تحقيق: حكومة الأسد نقلت سراً مقبرة جماعية للتستر على جرائم قتل

الرئيس السوري السابق بشار الأسد (رويترز)
الرئيس السوري السابق بشار الأسد (رويترز)
TT

تحقيق: حكومة الأسد نقلت سراً مقبرة جماعية للتستر على جرائم قتل

الرئيس السوري السابق بشار الأسد (رويترز)
الرئيس السوري السابق بشار الأسد (رويترز)

خلص تحقيق أجرته «رويترز» إلى أن الحكومة في عهد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد نفذت على مدى عامين عملية سرية لنقل آلاف الجثث من مقبرة جماعية كبيرة معروفة في سوريا إلى موقع سري يبعد أكثر من ساعة بالسيارة في الصحراء النائية.

ولم يُعلن سابقاً عن قيام الجيش في عهد بشار بحفر المقبرة الجماعية في القطيفة وحفر ثانية ضخمة في الصحراء خارج بلدة الضمير.

ومن أجل الكشف عن موقع مقبرة الضمير والحصول على تفاصيل موسعة، تحدثت «رويترز» إلى 13 شخصاً على دراية مباشرة بالعملية التي استمرت عامين لنقل الجثث وراجعت وثائق أعدها مسؤولون معنيون، وحللت المئات من صور الأقمار الاصطناعية المأخوذة على مدى سنوات عدة لموقعي المقبرتين.

«عملية نقل الأتربة»

أُطلق على عملية نقل الجثث من القطيفة إلى موقع آخر سري على بُعد عشرات الكيلومترات اسم «عملية نقل الأتربة»، واستمرت من 2019 حتى 2021.

وقال الشهود إن الهدف من العملية كان التستر على جرائم حكومة الأسد والمساعدة في تحسين صورتها.

وأبلغت «رويترز» الحكومة السورية الحالية بنتائج هذا التحقيق اليوم الثلاثاء. ولم ترد الحكومة بعد على أسئلة عن هذا التقرير.

ولم تفصح «رويترز» في تحقيقها عن موقع المقبرة الدقيق، لتقليل احتمال عبث المتسللين بها. وستصدر «رويترز» قريباً تقريراً خاصاً يشرح بالتفصيل كيفية تنفيذ حكومة الأسد العملية السرية وكيف كشف الصحافيون عنها.

واكتشفت «رويترز» أن المقبرة الجماعية الواقعة في صحراء الضمير تضم ما لا يقل عن 34 خندقاً بطول كيلومترين لتكون من أوسع المقابر التي حُفرت خلال الحرب الأهلية السورية.

وتشير روايات الشهود وأبعاد الموقع الجديد إلى احتمال دفن عشرات الآلاف من الأشخاص هناك.

بدأت حكومة الأسد دفن الموتى بالقطيفة في 2012 تقريباً، في بدايات الحرب الأهلية. وقال الشهود إن المقبرة الجماعية ضمت جثث جنود وسجناء لقوا حتفهم في سجون الأسد ومستشفياته العسكرية.

ونشر ناشط سوري في مجال حقوق الإنسان صوراً لوسائل إعلام محلية عام 2014 كشفت عن وجود مقبرة القطيفة وموقعها العام على مشارف دمشق. وقد تحدد موقعها الدقيق بعد بضع سنوات من خلال شهادات في المحاكم وتقارير إعلامية أخرى.

وقال شهود شاركوا في العملية إنه في الفترة من فبراير (شباط) 2019 إلى أبريل (نيسان) 2012، كانت تتحرك من القطيفة إلى موقع الضمير في الصحراء من ست إلى ثماني شاحنات محملة بالتراب والرفات البشري، وذلك على مدار أربع ليال تقريباً كل أسبوع.

ولم تتمكن «رويترز» من تأكيد ما إذا كانت جثث من أماكن أخرى قد وصلت أيضاً إلى الموقع السري، ولم تعثر على أي وثائق تشير إلى عملية «نقل الأتربة» أو المقابر الجماعية بشكل عام.

وقال جميع من شاركوا بشكل مباشر في العملية إنهم يتذكرون الرائحة الكريهة بوضوح، ومن بينهم سائقان وثلاثة من فنيي إصلاح السيارات وسائق جرافة وضابط سابق من الحرس الجمهوري التابع للأسد شاركوا فيها منذ بدايتها.

ولم يتسن الوصول إلى الأسد، الذي يعيش في روسيا، ولا إلى عدد من المسؤولين العسكريين ممن أكد الشهود على أن لهم أدواراً رئيسية في العملية، للحصول على تعليقات. وبعد سقوط النظام أواخر العام الماضي، هرب الأسد وعدد من مساعديه من سوريا.

وقال الضابط السابق من الحرس الجمهوري إن فكرة نقل آلاف الجثث وردت في أواخر 2018، عندما اقترب الأسد من تحقيق النصر في الحرب الأهلية السورية. وأضاف الضابط أن الأسد كان يأمل في استعادة الاعتراف الدولي بعد تهميش لسنوات جراء العقوبات ومزاعم الوحشية.

وفي ذلك الوقت، توجهت أصابع الاتهام للأسد باحتجاز آلاف السوريين. لكن لم تسطع أي جماعة سورية مستقلة أو منظمة دولية الوصول إلى السجون أو المقابر الجماعية.

وقال السائقان والضابط لـ«رويترز» إن القادة العسكريين أبلغوهم بأن مغزى عملية النقل هو تطهير مقبرة القطيفة الجماعية وإخفاء أدلة على عمليات قتل جماعي.

وبحلول الوقت الذي سقط فيه نظام الأسد، كانت كل الخنادق الـ16 التي وثقتها «رويترز» في القطيفة قد أخليت.

160 ألف شخص اختفوا

قالت منظمات حقوقية سورية إن ما يربو على 160 ألف شخص اختفوا في ظل جهاز الأمن الضخم للرئيس السوري المخلوع، ويُعتقد أنهم مدفونون في عشرات المقابر الجماعية التي أمر بحفرها. ويمكن أن يقدم التنقيب المنظم وتحليل الحمض النووي تفاصيل عما تعرض له هؤلاء الأشخاص، مما يخفف من وطأة أحد أكثر الأحداث إيلاماً في تاريخ سوريا.

ولكن في ظل نقص الموارد في سوريا، فإنه حتى المقابر الجماعية المعروفة غالباً ما تكون غير محمية ولم ينقب عنها أحد. ولم يصدر قادة البلاد الجدد، الذين أطاحوا بالأسد في ديسمبر (كانون الأول)، أي وثائق تتعلق بالأفراد المدفونين هناك، رغم المطالبات المستمرة من عائلات المفقودين.

وقال محمد رضا جلخي، رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين التابعة للحكومة: «التحدي الآخر أننا نتعامل مع عدد كبير من المفقودين غير محدود لكن قد يتجاوز عشرات الآلاف، والحاجة اليوم إلى تأهيل كوادر متخصصة لأننا نتعامل مع ملف علمي يحتاج إلى كوادر متخصصة في الطب الشرعي والبصمة الوراثية، وهذا يحتاج إلى وقت لبناء هذه الكوادر».

من جهته أكد وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح لصحيفة «الوطن» في أواخر أغسطس (آب): «هناك جرح نازف طالما هناك أمهات ينتظرن إيجاد قبور أبنائهن وزوجات ينتظرن أيضاً إيجاد قبور أزواجهن وكذلك الأطفال الذين ينتظرون قبور آبائهم».

وقال محمد العبد الله، المدير التنفيذي لـ«المركز السوري للعدالة والمساءلة»، وهي منظمة سورية معنية بتتبع المفقودين والتحقيق في جرائم الحرب، إن وقع نقل الجثث عشوائياً مثل ما حدث من القطيفة إلى الضمير كان كارثياً على عائلات القتلى.

وأضاف العبد الله بعد اطّلاعه على نتائج «رويترز»: «تجميع هذه الجثث معاً حتى يتسنى إرجاع الرفات كاملاً إلى العائلات سيكون أمراً معقداً للغاية»، ووصف إنشاء لجنة المفقودين بأنه خطوة إيجابية من الحكومة الجديدة.

