ترحيب لبنانيّ وارتياح دوليّ لمبادرة عون التفاوضية مع إسرائيل

تستند إلى تجربة ترسيم البحر... وتلاقي التوجهات العربية

الرئيس اللبناني جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)
TT

ترحيب لبنانيّ وارتياح دوليّ لمبادرة عون التفاوضية مع إسرائيل

الرئيس اللبناني جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

تلقّف المستوى السياسي اللبناني مبادرة رئيس الجمهورية جوزيف عون للتفاوض مع إسرائيل، بإيجابية، في مسعى لتحريك الجمود في الوضع الميداني القائم، ولم تثر المبادرة غضب «حزب الله» الذي بدا هادئاً في التعامل معها، مشترطاً في الوقت نفسه مفاوضات غير مباشرة، وهي شكل من التفاوض لم يطرحه عون الذي يستند في مقاربته إلى تجربة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية قبل ثلاث سنوات.

وبدا طرح عون، بمثابة مبادرة سياسية يُراد منها إخراج الوضع اللبناني من المراوحة، في ظل تأزم ميداني يتضاعف يومياً، إثر انتقال إسرائيل إلى مرحلة استهداف المنشآت المدنية والمؤسسات الصناعية والتجارية، ومضيّها في منع عودة مظاهر الحياة إلى المنطقة الحدودية، واستهداف العائدين وممتلكاتهم، وتعنّتها في مسألة رفض الانسحاب من النقاط المحتلة، فيما يمنع هذا الاحتلال الجيش اللبناني من استكمال انتشاره في جنوب الليطاني، وتنفيذ حصرية السلاح بالكامل في المنطقة، تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.

الواقع الميداني ومفاوضات غزة

وتقول مصادر مطلعة على موقف عون لـ«الشرق الأوسط»، إن طروحات عون الأخيرة، تستند إلى واقعين، أولهما أن الواقع الميداني لا يزال أسير المراوحة، في وقت يتصدر الحل الدبلوماسي الخيارات المطروحة لإنهاء أزمة الجنوب والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، بالنظر إلى أن خيار الحرب لإنهاء التأزمة «شبه معدوم». كما يستند إلى تجربة التفاوض لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتلتقي مع الرؤية العربية لحل النزاعات، في وقت تتصدر التسويات، خيارات المنطقة لحل القضايا العالقة، وهي خيارات تحظى بمباركة عربية ودولية.

خلال استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره اللبناني جوزيف عون بقصر الإليزيه يوم 28 مارس 2025 (أرشيفية - رويترز)

وكان عون قد أكد أنه «لا يمكن أن نكون خارج المسار القائم في المنطقة، وهو مسار تسوية الأزمات، بل لا بد من أن نكون ضمنه؛ إذ لم يعد في الإمكان تحمُّل مزيد من الحرب والدمار والقتل والتهجير». وأضاف خلال لقائه بصحافيين مطلع الأسبوع: «اليوم الجو العام هو جو تسويات، ولا بد من التفاوض... أما شكل هذا التفاوض فيحدَّد في حينه».

احتمالات الحرب شبه معدومة

وقال مصدر وزاري مواكب لمبادرة عون، إن الرئيس اللبناني يرى أن كل المواجهات يفترض أن تنتهي بأحد حلين، إما انتصار طرف وهزيمة آخر عسكرياً، وإما الحل الدبلوماسي القائم على التفاوض والحوار الذي يفترض أن ينتهي باتفاق.

مضيفاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الحرب «ليس بالوارد أن توصل إلى نتيجة، وباتت احتمالات الحرب أصلاً شبه معدومة، مما يحصر الخيارات بالتفاوض». وشدد المصدر على أن عون «لم يتحدث عن اتفاقية سلام أو تطبيع، بل عن تفاوض لم يحدد شكله، بغرض التوصل إلى حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، ويثبت النقاط الحدودية البرية، ويزيل الخروقات الإسرائيلية على الحدود، ويحل أزمة المناطق المحتلة العالقة منذ 2006» في إشارة إلى شطر قرية الغجر وسائر نقاط النزاع الحدودي.

