ليبيون يشخِّصون أزمة بلادهم... ويتمسكون بـ«دمج الميليشيات»

دعوا لاستكمال المسار السياسي وتفعيل «المصالحة الوطنية»

احتفالية سابقة في طرابلس والدبيبة يتوسط المنفي والنائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي (منصة حكومتنا)
احتفالية سابقة في طرابلس والدبيبة يتوسط المنفي والنائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي (منصة حكومتنا)
TT

ليبيون يشخِّصون أزمة بلادهم... ويتمسكون بـ«دمج الميليشيات»

احتفالية سابقة في طرابلس والدبيبة يتوسط المنفي والنائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي (منصة حكومتنا)
احتفالية سابقة في طرابلس والدبيبة يتوسط المنفي والنائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي (منصة حكومتنا)

مع استطالة أمد الأزمة الليبية، وتعدد المبادرات الآملة في وضع نهاية لحالة الانقسام في البلد الغني بالنفط، تتباين آراء السياسيين حول مسارات «الخلاص»، مع تأكيد خبراء على ضرورة ترابط تلك المسارات في إطار شامل.

يشير المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، إلى تعقد الأزمة الليبية وتشابكها، منذ انهيار نظام القذافي عام 2011 الذي كان «مبنياً على شخص العقيد الراحل» وتوجيهاته «الملزمة»، وغياب المؤسسات الفاعلة والمستقلة. ويقول فركاش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن حل الأزمة يستدعي التركيز على 3 مسارات: المسار السياسي (الذي من المفترض أن يساهم في حل المختنق الدستوري، والذي بدوره سينعكس على ملف التوزيع العادل للثروة)، والمسار الأمني، بالإضافة إلى المصالحة الوطنية.

ومن بين محاولات عديدة من المبعوثين الأمميين للخروج بليبيا من المأزق الراهن، يرى المحلل الليبي أن الاتفاق السياسي، الموقع في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) 2015، في الصخيرات بالمغرب، برعاية المبعوث الأممي وقتها، مارتن كوبلر، كان بمثابة حل «لو تم تطبيق مخرجاته وفق ما نص عليه»، منتقداً ما يصفه بـ«نكوث بعض الأطراف الليبية عن الاتفاق»، ومحاولة استغلاله من البعض، لإقصاء أطراف أخرى، وتقاعس البعثة الأممية في بعض مراحلها، وأيضاً المجتمع الدولي، بشكل لم يخدم الهدف الذي جاء من أجله ذلك الاتفاق.

وبينما يركز المبعوث الأممي الحالي، عبد الله باتيلي، على المسارين السياسي والأمني، مع بدء خطوات إنجاز مصالحة وطنية، يقول فركاش، إن باتيلي «أهمل للأسف العنصر الدستوري في المسار السياسي، كسابقيه، وركز فقط على إخراج قاعدة دستورية للانتخابات، في محاولة لتجديد الشرعية السياسية، كما نصت خريطة الطريق، والنتيجة هي قاعدة دستورية مشوهة، وقوانين غير قابلة للتطبيق، وهذه ليست من أهداف باتيلي كما يصرح عادة في إحاطاته وبياناته».

من كل تلك المعطيات، يرى فرج فركاش أنه لكي تخرج ليبيا من أزمتها، لا بد من 3 مسارات: مسار سياسي يُخرج دستوراً توافقياً، ومسار أمني يضمن ضم وتسريح وإعادة دمج الميليشيات والكتائب المسلحة لتشكيل جيش ليبي موحد، يمثل كل الليبيين، ويضمن عدم تغوله على السلطة المدنية لإزالة أسباب انعدام الثقة الحالية، بالإضافة إلى مسار مصالحة وطنية شاملة، والاستفادة من تجارب الدول التي مرت بنزاعات داخلية، وانقسام، مثلما حدث في جنوب أفريقيا ورواندا.

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي (أرشيفية- أ.ف.ب)

الكاتب الصحافي الليبي، علي بن جابر، يرى أن الخروج من الأزمة الليبية «لن يتحقق إلا من خلال مسار سياسي؛ لأن السنوات الماضية أثبتت أنه من الصعوبة أن يحسم طرف واحد الصراع السياسي على السلطة لمصلحته، بسبب تعدد الآراء لدى الأطراف الليبية، والتدخل الخارجي الذي جعل لكل طرف ليبي مسانداً خارجياً». ويؤكد بن جابر أن المسار السياسي «يحتاج إلى مسار أمني يسبقه، من أجل توحيد الأجهزة الأمنية في كل البلاد، وتقليص عدد الميليشيات للحد الأدنى الذي يمكن مناقشة آلية دمجه بالمؤسسة العسكرية أو الشرطية». وأضاف أن الليبيين قادرون على الخروج من الأزمة، والوصول إلى الانتخابات «إذا ما تواصل المسار التفاوضي، مع إشراك كل القوى الموجودة على الأرض في الحوار... المصالحة في ليبيا نحتاجها بين الأطراف المتصارعة على السلطة، وليس بين الليبيين بشكل عام؛ لأنه لا خلاف بين المواطنين».

ويقول مفتاح سعد نويجي، مدير مركز التدريب بالجامعة الليبية الدولية للعلوم الطبية، إن الأمم المتحدة شرعت في حل الأزمة عبر مسارات ثلاثة: أمني، واقتصادي، وسياسي؛ لكن المسار الاقتصادي توقف، بينما تمضي محاولات العمل وفق المسار الأمني والسياسي.

