هل تغيّر معركة قوات «الاحتياطي المركزي» مسار الحرب في الخرطوم؟

الجيش السوداني يقر بسيطرة «الدعم السريع» على رئاسة الشرطة

قوات «الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)
قوات «الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)
TT

هل تغيّر معركة قوات «الاحتياطي المركزي» مسار الحرب في الخرطوم؟

قوات «الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)
قوات «الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)

قتل ما لا يقل عن 14 شخصاً في معركة السيطرة على مقر رئاسة قوات «الاحتياطي المركزي» التابعة للشرطة في الخرطوم، وهي المعركة التي قد تغير سير المعارك التي تدور في السودان منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي. وبعد شهرين ونصف الشهر على بدء الحرب بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، أعلنت قوات الدعم السريع في بيان مساء الأحد، «الانتصار في معركة رئاسة الاحتياطي المركزي».

وأوضحت أنها استولت على رئاسة قوات الاحتياطي المركزي ومعسكر عوض خوجلي وعلى كميات كبيرة من المركبات والأسلحة والذخائر. كما أكد الجيش في بيان يوم الاثنين، أن «الميليشيا المتمردة استولت يوم الأحد، على أحد مقرات الشرطة السودانية بعد مهاجمته 3 أيام متواصلة». وتابع الجيش أن «مرافق الشرطة في جميع أنحاء العالم تعد مرافق خدمية لا علاقة لها بالعمليات العسكرية». ووصف الجيش أن ما حققته قوات الدعم السريع «ليس انتصاراً عسكرياً، بقدر ما هو هزيمة أخلاقية وتعدٍ سافر على مؤسسات الدولة».

مقر رئاسة قوات «الاحتياط المركزي» التي سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

ضابط متقاعد

غير أن ضابطاً متقاعداً في الجيش، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «سيطرة متمردي الدعم السريع على الاحتياطي المركزي إن استمرت، سيكون لها تأثير كبير على المعركة في الخرطوم». وتابع المصدر نفسه: «موقع رئاسة الاحتياطي في جنوب الخرطوم يجعله يتحكم في المدخل الجنوبي للعاصمة، كما أن (الدعم السريع) بوجودها في الاحتياطي ومعسكره الرئيسي في منطقة طيبة جنوب مقر الاحتياطي، وكذلك سيطرتها على مصنع اليرموك للصناعات العسكرية، أصبحت مهدداً رئيسياً لقيادة سلاح المدرعات في منطقة الشجرة، وهو إحدى أدوات تفوق الجيش».

وحتى إذا خسرت قوات الدعم السريع لاحقاً هذا الموقع الاستراتيجي، فإن أشرطة الفيديو التي بثتها أجهزة الدعاية التابعة لها تظهر رجالها يستولون على مخزونات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ما يجعلها قادرة على الاستمرار طويلاً في حرب الاستنزاف التي اندلعت في 15 أبريل (نيسان).

الخسائر

ولم تعلن قوات الدعم السريع منذ بداية النزاع عن أي حصيلة بخسائرها في المعارك العنيفة التي تستخدم فيها المدفعية، فيما تتعرض مواقعها لغارات الجيش الجوية. إلا أن مصدراً في الجيش قال إن قوات الدعم السريع «تجاوز عدد قتلاها 400» في المعركة للسيطرة على المقر.

وأسفرت المعارك منذ اندلاعها عن مقتل 2800 شخص، وفق منظمة «أكلد» غير الحكومية، كما نزح في الداخل أو لجأ إلى الدول المجاورة 2.5 مليون سوداني، وفق الأمم المتحدة. لكن يرجح أن تكون الحصيلة أعلى بكثير، لأن أياً من الطرفين المتحاربين لم يصدر بيانات رسمية حول خسائره، فيما لا تزال جثث كثيرة منتشرة في شوارع الخرطوم ومدن وقرى غرب دارفور، عند الحدود مع تشاد، حيث تدور مواجهات عنيفة.

