مصر تُعزز حضورها بالساحل الأفريقي عبر بوابة النيجر

قدمت أسلحة ثقيلة ومدرعات لـ«مكافحة الإرهاب»

عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)
عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)
TT

مصر تُعزز حضورها بالساحل الأفريقي عبر بوابة النيجر

عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)
عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)

أعلنت النيجر تلقيها أسلحة ثقيلة ومدرعات من مصر لمعاونتها في «الحرب ضد الإرهاب»، بينما رأى خبراء أن ذلك يعدّ «تفعيلاً لدور مصر، في سياق التزامها الاستراتيجي بالتعاون مع قارة أفريقيا في مكافحة الإرهاب، خصوصاً منطقة الساحل».

ووفق وزارة الدفاع بالنيجر، فإن السلطات العسكرية النيجريّة في نيامي، أعلنت تسلمها 30 مركبة استطلاع مصفحة من طراز «بي آر دي إم - 2»، ونحو 20 قذيفة هاون ومدفعاً عيار «122 ملم»، وأكثر من ألفي مسدس آلي وبندقيّة هجومية من طراز «آي كاي 47»، فضلاً عن ذخيرة، من مصر. ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية»، (السبت)، عن وزير الدفاع النيجري القاسوم إنداتو، إشادته بـ«هذه اللفتة البالغة الأهمّية» من جانب مصر، التي «لا تزال تُظهر تضامنها» مع النيجر «في سياق أمني صعب جداً» في منطقة الساحل.

عناصر كوماندوس خلال تدريبات عسكرية في أوالام بالنيجر (رويترز)

وأشار إنداتو خلال حفل بحضور السفير المصري لدى النيجر، إلى أنّ مصر «تدرّب أيضاً قوّات خاصّة من الجيش النيجري».

ويعد أمن أفريقيا «التزاماً مصرياً استراتيجياً»، بحسب الخبير العسكري المصري اللواء حمدي بخيت، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «تفشي الإرهاب في أفريقيا، ومنطقة الساحل تحديداً، يشكل تهديداً للعالم كله»، لافتاً إلى أن الإمداد بالسلاح يعدّ «أحد أساليب الدعم المنطقية في إطار دور مصر الريادي في التعاون مع دول القارة في مكافحة الإرهاب، بما تملكه من إمكانات كبيرة في مجال تصنيع السلاح، علاوة على الكوادر والخبرات في مجال التدريب العسكري».

والعام الماضي، أقرّ البرلمان المصري إنشاء مقر خاص لمكافحة الإرهاب بين مصر وتجمع دول «الساحل والصحراء»؛ بهدف تعزيز القدرة على المواجهة الشاملة للإرهاب، ودعم السلم والأمن في أفريقيا.

وزير دفاع النيجر يتسلم في يناير الماضي طائرة عسكرية دعماً من الولايات المتحدة في الحرب على «داعش» (وزارة الدفاع النيجرية)

واستهدف الاتفاق الموقّع في القاهرة عام 2021، بدء تفعيل «مركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء»، بوصفه أحد أهم مكونات وآليات هذه الدول، في إطار جهود مصر لدعم قدرات الدول الأفريقية، وتأكيد الدور المصري المحوري في محيطها القاري. ونص الاتفاق على «تبادل معلومات بين مصر وهذه الدول، والتعاون في مجال التدريب، ووضع الخطط المشتركة المرتبطة بمكافحة الإرهاب».

والنيجر إحدى أفقر دول العالم، وتواجه على طول ستة من حدودها السبعة، عصابات مسلحة أو جماعات متشددة مثل «بوكو حرام» وتنظيم «داعش» في غرب أفريقيا، فضلاً عن جماعات متشددة أخرى مرتبطة بـ«القاعدة» وبتنظيم «داعش» في الصحراء الكبرى. وفي حربها ضد تمدد الجماعات الإرهابية، تحظى النيجر بدعم كثير من الدول الغربيّة، بينها فرنسا والولايات المتحدة. ويوجد نحو 1500 جندي فرنسي في البلاد.

وقال مسؤول السياسة الخارجيّة في الاتّحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خلال زيارة لنيامي، إنّ النيجر «ستكون أوّل دولة أفريقيّة» تستفيد من مساعدة أوروبّية لتجهيز قوّاتها بـ«معدّات قاتلة»، خصوصاً «ذخيرة متطوّرة للمروحيّات القتاليّة».