جوزيف عون يتوسط رئيسَي الحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ترسيم الحدود البحرية

ومع أن عون لم يحدد شكل التفاوض، فإن تجربة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بين عامي 2020 و2022، برعاية الأمم المتحدة وتحت علمها، وبوساطة أميركية، تقع في خلفية الطرح. ويقول المصدر الوزاري إن تلك تجربة «أثمرت نتائج مهمة» على صعيد حل نزاع حدودي، كما أن قوة الاتفاق، كانت أكبر من أن يُخرق في حرب امتدت لـ13 شهراً بين إسرائيل و«حزب الله»، حيث «صَمَدَ الاتفاق رغم توسع الحرب وقصف بيروت والضاحية وتل أبيب وحيفا، فلم يستهدف الحزب المنشآت البحرية الإسرائيلية، كما لم يُسجل احتلال إسرائيلي للمياه الإقليمية اللبنانية»، في إشارة إلى أن الدخول البحري الإسرائيلي لم يتعدّ مسألة الخروقات للمياه اللبنانية، إسوة بالخروقات البرية والجوية.

لا تفاوض تحت النار

وطرح عون مبادرته على رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام خلال اليومين الماضيين، وأوضح في تلك اللقاءات أن المبادرة الساعية إلى اختراق الجمود القائم، ووضع حدّ للاعتداءات الإسرائيلية، تشترط «عدم التفاوض تحت النار»، بمعنى أن هناك اتفاقاً لوقف الأعمال العدائية لا تحترمه إسرائيل ولا تنفذه، وفي المقابل، «لا يمكن للبنان أن يتفاوض بظل الاحتلال وتحت الضغط الناري والاعتداءات العسكرية والأمنية»، حسبما تقول مصادر مواكبة للحراك، وبالتالي، «على إسرائيل أن تزيل عوامل التفجير، وتتم تهيئة الأجواء لمفاوضات جدية تنهي الاحتلال والاعتداءات وتحرر الأسرى وتنهي النزاعات الحدودية».

ارتياح غربي للطرح

وتشير المصادر إلى «ارتياح أميركي وأوروبي ودولي لمواقف عون»، لافتة إلى أن ترجمة هذا الارتياح على أرض الواقع «يتم بالضغط على إسرائيل تسهيلاً للتفاوض المطروح وتطبيق الاتفاقات».

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً المبعوث الأميركي توم براك والوفد المرافق بالقصر الرئاسي في يوليو 2025 (أرشيفية - أ.ب)

وفيما كان التوجه الغربي قبل أشهر ميالاً باتجاه وضع ملف المحادثات بين لبنان وإسرائيل على السكة، بمعزل عن مستوى المنخرطين بالمحادثات، تؤكد المصادر أنه بعد التغول الإسرائيلي والضغوطات العسكرية، «بات هناك تفهّم غربي للموقف اللبناني»، إذ «لاقت المبادرة أصداء إيجابية على المستوى الدولي»، لافتة إلى أن المعنيين والمؤثرين في الملف اللبناني «يدركون أن هناك خطة لحصرية السلاح يتم تنفيذها على مراحل، فيما تعرقل إسرائيل استكمال تنفيذها من خلال الاحتلال المتواصل للأراضي اللبنانية».

ليونة.. ولا مفاوضات مباشرة

وينسحب التفهم الدولي، على تأييد لبناني داخلي للمبادرة التي لم تثر غضب «حزب الله» وحلفاءه، إذ تم التعليق عليها بشكل غير مباشر، بلغة هادئة وليونة من دون رفض مباشر لأصل المبادرة.

وبعدما شددت كتلة «حزب الله» البرلمانية (الوفاء للمقاومة) على «الأولويات السيادية التي يتوجب أن تحكم مسار السياسة والمواقف والمقاربات في البلاد من ‏أجل مواجهة الاحتلال وتحقيق الأمن والاستقرار فيها»، قال النائب عن الحزب حسن فضل الله، السبت، إنه «من واجب الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها وتلزم الجهات الراعية للاتفاقات بوقف الاعتداءات»، موضحاً أن «المقاومة ستقابل أي خطوة إيجابية من الحكومة بإيجابية لأن الهدف هو وقف سفك الدماء ووقف التخريب الإسرائيلي».

