ارتدادات «حرب الجنرالين» على الجوار السوداني

مخاوف من تزايد النشاطات الإرهابية والاتجار بالبشر

سودانيون يفرون مع أغراضهم من الخرطوم في 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
سودانيون يفرون مع أغراضهم من الخرطوم في 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
TT

ارتدادات «حرب الجنرالين» على الجوار السوداني

سودانيون يفرون مع أغراضهم من الخرطوم في 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
سودانيون يفرون مع أغراضهم من الخرطوم في 22 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

يُخشى على نطاق واسع من تأثيرات سلبية للحرب التي تدور في السودان على دول الجوار الإقليمي، وهو ما دفع مصر لاستضافة اجتماع لهذه الدول، يوم الخميس؛ لبحث سبل وقف الحرب وعودة الاستقرار والأمن إلى السودان، البلد الغني بموارده الطبيعية والبشرية.

ولا تقتصر مخاوف «الجوار السوداني» على التأثيرات الأمنية للقتال، بل من أن يكون سبباً لعدم الاستقرار في الإقليم المتوتر بأكمله، لا سيما مخاطر اللجوء وتحول المنطقة إلى ساحة للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، إضافة إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تترتب على استمرار الحرب في السودان، لا سيما مع وجود تداخل ثقافي وإثني بين عدد من الجماعات السكانية على حدود السودان مع دول الجوار. وأول المخاطر، أن القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» تسبب في لجوء قرابة مليون شخص إلى دول الجوار؛ بحثاً عن الأمان، ويرجح أن تتزايد أعداد اللاجئين باطراد، ما يخلق أزمات إنسانية في الدول المستضيفة نفسها. ولا تزال المعابر الحدودية المشتركة مكتظة باللاجئين الذين يواجهون ظروفاً إنسانية قاسية، في ظل عدم وجود أنظمة تقديم مساعدات إنسانية للفارين من الحرب.

لاجئون سودانيون يصلون إلى إثيوبيا هرباً من الصراع الدامي (أ.ف.ب)

وقال الخبير الاقتصادي، عبد العظيم المهل، لـ«الشرق الأوسط»، إن في السودان أساساً نحو 11 مليون مهاجر من دول الجوار، أغلبهم من الإثيوبيين، وكانوا يعامَلون معاملة «المواطن»، ويعملون في مهن مختلفة. ويقول المهل إنه من المتوقع أن تفقد إثيوبيا نحو 5 ملايين دولار هي تحويلات مواطنيها المقيمين في السودان، الذين غادرت أعداد كبيرة منهم عائدة إلى بلادها، ويتوقع أن تؤثر عودتهم المفاجئة في معدلات البطالة المرتفعة أصلاً، إضافة إلى تأثر التجارة الحدودية بين البلدين، واحتمالات نشاط جماعات التهريب، فضلاً عن تأثر الطيران الإثيوبي بإغلاق الأجواء السودانية.

سودانيون فروا من الحرب في منطقة بين السودان وتشاد في 26 أبريل 2023 (رويترز)

كذلك يتوقع أن تنشط في المنطقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا عمليات الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن احتمالات استغلال الجماعات المتطرفة والإرهابية حالة الاضطراب الناتجة عن الحرب، وتوسيع أنشطتها في المنطقة، خصوصاً «داعش»، والمجموعات المتطرفة الصومالية، وجماعات «بوكو حرام».

كذلك، قد تؤثر الحرب إيجاباً على إثيوبيا، إذ يتوقع أن تدخل الأسواق الإثيوبية رؤوس أموال سودانية وأجنبية كانت تستثمر في السودان. ولوحظ بشكل لافت أن عدداً من رؤوس الأموال السودانية اتجهت بالفعل إلى إثيوبيا. أما مصر، فالتأثيرات عليها ستكون سلبية في بعض الجوانب وإيجابية في جوانب أخرى.

وتقول التقارير إن نحو ربع مليون سوداني فروا إلى مصر، إلى جانب تعطل التجارة البينية بين البلدين، لا سيما أن كثيراً من الصناعات المصرية تعتمد على المواد الخام السودانية، وتقدر خسائرها بمليارات الدولارات في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب. وقال المهل: «تقدر مصر عدد السودانيين المقيمين فيها أصلاً بأربعة ملايين. وإذا اعتبرنا أن معدل الإنفاق الشهري لكل فرد من هؤلاء هو في حدود 300 دولار، فستكون الحصيلة نحو مليار ومائتي مليون دولار شهرياً، تدخل دورة الاقتصاد المصري».