والأحد، سجلت «14 حالة وفاة، بينها طفلان» في محيط مقر قوات الاحتياطي، على ما ذكر مكتب التوثيق للانتهاكات الذي يحاول تنظيم عمليات الإنقاذ والنقل إلى المستشفيات القليلة التي ما زالت في الخدمة بالمنطقة. وأضاف المصدر نفسه أن «عدد الإصابات بلغ 217، خضع منهم 147 للجراحة، وبلغ عدد الإصابات البليغة والحرجة 72».

جنود من الجيش السوداني في إحدى مناطق الارتكاز بالخرطوم الشهر الماضي (أ.ف.ب)

ولاية النيل الأزرق

وفي ولاية النيل الأزرق، هاجم متمردو قوات «الحركة الشعبية - شمال» بقيادة عبد العزيز الحلو، مدينة الكرمك الحدودية مع إثيوبيا، ودارت اشتباكات بينهم وبين الجيش، الأمر الذي أجبر المواطنين على الفرار إلى داخل الأراضي الإثيوبية. ولم يوقع الحلو على اتفاق السلام التاريخي الذي أبرم عام 2020 في مدينة جوبا، بين مجموعات التمرد المسلحة في السودان والحكومة المدنية الانتقالية، التي تولت السلطة عقب إطاحة الرئيس السابق عمر البشير.

وتتواصل المعارك أيضاً في مدينة نيالا، كبرى مدن جنوب إقليم دارفور، حيث قتل ما لا يقل عن 12 مدنياً يوم الأحد، وفق ما أفاد طبيب لفت إلى عدم إحصاء عدد كبير من الجرحى والقتلى، لأن المعارك تحول دون إمكان التنقل. وخلال الليل، أفاد سكان في نيالا بقصف مدفعي كثيف، وقال أحدهم لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «القذائف تسقط في منازل المدنيين».

انهيار المؤسسات الصحية

ومنذ بدء الحرب، بات ثلثا المستشفيات والمؤسسات الصحية خارج الخدمة بعدما تعرض بعضها للقصف، فيما احتل متحاربون البعض الآخر، أو أنها أصبحت عالقة وسط المعارك. أما تلك التي ما زالت في الخدمة، فعليها التكيف مع نقص حاد في الأدوية وانقطاع الكهرباء والمياه لفترات طويلة، فيما فر كثير من أفراد طواقم الرعاية الصحية أو قضوا في الحرب.

ويحمل كل يوم عدد جديد من الناس على النزوح هرباً من المعارك وأعمال العنف الجنسي والنهب المنتشرة. وبالمجمل، نزح 2.2 مليون سوداني داخل بلادهم، فيما لجأ نصف مليون آخرون إلى الدول المجاورة.


مقالات ذات صلة

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

خاص حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)   play-circle

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

أحيا سودانيون ذكرى 19 ديسمبر بـ«احتجاجات إسفيرية» عبر الفضاء الإلكتروني وعلى الأرض، بينما أعلنت «الدعم السريع» الاستيلاء على بلدة برنو قرب كادوقلي جنوب كردفان.

أحمد يونس (كمبالا)
تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

تمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية».

أحمد جمال (القاهرة )
تحليل إخباري محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

تحليل إخباري ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

أصدرت الرئاسة المصرية عقب زيارة البرهان للقاهرة بياناً تضمن خطوطاً حمراء للحرب في السودان، تنطلق من وحدة السودان ومؤسساته، ولوّحت بالدفاع المشترك لدعمه.