وبدا أن تحفّظ «حزب الله» يتركز على المفاوضات المباشرة، إذ أكد النائب عنه علي المقداد: «إننا إذ ننتظر من الحكومة اللبنانية أن تؤدي واجبها الدبلوماسي والسياسي شرط ألا يأخذنا هذا العمل إلى مواقف أخرى، وخصوصاً أننا نسمع البعض يتحدث عن التفاوض المباشر مع العدو»، مشدداً على أنه «لا تفاوض مباشر مع هذا العدو الصهيوني».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» محشور بـ«حصرية السلاح»... وحواره مع عون يراوح مكانه

خاص كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)

«حزب الله» محشور بـ«حصرية السلاح»... وحواره مع عون يراوح مكانه

تبقى الأنظار الدولية واللبنانية مشدودة إلى «حزب الله» للتأكد من استعداده للتجاوب مع الخطة التي أعدتها قيادة الجيش لاستكمال تطبيق حصرية السلاح.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الراعي متوسطاً عدداً من النواب ورجال الدين في مدينة طرابلس (الوكالة الوطنية للإعلام)

الراعي من مدينة طرابلس: السلام هو الخيار الدائم والأفضل

أكد البطريرك الماروني بشارة الراعي أن «السلام هو الخيار الدائم والأفضل»، مضيفاً أن «العيد لا يكتمل إلا بحضور المسلمين والمسيحيين معاً».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص رئيس الحكومة نواف سلام مستقبلاً رئيس الوفد اللبناني في لجنة الميكانيزم سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

خاص سلام لـ«الشرق الأوسط»: «حصر السلاح» سيبدأ بين نهري الليطاني والأولي قريباً

أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح باتت على بُعد أيام من الانتهاء، وان الدولة جاهزة للانتقال إلى المرحلة الثانية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً نائب رئيس الحكومة طارق متري (رئاسة الجمهورية)

خاص نائب رئيس الحكومة اللبنانية: مسار المفاوضات السياسية مع إسرائيل لم ينطلق

نفى نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري أن يكون مسار المفاوضات السياسية مع إسرائيل قد انطلق، مع تعيين مفاوضين مدنيين من قبل الطرفين.

بولا أسطيح (بيروت)
حصاد الأسبوع جنود قرب مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان خلال عملية تسليم مجموعات فلسطينية سلاحها للجيش اللبناني يوم 13 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

لبنان: تدابير سياسية ــ عسكرية لتجنب جولة جديدة من الحرب

نجح لبنان الرسمي، إلى حد كبير، نتيجة التدابير السياسية والعسكرية التي اتخذها في الفترة الماضية، في وقف، أو «فرملة»، التصعيد الإسرائيلي الذي كان مرتقباً قبل نهاية العام، رداً على ما تقول تل أبيب إنها محاولات من قبل «حزب الله» لإعادة ترميم قدراته العسكرية. وتلعب واشنطن، راهناً، دوراً أساسياً في الضغط على إسرائيل لإعطاء فرصة للمسار السياسي - الدبلوماسي الذي انطلق مؤخراً مع موافقة الدولة اللبنانية على تطعيم الوفد الذي يفاوض في إطار لجنة وقف النار (الميكانيزم) بشخصية مدنية.

بولا أسطيح (بيروت)

الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو لحظة تفجير أنفاق لـ«حماس» بجنوب غزة

جندي إسرائيلي داخل أحد الأنفاق (أرشيفية - رويترز)
جندي إسرائيلي داخل أحد الأنفاق (أرشيفية - رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو لحظة تفجير أنفاق لـ«حماس» بجنوب غزة

جندي إسرائيلي داخل أحد الأنفاق (أرشيفية - رويترز)
جندي إسرائيلي داخل أحد الأنفاق (أرشيفية - رويترز)

نشر الجيش الإسرائيلي، السبت، لقطات تُظهر تفجير وهدم أنفاق تابعة لحركة «حماس» الفلسطينية في الجانب الإسرائيلي من الخط الأصفر بمنطقة خان يونس في جنوب قطاع غزة.

