أطباء ليبيا يشكون تدني الرواتب و«كثرة المخاطر»

نقيبهم لـ«الشرق الأوسط»: أجور الاستشاريين تراجعت إلى النصف

أطباء بمركز بنغازي الطبي خلال إجراء عملية جراحية (الشرق الأوسط)
أطباء بمركز بنغازي الطبي خلال إجراء عملية جراحية (الشرق الأوسط)
TT

أطباء ليبيا يشكون تدني الرواتب و«كثرة المخاطر»

أطباء بمركز بنغازي الطبي خلال إجراء عملية جراحية (الشرق الأوسط)
أطباء بمركز بنغازي الطبي خلال إجراء عملية جراحية (الشرق الأوسط)

وسط تلويح باللجوء إلى خطوات احتجاجية أشد، قررت النقابة العامة لأطباء ليبيا، اختصام مسؤولي وزارتي الصحة والمالية في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، لدى النائب العام، الصديق الصور، ومجلس النواب برئاسة عقيلة صالح؛ بسبب قرار جدول الرواتب الموحد، الذي «يتضمن خفض رواتب الاختصاصيين والاستشاريين بنسب تصل إلى النصف»، بحسب نقابيين.

ويقول نقيب أطباء ليبيا، الدكتور محمد الغوج، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار النقابة جاء بعد اجتماع للنقابات للفرعية للأطباء في عموم ليبيا، شهدته مدينة مصراتة، قبل أيام، انتهى إلى اتخاذ تلك الإجراءات.

وأصدرت الحكومة، التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، قراراً باعتماد الجدول الموحد للرواتب، في يونيو (حزيران) الماضي، قبل أن يدخل حيز التنفيذ منذ أشهر، وهو ما قوبل برفض نقابة الأطباء التي خاضت مفاوضات مع وزارة الصحة مراراً «دون أن تحصل على نتائج ملموسة»، بحسب الغوج.

جوهر الأزمة يتلخص في تعامل جدول الرواتب الموحد مع شاغلي الوظائف الحكومية دون تمييز لأي مهنة، كما يقول نقيب الأطباء، حيث ألغى القرار كل العلاوات التي كان يحصل عليها الأطباء؛ ما أسفر عن تراجع رواتبهم.

وقفة احتجاجية للنقابة العامة لأطباء ليبيا في مارس 2023 (النقابة العامة لأطباء ليبيا)

ومع مطالبتهم بتنفيذ جدول رواتب يتفق مع مقترحاتهم بالإبقاء على المزايا الحالية، يقول الغوج، إنهم يطالبون بكفالة التأمين الصحي للأطباء، باعتبارهم الفئة التي تواجه مخاطر العدوى والأمراض بشكل مباشر، واعتبار من قضوا منهم خلال جائحة «كوفيد - 19» من «شهداء الواجب» بقرار حكومي، وصرف مستحقاتهم المتأخرة، وتوفير البيئة المناسبة للعمل، مشيراً إلى ما يصفه بـ«النقص الكبير والشديد في المعدات والأدوية والمستلزمات الطبية».

وشدد محمد الغوج على مطلب توفير فرص عمل للأطباء، موضحاً أن ليبيا بها أكثر من 15 كلية للطب، ولا توفر الدولة لخريجي تلك الكليات فرص عمل لأسباب راتبطة بالمركزية. وقال إن بعض المستشفيات بلا أطباء، بينما يوجد عدد كبير منهم في مستشفيات أخرى. ودعا إلى إرساء سياسات توظيف رشيدة، لتوزيع الأطباء على مستشفيات البلاد كافة، وتدريبهم، وتفعيل برامج للإيفاد إلى الخارج.

واستنكر المسؤول النقابي موقف وزارة الصحة بالحكومة، وقال إنها تتحرك من موقع رد الفعل على مبادرة الأطباء بالاحتجاج، مضيفاً أن دورها «يقتصر على الإعلان عن تكليف لجنة، أو إرسال خطاب إلى النقابة لامتصاص الغضب وتسكين الاحتجاج دون أي متابعة جدية». وذكر أن النقابة شاركت في اجتماعات مع الوزارة بسبب أزمة الرواتب منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتلقت وعداً وزارياً بإيجاد تسوية في شهر ديسمبر (كانون الأول)، دون تقديم أي حلول حتى هذه اللحظة، وفق تعبيره.

مستشفى طرابلس الجامعي (مواقع التواصل)

ورداً على سؤال حول خيارات الأطباء في تلك الأزمة، أجاب الغوج «إن لم تستجب الوزارة لمطالبنا، فسندرس في اجتماع الجمعية العمومية للنقابة، بعد ثلاثة أشهر، الخطوات التصعيدية القادمة، وقد تشمل الاعتصام، والإضراب عن العمل، أو تقديم استقالات جماعية».

