البرهان وحميدتي يأملان في حسم المعركة بـ«الضربة القاضية»

خبراء يحذرون من حرب استنزاف في السودان

TT

البرهان وحميدتي يأملان في حسم المعركة بـ«الضربة القاضية»

دبابة تابعة للجيش في أحد أحياء جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)
دبابة تابعة للجيش في أحد أحياء جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)

لم يسبق لطرفي الصراع في السودان أن خاضا حرب شوارع في العاصمة أو أي مدينة كبيرة، ولا يستطيع أحد منهما حسمها بالضربة القاضية عسكرياً كما يأملان، لذا فمن المتوقع أن تطول الحرب وتتحول إلى حرب استنزاف على الرغم من الهدن المتتالية المعلنة؛ لأن المعارك لا تتوقف في الخرطوم، ما قد دفع المتحاربين للتفاوض، وفق خبراء.

يبلغ عمر الجيش السوداني نحو 100 عام، فيما نشأت قوات «الدعم السريع» في عام 2013، إبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير. غير أن هذه القوات بقيادة نائب رئيس المجلس السيادي، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، نمت بسرعة خلال تلك السنوات القليلة بحيث أصبح البعض يراها جيشاً موازياً في القوة العسكرية للجيش النظامي. ولا يعلم أحد على وجه الدقة عدد وعتاد القوتين العسكريتين، غير أن المعروف أن «الدعم السريع» لا تملك قوة جوية، لذا فقد كان تحركها الأول في الصراع الحالي هو محاصرة القاعدة الجوية للجيش في مدينة مروي بشمال السودان، لكي تحيد سلاح الجوي التابع للجيش من ضرب معسكراتها في حالة وقوع صدام مسلح بين الطرفين.

وقال أندرياس كريغ من معهد «كينغز» للأبحاث في لندن لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «معركة الخرطوم ستتحوّل إلى حرب استنزاف». ويوضح أن الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» لديهما قدرات مختلفة، ولكل منهما مزاياه. ففي الخرطوم، لا يبدو أن هناك غلبة لأي من الفريقين، ولن يذهب أي منهما إلى التفاوض إلا إذا وجد نفسه لا يستطيع حسم المعركة بالضربة القاضية عسكرياً.

ويشير مركز «صوفان» للأبحاث إلى أنه «مع إجلاء العديد من الأجانب بالفعل واستعداد آخرين لمغادرة السودان، يُحتمل أن يكون الطرفان يتحضّران لصراع بلا هوادة من أجل السيطرة على البلاد». ويملك كلا الطرفين الأموال والمقاتلين لذلك. وسبق أن أرسلا قواتهما لمحاربة المتمردين في السودان، خلال حرب دارفور التي اندلعت عام 2003، وفي مناطق أخرى من السودان. أما الأسلحة، فبعد فترة حظر طويلة، تمكنَا من تنويع مصادرها.

محطة وقود محطمة في العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

السيطرة على الجو أم الأرض؟

ويعد الجيش السوداني السادس من حيث العدد في أفريقيا جنوب الصحراء، وفق مركزي «التوازن العسكري» والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. ويملك الجيش سلاحاً جوياً ما يسمح له بالسيطرة على الجو، بينما تقاتل قوات الدعم السريع على الأرض فقط.

ويقول عدد من الخبراء إن القوة الجوية لم تمنح الجيش السوداني إمكانية إطلاق «رصاصة الرحمة» القاضية على قوات «الدعم السريع» كما كان يأمل. فلكي تكون الضربات الجوية فعالة، «ينبغي أن تكون الأهداف محددة بدقة من خلال معلومات قوية على الأرض أو عبر الأقمار الاصطناعية، وهي أداة لا يملكها الجيش السوداني».

كما أن الجيش السوداني لا «يستطيع إلقاء قنابل بكثافة في أي مكان في الخرطوم، بسبب وجود مدنيين، فضلاً عن أن الطرفين لديهما قوات على الأرض»، وفق ما يوضح كريغ.

وتتمتع قوات «الدعم السريع» من جهتها بالقدرة على التحرّك السريع بعربات خفيفة في مدينة مساحتها أكثر من ألف كيلومتر مربع، وهي مقسمة إلى 3 مناطق بسبب مرور فرعي النيل، الأزرق والأبيض فيها، وهي: الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان.

وروى سكان أنهم رأوا قوات «الدعم السريع» تقيم نقاط تفتيش ومراكز لها في المنازل، كما رأوا قناصة فوق الأسطح. في المقابل، يؤكدون أن مواقع الجيش نادرة في الأحياء السكنية. ويؤكدون أنه «ليس هناك معركة واحدة من أجل السيطرة على الخرطوم، بل معارك عدة».

ويشير خبراء عسكريون إلى أن «السيطرة على أمدرمان، على سبيل المثال، لا تساعد بالضرورة على الاستيلاء على الخرطوم أو الخرطوم بحري»، إذ إن هذه المناطق منفصلة وتربطها ببعضها بعض الجسور الاستراتيجية. كما أن الأرض التي يمكن أن يكسبها أحد الطرفين قد يخسرها مرة أخرى في أي وقت.

ويؤكد كريغ أن الجيش يستطيع الوصول إلى أموال الدولة، بينما «الدعم السريع» يدير جزءاً كبيراً من مناجم الذهب في السودان الذي يعد ثالث أكبر منتج للمعدن الثمين في أفريقيا.

قائد الجيش الفريق البرهان (أ.ف.ب)

هيئة التصنيع العسكري

وينتج الجيش معظم احتياجاته العسكرية عن طريق «هيئة التصنيع العسكري»، بما في ذلك الذخائر بمختلف أحجامها، والمركبات المصفحة والراجمات، بل الطائرات. ونُقل عن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أن القوات المسلحة أصبحت تنتج طائرات مسيّرة (درونات) قتالية وتجسسية. كما يتسلح الجيش براجمات الصواريخ ودبابات روسية الصنع بشكل أساسي من طراز «T54»إلى «72T»، إضافة إلى مدرعات «بي تي آر» من 50 إلى 60، ومدرعات أخرى، إلى جانب صواريخ جو - جو من طرازات روسية، إضافة إلى آلاف قطع المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، وطائرات مقاتلة من طراز «ميغ» و«سوخوي»، وعدد من الطائرات السمتية وطائرات الهيليكوبتر. ويتراوح عدد الجيش السوداني القتالي بين 100 و150 ألفاً بين جندي وضابط. بيد أن ترتيبه بين جيوش العالم وفقاً لتقرير «غلوبال فاير باور» لعام 2023، تراجع من المركز 73 إلى المركز 75، وإلى المرتبة العاشرة بين الجيوش الأفريقية.

وبينما وصلت العلاقة بين جناحي المكون العسكري (الجيش والدعم السريع)، إلى مستوى غير مسبوق من التوتر تجلّى في اندلاع اشتباكات عنيفة وإطلاق كثيف للنار في الخرطوم منذ أمس، اتجهت الأنظار لمقارنة أوجه القوة بين الجانبين. وبحسب تقارير صادرة عن منظمات دولية، يبلغ عدد قوات الجيش في السودان نحو 205 آلاف جندي، بينهم 100 ألف قوات عاملة، و50 ألفاً قوات احتياطية، و55 ألفاً قوات شبه عسكرية. فيما تُصنّف القوات الجوية التابعة للجيش في المرتبة رقم 47 بين أضخم القوات الجوية في العالم، وتمتلك 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، و37 طائرة هجومية، و25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، و12 طائرة تدريب، وقوات برية تشمل قوة تضم 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالمياً، و6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالمياً، وقوة تضم 20 مدفعاً ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالمياً، وفق ما ذكر موقع «العربية». وتضم قوة مدافع مقطورة 389 مدفعاً، تجعل الجيش السوداني في المرتبة رقم 29 عالمياً، و40 راجمة صواريخ تجعله في المرتبة رقم 54 عالمياً في هذا السلاح.

الجيش بعد 1989

كذلك يمتلك الجيش أسطولاً حربياً، رغم أنه من غير المتوقع أن يؤثر ذلك في معارك المدن الحالية، يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالمياً، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار، وفقاً لموقع «غلوبال فاير بور». واعتبرته إحصائيات صدرت عام 2021، من أقوى وأكبر الجيوش في القرن الأفريقي.

يرجع تأسيس الجيش السوداني الحديث إلى ما عُرف بـ«قوة دفاع السودان» التي كانت تحت إمرة جيش الاحتلال البريطاني، وبعد استقلال البلاد في 1956، تكون الجيش الوطني بفرقة مشاة وفرقة بحرية وأخرى جوية، تحت اسم «الجيش السوداني». وخاض الجيش السوداني حروباً مديدة ضد القوات المتمردة في جنوب السودان وأقاليم النيل الأزرق وجنوب كردفان، أكسبته خبرة في حروب العصابات، لكنه تعرض لهزات عنيفة عقب استيلاء الإسلاميين على الحكم في البلاد عام 1989 ومحاولتهم «أسلمة الجيش»، وتحويل الحروب من حروب سياسية إلى حروب جهادية. وإزاء ذلك فقد عدداً كبيراً من قادته ذوي الخبرات الكبيرة والتجارب الثرية، بعد محاكمات وإعدامات وإحالات للعمل العام، وإحلال موالين للإسلاميين محلهم.

محمد دقلو حميدتي (أ.ف.ب)

قوات حديثة قوية

أما قوات «الدعم السريع»، حديثة التكوين، فقد قدر محللون عدد قواتها بنحو 100 ألف فرد، ولهم قواعد متعددة تنتشر في أنحاء البلاد. كما لها مقار وثكنات عسكرية داخل الخرطوم ومدن أخرى بالبلاد، وقد استولت على مقار تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ومقار تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول الذي كان يرأسه البشير، كما أنها تنتشر بشكل واضح في إقليم دارفور ومعظم ولايات السودان، إلى جانب مناطق حدودية مع دول الجوار الأفريقي.

وفي حين لا نعرف بالضبط نوعية التسليح والعتاد العسكري لتلك القوات، لكن الاستعراضات العسكرية التي تنظمها بين حين وآخر تظهر امتلاكها مدرعات خفيفة وأعداداً كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز «لاندكروز بك آب» مسلحة. وأيضاً تظهر تلك الاستعراضات أنواعاً مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وفي وقت سابق، نفت «الدعم السريع» شائعات راجت عن حصولها على أنظمة تجسس دقيقة ومسيرات متطورة، واتهمت جهات لم تسمها بالعمل على تشويه صورتها.

وتعد قوات «الدعم السريع» أحد التشكيلات للجيش السوداني، رغم تمتعها باستقلالية كبيرة، وهو ما ساهم في وقوع الصدام الحالي بينها وبين القوات المسلحة. في يوليو (تموز) من عام 2019، تم تعديل قانون قوات «الدعم السريع» بحذف مادة منه تلغي خضوعها لأحكام قانون القوات المسلحة، وهو ما عزز من استقلاليتها عن الجيش. وتُعرّف قوات الدعم السريع نفسها على أنها «قوات عسكرية قومية»، مشيرة إلى أنها تعمل بموجب «قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017».


مقالات ذات صلة

نزوح جديد لآلاف القرويين السودانيين إلى مدينة الرهد أبو دكنة بشمال كردفان

شمال افريقيا أطفال سودانيون في معسكر للنازحين بولاية جنوب كردفان (أرشيفية - رويترز)

نزوح جديد لآلاف القرويين السودانيين إلى مدينة الرهد أبو دكنة بشمال كردفان

إثر استرداد الجيش منطقة الرهد أبو دكنة، انتشرت قوات متفلتة من «الدعم السريع» في مناطق غرب المدينة، وهاجمت عشرات القرى والبلدات التي يسكنها مزارعون بسطاء.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

تنبعث رائحة كريهة من حفرة للصرف الصحي بحي دمّرته الحرب بالخرطوم، بينما ينهمك عناصر «الهلال الأحمر» في انتشال جثة منتفخة من تحت الأرض.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الدفاع المدني السوداني ينقلون جثثاً عثر عليها في بئر في الخرطوم (أ.ف.ب)

مقتل 6 مدنيين بقصف لـ «قوات الدعم السريع» في السودان

قُتل 6 مدنيين بينهم طفلان وجُرح 36 آخرون في قصف لـ«قوات الدعم السريع» على أم درمان شمال الخرطوم، بحسب ما أفاد مصدر طبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«الشرق الأوسط» (أم درمان)
شمال افريقيا زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

«حميدتي» يلمّح إلى تصعيد عسكري في السودان

خرج قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على الناس بعد انقطاع، وهو يرتدي عمامة القبائل الصحراوية المعروفة محلياً بـ«الكدمول»، وللمرة الأولى تخلي…

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جنود من الجيش السوداني شمال الخرطوم (رويترز)

الجيش السوداني يحرز تقدماً مهماً في وسط الخرطوم

يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مواجهات عنيفة، بعد حديث «حميدتي» عن أن قواته «لن تخرج من القصر الجمهوري ومنطقة المقرن، وستقاتل داخل الخرطوم حتى الانتصار».

محمد أمين ياسين (نيروبي)

تحطم طائرة عسكرية في منطقة أدرار بالجزائر ومقتل قائدها

صورة لحطام طائرة عسكرية جزائرية سقطت قرب مطار خارج العاصمة 11 أبريل 2018 (رويترز)
صورة لحطام طائرة عسكرية جزائرية سقطت قرب مطار خارج العاصمة 11 أبريل 2018 (رويترز)
TT

تحطم طائرة عسكرية في منطقة أدرار بالجزائر ومقتل قائدها

صورة لحطام طائرة عسكرية جزائرية سقطت قرب مطار خارج العاصمة 11 أبريل 2018 (رويترز)
صورة لحطام طائرة عسكرية جزائرية سقطت قرب مطار خارج العاصمة 11 أبريل 2018 (رويترز)

ذكرت قناة «النهار» التلفزيونية أن طائرة عسكرية جزائرية تحطمت، الأربعاء، في منطقة أدرار ما أدى إلى مقتل قائدها.

وأمر الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، بفتح تحقيق لمعرفة أسباب وملابسات الحادث.