ووفق ما ذكرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، يأتي نشر هذه اللقطات بالتزامن مع إعلان الجيش الإسرائيلي استبدال لواء «كفير» باللواء المدرع 188 في المنطقة.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بأن قواته قامت خلال الأشهر القليلة الماضية بـ«هدم» مئات من «البنى التحتية الإرهابية» في خان يونس، بما في ذلك نفق بطول كيلومترين ونفق آخر يمتد مئات الأمتار.

وباتت أنفاق «حماس» في غزة تتصدر مشهد صورة اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع، في ظل إصرار إسرائيل على تدميرها بالكامل.


الجيش الإسرائيلي يعلن القبض على مشتبه بانتمائه لـ«داعش» في سوريا

توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن القبض على مشتبه بانتمائه لـ«داعش» في سوريا

توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)

قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إنه ألقى القبض على مشتبه بانتمائه لتنظيم «داعش» في جنوب سوريا.

وأوضح الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه خلال عملية ليلية للكتيبة 52 التابعة للواء 474 في منطقة الرفيد في الجنوب السوري، ألقت قواته القبض على «شخص يشتبه بتورطه بالعمل الإرهابي، ويتم تحريكه من قبل (داعش)».

وأضاف البيان أنه تمت إحالة المشبوه به للتحقيق. مشيراً إلى أنه خلال العملية عثرت القوات الإسرائيلية على أسلحة ووسائل قتالية.


«عين الصقر»... هل تكون العملية الأميركية ضد «داعش» في سوريا «مفتوحة»؟

طائرة «إف-15» في قاعدة بالولايات المتحدة قبل الانطلاق للمشاركة في الضربات الأميركية على مواقع «داعش» بسوريا الجمعة (سلاح الجو الأميركي - أ.ف.ب)
طائرة «إف-15» في قاعدة بالولايات المتحدة قبل الانطلاق للمشاركة في الضربات الأميركية على مواقع «داعش» بسوريا الجمعة (سلاح الجو الأميركي - أ.ف.ب)
TT

«عين الصقر»... هل تكون العملية الأميركية ضد «داعش» في سوريا «مفتوحة»؟

طائرة «إف-15» في قاعدة بالولايات المتحدة قبل الانطلاق للمشاركة في الضربات الأميركية على مواقع «داعش» بسوريا الجمعة (سلاح الجو الأميركي - أ.ف.ب)
طائرة «إف-15» في قاعدة بالولايات المتحدة قبل الانطلاق للمشاركة في الضربات الأميركية على مواقع «داعش» بسوريا الجمعة (سلاح الجو الأميركي - أ.ف.ب)

قالت مصادر مقربة من وزارة الدفاع في دمشق إن العملية العسكرية لقوات التحالف «عين الصقر» ضد تنظيم «داعش» في البادية السورية، قد تكون عملية «مفتوحة» تمتد لأيام في حال تبيّن وجود مزيد من الأهداف التي يمكن قصفها.

وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن العملية التي أعلنت الولايات المتحدة تنفيذها فجر الجمعة، جرت بالتنسيق مع الحكومة السورية، فيما وصف خبراء عسكريون عملية «عين الصقر» بأنها اختبار لاحتمال أن تكون القوات السورية الحكومية «شريكاً حقيقياً» للتحالف في محاربة الإرهاب المتمثل بـ«داعش»، واصفين الضربات بأنها كانت «موجعة» للتنظيم الذي بات يعتمد على الانتشار الفردي والذوبان في المناطق السورية.

وأعلنت الولايات المتحدة، الجمعة، أنها ضربت أكثر من 70 هدفاً في أنحاء وسط سوريا بواسطة طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية وبالمدفعية، فيما تحدث الرئيس دونالد ترمب عن «ضربة انتقامية قوية جداً» رداً على إطلاق نار أسفر في 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري عن مقتل ثلاثة أميركيين، هم جنديان ومترجم، في تدمر بمحافظة حمص وسط سوريا.