ووصف المهل 90 في المائة من السودانيين في مصر بأنهم «بمصاف السياح، أكثر من كونهم لاجئين»، ولذلك أثّر وجودهم هناك في انتعاش سوق العقارات وإيجارات المساكن وعربات النقل، ويظهر ذلك من انتعاش وارتفاع أسعار الشقق والإيجارات والأسواق والتاكسي، وغيرها من الأمور، فضلاً عن انتقال تحويلات المغتربين السودانيين من السودان إلى مصر.

نازحون سودانيون بمعبر قسطل المصري (الشرق الأوسط)

أما في غرب البلاد، فإن دولة تشاد تأثرت بالأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين اتجهوا إليها، فضلاً عن عودة بعض مواطنيها المقيمين في السودان لفترات طويلة، إضافة إلى أن المنطقة أصلاً هي منطقة نشاط لعمليات الجماعات الإرهابية والمتطرفة وتجارة السلاح والتهريب. ويقول الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»، إن «حرب السودان لها تأثير كبير في دول الجوار، وإنها ستضر بحركة المواطنين على الحدود بين البلدان، وتعيق التجارة الحدودية، وتؤثر اقتصادياً واجتماعياً في السكان على جانبي الحدود». ويضيف: «كما قد تؤدي الحرب إلى انتشار السلاح في المناطق على الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا، ويساعد ذلك المجموعات والجماعات المسلحة في تسهيل تحركاتها، بالإضافة إلى أمور أخرى متعددة مثل مساعدة المهربين في التحرك بين البلدين».

وحذّر إبراهيم من استمرار المعارك في السودان، وما قد تسببه من إضعاف للأمن الإقليمي في المنطقة، ومن زيادة لبؤر الصراعات في بعض المناطق، ومن أن تؤدي إلى ظهور جماعات إرهابية في المناطق التي تشهد تداخلاً بين المجموعات السكانية. وأعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في وقت سابق، أن بلاده تستضيف أكثر من 200 ألف لاجئ سوداني، فضلاً عن لجوء نحو 60 ألفاً إلى إثيوبيا، ونحو 150 ألفاً إلى جنوب السودان، وأعداد غير معروفة اتجهت نحو تشاد، لا سيما بعد أحداث مدينتي الجنينة وزالنجي في ولايتي غرب ووسط دارفور.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من القوات الحكومية في البادية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

دمشق تواصل تمشيط البادية شرق حمص وملاحقة «داعش» بدعم من الطيران الروسي

رجّحت مصادر محلية أن يكون هدف حملة تقوم بها قوات تابعة لدمشق هو تأمين طرق البادية السورية الواصلة بين مناطق الحدود مع العراق ومحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

هل يتمكن «النواب» الليبي من تحريك ملف «المصالحة الوطنية» المتعثر؟

مجلس النواب دخل مجدداً على خط ملف المصالحة في مواجهة المجلس الرئاسي (المجلس)
مجلس النواب دخل مجدداً على خط ملف المصالحة في مواجهة المجلس الرئاسي (المجلس)
TT

هل يتمكن «النواب» الليبي من تحريك ملف «المصالحة الوطنية» المتعثر؟

مجلس النواب دخل مجدداً على خط ملف المصالحة في مواجهة المجلس الرئاسي (المجلس)
مجلس النواب دخل مجدداً على خط ملف المصالحة في مواجهة المجلس الرئاسي (المجلس)

تباينت آراء برلمانيين وأكاديميين ليبيين بشأن إمكانية تحريك عملية «المصالحة الوطنية» مرة ثانية، في ظل دخول مجلس النواب الذي يرأسه عقيلة صالح، مجدداً على خط الملف في مواجهة المجلس الرئاسي، الذي كان يرعاه قبل تعثره.

وكان صالح قد دعا إلى ضرورة تحقيق المصالحة «لتشمل جميع المؤسسات والجماعات»، بما يضمن «إنهاء الخلافات والاستفادة من حركة التاريخ».