ويرى الأكاديمي الليبي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ضرورة تفعيل المسارات الثلاثة، بما يضمن إشراك التيار الوطني المدني، من خلال الأحزاب والشخصيات الوطنية من النخب كافة، في جميع أنحاء ليبيا، في فريق جامع لتشكيل حكومة أزمة، للإعداد للانتخابات، وتوفير بيئة مناسبة لها.

وبينما استعرض المحلل السياسي محمد الأسمر، المسارات التي تم الاتفاق عليها لحل الأزمة بموجب مخرجات مؤتمر برلين (1)، في عام 2020، وهي: المسار الأمني، والاقتصادي، والسياسي، يقول إنه تم التركيز على المسار الأمني: «من دون أن يتم إنجازه حتى الآن». ويوضح الأسمر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه تم تشكيل لجنة «5+5» لهذا الغرض، ثم اتفقت على 12 بنداً، منها تثبيت وقف إطلاق النار كنقطة أولى، وخروج المرتزقة كافة من الأراضي الليبية، ثم تفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها تمهيداً لإعادة دمجها، وغير ذلك من التفاصيل التي تمهد لاستقرار نوعي، والذهاب إلى العملية السياسية. وفي عبارة قاطعة، يقرر الأسمر أن تلك المسارات «تمثل عملية مترابطة، وإذا لم يتم إنجازها، فلا أمل في وجود أي ملامح للاستقرار في ليبيا».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش السوداني استرداد مدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، أعلنت «قوات الدعم السريع» تنفيذ ما أسمتها «عملية نوعية» في منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال مدينة أم درمان، ودمّرت عدداً من الطائرات الحربية والمسيّرات والآليات، «واستهدفت خبراء أجانب تابعين للحرس الثوري الإيراني»، يعملون في المنطقة العسكرية المهمة، وذلك من دون تعليق من الجيش على ذلك.

وقال الناطق الرسمي باسم «قوات الدعم السريع»، في نشرة صحافية (الأحد)، إنها نفَّذت فجراً «عملية نوعية ناجحة، استهدفت منطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان، ودمَّرت خلالها عدداً من الطائرات الحربية من طراز (أنتنوف)، ومقاتلات من طراز (K8) صينية الصنع، وعدداً من المسيّرات والمعدات العسكرية في قاعدة وادي سيدنا الجوية بالمنطقة العسكرية».

ولم يصدر أي تعليق من الجيش على مزاعم «قوات الدعم السريع»، وسط ترحيبه الكبير باسترداده مدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، التي كانت قد فقدتها في يونيو (حزيران) الماضي... وعادة لا يشير كلا الطرفين، إلى خسائرهما في المعارك.

وتضم منطقة وادي سيدنا العسكرية التي تقع شمال مدينة أم درمان، أكبر قاعدة جوية عسكرية، وفيها المطار الحربي الرئيس، إلى جانب الكلية الحربية السودانية، وبعد اندلاع الحرب تحوَّلت إلى المركز العسكري الرئيس الذي يستخدمه الجيش ضد «قوات الدعم السريع».

وقال البيان: «إن العملية النوعية التي نفَّذتها القوات الخاصة التابعة للدعم السريع، تأتي تنفيذاً للخطة (ب)، التي أعلن عنها قائد القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) في آخر خطاباته الجماهيرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، عقب خسارة قواته منطقة جبل موية الاستراتيجية بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض.

وتوعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المقرات والمواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً في متناولها.

جندي من الجيش السوداني يقوم بدورية خارج مستشفى في أم درمان في 2 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ووعدت بحسب البيان، بأن تكون الحرب الحالية «آخر الحروب» في البلاد، وبإنهاء ما أسمتها «سيطرة الحركة الإسلامية الإرهابية على بلادنا»، و«إعادة بناء وتأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة عادلة، تحقق السلام والاستقرار والعدالة لجميع الفئات السودانية، التي عانت من ظلم واستبداد الدولة القديمة».

وعلى صفحته بمنصة «إكس»، قال مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، إن «خبراء أجانب يعملون مع الجيش في قاعدة وادي سيدنا الجوية، وإن معظمهم تابعون للحرس الثوري الإيراني، استهدفتهم العملية»، وإن ما أُطلق عليه «دك وتجفيف منابع الإرهاب» يعدّ من أولويات الخطة (ب) التي أعلن عنها حميدتي أخيراً.

وفي النيل الأبيض، اقتحمت «قوات الدعم السريع» المناطق الشمالية لمدينة الدويم، بولاية النيل الأبيض، وعند محور الأعوج وقرى المجمع، والسيال، واللقيد، وشمال الأعوج، التي لجأ إليها عددٌ كبيرٌ من الفارين من القتال، وأطلقت الرصاص؛ ما أدى لمقتل شخص واحد على الأقل، وإصابة آخرين.

جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أرشيفية - أ.ب)

واستنكر الناشط المتابع للأحداث محمد خليفة، وفقاً لحسابه على «فيسبوك»، الذي يتابعه مئات الآلاف، «عدم تصدي القوات المسلحة للقوات المهاجمة؛ دفاعاً عن المواطنين». وقال: «إن القرى والبلدات التي اقتحمتها (قوات الدعم السريع)، تبعد عن منطقة تمركز بنحو كيلومترين فقط...قوات الجيش لم تتحرك من مكانها، وقوات الميليشيا لا تزال في تلك المناطق المنتهكة».

وكان الجيش قد أعلن (السبت) استرداد مدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، من قبضة «الدعم السريع»، أسوة باسترداد المدن والبلدات الأخرى جنوب الولاية مثل الدندر، والسوكي. وقال القائد العام، الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي وصل إلى المدينة غداة استردادها، إن قواته عازمة على «تحرير كل شبر دنسه العملاء والخونة، ودحر الميليشيا الإرهابية التي تستهدف وحدة السودان».