وقالت مصادر مقربة من وزارة الدفاع السورية لـ«الشرق الأوسط» إن عملية «عين الصقر» تمت بالتنسيق مع الحكومة السورية، وقد تركزت على موقعي جبل العمور والوادي الأحمر على بعد 15 كيلومتراً شرق تدمر بمحافظة حمص.

طائرة «إيه 10» خلال الاستعداد للانطلاق من الولايات المتحدة لقصف مواقع «داعش» في سوريا فجر الجمعة (سلاح الجو الأميركي - أ.ب)

وسيطر «داعش» في الفترة الممتدة بين مايو (أيار) 2015 ومارس (آذار) 2017، لمرتين على مدينة تدمر، قبل أن تتمكن قوات النظام السابق بدعمٍ من حليفته روسيا من طرده منها.

واستهدفت عملية «عين الصقر» أيضاً جبل البشري جنوب غربي دير الزور، وعدة مواقع في عمق البادية شرق حمص، ومواقع في محافظة الرقة، وهي مناطق بمعظمها واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، وقد شهدت ازدياداً لنشاط خلايا «داعش» في الآونة الأخيرة، مع الإشارة إلى عدم وجود مناطق محددة يتمركز فيها التنظيم الذي بات «يعتمد على الانتشار الفردي في مناطق عديدة والتواصل السري بينها»، حسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط». وأكدت هذه المصادر جدية الحكومة السورية في ملاحقة عناصر التنظيم على الأرض، في حين تتعقبهم القوات الأميركية عبر أجهزة الاتصالات، مشيرةً إلى أن عملية «عين الصقر» لم تتضمن عمليات برية. وتوقعت المصادر احتمال استمرار العمليات الأميركية لأسبوع وربما أكثر، حسبما يتوافر من قائمة أهداف.

وجرى التعرف على هوية منفّذ هجوم تدمر، وهو عنصر في قوات الأمن السورية كان من المقرر فصله بسبب اعتناقه «أفكاراً تكفيرية أو متطرفة»، وفق المتحدث باسم وزارة الداخلية. وهذه الحادثة هي الأولى من نوعها منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد قبل عام، وعودة العلاقات السورية مع الولايات المتحدة.

جندي خلال عملية تحميل قنابل على طائرة «إف-15 E» قبل بدء الضربات الأميركية على مواقع «داعش» في سوريا الجمعة (سلاح الجو الأميركي - رويترز)

وأفادت مصادر أهلية في مناطق البادية السورية بتواصل تحليق طائرات الاستطلاع التابعة لقوات التحالف لساعات مع تحليق لطيران التحالف فوق المواقع التي جرى قصفها.

ونفت هذه المصادر استهداف أي موقع أو تجمع سكني مدني، وقالت إن الضربات جرت في البادية الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية في محافظة دير الزور وتركزت على جبل البشري وهو منطقة وعرة جداً جنوب غربي دير الزور كانت قبل الإطاحة بالنظام السابق موقعاً لتمركز ميليشيات تابعة للنظام السابق وأخرى تابعة لإيران، ولاحقاً تمركز فيه تنظيم «داعش». وقد سُمعت أصوات الغارات على جبل البشري في مدينة دير الزور.

وتدخل عملية «عين الصقر» ضمن مشاركة الحكومة السورية في التحالف الدولي ضد «داعش»، وفق ما قاله العقيد عبد الجبار العكيدي أحد قيادات «الجيش السوري الحر».

ورأى العكيدي أن العملية هي اختبار لإمكانية أن تكون القوات السورية «شريكاً حقيقياً» للتحالف في محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم «داعش».

وانضمت دمشق رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى واشنطن الشهر الماضي.

«عملية محدودة ودقيقة»

وعن وصف الجانب الأميركي العملية بأنها «انتقامية» بالمفهوم العسكري، قال العكيدي إنها ليست مجرد انتقام بل هي «عملية محدودة ولكن أوسع من العمليات التي شهدناها سابقاً».