وأوضح عضو مجلس النواب الليبي، عصام الجهاني، أن «النواب» يضطلع بملف المصالحة منذ شهور طويلة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي يدرسه المجلس حالياً «يأتي في إطار اهتمامه بهذا الملف». مشدداً على أن أعضاء لجنة العدل والمصالحة بالبرلمان، المعنية بدراسة المشروع، تعمل كي يرى القانون النور خلال الأشهر المقبلة، وهم منفتحون على استطلاع آراء الشرائح والتيارات السياسية والمجتمعية كافة بالبلاد، سواء من أنصار النظام السابق، أو المؤيدين للملكية الدستورية، أو زعامات قبلية.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب (رويترز)

وكان مجلس النواب قد ألغى قانون العزل السياسي عام 2015، الذي كان يحرم شخصيات عملت مع نظام الرئيس الراحل معمر القذافي من تولي مناصب عامة، كما أقر قانون العفو العام.

في المقابل، استبعد عضو مجلس النواب، علي التكبالي، «حدوث أي تقدم بهذا الملف الوطني مع تغير الجهات الراعية له».

وكان المجلس الرئاسي يرعى عملية المصالحة الوطنية، وظل يمهد لعقد مؤتمر جامع في سرت، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، لكن المؤتمر تعثر قبل أن يعقد متأثراً بتعقيدات الأزمة السياسية.

وقال التكبالي لـ«الشرق الأوسط» إن هناك وجوهاً معروفة منذ سنوات، من شيوخ وزعماء عشائر ونشطاء وسياسيين، «يتصدرون ملف المصالحة، ويدعون أنهم يمثلون قبائل ومناطق بالبلاد»، موضحاً أن هؤلاء «لا يمثلون إلا أنفسهم، وأنهم يتاجرون بالقضية لتحقيق مكاسب ومصالح خاصة».

ويرى التكبالي أن مَن وصفهم بـ«المتاجرين» يتصلون بالأفرقاء المتصارعين في ذات التوقيت، أي مع المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة» والبرلمان، والقيادة العامة للجيش الوطني، «أملاً في أن ترعى أي جهة مؤتمراتهم وجلساتهم العرفية، التي ينشدون بها الخطب والأشعار». وقال إنه «لم تحدث أي مصالحة حقيقة حتى الآن؛ وكل ما تم كان عبارة عن معالجات ضعيفة»، مطالباً بـ«وجود شفافية بالخطط والبرامج، التي تطرحها أي جهة تدعي رعاية المصالحة، ككيفية توفير الموارد المالية المطلوبة لتقديم التعويضات للمتضررين، ومن قِبَلها إقرار المذنب بخطئه».

وحذر التكبالي من أن غياب هذه الشفافية «كفيل بأن يرسخ بعقول الليبيين أن ما يحدث ليس سوى صراع بين الأجسام والمؤسسات على اقتناص الأموال، التي تخصص سنوياً لهذا الملف، فضلاً عن التباهي برعايته أمام الرأي العام الدولي».

وكان المجلس الرئاسي قد أعلن تشكيل مفوضية تعني بملف المصالحة الوطنية، أعقبها بالإفراج عن بعض رموز نظام معمر القذافي، وفي مقدمتهم نجله الساعدي.

المنفي أرجع بطء وتيرة مشروع المصالحة إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد (رويترز)

وفي كلمته أمام الدورة 79 لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أسبوعين، أرجع رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، بطء وتيرة مشروع المصالحة للتطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد. كما قال إن «بعض الأطراف السياسية تحاول عرقلة هذا الملف بكل السبل».

من جهته، قال أستاذ القانون العام بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا، الدكتور مجدي الشبعاني، لـ«الشرق الأوسط» إن تعثر ملف المصالحة هو جراء «تنازع أطراف عدة على إدارته وإقحامه في صراعاتهم السياسية».

وذهب الشبعاني إلى أنه «أمام عدم سيطرة أي من أفرقاء الأزمة وافتقاد الثقة بينهم، واختلاف مشاريعهم السياسية، لا يمكن لأي منهم امتلاك برنامج أو قانون قابل للتطبيق بشأن المصالحة»، مقترحاً أن يتم رعاية هذا الملف من قِبَل البعثة الأممية، وهيئة مدنية يتم اختيار أعضائها من أصحاب الخبرة. كما انتقد مؤتمرات المصالحة التي عقدت خلال العامين الماضيين داخل وخارج البلاد، عاداً أنها افتقدت إلى مشاركة «القوى الفاعلة على الأرض من قيادات الأجهزة المختلفة والكيانات المسلحة بعموم البلاد، وهو ما أدى إلى عدم تنفيذ الكثير من توصياتها».