اتصالات مُكثفة لبناء توافق عربي واسع بشأن سوريا والسودان

اجتماع طارئ لوزراء الخارجية في القاهرة الأحد

دخان يتصاعد وسط الاشتباكات في الخرطوم (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد وسط الاشتباكات في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

اتصالات مُكثفة لبناء توافق عربي واسع بشأن سوريا والسودان

دخان يتصاعد وسط الاشتباكات في الخرطوم (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد وسط الاشتباكات في الخرطوم (أ.ف.ب)

تسارعت وتيرة التحركات والاتصالات العربية خلال الساعات الأخيرة، استباقاً لاجتماعات طارئة تستضيفها الجامعة العربية، على مدى اليومين المقبلين، وتتركز المشاورات خلالهما على ملفي عودة سوريا إلى الجامعة العربية، والأزمة في السودان.

ويعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين اجتماعاً طارئاً (السبت)، فيما يستضيف مقر الجامعة بالقاهرة (الأحد)، اجتماعين غير عاديين على مستوى وزراء الخارجية.

تأتي الاجتماعات في أعقاب اجتماع خماسي تشاوري الأسبوع الماضي، ضم وزراء خارجية السعودية، ومصر، والأردن، والعراق، في العاصمة الأردنية عمان، إلى جانب وزير الخارجية السوري.

وأجرى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي تتولى بلاده حالياً الرئاسة الدورية لمجلس جامعة الدول العربية، اتصالات مكثفة خلال الساعات الماضية مع وزراء خارجية المملكة العربية السعودية، والسودان، والعراق، والجزائر، والأردن، وجيبوتي، وكينيا.

وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، في تصريحات صحافية (الخميس)، إن الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار التشاور وتنسيق المواقف، والإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب حول كلٍّ من السودان سوريا.

وكشف المتحدث عن أن الاتصال مع وزير خارجية كينيا جاء في إطار التشاور والتنسيق اتصالاً بالأزمة السودانية، خصوصاً فيما يتعلق بجهود وقف إطلاق النار وسبل تعزيز ودعم نفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الأشقاء فى السودان. كما تناول الاتصال أيضاً تنسيق جهود حل الأزمة فى الأطر العربية والأفريقية ومع تجمع «إيغاد» ودول جوار السودان.

كان وزير الخارجية المصري قد أجرى (الخميس) اتصالين هاتفيين مع كل من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، والفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات «الدعم السريع».

من جانبه، قال جمال رشدي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن «أطر الاجتماعات المكثفة بشأن الملف السوري تؤكد وجود حراك في هذا المسار، وأنه يتخذ مساره الطبيعي بعد المشاورات المكثفة التي جرت في عمان، بأن يُطرح الأمر على الدول العربية عبر اجتماع المجلس الوزاري».

وأضاف رشدي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «التوافق العربي هو الأساس عند اتخاذ قرار يتعلق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وأن اجتماعات وزراء الخارجية المقررة تأتي في سياق السعي لتحقيق هذا التوافق، الذي تتبلور من خلاله رؤية أكبر عدد ممكن من الدول العربية، مع احترام تحفظ دولة أو دولتين بشأن القرار».

كان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قد قال (الأربعاء)، في مقابلة مع قناة «الشرق»، إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية «قيد الدراسة إلى حد كبير وحتى قبل قمة الجامعة العربية، على مستوى القيادات التي ستعقد هذا الشهر في الرياض».

جدير بالذكر أن هناك اجتماعاً عقدته دول مجلس التعاون الخليجي في جدة في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وشاركت فيه مصر والعراق والأردن، لبحث مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حيث اتفق الوزراء في اجتماع جدة على أهمية تأدية دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة في سوريا.

وعقب الاجتماع بأيام، زار وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، دمشق، في أول زيارة رسمية سعودية لسوريا منذ 12 عاماً.

من جانبه، أكد الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية والعميد السابق لمعهد البحوث العربية، أن تحقيق التوافق داخل الجامعة العربية بشأن عودة سوريا «يعتمد على موازين القوى داخل الاجتماع»، مشيراً إلى أن تحقيق الإجماع في هذا الشأن «أمر مستبعَد».

وأضاف أحمد لـ«الشرق الأوسط» أن آلية التصويت في الجامعة العربية لا تتطلب الإجماع، وأنه يمكن أن تعود سوريا بنفس الطريقة التي تم بها تجميد عضويتها، لافتاً إلى أن «كثيراً من موانع وجود سوريا في الجامعة العربية قد زالت، سواء على مستوى علاقة النظام السوري بشعبه، أو بإيران، في ظل تحسنٍ للعلاقات العربية - الإيرانية في الآونة الأخيرة».