وأضاف: «نتحدث عن مائة قنبلة دقيقة من أنواع القنابل والصواريخ الذكية تصيب أهدافها بدقة»، موضحاً أن الحديث يجري عن قنابل دقيقة ذكية صغيرة الحجم يمكن للطائرة أن تحمل عدداً كبيراً منها، وبالتالي فإن «العملية محدودة لكنها دقيقة وموجعة للتنظيم»، حسب العكيدي.

ولفت العكيدي إلى أن التنظيم ومنذ سقوط آخر معاقله في منطقة الباغوز شرق سوريا عام 2019 غيّر سياساته واستراتيجياته وتكتيكاته من السيطرة على الحواضر المدنية ومجابهة الجيوش إلى «الذوبان ضمن المدن، أو الاختباء في البراري والبوادي، والاعتماد على عمليات الذئاب المنفردة والمجموعات الصغيرة المؤلفة أحياناً من ثلاثة عناصر، خصوصاً أن أبو بكر البغدادي (زعم داعش السابق) أعطى تلك المجموعات قبل أن يُقتَل صلاحيات اتخاذ القرار وتنفيذ العمليات دون الرجوع للقيادة».

وأكد العكيدي أن التنظيم في سوريا يشكل خطراً على الدولة السورية، مشيراً إلى أن الحكومة السورية «جادة» في محاربة هذا التنظيم.

وأكدت وزارة الخارجية السورية في بيان السبت، «التزام سوريا الثابت بمكافحة تنظيم داعش، وضمان عدم وجود ملاذات آمنة له في الأراضي السورية». وقالت إن السلطات السورية «ستواصل تكثيف العمليات العسكرية ضد التنظيم في جميع المناطق التي يهددها».

وقالت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) إنه منذ الهجوم على قواتها في تدمر «نفذت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها 10 عمليات في سوريا والعراق أسفرت عن مقتل أو اعتقال 23 عنصراً إرهابياً»، من دون تحديد التنظيمات التي ينتمي إليها المسلحون.

وتنتشر القوات الأميركية في سوريا بشكل رئيسي في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد بشمال وشمال شرقي البلاد، إضافةً إلى قاعدة التنف قرب الحدود مع الأردن، حيث تركز واشنطن وجودها العسكري على مكافحة التنظيم ودعم حلفائها المحليين.

«انتقام لهيبة أميركا»

وقال الخبير العسكري، رشيد حوراني، إن عملية «عين النسر» تعد مؤشراً على عدة أمور أبرزها «الانتقام للجنود الأميركيين ولهيبة أميركا بشكل عام أياً كانت الجهة المعتدية، وتذكرنا باستهداف القوات الأميركية في عام 2018 للقوات الروسية بشرق الفرات».

وأضاف: «يدل تمدد واتساع عمليات التحالف إلى بادية حمص وخارج مناطق سيطرة (قسد) على جدية الجانب الأميركي في تقديم الدعم والمساعدة للحكومة السورية وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وهذا ينسجم مع عقيدة الأمن القومي التي أعلنها ترمب مؤخراً التي تتمثل بتقوية الدول في الشرق وعلى رأسها السعودية وتركيا وسوريا، وضرب النفوذ الإيراني، وعدم الاكتفاء بإضعافه».

وأشار حوراني إلى أن «المنطقة المستهدفة شرقي تدمر وصولاً إلى دير الزور والرقة، كانت منطقة صراع بين تنظيم (داعش) من طرف ونظام الأسد وحلفائه الروس والميليشيات الإيرانية من طرف آخر، وخلال انسحاب إيران من سوريا سلّمت مواقعها للتنظيم، وعلى الأرجح فهذه هي المناطق المستهدفة، وتشمل مستودعات ونقاط انطلاق ومحاور تحرك».

وأكد حوراني أن «الحكومة السورية الحالية تختلف عن سابقتها من موقفها من تنظيم (داعش) وجادة في القضاء عليه، ولذلك انضمت للتحالف». وقال: «تشارك القوات السورية من خلال المعلومات الاستخباراتية وتمشيط مناطق الاستهداف، كما أن الاجتماع التنسيقي بين وزارة الداخلية والجانب الأميركي في تدمر الذي استُهدف خلاله الجنود الأميركيون يدلل على التعاون والمشاركة».