سكان الخرطوم يلجأون إلى المساجد للحصول على الطعام

الحرب أفقدت أعداداً لا بأس بها مصادر رزقهم وأملاكهم

سودانيون يعدون الطعام في أحد أحياء الخرطوم (أ.ب)
سودانيون يعدون الطعام في أحد أحياء الخرطوم (أ.ب)
TT

سكان الخرطوم يلجأون إلى المساجد للحصول على الطعام

سودانيون يعدون الطعام في أحد أحياء الخرطوم (أ.ب)
سودانيون يعدون الطعام في أحد أحياء الخرطوم (أ.ب)

مسجد الشيخ سرحان في منطقة الجريف شرق الخرطوم، التي يفصلها عن وسط العاصمة جسر المنشية، أصبح مقصداً لمواطني المنطقة لتناول الطعام الذي عجزوا عن توفير المال لإعداده. وبعض المواطنين يحملون وعاءً لأخذ الطعام إلى منازلهم، رغم آلام الحرب وأوجاعها التي أوصلتهم إلى هذه المرحلة. لكنهم ما زالوا أحياءً فوق الأرض، ولا تفارق الابتسامة وجوههم، لأنهم وسط أهلهم، واستندوا إليهم بعد أن عجزت الدولة عن صرف رواتبهم أكثر من شهرين، وتوقف التطبيقات البنكية، ووجد موظفون وعمال أنفسهم عاطلين عن العمل؛ فقد أفقدت الحرب الكثيرين مصادر رزقهم وأملاكهم.

ويعد مسجد الشيخ سرحان ضمن 5 مساجد يجري فيها إعداد الطعام بالوجبات الشعبية التي يحبها أغلب السودانيين، مثل الأرز والبليلة، ويعمل بعض الشباب في إعداد الطعام الذي يكفي لمئات المواطنين. وبعض الأسر اختارت طريقاً آخر لمساعدة المحتاجين، وتقوم بتجهيز الطعام في الشوارع، ويجري توزيعها على المواطنين. هذه الأفكار وغيرها وجدت قبولاً لدى كثير من السودانيين، وقرر مواطنون تطبيقها في ولايات أخرى شملتها الحرب. مواطنون يأتون من مناطق مجاورة لمنطقة الجريف (شرق) لتناول الطعام في مسجد الشيخ سرحان، وهذا الأمر جعل الخيرين الذين يقومون بتوفير المال للوجبات والمواد التموينية يتجهون إلى زيادة كمية الطعام.

 

مواطنون سودانيون ينتظرون الطعام في الخرطوم وسط النزاع (أ.ب)

فكرة المبادرة

بعض الخيرين الذين أسهموا في إعداد هذا الطعام قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن المبادرة جاءت من أحد الشباب وطرحها على اثنين من الخيرين ووافقا مباشرة، وبعد يومين ارتفع عدد المشاركين، لافتين إلى رغبة أبناء المنطقة الذين يعيشون خارج السودان في المساهمة عبر تحويل مبالغ مالية لتوسيع الوجبات أو توظيف المال لمشاريع أخرى تعود بالفائدة على أهلهم.

وقالوا: «نذهب إلى المسجد لتناول الطعام مع الفقراء في طبق واحد ليعلموا أن الحرب ساوت بين الغني والفقير مثلما يتساوى بنو آدم عند ولادتهم وعند مماتهم»، مشيرين إلى أن الباب مفتوح إلى كل من أراد المساهمة في هذا العمل الإنساني. وأضافوا أن «أصعب الأشياء أن يتعايش الإنسان مع فكرة الموت جوعاً، يحدث ذلك في بعض المناطق التي تحيط بها الحرب إحاطة الأسورة بالمعصم، ويصبح الحصول على قطعة خبز حلم يصعب تحقيقه، ولا أمل يلوح في الأفق».

ويتساءل مواطنون في المنطقة عن ذنب الأطفال الذين يبكون ويتنهدون من أجل قطعة خبز لا تثمن ولا تغني من جوع في بلد عرف إلى وقت قريب بأنه سلة غذاء العالم. ولماذا يحرم كبار السن مرتين... مرة في الحصول على الغذاء والثانية في الدواء؟ وقالوا لـ«الشرق الأوسط»: «لا نحتاج للحديث عن أهمية الأمن التي يعرفها الجميع».

سودان مصغر

بعض المناطق التي شملتها الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، مات فيها مواطنون جوعاً بعد أن استطالت الحرب، ودخلت شهرها الثالث، في وقت يقول فيه قائدا طرفي الحرب أمام عدسات الكاميرات إنهما متمسكان بإيقافها، لكن ممارساتهما على أرض المعركة تقول غير ذلك. ونقلت تقارير إعلامية أن الحرب التي بدأت في 15 أبريل (نيسان) تسببت في وفاة شقيقتين داخل منزلهما جوعاً.