وأشار إلى وجود برنامج للمعاش التقاعدي في ليبيا يمنح الموظف راتباً تقاعدياً بحساب متوسط راتبه الشهري في آخر ثلاث سنوات من العمل، مضيفاً أنه إذا رغب الاختصاصيون والاستشاريون في التقاعد، في ظل سريان جدول الرواتب الموحد موضوع الاحتجاج، فسيحصلون على راتب تقاعدي أكبر من راتبهم الراهن.

وفي مواجهة انتقادات بعمل الأطباء في أكثر من مكان، حكومي وخاص، قال نقيب الأطباء إن راتب الطبيب حديث التخرج يبلغ بالدينار الليبي ما يساوي نحو 150 دولاراً أميركياً، متسائلاً عن إمكانية «العيش براتب كهذا». وتابع «سيضطر إلى العمل في أكثر من مكان لتوفير لقمة العيش والحياة الكريمة، واللوم هنا ليس على الطبيب وإنما على الدولة، أما بالنسبة للاختصاصي والاستشاري، فإن راتبه في مستشفيات القطاع العام يبلغ نحو خمسمائة دولار، بينما تقدم مستشفيات خاصة رواتب قد تصل إلى خمسة آلاف دولار؛ ما يعني أن وجود هؤلاء في القطاع العام يعدّ خدمة للمواطن البسيط الذي لا يستطيع تحمل تكلفة العلاج الخاص».

وأضاف العوج، أن رواتب الأطباء في القطاع العام «ضعيفة جداً؛ مما يضطر الأطباء إلى البحث عن عمل في أكثر من مكان، وأحياناً أكثر من مهنة»، مشيراً إلى عمل بعضهم في مهن أخرى حتى يتمكنوا من العيش، مشدداً على أن الحل يكمن في منح رواتب مجزية بالقطاع العام.

وعلى الرغم من صدور قرار جدول الرواتب الموحد من حكومة «الوحدة الوطنية»، فإن وزير الصحة بحكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب، عثمان عبد الجليل، أصدر، قبل أيام، قراراً بتشكيل لجنة لدراسة مقترح بخصوص الأزمة الحالية، وهو ما وصفه نقيب الأطباء بـ«الخطوة الجيدة في سبيل الضغط على وزارة الصحة بحكومة طرابلس»، معرباً عن أمله في تسفر الخطوة عن رد فعل جيد من جانب حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة.

وفي السياق نفسه، يقول الأكاديمي الليبي سنوسي طاهر، إن ما يثار عن أزمة ملف الرواتب في ليبيا لا يخص الأطباء وحدهم، وإنما يشمل جميع العاملين في القطاع الحكومي، مشدداً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن جوهر هذه الأزمة متعلق بتكدس العاملين في القطاع الصحي، وفي غيره من القطاعات التابعة للدولة.

وأضاف طاهر، وهو طبيب تقاعد اختياريا منذ عام 2007 «لا يُعقل أن نجد عدد الممرضات في وحدة صحية صغيرة يبلغ نحو أربعين ممرضة، بينما يمكن تسيير عمل الوحدة بعشر ممرضات فقط، والأمر نفسه يسري على أطباء في قطاعات صحية مختلفة».

وذكر طاهر، وهو أيضاً نائب رئيس الجامعة الليبية الدولية، لشؤون الدراسات العليا والشؤون الأكاديمية، أن ليبيا شهدت سيولة كبيرة في التعيينات الحكومية بعد العام 2011. وقال إن رئيس إحدى البلديات «عيّن 22 ألف شخص في وظائف مختلفة بقرار واحد». وتابع «حين يلتزم الأطباء بدوامهم الرسمي، وحين نجد حلاً للتكدس الوظيفي الذي لا يؤدي خدمات حقيقية، فإن مخصصات الرواتب ستكون كافية لتلبية مطالب الأطباء».


مقالات ذات صلة

صحتك تساهم المكسرات والأسماك الدهنية والخضراوات والفواكه في رفع مستويات الكوليسترول الجيد (أرشيفية- جامعة ناغويا)

أفضل الوجبات الصحية للعام الجديد

خلص خبراء إلى أن أفضل وجبة غذائية لعام 2025، هي الوجبة «المتوسطية» التي ترتبط بالعادات الغذائية لسكان منطقة حوض المتوسط.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
يوميات الشرق سرطان الكبد من بين السرطانات الأكثر شيوعاً في العالم (جامعة ييل)

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

حذّرت دراسة أميركية من أن الإفراط في تناول الدهون والسكريات يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد، وذلك من خلال تدمير الحمض النووي في خلايا الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق شاي الكركديه يحتوي على نسبة عالية من مادة «البوليفينول» (غيتي)

مواد طبيعية قد تمنحك خصراً نحيفاً وقلباً صحياً وضغط دم منخفضاً

ثمة كلمة جديدة رائجة في مجال الصحة هي «البوليفينولات»، فبينما ظل العلماء يدرسون المركبات النباتية لسنوات، فقد جذب المصطلح الآن خيال الجمهور لسبب وجيه.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
TT

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

تبرَّأت «مفوضية العون الإنساني» التابعة للحكومة السودانية، من بيع المواد الإغاثية في الأسواق، مؤكدةً أنه «لا يوجد تسريب للمساعدات الإنسانية (من جهتها)، وأن تصرفات بعض المواطنين لا يمكن أن تُحسب عليها»

وتفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في الأسواق خلال الفترة الماضية، وأفاد سودانيون بأنهم شاهدوا في عدد من الولايات مواد غذائية مخصصة للمساعدات معروضة للبيع في الأسواق العامة، دون رقابة من السلطات.