ووصفت أماني الطويل، الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، التعاون المصري المباشر مع جيوش دول منطقة الساحل بأنه «خطوة مهمة وجيدة، ومرشحة للتكرار مع دول أخرى في هذه المنطقة الهشة». ورأت الطويل أن الخطوة تعبر عن مسار استراتيجي مصري أصبح ثابتاً منذ عام 2013، وهو أن التهديد الإرهابي في دول الساحل يمثل تهديداً للأمن القومي المصري، حيث «الحدود الغربية والجنوبية الكبيرة للبلاد معرضة للتهديد الإرهابي الآخذ في التنامي».

جنود من جيش النيجر يركبون شاحنة صغيرة أثناء مرافقتهم نيجريين متجهين شمالاً (رويترز)

بدوره، رأى محمد الأمين ولد الداه، الخبير الموريتاني في شؤون الساحل الأفريقي أن التعاون المصري مع دول الساحل «سيكون مفيداً بما تمتلكه مصر من خبرة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب». ونوه في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المقاربة المصرية لمكافحة الإرهاب تميزها عمق العلاقات المصرية مع دول المنطقة، لا سيما النيجر، لكنها لا بد أن تتوازى مع تنسيق مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، كما يجب أن تترافق مع رؤية تنموية وتعاون اقتصادي مع جيرانها الأفارقة».



دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)
TT

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية»، وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل، ومطالبات بوقف إطلاق النار ضمن جهود القاهرة للعمل على تهدئة الأوضاع بالمنطقة.

الدعم المصري لبيروت، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، نابع من «اهتمام أصيل بأمن وسيادة لبنان، وضمن رؤيتها في عدم توسيع نطاق الحرب، ويأتي استمراراً لوقوفها الدائم بجانب الشعب اللبناني بجميع الأزمات على مر العقود»، وسط توقعات بـ«دور أكبر للقاهرة في إعمار جنوب لبنان بعد الدمار الإسرائيلي».

ومع تفاقم الضربات الإسرائيلية على لبنان رغم محادثات اتفاق الهدنة، واصل الموقف المصري مساره السياسي بخلاف الإنساني في تأكيد دعم بيروت، حيث بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، على هامش أعمال اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في إيطاليا «آخر التطورات بالنسبة لمفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان»، وفق بيان صحافي للخارجية المصرية، الثلاثاء.

وتمسك الوزير المصري بـ«ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن (1701) بعناصره كافة، وتمكين المؤسسات اللبنانية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، من بسط نفوذها بالجنوب اللبناني»، وهو الموقف الذي أكد عليه أيضاً في اجتماع آخر في روما مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب «تناول آخر التطورات المتعلقة بالأوضاع في لبنان، والمفاوضات الجارية للتوصل لوقف إطلاق النار»، وفق المصدر ذاته.

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره اللبناني خلال مشاركتهما في فعاليات منتدى «حوارات روما المتوسطية» (الخارجية المصرية)

وأكد الوزير المصري «حرص بلاده على استمرار تقديم الدعم للبنان الشقيق في ظل الظرف الحرج الراهن، الذي كان آخره تسليم شحنة جديدة من المساعدات الإغاثية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، تضمنت 21 طناً من المواد الغذائية، ومستلزمات الإعاشة اللازمة للتخفيف عن كاهل النازحين».

وفي تلك الزيارة، أجرى عبد العاطي 8 لقاءات ومحادثات، مع مسؤولين لبنانيين، على رأسهم، رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، حيث تم تناول «مجمل الاتصالات التي تقوم بها مصر مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، وتمكين الجيش اللبناني وعودته إلى الجنوب».

عبد العاطي خلال لقاء سابق مع قائد الجيش اللبناني ضمن زيارته لبيروت (الخارجية المصرية)

ويرى وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، أن الموقف المصري إزاء لبنان منذ التصعيد الإسرائيلي ومع حرب غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 «قوي ومتقدم ونابع من اهتمام أصيل بأمن وسيادة لبنان، وفكرة عدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة بالشكل العنيف الذي تقوم به إسرائيل».