وجدان طلحة (بورتسودان)
خاص وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

خاص وزير الخارجية المصري لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»

حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، بمكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع بها القاهرة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا صورة فضائية تُظهر حريقاً في مستودع لخزانات الوقود بعد هجوم بطائرة مُسيَّرة شنَّته «قوات الدعم السريع» خارج بورتسودان (أ.ب) play-circle 00:32

الأمم المتحدة: مئات القتلى في هجوم «الدعم السريع» على مخيم بدارفور في أبريل

ذكر تقرير للأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من ألف مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» خلال أبريل (نيسان) الماضي، في مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
TT

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين في هذا البلد بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

وأشارت تيتيه خلال تقديم إحاطتها، أمس، أمام أعضاء مجلس الأمن، إلى أنَّ الجهود مع الجهات الليبية المعنية بخصوص تنفيذ «خريطة الطريق» تمثل «تحدياً كبيراً»، لا سيما لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات. كما أكدت أنَّ الجهود المتواصلة مع لجنتَي المناصب السيادية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة «لم تُفضِ حتى الآن إلى إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات». ورأت تيتيه أنَّ «التأخيرات دليل على انعدام الثقة بين المؤسستين».


سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

أحيا مدنيون سودانيون ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أسقطت نظام التيار الإسلامي، بوقفات احتجاجية في عدد من مدن البلاد، وإسفيرية (عبر الفضاء الإلكتروني/ الإنترنت)، طالبوا خلالها بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وفي غضون ذلك، أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على بلدة «برنو» القريبة من مدينة «كادوقلي» عاصمة ولاية جنوب كردفان، وعززت انتشارها في المنطقة التي كان الجيش قد استعاد سيطرته عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وفي وقت تضيق فيه الحرب المجال العام، أحيا ناشطون سودانيون ذكرى انطلاق ثورة ديسمبر، بدعوات لمواكب ووقفات احتجاجية، و«تظاهرات إسفيرية» على منصات التواصل، جددوا خلالها دعوتهم لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي. وعلى الأرض، تداول ناشطون وتنسيقيات مرتبطة بـ«لجان المقاومة» منشورات تعبئة وتوثيق رمزي للذكرى.

بوستر نشر على موقع «فيسبوك» احتفالاً بذكرى ثورة 19 ديسمبر

وفي مدينة أم درمان، فرقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مئات الشباب الذين تجمعوا في بعض ميادين المدينة، وهتفوا بشعارات ديسمبر «حرية وسلام وعدالة»، و«العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني.

وقال شاهد تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن العشرات من لجان المقاومة تجمعوا في «ميدان الخليفة» بوسط أم درمان، وهتفوا بشعار الثورة «سلمية... سلمية... حرية وسلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وإن الشرطة تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات، فيما طاردت الشرطة مجموعات أخرى بساحة «الأزهري» قرب جسر شمبات.

تظاهرات في بورتسودان

وفي بورتسودان خرج العشرات من المحتجين ورفعوا لافتات طالبوا فيها بوقف الحرب، فيما ألقت الشرطة القبض على عدد من المحتجين في ولاية القضارف طالبوا بوقف الحرب. وبالتوازي مع ذلك، حضرت الذكرى على الإنترنت، وروجت مجموعات وصفحات متعددة لـ«تظاهرة إسفيرية»، وسط دعوات للنشر بالوسوم والشعارات، تؤكد أن الحرب استهدفت مكتسبات الثورة، واعتبرت إحياء ذكراها، تجديداً للتمسك بخيار الدولة المدنية وعودة العسكر للثكنات.

واعتبرت الاحتجاجات تحدياً لحملات القمع والتخوين التي يشنها أنصار النظام السابق والإسلاميون، وقال نشطاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الوقفات الاحتجاجية المحدودة التي خرجت في بعض أنحاء البلاد، تعتبر تحدياً مباشراً لمناخ القمع والترهيب الذي يستهدف الرافضين للحرب والأصوات المدنية، وحملات التخوين والتنمر، والاتهامات بالتعاون مع «قوات الدعم السريع».

