقهم «البالغ» إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية. وناشدوا أطراف المجتمع الدولي كافة «بذل قصارى الجهد لتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة لمعالجة النقص الحاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية بما يخفف من وطأة التداعيات الخطيرة للأزمة على المدنيين».

واتفق المشاركون على «تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية». وكذا التأكيد على «أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر وإطلاق (حوار جامع) للأطراف السودانية يهدف إلى بدء عملية سياسية شاملة».

وهدفت قمة «دول جوار السودان» إلى تحقيق تسوية «سلمية وفاعلة» للأزمة في السودان من خلال التنسيق بين دول الجوار والمسارات الإقليمية والدولية الأخرى.

وأكد السيسي خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أن «مصر ستبذل كل ما في وسعها بالتعاون مع كافة الأطراف؛ لوقف نزف الدم السوداني»، مطالباً الأطراف السودانية المتحاربة بـ«وقف التصعيد والبدء في مفاوضات لوقف إطلاق النار».

وقال السيسي: «دول جوار السودان تعد الأشد تأثراً بالأزمة والأكثر فهماً ودراية بتعقيداتها؛ مما يتعين على دولنا توحيد رؤيتها ومواقفها تجاه الأزمة واتخاذ قرارات متناسقة وموحدة تُسهم في حلها بالتشاور مع أطروحات المؤسسات الإقليمية الفاعلة وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية؛ حفاظاً على مصالح ومقدرات شعوب دول الجوار».

تصور مصري

وطرح السيسي تصور مصر لخروج السودان من مأزقه الراهن على الوفود المشاركة في المؤتمر، والتي ترتكز على «مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء، في مفاوضات (جادة) تهدف للتوصل لـ(وقف فوري ومستدام) لإطلاق النار»، ومطالبة كافة الأطراف السودانية بـ«تسهيل كافة المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات للمناطق الأكثر احتياجا داخل السودان»، وإطلاق «حوار جامع» للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية وممثلي المرأة والشباب يهدف لبدء «عملية سياسية شاملة»، فضلاً عن تشكيل آلية اتصال منبثقة من المؤتمر لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى «حل شامل» للأزمة.

 

الرئيس السيسي متوسطا سامح شكري وعباس كامل خلال «قمة جوار السودان» في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

وفي كلمته، أكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقيه، أن «الأزمة السودانية تؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، وأن مجموعة من العوامل السلبية داخلياً وخارجياً أدت إلى أمور سيئة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن بالسودان»، مضيفاً أنه «تم وضع آلية من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة مع شركاء آخرين للوصول إلى اتفاقية سياسية في الوقت الذي ظهر فيه الصراع في السودان بين القوات التي تناحرت»، مشيراً إلى أن «الاتحاد الأفريقي طالب بوقف إطلاق النار بشكل سريع والعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى حل سلمي للأزمة». وشدد فقيه على أنه «يجب أن نتوجه بكل جدية إلى الجذور الأساسية للأزمة السودانية من أجل الوصول إلى حلول لها».

أيضا طالب رئيس جمهورية جنوب السودان، سلفا كير ميارديت بـ«وقف إطلاق النار بصورة فورية»، مشيراً إلى أن السودان يشهد أوضاعاً حرجة في الصحة، كما أن انتشار الدمار يؤثر على جميع المناحي في السودان». وطالب بـ«توسيع نطاق مبادرة إيقاد لضم ممثلين عن الشعب السوداني ودول الجوار السوداني الذين يعانون من آثار الأزمة الإنسانية التي ولدها الصراع».

دور الجامعة

في السياق، أكد الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ومنع انهيارها ومساعدتها قدر الإمكان على الاستمرار في أداء مهامها بشكل طبيعي وتجاوز الصعوبات التي تواجهها». وأكد في كلمته أمام القمة «معارضة الجامعة العربية لأي تدخل خارجي في الشأن الداخلي السوداني، والتضامن الكامل مع السودان في صون سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه، ودعم مسار جدة الساعي إلى تحقيق شروط وقف إطلاق نار شامل ومستدام وفوري يسمح باستئناف العملية الانتقالية».