وكان وزراء الخارجية العرب قد علقوا عضوية سوريا في الجامعة بأغلبية 18 دولة، بعد اجتماع طارئ بالقاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 بعد نحو 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

وحول إمكانية وجود ضغوط أميركية بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أشار أحمد إلى أن الضغوط الأميركية «موجودة ومعروفة، لكنها لن تكون عقبة أمام القرار العربي».

وفيما يتعلق بالأزمة السودانية، أوضح جمال رشدي أن اجتماعات المندوبين ستحدد إلى مدى بعيد اتجاهات التحركات العربية في هذا الصدد، وأن اجتماع وزراء الخارجية «ربما يتضمن موقفاً عربياً أكثر تقدماً بشأن الأزمة».

ولفت إلى أن الجامعة العربية سارعت إلى التفاعل مع الأزمة، إذ عُقد اجتماع بناءً على دعوةٍ من كل مصر والسعودية على مستوى المندوبين الدائمين بعد يوم واحد فقط من اندلاع الاشتباكات في السودان، وشدد الاجتماع على أهمية الوقف الفوري لإطلاق النار، وتوفير الحماية الواجبة للمدنيين، وإعلاء المصلحة العليا للسودان.

في المقابل اكتفى الدكتور أحمد يوسف أحمد، بالقول إنه «لم يحن الوقت بعد لدور عربي فاعل في السودان، لأنه لا يوجد حتى الآن موقف عربي موحد بشأن الأزمة».


مقالات ذات صلة

الربيعة: السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإعادة الأمل للسودانيين

الخليج الربيعة يلقي كلمة السعودية في اجتماع بشأن الوضع الراهن للمساعدات الإنسانية بالسودان (واس)

الربيعة: السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإعادة الأمل للسودانيين

أكد الدكتور عبد الله الربيعة المشرف على «مركز الملك سلمان للإغاثة» أن السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإيجاد سبل لإعادة الأمل إلى شعب السودان منذ بداية أزمة بلادهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة play-circle 01:27

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

عاش سكان العاصمة السوداني الخرطوم شللاً مفاجئاً، فيما قال شهود ومصادر عسكرية إن الجيش السوداني شن قصفاً مدفعياً وجوياً في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الخميس.

محمد أمين ياسين (نيروبي) أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو أيام تحالفهما (أرشيفية)

البرهان: أدعم جهود إنهاء «احتلال» قوات «الدعم السريع» أراضي بالسودان

قال قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، اليوم (الخميس)، إنه يؤيد الجهود الرامية لإنهاء الحرب المدمرة في بلده.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا طفلة سودانية أمام أحد مستشفيات «أطباء بلا حدود» في السودان (رويترز)

معدلات موت «صادمة» بين الحوامل جنوب دارفور

دفعت الحرب السودانية المتواصلة معدلات الوفيات بين الحوامل وحديثي الولادة في جنوب دارفور إلى «معدلات صادمة»، وفق ما أفادت به منظمة «أطباء بلا حدود».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا مرضى سودانيون يعانون الكوليرا يتلقون العلاج يوم الأربعاء في ولاية البحر الأحمر شرق البلاد (أ.ف.ب)

السودان: غارات على «الدعم السريع»... ومطالبات بحظر الطيران

دوّت أصوات انفجارات، وتصاعدت ألسنة الدخان من مناطق عدة تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم، جرّاء غارات شنّها الطيران الحربي التابع للجيش،…

أحمد يونس (كمبالا)

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)

بينما تراوح مفاوضات الهدنة في قطاع غزة مكانها منذ عدة أسابيع، تزداد وتيرة الحرب المشتعلة في لبنان، وتتسارع نداءات إطفائها عبر مقترح أميركي - عربي - أوروبي بوقفها مؤقتاً لمدة 21 يوماً، وسط ربط لبناني للتهدئة بمسار الصفقة في غزة وإنهاء التصعيد بالمنطقة، غير أن ذلك قوبل برفض إسرائيلي، وتوعد بمزيد من الضربات بالجبهتين.

ووفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن حرب لبنان أثرت على جهود التهدئة في غزة عبر مسارين؛ الأول «إيجابي، وهو إعادة تسليط الضوء على أن مفتاح حل الأزمة في جبهة لبنان مرتبط بوقف إطلاق النار في غزة، والثاني يحمل بعداً سلبياً؛ إذ لا يجعلها في سلم أولويات التحركات الدولية التي تخشى من الوصول لحرب شاملة تكون إيران جزءاً منها».

ووسط تواصل القصف الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، منذ الاثنين الماضي، مخلفاً مئات القتلى وآلاف النازحين بلبنان، دعت الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وفرنسا، إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، كما عبرت عن دعمها لوقف لإطلاق النار في غزة، وفقاً لبيان مشترك للدول، أصدره البيت الأبيض، الأربعاء.

وفي أول تعقيب لبناني، رحب رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في تصريحات من نيويورك، بالبيان، مضيفاً: «تبقى العبرة في التطبيق بالتزام إسرائيل»، دون تعليق من «حزب الله»، وذلك غداة تأكيد رئيس البرلمان اللبناني المقرب من الحزب، نبيه برّي، لـ«الشرق الأوسط» أن المساعي الدولية تراعي عدم الفصل بين جبهة لبنان أو غزة.

في المقابل، نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، القبول به، مؤكداً أن الأخير أصدر تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال بكامل قوته في لبنان وغزة.

قطر إحدى الدول الداعية لوقف حرب لبنان، وإحدى دول الوساطة لوقف الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة، أكدت على لسان المتحدث باسم الخارجية، ماجد الأنصاري، عدم وجود رابط مباشر بين هذه المباحثات وتلك الهادفة إلى وقف التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني.

واستدرك الأنصاري، في مؤتمر صحافي بالدوحة، الخميس: «لكن من الواضح أن الوساطتين متداخلتان بشكل كبير عندما تتحدث عن الأطراف نفسها التي تشارك في الغالب في هذا المسار الدبلوماسي»، مضيفاً: «نعمل مع شركائنا لضمان وقف إطلاق النار الفوري في لبنان، كما نواصل جهودنا على المسار الآخر؛ المحادثات بشأن غزة».

تصاعد الدخان فوق جنوب لبنان في أعقاب غارة إسرائيلية وسط أعمال عدائية عبر الحدود بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية (رويترز)

وطالبت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صحافي، الخميس، بـ«وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان»، محذرة من أن ما تفعله إسرائيل قد يقود إلى «فوضى تعرض المنطقة لعواقب خطيرة».

الأكاديمي المصري المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يعتقد أن حرب لبنان أثرت سلباً وإيجاباً على جهود التهدئة في غزة، لافتاً إلى «أن التأثير السلبي يتمثل في أن الجميع يهتم بلبنان، ونظيره الإيجابي هو التسريبات الإعلامية بشأن اشتراط (حزب الله) حدوث التهدئة في الجبهتين: الفلسطينية واللبنانية».

أنور يرى «أن نتنياهو مستمر في خياراته، لكن الضغوط الأميركية والدولية قد تدفعه لقبول تهدئة مؤقتة في لبنان بشكل أولي قبل صفقة شاملة تشمل غزة».

ويرى الكاتب اللبناني والباحث في الشؤون الدولية، بشارة خير الله، أن التصعيد في لبنان «سرق الاهتمام من غزة»، والأولوية حالياً للتهدئة في الجنوب اللبناني. ووفق خير الله، مستشار الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، فإن نتنياهو سيتمسك بخطة فصل جبهتي غزة ولبنان عن بعضها البعض، بخلاف «حزب الله» أملاً في ضغوط أكبر على «حماس» لتزيد مكاسبه.

ويرجح المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، رفض نتنياهو أي تسوية والاستمرار في التصعيد كما فعل في غزة، مع الإقدام على عملية اجتياح محدودة بلبنان، من أجل شراء المزيد من الوقت لضمان البقاء في السلطة، وضمان انتهاء الانتخابات الأميركية على أمل فوز حليفه دونالد ترمب، بوصفه منحازاً إلى إسرائيل في العديد من الملفات.

فلسطينية في أثناء خروجها مع أطفالها في وقت سابق من مخيم جنين متجهة إلى مكان أكثر أماناً (إ.ب.أ)

وعقب الرفض الإسرائيلي، صدر بيان إماراتي - سعودي - قطري - أميركي - أوروبي - ياباني، يجدد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل. فيما تبذل واشنطن وشركاء، لم تسمهم، جهوداً للتوصل إلى «تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأكملها تغييراً جذرياً» بحسب ما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي»، من دون أن يقدم تفاصيل بشأنها، وسط مواصلة إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية.

ووفق العبادي، «فإن إيران تخلت على ما يبدو عن أعوانها في المنطقة لا سيما (حزب الله)، وتقدم مراوغات إعلامية فقط»، مستدركاً: «لكن من المهم استمرار تلك النداءات الدولية لوقف الحرب».

وقد يشكل استمرار النداءات الدولية ضغوطاً على نتنياهو لوقف الحرب بلبنان، وربما يمتد ذلك لغزة، بحسب أنور، الذي أضاف: «لا يزال الأمل موجوداً... وفي ظل سياسة حافة الهاوية، كل شيء وارد». فيما أكد خير الله أن إسرائيل تحاول «فك مبدأ ربط الساحات ببعضها»، وستنتقل من غزة بالكامل إلى لبنان والتفرغ له، متوقعاً أن تهدأ الحرب في غزة قبل أن تهدأ في لبنان.