السودانيون «يتخوفون ممّا سيأتي بعد الهدنة»

الهدوء ساد المدن في اليوم الثاني لوقف إطلاق النار

انتهز الكثيرون أيام الهدنة لمغادرة الخرطوم (أ.ب)
انتهز الكثيرون أيام الهدنة لمغادرة الخرطوم (أ.ب)
TT

السودانيون «يتخوفون ممّا سيأتي بعد الهدنة»

انتهز الكثيرون أيام الهدنة لمغادرة الخرطوم (أ.ب)
انتهز الكثيرون أيام الهدنة لمغادرة الخرطوم (أ.ب)

سيطر الهدوء على مدن السودان في اليوم الثاني لوقف إطلاق النار، فيما عبَّر الكثير من السودانيين عن تخوفهم «ممّا سيأتي بعد الهدنة». وعادت الحياة شبه عادية يشوبها بعض الحذر في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم، وأكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أن الأوضاع هادئة في مناطقهم، بعد توقف الاشتباكات ودوي الانفجارات الهائلة التي كان يخلّفها قصف الطيران الحربي وأصوات المدافع والمضادات.

وقال أحمد فضل السيد، مقيم في مدينة أم درمان، إن «الهدوء يعمّ كل الأحياء في المنطقة، ويبدو أن هناك التزاماً كبيراً بالهدنة»، مضيفاً أن «الحركة عادية لكنها خفيفة، لأن أعداداً كبيرة من المواطنين غادروا بعد اشتداد المعارك». لكن فضل السيد يُبدي مخاوف من تجدد القتال بشكل أعنف بعد انتهاء الهدنة يوم الثلاثاء، كما حدث في المرة السابقة، حيث يعود القتال أعنف من ذي قبل.

واتفق طرفا القتال في السودان، الجيش و«قوات الدعم السريع»، مساء السبت الماضي، على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد لمدة 72 ساعة، بتيسير من دولتي الوساطة السعودية والولايات المتحدة.

سمح وقف إطلاق النار 3 أيام لسكان العاصمة بالخروج لشراء الطعام (أ.ف.ب)

بعثة الصليب الأحمر

وفي الأثناء، اتهمت «قوات الدعم السريع»، الجيش، بشن هجوم على قواتها في أثناء تحركها برفقة بعثة الصليب الأحمر الدولي لإجلاء 35 جريحاً من قوات الجيش إلى المستشفى العسكري في مدينة بحري، ما أسفر عن إصابة أحد الضباط المشرفين على عملية الإخلاء، وتعريض حياة أفراد البعثة للخطر.

وقالت في بيان (الاثنين)، إن «قوات الجيش أطلقت النار بكثافة على الوفدين في مشهد يخالف القانون الدولي الإنساني، ويعد انتهاكاً صارخاً لوقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية المعلنة». وأضاف البيان: «نضع المجتمع الدولي والإقليمي أمام مسؤولياته حيال هذا الهجوم البربري، الذي يؤكد وجود تعدد مراكز اتخاذ القرار داخل قيادة الجيش، على الرغم من الاتفاق والترتيب المسبق لعملية الإخلاء والتنسيق حول الإجراءات اللازمة كافة وتحديد موعد التنفيذ بعلم جميع الأطراف، بما في ذلك الوساطة السعودية الأميركية».

ويلزم اتفاق وقف إطلاق النار الطرفين بوقف الهجمات والقصف المدفعي والجوي، وعدم استخدام الطائرات المسيّرة أو تحريك القوات أو إعادة تمركزها وإمدادها للحصول على ميزة عسكرية في أثناء فترة وقف إطلاق النار. كما يركز الاتفاق على تيسير المساعدات الإنسانية وإعادة الخدمات الأساسية للمدنيين العالقين في مناطق الاقتتال بالعاصمة الخرطوم والولايات الأخرى.

اعتراض على قرارات «إيغاد»

وفي غضون ذلك قالت وزارة الخارجية السودانية إن وزير خارجية كينيا وجّه الدعوة إلى وزراء خارجية الآلية الرباعية التي كوّنتها منظمة «إيغاد» لعقد اجتماع بشأن النزاع في السودان. وأضافت في بيان: «تودّ وزارة الخارجية أن تفيد بعدم ترحيب واعتراض حكومة السودان على عقد هذا الاجتماع، وأن السودان غير معنيّ بمخرجاته، ولا يزال في انتظار رد من رئاسة منظمة التنمية الحكومية (إيغاد) بشأن اعتراضها على رئاسة كينيا للآلية ومواصلة جنوب السودان لرئاستها».

جنود من الجيش السوداني في إحدى مناطق الارتكاز بالخرطوم الشهر الماضي (أ.ف.ب)

وذكر البيان أن «تسرع الحكومة الكينية في معالجة هذا الملف، والتصريحات التي تصدر من مسؤوليها، واسترشادها بالمبادرات الدولية، لا تخدم مبدأ الحلول الأفريقية للمشكلات في أفريقيا». وأكدت رفضها القاطع اختزال الحكومة الكينية في توصيف الصراع في السودان بأنه بين «جنرالين»، ورأت في ذلك تسمية مخلّة بين مؤسسة القوات المسلحة السودانية والمجموعة المتمردة عليها «قوات الدعم السريع».