وأشار أبو الغيط إلى «أهمية دعم مسار سياسي - سوداني شامل لكل الأطياف السودانية، يحقق تطلعات الشعب السوداني في السلام والأمن والتنمية، ويؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية قادرة على تحقيق التوافقات المطلوبة».

رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أكد أن «دول جوار السودان سوف تعاني إذا استمرت أطراف النزاع في السودان التصلب لمواقفها وعدم التجاوب مع الجهود التي تبذل لحل هذه الأزمة والصراع العنيف»، مؤكداً ضرورة «وجود حوار يساهم في استقرار السودان، والتحضير لعملية انتقالية للوصول إلى السلام في السودان».

وخلال كلمته بالقمة، أشار رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، إلى ضرورة «اتخاذ موقف موحد تجاه استمرار الصراع المسلح بين أبناء الشعب السوداني»، مشدداً على «دعم وتأييد مخرجات القمة العربية التي عقدت في المملكة العربية السعودية، في مايو (أيار) الماضي، في أن يتوحد الفرقاء السودانيون كخطوة هامة لإنهاء الصراع المسلح وعودة الاستقرار وضمان عدم المساس بوحدة السودان».

في حين حذر رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستان - آرشانج تواديرا من «خطورة الصراع الدائر في السودان لما له من تداعيات على المنطقة ومساهمته بشكل كبير في انتشار الأسلحة وخاصة الخفيفة منها جراء ضعف السيطرة على الحدود»، مؤكداً «ضرورة تفادي أي تدخلات خارجية في الموقف السوداني».

وقال رئيس تشاد الانتقالي، محمد ديبي، إن «المواجهات التي تدور في السودان مصدر قلق بالغ لكافة دول الجوار ومن بينها تشاد»، مناشداً جميع الأطراف الدولية «ضرورة التدخل لحل الأزمة في السودان».

أما رئيس دولة إريتريا، آسياس أفورقي، فقال إن «هناك حاجة ملحة لمنع التدخلات الداخلية والخارجية في السودان تحت أي مسمى، وكذلك التدخلات العسكرية التي تهدف لتأجيج الحرب».


مقالات ذات صلة

اجتماع عربي في الرياض يبحث التعامل مع الإعلام العالمي

إعلام التوجه الاستراتيجي يجسّد إرادة جماعية واضحة لحماية المصالح الرقمية العربية (واس)

اجتماع عربي في الرياض يبحث التعامل مع الإعلام العالمي

ناقش فريق التفاوض العربي الخطة التنفيذية للتفاوض مع شركات الإعلام الدولية وفق إطار زمني، وصياغة التوجه الاستراتيجي للتعامل معها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا جانب من اجتماع سابق لمجلس الجامعة العربية (الشرق الأوسط)

​مساعٍ عربية لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة

طالب مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين الخميس المجتمع الدولي بـ«تدخل حقيقي وحاسم وفوري» يستهدف وقف جريمة «الإبادة الجماعية» في قطاع غزة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال زيارته إلى مدينة زوارة 1 يوليو (حكومة الوحدة)

«الجيش الوطني الليبي» يتجاهل دعوة «الوحدة» للمشاركة في ضبط الحدود الجنوبية

تجاهل «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، مقترح مصطفى الطرابلسي وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة»، لتشكيل غرفة عمليات مشتركة لتأمين الحدود الجنوبية.

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي امرأة تحمل صورة أمين عام «حزب الله» وتعبر بين ركام خلفته الغارات الإسرائيلية في بلدة عيتا الشعب بجنوب لبنان (أ.ب)

الجامعة العربية: إلغاء وصف «حزب الله» بـ«الإرهابي» لا يزيل «التحفظات بشأنه»

لا تزال تداعيات إعلان جامعة الدول العربية عدولها عن تسمية «حزب الله» منظمة إرهابية مستمرة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي اجتماع سابق برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط (الجامعة العربية)

ما دلالات عدول الجامعة العربية عن تسمية «حزب الله» منظمةً إرهابيةً؟

عدلت جامعة الدول العربية عن تسمية «حزب الله» اللبناني «منظمةً إرهابية»، عقب زيارة مبعوثها لبيروت، في توقيت يشهد تهديدات إسرائيلية رسمية بشن حرب شاملة ضد الجنوب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز