بينما تسعى الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للسماح بإجلاء عناصر «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» مما تبقى من أنفاق في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ما زالت إسرائيل تتمسك بعدم الموافقة الصريحة والواضحة على ذلك، وسط تصعيد ميداني مستمر في خرقٍ واضح لاتفاق وقف إطلاق النار.
وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، الاثنين، إن أي قرار بشأن مقاتلي «حماس» المتحصنين في الأنفاق سيتخذ بالتعاون مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وجاء تعليق الحكومة، عقب لقاء جمع جاريد كوشنر صهر ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، ناقشا فيه، بحسب المتحدث، نزع سلاح «حماس» وإخلاء غزة من الأسلحة، وضمان عدم وجود دور للحركة في غزة مرة أخرى.
Prime Minister Benjamin Netanyahu is now meeting, at his office in Jerusalem, with special envoy and son in law of U.S. President Trump, @JaredKushner. pic.twitter.com/l1NYTDafOb
— Prime Minister of Israel (@IsraeliPM) November 10, 2025
وتأتي الضغوط الأميركية على وقع توافق ما بين إدارة دونالد ترمب والمسؤولين الأتراك، على أن تقوم «حماس» بتسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن الذي تم أسره في حرب عام 2014، مقابل ضمان خروجٍ آمن لعناصر «القسام» من أنفاق رفح التي اختطف منها وبقي فيها طوال هذه السنوات، في وقت أُطلق على عملية إخفاء معلومات بشأن مصيره طوال تلك السنوات اسم «الصندوق الأسود».
وتقول مصادر مطلعة من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن قيادات ميدانية من «القسام» كانت تعرف تماماً مكان وجود جثة غولدن؛ ولذلك لم يكن هناك مانعٌ من انتشالها وتسليمها مقابل أن يكون لذلك ثمن هو إخراج عناصر الكتائب المتبقّين في رفح.
وبينت المصادر أن «تركيا طرحت أن تتولى الوساطة بشكلٍ خاص عبر التواصل مع الإدارة الأميركية، للسماح لفريقٍ من (القسام) برفقة الصليب الأحمر بالدخول إلى رفح وانتشال جثمانه، بعدما قدّمت القيادات الميدانية إحداثيات حول المكان الذي تتواجد به الجثة، ونقلت تلك المعلومات للولايات المتحدة، التي بدورها ضغطت على إسرائيل للسماح بهذه الخطوة بعد أن تم تأجيلها مرتين».
ممر آمن عبر مصر
وأشارت المصادر إلى أن «تركيا إلى جانب بعض الدول الوسيطة وأطراف أخرى راقبت عملية الانتشال والفحص والتسليم بشكلٍ وثيق جداً على عكس عمليات تسليم أخرى»، موضحة أن الجانب التركي اقترح كذلك «بعد التنسيق مع قيادة الوفد الفلسطيني المفاوض، أن يتم إما إخراج عناصر (القسام) عبر ممر آمن من غير أسلحة إلى قطاع غزة، دون أن يتم التعرض إليهم من قبل إسرائيل، أو أن يخرجوا إلى الجانب المصري عبر ممرٍّ آمن ومنه يسمح لهم بالسفر لدولة ثالثة، ومنها تركيا التي لم تعارض أن يصلوا إليها».
مشيرةً إلى أن هذا الطرح نُقل إلى إسرائيل عبر الولايات المتحدة، وما زالت الاتصالات مستمرة، وأن عملية تسليم جثة هدار غولدن تمت بعد الحصول على ضماناتٍ واضحة من إدارة ترمب عبر تركيا بأن يتم التوصل لاتفاق بشأن خروج هؤلاء العناصر.
وتقول المصادر إن جميع الأطراف تريد سحب الذرائع التي يمكن أن تسمح لأي طرف بخرق وقف إطلاق النار؛ ولذلك «كان طوال الفترة الماضية هناك اتصالات كبيرة من أطراف عدة، ومنهم الوسطاء، من أجل التوصل إلى اتفاقٍ بشأن هؤلاء المقاومين، إلا أن إسرائيل ترفض كل الحلول».
انتزاع موافقة وتبدل مواقف
وبينما تقول مصادر إسرائيلية إن عدد العناصر التابعة لـ«حماس» في أنفاق رفح، وتحديداً في حي الجنينة شرق المدينة، يصل إلى 200، تقول مصادر متطابقة من الحركة إن عددهم أقل وقد لا يتجاوزون المائة، خاصةً أن أعداداً منهم قد قُتلت أو توفيت بظروفٍ مختلفة إما بسبب القصف المستمر من قبل إسرائيل أو بسبب ظروف الجوع والأوضاع التي كانوا يعيشونها.
ولفتراتٍ عدة في الأيام الأخيرة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لانتزاع موافقة من المجلس الوزاري المصغّر «الكابينت» لأن يتم إبعادهم مقابل استعادة جثة الضابط هدار غولدن، لكن الغالبية كانت ترفض ذلك بما فيها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الذي أيّد فكرة إما قتلهم أو إجبارهم على الاستسلام ونقلهم للتحقيق في «سدي تيمان»، وهو ما اعتُبر تغيّراً في موقفٍ سابقٍ له كان يشير إلى إمكانية السماح لهم بالمغادرة مقابل استعادة جثة الضابط غولدن.

وحمّلت «كتائب القسام»، في بيان قبل أيام، إسرائيل المسؤولية الكاملة عن «الالتحام» مع عناصرها في رفح، والتي قالت إنهم «يدافعون عن أنفسهم داخل منطقةٍ خاضعة لسيطرته، وليعلم العدو أنه لا يوجد في قاموس (كتائب القسام) مبدأ الاستسلام وتسليم النفس للعدو». وفق نص بيانها.
الخروقات مستمرة
ميدانياً استمرت الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي باتت تتسبب بشكلٍ شبه يومي بوقوع قتلى وإصابات في صفوف الفلسطينيين.
وقُتل فلسطينيان في غارة جوية إسرائيلية استهدفتهما في بلدة عبسان شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة، وتم انتشالهما من قبل طواقم طبية سمحت لهم القوات الإسرائيلية بالوصول للمكان لانتشالهما، فيما تم انتشال جثماني آخرين قُتلا الأحد.
وتقول مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن «غالبية من تقتلهم القوات الإسرائيلية هم من المدنيين الذين يحاولون إما الوصول لتفقد ما تبقى من بيوتهم في حال لم تُدمّر، أو يحاول بعضهم الوصول لجمع الحطب أو جلب ملابس أو غيرها من الاحتياجات الماسة بالنسبة لهم».

وشنت طائرات حربية إسرائيلية، منتصف ليل الأحد - الاثنين، غاراتٍ جويةً عنيفة شرقي خان يونس ومدينة غزة، وتحديداً في المناطق المصنّفة أنها خلف الخط الأصفر، والتي يُعتقد أنها تطول أنفاقاً في تلك المناطق لم تُدمّر بعد.
كما قصفت المدفعية الإسرائيلية مناطق متفرقة من القطاع، في وقتٍ أطلقت آليات ومسيّرات إسرائيلية النار تجاه مناطق حدودية عدة واقعة غرب الخط الأصفر.
وحسب إحصائية وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن فلسطينيين قُتلا، وثالثاً انتشل جثمانه إثر قصفٍ سابق، وذلك خلال آخر 24 ساعة (دون أن يشمل ذلك القتيلين الجديدين)، ما يرفع حصيلة الضحايا منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى 242، و622 مصاباً، فيما تم انتشال 529 آخرين من أماكن قُصفت سابقاً.
وبينت أن حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023 ارتفعت إلى 69,179 قتيلاً، و170,693 إصابة.
وأعلنت الوزارة أنها تسلمت 15 جثماناً سلّمتهم إسرائيل لفلسطينيين احتجزت جثامينهم سابقاً خلال الحرب الحالية، ليرتفع إجمالي ما تم تسليمهم إلى 315، تم التعرف على 91 منهم، وتم دفن 182 من أصحاب الجثامين المجهولة، بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك.