ولم يكن الدعم المصري وفق العرابي على «الصعيد الإنساني فقط، لكن كان قوياً دبلوماسياً وسياسياً، وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كل المحافل يؤكد على موقف منحاز لسيادة وأمن لبنان، بخلاف اتصالات ولقاءات وزير الخارجية وأحدثها لقاء وزير خارجية لبنان في روما، وهذا يعبّر عن اهتمام واضح ومهم يُظهر لإسرائيل أن مصر رافضة توسعها في تهديد أمن المنطقة، ورافضة لأي مساس باستقرار لبنان».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ضمن زيارته الأخيرة لبيروت (الخارجية المصرية)

ويعد الموقف المصري المتواصل، وفق الكاتب السياسي اللبناني بشارة خير الله: «رسالة دعم مهمة في توقيت خطير يمر به لبنان»، مضيفاً: «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً وإغاثياً بارزاً في الوقوف بجانب لبنان، ونحن هنا في لبنان نعوّل على الدور المصري ونجاحه في تعزيز جسر المساعدات، والتوصل لوقف إطلاق نار».

ووفق خير الله، فإن «التحرك المصري المتواصل يأتي ضمن جهود عربية كبيرة مع لبنان»، لافتاً إلى أن «هذا الوقوف العربي مهم للغاية في ظل محنة لبنان الذي يدفع ثمناً كبيراً».

دور محوري

يتفق معهما، المحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب، الذي أكد أن «مصر لها دور محوري في لبنان والمنطقة، من حيث دعمها لترسيخ الاستقرار في لبنان والمنطقة، فضلاً عن وقوفها الدائم بجانب الشعب اللبناني بجميع الأزمات على مر العقود، حيث قدمت مساعدات عند حادثة انفجار بيروت (2020) وأيضاً عند انتشار فيروس (كورونا)، ودعمت لبنان ولا تزال، ومستمرة في تقديم الدعم منذ بداية الحرب».

وبالنسبة للموقف السياسي، فإن مصر «تدعم وقف إطلاق النار في لبنان من خلال تنفيذ القرار (1701)، وتضغط بكل ما لديها من قوة في العالم العربي والمجتمع الدولي من أجل إنقاذ لبنان ووقف العدوان»، وفق أبو زينب الذي أكد أن «التعاون والتنسيق بين البلدين تاريخي بحكم العلاقات التاريخية والوطيدة بين مصر ولبنان، والتواصل مستمر، وهناك زيارات دائمة على صعيد المسؤولين لتقديم الدعم للبنان في الظروف الصعبة قبل الحرب، وأثناء العدوان أيضاً».

وسبق أن زار وزير الخارجية المصري لبنان في 16 أغسطس (آب) الماضي، قبل التصعيد الإسرائيلي الأخير، والتقى آنذاك في بيروت عدداً من المسؤولين، بينهم رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، وسط تأكيده على إجراء اتصالات رئاسية ووزارية متواصلة لبحث التوصل لتهدئةٍ، لا سيما منذ تحويل جنوب لبنان إلى جبهة مساندة لغزة.

ووفق وزير الخارجية المصري الأسبق، فإن «تلك الخطوات المصرية تجاه لبنان نتاج علاقات تاريخية ومستقرة، أضيفت لها مساندة سياسية وإنسانية متواصلة، وستكون بعد وقف الحرب محل تقدير من حكومة وشعب لبنان»، متوقعاً أن يكون لمصر دور في إعمار جنوب لبنان بعد التخريب الإسرائيلي له، مع اهتمام بدعم جهود لبنان في حل الفراغ الرئاسي.

وتلك الجهود تأتي «ضمن رؤية الرئيس المصري، كون العمل العربي المشترك مهم من أجل إنقاذ المنطقة من التطرف الصهيوني، سواء في غزة أو حالياً في لبنان، خصوصاً أن الأوضاع الكارثية حالياً في غزة ولبنان تتطلب مزيداً من الجهد والتعاون والعمل، وهو ما نقوم به حالياً مع الأشقاء العرب»، وفق المحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب.

والوصول لاتفاق تهدئة في لبنان «سيشجع جهود الوساطة المصرية على إبرام هدنة في غزة»، وفق تقدير المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب.

عبد العاطي يلتقي رئيس مجلس النواب اللبناني ضمن زيارته الأخيرة لبيروت (الخارجية المصرية)

وكما سعت القاهرة في ملف لبنان، فإنها ستعزز جهودها في ملف غزة، خصوصاً أن «حماس» تؤيد اتفاق لبنان، ولن يرغب أي طرف فلسطيني في لوم «حزب الله» الذي دفع ثمناً كبيراً أبرزه مقتل غالبية قياداته، وفق الرقب.