منطقة الجريف (شرق) أصبحت عبارة عن سودان مصغر، تضم مواطنين من كل ولايات السودان، يعملون في مجالات مختلفة، ولكن بعد أن توقف عملهم فقدوا مصدر الرزق، وأصبحوا يعتمدون على تناول الطعام في المساجد. ويذكر أن مسجد الشيخ سرحان من المساجد العتيقة في المنطقة، الذي تقام فيه حلقات للعلوم الدينية، وبه خلوة لتعليم الأطفال في فترة عطلاتهم الصيفية من مدارسهم النظامية.


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)

اجتماعات «المائدة المستديرة» بين الفرقاء السودانيين في جنيف لوقف الحرب

للمرة الثالثة تستضيف مدينة جنيف السويسرية ما عرفت باجتماعات «المائدة المستديرة» بين القوى السياسية السودانية، تهدف لتقريب وجهات النظر بين أطراف الحرب لوقفها.

أحمد يونس (كمبالا )
شمال افريقيا امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

تأمل الجالية السودانية في مصر انفراجة في أزمة المدارس السودانية العاملة في البلاد، والمغلقة منذ نحو 3 أشهر لحين استيفائها الشروط المطلوبة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
TT

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، يوم الاثنين المقبل، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

وأعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن استضافة «مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة»، يوم 2 ديسمبر (كانون الأول)، وقال خلال مشاركته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا الاثنين: «المؤتمر سيبحث إجراءات تعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، حسب إفادة للخارجية المصرية.

وأعاد عبد العاطي التأكيد على محددات الموقف المصري تجاه التطورات الإقليمية، التي تتضمن «ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، ونفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق، فضلاً عن أهمية الانتقال لإيجاد أُفق سياسي لتنفيذ حل الدولتين».

وكشفت مصادر مصرية مطلعة أن «المؤتمر سيعقد على مستوى وزراء الخارجية»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحضور سيشمل تمثيلاً إقليمياً، من دول المنطقة، ودولياً، من المجتمع الدولي»، إلى جانب «تمثيل المؤسسات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها (الأونروا)».

وتجري القاهرة استعداداتها المكثفة لاستضافة المؤتمر، لضمان مشاركة واسعة فيه إقليمياً ودولياً، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن «مصر ما زالت تتلقى تأكيدات من الدول التي ستشارك»، وأوضحت أن «المؤتمر سيناقش الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للوضع في قطاع غزة»، وأن «دعم عمل وكالة (الأونروا)، سيكون من فعاليات المؤتمر».

ويعقد المؤتمر في ظل مطالبات عربية رسمية برفع القيود الإسرائيلية على مرور المساعدات لقطاع غزة، بعد قرار إسرائيل بحظر عمل أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويتوقف رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين، صلاح عبد العاطي، عند عقد المؤتمر بالتزامن مع الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، وقال إن «الفلسطينيين ينظرون بإيجابية لمؤتمر القاهرة الوزاري، أملاً في تحقيق اختراق لأزمة المساعدات الإنسانية، والتدخل لإنفاذ الدعم لسكان القطاع»، مشيراً إلى أن «استمرار الوضع الحالي، مع حلول موسم الشتاء، يفاقم من المعاناة الإنسانية للسكان بغزة».

وتحدث عبد العاطي عن الأهداف التي يأمل الفلسطينيون أن يحققها المؤتمر، ودعا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة أن يحقق المؤتمر استجابة إنسانية سريعة لسكان القطاع، كما حدث في التدخلات المصرية السابقة»، إلى جانب «ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي لفتح المعابر أمام المساعدات الإغاثية»، كما طالب بـ«تشكيل تحالف دولي إنساني لدعم الإغاثة الإنسانية لغزة».

وتقول الحكومة المصرية إنها قدمت نحو 80 في المائة من حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة، وفق تصريحات لوزير التموين المصري في شهر مايو (أيار) الماضي.

واستضافت القاهرة، في أكتوبر من العام الماضي، «قمة القاهرة للسلام»، بمشاركة دولية واسعة، بهدف «دفع جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار، والعمل على تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

وباعتقاد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، طارق فهمي، أن «مؤتمر القاهرة الوزاري يستهدف إعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية، مرة أخرى، في ضوء التطورات الإقليمية»، وقال إن «توقيت ومستوى التمثيل في المؤتمر، يقدمان رسائل تنبيه مبكرة لخطورة الوضع في القطاع، والمسار المستقبلي للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي».

وستتجاوز مناقشات المؤتمر حدود الدعم الإنساني والإغاثي لسكان قطاع غزة، وفقاً لفهمي، الذي قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «المؤتمر سياسي بالدرجة الأولى، ويستهدف استعراض الجهود المبذولة، خصوصاً من الدول العربية، لوقف الحرب في القطاع»، مشيراً إلى أن «المؤتمر سيسعى لصياغة مقاربات جديدة للتعاطي مع الأزمة في غزة، والقضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تولي إدارة دونالد ترمب مهامها الرسمية في أميركا».