نموذج للدعوات للتظاهر والاحتجاج لإحياء ذكرى 19 ديسمبر

ويوافق يوم 19 ديسمبر تاريخ انطلاق موجة احتجاجات ديسمبر التي بدأت في 19 ديسمبر 2018 بمدينة عطبرة باحتجاجات طلابية على الغلاء وارتفاع أسعار الخبز، ثم تحولت لثورة شاملة في أنحاء البلاد كافة، انتهت بسقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وأصبحت بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ذكرى سنوية تستحضر مطالب السودانيين: «حرية، وسلام، وعدالة، الثورة خيار الشعب».

معارك كردفان

قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن قواتها حققت الجمعة، انتصارات ميدانية مهمة، في بلدة «برنو» التابعة لمحلية الريف الشمالي الشرقي بولاية جنوب كردفان، بعد معارك شرسة. وأوضحت أن الجيش هاجم مواقعها القريبة من بلدة «برنو» بالمدفعية الثقيلة والمدرعات، فتصدت له قواتها المرابطة قريباً من البلدة، وألحقت به هزيمة كبيرة، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ثم تقدمت وبسطت سيطرتها الكاملة على المنطقة ودخلت وسط «برنو»، وارتكزت في محيطها، معززة انتشارها وتأمين مواقعها الحيوية.

وتقع منطقة «برنو» بولاية جنوب كردفان السودانية، وهي منطقة زراعية مهمة تبعد عن عاصمة الولاية بنحو 30 كيلومتراً، وكان الجيش قد سيطر على البلدة بعد اشتباكات عنيفة مع «قوات الدعم السريع» وحليفته الحركة الشعبية - الشمال، 17 نوفمبر الماضي.

حصار مدن كردفان

وتحاصر «قوات الدعم السريع» وحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان تيار عبد العزيز الحلو، معظم مدن ولاية جنوب كردفان المهمة، بما فيها العاصمة «كادوقلي» والمدينة الثانية في الولاية «الدلنج»، فيما تسيطر الحركة الشعبية على منطقة «كاودا» جنوب شرقي العاصمة كادوقلي، وتبعد عنها بنحو 96 كيلومتراً في جهة الجنوب الشرقي.

ومنذ استيلاء «قوات الدعم السريع» على الفرقة 22 بابنوسة (ولاية غرب كردفان)، كثفت «قوات الدعم السريع» حصارها على ولاية جنوب كردفان، ودأبت على قصف مدنها الرئيسية المحاصرة، بالمدفعية الثقيلة والمسيّرات، خاصة مدينتي كادوقلي والدلنج، ويرد الجيش هو الآخر بقصف مدفعي وقصف المسيّرات على تمركزات «قوات الدعم السريع».

وخلال هذا الأسبوع، واصلت «قوات الدعم السريع» شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على عدة مدن وبلدات في ولايتي شمال وجنوب كردفان، خاصة مدن كادوقلي والدلنج والأبيض، لقي خلالها العشرات مصرعهم، من بينهم 6 من جنود قوات الأمم المتحدة في بعثة حفظ السلام «يونيسفا». وقصفت مسيّرات «الدعم السريع»، الخميس، مدينة «عطبرة» بشمال السودان، بأعداد كبيرة من المسيّرات الانتحارية، أودت بحياة خمسة أشخاص على الأقل، واستهدفت محطة الكهرباء بالمدينة، ما أدى لانقطاع التيار من عدد من ولايات البلاد.


القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)

أكد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، أن «زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى لبنان هدفها اقتصادي؛ لكنها تحمل في جعبتها هدفاً استراتيجياً وسياسياً يتعلق بدعم لبنان ورسالة بأن مصر شريك وحليف استراتيجي له، كما تؤكد وقوف القاهرة معه لحين حل كل أزماته، فضلاً عن أن الرؤية المصرية تنطلق من أن تعاون الجميع في حل الأزمات الاقتصادية، بالقطع سينعكس على القضايا الأخرى، ويخلق أجواء إيجابية تسمح بتقريب وجهات النظر حولها».