لكنَّ مفوضة العون الإنساني، سلوى آدم بنيه، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «بيع مواطن لحصته من الإغاثة في السوق ليست مسؤوليتنا»، مشيرةً إلى أن «بعض المتلقين للمساعدات يضطرون إلى بيعها لشراء معونات أخرى يحتاجون إليها مثل دقيق حبوب الذرة والدخن».

وتَسبب الصراع الدائر بين الجيش و«قوات الدعم السريع» الذي تعدّه الأمم المتحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، في مقتل ما بين 20 ألفاً و150 ألف شخص، بالإضافة إلى إجبار نحو 11 مليون شخص على النزوح.

لجنة للمراجعة

وكشفت المسؤولة الحكومية عن «تشكيل لجنة مكونة من ممثلي عدد من المؤسسات ذات الصلة لمراجعة مخازن تابعة لبعض المنظمات لمعرفة ما يوجد بها من مواد إغاثة، ولماذا لم يتم توزيعها؟».

وأكدت أن «اللجنة ستقف على تنفيذ المشاريع الخاصة بالمنظمات، وسترفع تقريرها إلى المفوضية في غضون أسبوعين لاتخاذ الإجراءات تجاهها».

وقالت الأمم المتحدة، الاثنين، إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهراً من الحرب المدمرة.

جانب من مساعدات الإغاثة في السودان (الأمم المتحدة)

ووجهت الأمم المتحدة نداءً لجمع 4.2 مليار دولار لتوفير المساعدات لـ20.9 مليون شخص داخل السودان من إجمالي 30.4 مليون شخص قالت إنهم في حاجة إلى المساعدة فيما سمتها «أزمة إنسانية غير مسبوقة».

وفي سبتمبر (أيلول ) 2023 أصدر مجلس الوزراء قراراً بإقالة مفوض العون الإنساني، نجم الدين موسي، وكان ذلك بعد نشر تقارير إعلامية أشارت إلى «فساد كبير» في ملف الإغاثة.

وتفيد وسائل إعلام محلية سودانية برصد بيع مواد غذائية «بكميات كبيرة» في أسواق ولاية بورتسودان التي تعد العاصمة المؤقتة للبلاد، في حين يشكو ملايين النازحين في مراكز الإيواء بعدد من الولايات من نقص المساعدات.

ورغم وصول آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب في السودان أبريل (نيسان) 2023، فإن مئات الآلاف من النازحين في مراكز الإيواء بالولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني لم يتلقوا المعونات، ويعتمدون على توفير معاشهم من إمكانات ذاتية.

تسريب مُسبق

وقال ناشطون ومتطوعون في مجال العمل الإنساني لـ«الشرق الأوسط» إن «تسريب المساعدات الإنسانية قد يحدث مسبقاً قبل وصولها إلى مراكز الإيواء».

وشرح بعضهم أن «المواد الغذائية لا تصل إلى كل المحتاجين إليها بسبب تسريبها إلى الأسواق»، ورجحوا «تورط مسؤولين» في عملية التسريب تلك، من دون أن يحددوا أسماء.

لكن الناشطين أنفسهم أكدوا كذلك أن «بعض المواطنين يبيعون الفائض عن حاجتهم من المواد الغذائية في الأسواق»، وأفادوا بأنهم رصدوا «بعض تلك المواد في منازل لمواطنين».

لاجئون سودانيون فروا من العنف يتلقون المساعدات بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

وقال نشطاء آخرون في مدينة حلفا الجديدة شرق السودان، أنهم سألوا بعض أصحاب المحال التجارية عن مصدر البضائع (المصنَّفة مساعدات) التي تحصلوا عليها، لكنهم رفضوا الإفصاح عنها.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي وصلت أولى المساعدات الإنسانية إلى جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، للمرة الأولى بعد 21 شهراً من اندلاع الحرب في البلاد بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

وفي حين ترفض الحكومة السودانية الإقرار بحدوث مجاعة في البلاد، يشير أحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، إلى أن 24 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

ومنذ بداية الحرب، توجَّه اتهامات إلى طرفي الحرب بتعطيل المساعدات الإنسانية كجزء من استخدام «سلاح التجويع».