وأشارت إلى أن تعاطي الحكومة الكينية مع ملف الوساطة بهذه الطريقة يتنافى مع المبادئ الأساسية لمنظمة التنمية الأفريقية «إيغاد» في احترام سيادة الدول. وأبلغ رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، يوم الخميس الماضي، رئيس منظمة «إيغاد»، رئيس جيبوتي، إسماعيل جيلي، برفضه رئاسة كينيا للجنة الرباعية بشأن النزاع في بلاده، متهماً إياها بإيواء قيادات «قوات الدعم السريع» المتمردة. وتطالب الحكومة السودانية بالإبقاء على رئيس حكومة جمهورية جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، في رئاسة الآلية الرباعية التي تضم كلاً من كينيا، وجنوب السودان، وجيبوتي، وإثيوبيا.


مقالات ذات صلة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (رويترز)

المبعوث الأميركي للخرطوم: هناك حاجة إلى ممرات إنسانية وهدن في السودان

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، الثلاثاء، إن هناك حاجة إلى مزيد من المساعدات في البلاد فضلاً عن تسريع وصولها من خلال تنفيذ ممرات إنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

توغلت «قوات الدعم السريع» على نحو مفاجئ في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي السودان، وفرضت سيطرتها على بلدتي (جريوة ورورو) بمحلية التضامن، فيما استعاد الجيش بلدة اللنكدي بولاية سنار المجاورة.

وبثت عناصر من «قوات الدعم» مقاطع فيديو على منصة «إكس»، يؤكدون فيها وجودهم داخل المناطق التي تبعد نحو 70 كيلومتراً من مدينة الدمازين عاصمة الولاية، التي تضم مقر الفرقة الرابعة للجيش السوداني.

من آثار القصف في الفاشر (مواقع التواصل)

وكانت «قوات الدعم السريع» تقدمت في سبتمبر (أيلول) الماضي، وبسطت سيطرتها على بلدة رورو، إلا أنها انسحبت، وعادت أدراجها لتنضم إلى قواتها الرئيسية المتمركزة في الدالي والمزوم داخل ولاية سنار.

ومن جهة ثانية، أعلنت منصات إعلامية استعادة الجيش بلدة اللكندي التي تقع على بُعد نحو 60 كيلومتراً من عاصمة ولاية سنار سنجة.

وكانت قوات الجيش استعادت، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مدينتي الدندر والسوكي بسنار، بالإضافة إلى عدد من البلدات الصغيرة المحيطة بهما.

وتشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

وفي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد)، تبدد الهدوء بتجدد المواجهات بين الجيش والقوة المشتركة للفصائل المسلحة المتحالفة معه من جهة، و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى. وأفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط» بأن «قوات الدعم» قصفت بالمدفعية الثقيلة عدداً من الأحياء السكنية باتجاه قيادة الفرقة السادسة العسكرية.

الدمار الذي حل بمستشفى الفاشر في إقليم دارفور (صفحة حاكم الإقليم في «فيسبوك»)

وأضافت: «القصف جاء بعد أيام من حالة الهدوء التي شهدتها المدينة، وتراجع المواجهات البرية التي كانت تجري بين الأطراف المتحاربة».

وقالت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش بالفاشر إن المدينة تشهد حالة من الهدوء بنسبة 80 في المائة مقارنة بالأيام الماضية.

وبحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية، فإن «ميليشيات (الدعم السريع) قصفت عشوائياً عدداً من الأحياء المتفرقة»، دون وقوع أي أضرار بالمدينة.

وقالت الفرقة إن الطيران الحربي شن ثلاث غارات جوية «استهدفت معاقل العدو، وحققت نجاحات كبيرة، وتراجعت الميليشيات إلى شرق المدينة».

وأكد الجيش «أن الأوضاع تحت السيطرة، وأن قواته متقدمة في كل المحاور القتالية».

بدورها قالت القوة المشتركة للفصائل المسلحة إنها «أحبطت خلال الأيام الماضية هجمات عنيفة شنتها (قوات الدعم السريع) من عدة محاور على الفاشر»، في حين تقول مصادر محلية إن «(قوات الدعم السريع) توغلت وأحكمت سيطرتها على المستشفى الرئيسي بالمدينة. وتحاول التقدم إلى داخل الفاشر، بعد أن تمكنت خلال المعارك الماضية من التوغل في الأحياء الطرفية، ونصبت خنادق دفاعية على مسافة قريبة من قيادة الفرقة لكنها تجد مقاومة شديدة من الجيش وقوات الفصائل المسلحة».

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)

وقال مقيمون في الفاشر إن آلاف الأسر يواصلون النزوح من المدينة؛ بسبب القصف المدفعي والصاروخي العشوائي الذي يستهدف المناطق المأهولة بالمدنيين.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى مقتل وإصابة أكثر من 1000 شخص على الأقل في صفوف المدنيين في القتال الدائر بالمدينة منذ العام الماضي.

ووفقاً لحصر الأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني في السودان، فقد قُتِل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألفاً منذ اندلاع الصراع في أبريل (نيسان) 2023.