خرج الآلاف من أنصار أحزاب المعارضة إلى شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط، مساء الخميس، رافعين لافتات ومرددين هتافات ترفض نتائج الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، التي نظمت يوم السبت 13 مايو (أيار) الحالي، وهي النتائج التي اكتسحتها أحزاب موالية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وفي حين تستعد البلاد للشوط الثاني من الانتخابات غداً (السبت)، تحاول المعارضة أن تضغط على السلطات عبر الشارع، لكنها في الوقت ذاته، تجري مشاورات مع وزارة الداخلية واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، كما التقى قادتها بالرئيس ولد الشيخ الغزواني.
وتبادل قادة المعارضة الظهور على منصة الخطابة أمام أنصارهم، في واحدة من كبرى ساحات العاصمة نواكشوط، وقال رئيس حزب اتحاد قوى التقدم (يسار تقدمي) محمد ولد مولود، إن الشعب الموريتاني «يعرف أن هذه الانتخابات مزورة، ولن يقبل بنتائجها»، مشيراً إلى أن «الطبقة السياسية عاكفة منذ 3 أعوام على التحضير لانتخابات كان من المفترض أن تكون أول انتخابات شفافة ونزيهة وذات مصداقية ومقنعة، بموجب الاتفاق الموقع في سبتمبر (أيلول) الماضي»، في إشارة إلى اتفاق سياسي موقع بين الأحزاب ووزارة الداخلية مهد لتنظيم الانتخابات.
وأضاف ولد مولود: «بينما كنا نعكف على التحضير لهذه الانتخابات، كان بعضكم يقول إن المعارضة لم تعد موجودة، فقط لأنها كانت تبحث عن انتخابات تمكن الشعب الموريتاني من أن يملك مصيره بيده، لكن في نهاية المطاف كانت الانتخابات غير مسبوقة في التزوير، وفي الاستهتار بالمواطن، وفي سرقة أصوات الشعب».
وحمل القيادي في المعارضة مسؤولية تزوير الانتخابات إلى «الدولة العميقة»، قائلاً: «من زوروا الانتخابات هم الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يقومون به في الماضي، إنها الدولة العميقة التي لا تزال متحكمة في كل شيء».
ودعت المعارضة إلى «محاكمة» المتورطين فيما قالت إنه «التزوير»، وقال ولد مولود إنه «تجب محاكمة هؤلاء الناس بسبب ما قاموا به من اعتداء على الأمن الوطني، لأن طرق التغيير اثنتان فقط: طريق الديمقراطية واحترام قواعد اللعبة والتناوب السلمي، ومن سد هذه الطريق فقد فتح باب الفوضى، والإضرار بمصالح الشعب الموريتاني»، وفق تعبيره.
ورغم أن المعارضة تبدو مجمعة على رفض نتائج الانتخابات، فإنها مليئة بالتناقضات الداخلية التي تطرح الأسئلة حول مدى قدرتها على البقاء على نفس مستوى الإجماع. وفي مقدمة هذه الأحزاب حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (إخوان)، وحزب اتحاد قوى التقدم (يساري تقدمي)، وحزب تكتل القوى الديمقراطية (اشتراكي)، وحزب الصواب (قومي بعثي)، وحزب التحالف الشعبي التقدمي (قومي ناصري)، وأخيراً حزب الجبهة الجمهورية للوحدة والديمقراطية (ليبرالي).
من جانبه، قال وزير العدل الموريتاني محمد محمود بن الشيخ عبد الله بن بيّه، في مؤتمر صحافي، مساء الأربعاء، إن بعض الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات تقدمت بطعون، وقد تلقينا كثيراً من الطعون في نتائج الانتخابات من مختلف الأطراف، وهي قيد الدراسة، وستقول الجهات المختصة الكلمة الفصل فيها، ولن يظلم أي أحد».
كما أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أن الباب مفتوح للطعن في نتائج الشوط الأول، مؤكدة مضيها قدماً في تنظيم الشوط الثاني من الانتخابات، إذ قال الناطق باسم اللجنة محمد تقي الله الأدهم، إن «كل شيء أصبح جاهزاً، وفرق اللجنة موجودة في المكاتب لتنظيم الشوط الثاني».
في غضون ذلك، أفرجت السلطات الموريتانية فجر اليوم (الجمعة)، عن النائب البرلماني والناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيد، بعد توقيفه لمدة يومين، إثر تصريحات تحدث فيها عن «حمل السلاح» لحماية أصوات الناخبين، في سياق الحديث عن رفضه نتائج الانتخابات، وهي التصريحات التي أثارت كثيراً من الجدل في البلاد.
وتعليقاً على هذه التصريحات، قال الوزير الناطق باسم الحكومة، سيد أحمد ولد محمد: «نحن نعتبر هذا كلاماً عابراً، ولن يترتب عليه أي شيء، ولكن أود أن أطمئن المواطنين في مختلف أنحاء الجمهورية، بأن رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة والحكومة يضمنان سلامة وأمن المواطنين في كل شبر من أراضي الجمهورية، وأنه لا أحد فوق القانون».
وتشكلُ هذه الانتخابات تحدياً كبيراً للسلطات الموريتانية، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الأمني، إذ إن البلاد شهدت أعمال عنف عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2019)، أدت إلى فرض حالة طوارئ، وقطع الإنترنت عن البلاد لمدة أسبوعين، وهي وضعية لا ترغب السلطات في تكرارها، خصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة بالمنطقة، وتحديداً في مالي المجاورة.