وشدد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، على أن «هناك تكليفات رئاسية واضحة للأجهزة المصرية والحكومة بتقديم كل سبل الدعم للأشقاء في لبنان، وتقديم الاستشارات اللازمة في كل الملفات، وهذا ينطلق من جهود القاهرة خلال الفترة الماضية، للعمل على حلحلة كل القضايا الساخنة في محيطها العربي وبمنطقة الشرق الأوسط، الذي يخلق ذرائع تدفع إلى تدخلات واعتداءات من جانب إسرائيل على وجه الخصوص، وبدعم من أميركا».

ونوه بأن «مصر في الملف اللبناني تحديداً تتمتع بقبول جميع الأطراف، وهو ما يعطيها ميزة للتحرك بقوة من أجل تحقيق الحلول التي تمنع تفجر الأوضاع، وهناك مؤشرات إيجابية ظهرت في كل المناقشات المصرية - اللبنانية على إمكانية تحقيق تقدم كبير في سياق الحل خلال الفترة المقبلة».

المصدر المصري شدد كذلك على أن القاهرة حريصة على أن «يكون الحل في لبنان نابعاً من توافق اللبنانيين أنفسهم، وبدعم مصري وعربي دون ضغوط أو تدخلات أطراف أخرى لها أغراض معروفة بالمنطقة».

وخلال اجتماعات عديدة عقدتها القاهرة على مستويات مختلفة مع مسؤولين لبنانيين منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طرحت القاهرة ما يُعرف بـ«المبادرة المصرية» لحل الأزمة اللبنانية - الإسرائيلية، وتهدف إلى تسوية شاملة للأزمة وتثبيت وقف إطلاق النار، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من 5 نقاط في جنوب لبنان، وفق بيانات رسمية سابقة.

وقال مدبولي في تصريحات إعلامية عقب لقائه رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، في بيروت، الجمعة، إن «الرئيس عبد الفتاح السيسي كلفه بالتوجه إلى لبنان، حاملاً رسالة تؤكد دعم مصر الكامل لشقيقتها دولة لبنان في مختلف المجالات الممكنة، في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها». وأوضح أنه «حرص خلال اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين على نقل موقف الرئيس السيسي الداعم سياسياً ولوجيستياً واقتصادياً، والتأكيد على استعداد مصر لتلبية كل ما يطلبه الأشقاء اللبنانيون خلال هذه المرحلة».

مدبولي أكد أن هناك توجيهاً من الرئيس المصري بدعم لبنان سياسياً واقتصادياً (مجلس الوزراء المصري)

وأشار مدبولي إلى أنه في ضوء توقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان، جرى استعراض خطط واضحة لإعادة إعمار جنوب لبنان، مؤكداً «استعداد مصر للمشاركة عبر شركاتها الوطنية لتقديم الدعم والخبرات الفنية واللوجيستية؛ سواء بشكل منفرد أو بالشراكة مع الشركات اللبنانية، وأن مصر تقف بجانب لبنان بشكل كامل، وتحرص على أمنه واستقراره وسلامة أراضيه، وتدعم مؤسسات الدولة اللبنانية لبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، ووقف أي ممارسات عدوانية تهدد أمن واستقرار البلاد».

وزير خارجية لبنان سابقاً، عدنان منصور قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر لما لها من ثقلها العربي والعالمي وتقدير الجميع لها سواء في لبنان أو خارجه، فإن جهودها حالياً للعمل على حلحلة الأزمة اللبنانية المتعلقة بسلاح (حزب الله) والذرائع التي تستغلها إسرائيل للعدوان على لبنان، هي جهود مقدرة من الجميع، وتوشك على تحقيق تقدم كبير في هذا الأمر وفق ما يرشح من معلومات في الداخل اللبناني».

فيما يرى الخبير في الشؤون اللبنانية، فتحي محمود، أن «الدور المصري في لبنان يكتسب أهميته من أنه يحظى بقبول كل الأطراف اللبنانية، ويحظى أيضاً بقبول الأطراف الإقليمية والدولية، وبدأت مصر تكثيف دورها في لبنان بزيارة رئيس المخابرات العامة، حسن رشاد، إلى بيروت يوم 28 أكتوبر الماضي، عقب زيارة قام بها إلى إسرائيل، والتقى خلالها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو».

وخلال زيارته إلى بيروت، طرح رشاد مجموعة من المقترحات والأفكار التي يمكن أن تشكل مبادرة إذا وافقت عليها كل الأطراف؛ منها «التفاهم على هدنة تمتد لأكثر من 3 أشهر، وإيجاد صيغة سياسية - أمنية برعاية دولية لمشكلة سلاح (حزب الله) شمال الليطاني، وإجراء ترسيم للحدود عبر لجنة (الميكانيزم) التي تراقب وقف إطلاق النار»، وقد استجاب لبنان لأحد المقترحات المصرية بتعيين شخصية دبلوماسية ممثلاً له في اللجنة؛ وهو السفير سيمون كرم، وفقاً لمحمود.

وأوضح محمود، وهو عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة التي واجهت هذا الدور، هي التعنت الإسرائيلي واستمرار الاعتداءات، وربط الوضع اللبناني بالملف الإيراني، وهو أمر يؤدى لإطالة أمد النزاع، ومن ثم جاءت زيارة رئيس الوزراء المصري إلى بيروت في إطار دعم التعاون الثنائي اقتصادياً لمحاولة إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، والتأكيد للجميع أن مصر لها مصالح مشتركة مع لبنان، مما يدفع جهود حل الأزمة قدماً».

مدبولي خلال لقاء مع رجال الاقتصاد والاستثمار في بيروت (مجلس الوزراء المصري)

أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، ليلى نقولا، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر حالياً لما لها من علاقات طيبة تتمتع بثقة جميع اللبنانيين، وكذلك بالأطراف المتشابكة مع لبنان، فهي بما حققته من زخم بنجاحها في تحقيق اتفاق السلام بغزة، تعمل حالياً على قيادة وتزعّم جهد عربي لحل الأزمة في لبنان، لأنها ترى أن أمن لبنان مرتبط بالوضع في فلسطين وغزة الذي يؤثر بالقطع على الأمن المصري».

وأشارت إلى أن «مصر قدمت أفكاراً تتعلق بنزع السلاح على مراحل، وفيما بعد يتم نزع كامل للسلاح في جنوب الليطاني، ويكون حصراً في يد الدولة والمراقبين الدوليين، بينما في شمال الليطاني يكون هناك جهود لتجميد أو ضبط السلاح، وبذلك حفظ ماء وجه (حزب الله) بأن السلاح لم ينزع منه بالقوة، بمعنى أن يكون نزع السلاح برضا الجميع، ومقابل ذلك تنسحب إسرائيل ويستعاد الأسرى، وأن تشارك الدول الخليجية والمانحة في إعادة إعمار المناطق المتضررة، بالإضافة إلى ترسيم الحدود بشكل كامل بين إسرائيل ولبنان لينتفي الاحتلال الذي يتم التذرع به للاحتفاظ بالسلاح».

وشددت نقولا على أنه «لا يمكن القول كما يتردد، إن مصر تنقل رسائل من أميركا وإسرائيل، فأميركا على وجه الخصوص ليست في حاجة لنقل رسائل عبر وسطاء، فهي لها مبعوثوها وممثلوها التي تنقل عبرهم مباشرة ما تريد، ولكن الجانب المصري له علاقات قوية بكل الأطراف ووزن كبير أيضاً، وبالتالي يستخدم ذلك في محاولة التوصل إلى صيغة تقرب وجهات النظر وتنتهي بالحل، كما تم التوصل إلى الاتفاق بالطريقة نفسها في غزة».