واستطرد أن اللجنة تحظى بدعم سياسي، لكنها لا تزال بحاجة إلى الموارد والخبراء.

وقال سائقون وفنيو إصلاح سيارات وغيرهم ممن شاركوا في عملية النقل إن إفشاء أمر العملية السرية كان يعني موتاً حتمياً.

وقال أحد السائقين: «ما في حد يقدر يخالف الأوامر، وإلا أنت نفسك تنتهي في الحفر».


مقالات ذات صلة

«يوم حوار مع المجتمع المدني» ينتقل من بروكسل إلى دمشق

المشرق العربي الوزيرة هند قبوات والوزير أسعد الشيباني والمسؤول الأوروبي أولوف سكوغ في مؤتمر يوم الحوار مع المجتمع المدني بالعاصمة السورية السبت (أ.ف.ب)

«يوم حوار مع المجتمع المدني» ينتقل من بروكسل إلى دمشق

في خطوة تعكس اهتماماً أوروبياً في بناءِ شراكة مع «سوريا الجديدة»، بدأت السبت في دمشق فعاليات النسخة التاسعة من مؤتمر «يوم حوار مع المجتمع المدني السوري».

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي لقطة جوية تُظهر مدينة السويداء مع تصاعد الدخان من المنازل المحترقة وسط اشتباكات في جنوب سوريا في يوليو الماضي (د.ب.أ)

سوريا: مسلحون يهاجمون مرافق خدمية بريف السويداء

نقل «التلفزيون السوري» اليوم السبت عن مصدر أمني قوله إن مسلحين من «العصابات المتمردة» استهدفوا مرافق خدمية في منطقة المزرعة في ريف محافظة السويداء.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي تحليق مروحيات الجيش السوري في سماء داريا قرب مطار المزة بدمشق (أ.ف.ب)

سوريا تحقق في انفجار حي المزة... وإسرائيل تنفي علاقتها بالهجوم

نفى مسؤول إسرائيلي علاقة بلاده بالانفجار الذي وقع في مبنى بمنطقة عين الكروم بحي المزة بسوريا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مروحيات للجيش السوري تحلّق بالقرب من مطار المزة في دمشق (أ.ف.ب)

دمشق تتعرض لهجوم صاروخي... ووقوع إصابات

قالت وزارة الدفاع السورية إن العاصمة دمشق تعرضت، الجمعة، لهجوم بصاروخين من نوع «كاتيوشا» أُطلقا من أطراف المدينة، ما أسفر عن إصابة عدد من المدنيين.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي العلم السوري مرفوعاً اليوم على مقر السفارة السورية بلندن بعد يوم من إعادة افتتاحها (أ.ف.ب)

إشادة بريطانية بانضمام سوريا إلى التحالف ضد «داعش»

أشادت بريطانيا بالخطوات التي تتخذها حكومة الرئيس أحمد الشرع في سوريا، بما في ذلك انضمامها إلى التحالف الدولي ضد «داعش».

«الشرق الأوسط» (لندن)

تقرير: إدارة ترمب تضغط على إسرائيل للتوصل إلى حل لقضية عناصر «حماس» المحاصرين

عناصر من حركة «حماس» في قطاع غزة (رويترز)
عناصر من حركة «حماس» في قطاع غزة (رويترز)
TT

تقرير: إدارة ترمب تضغط على إسرائيل للتوصل إلى حل لقضية عناصر «حماس» المحاصرين

عناصر من حركة «حماس» في قطاع غزة (رويترز)
عناصر من حركة «حماس» في قطاع غزة (رويترز)

نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية، اليوم السبت، عن مصدر إسرائيلي، لم تسمه، القول إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تضغط على إسرائيل للتوصل إلى حل قابل للتطبيق في قضية عناصر «حماس» المحاصرين في رفح بجنوب قطاع غزة.

وأضاف المصدر أن الأميركيين يريدون المضي قدماً نحو المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار وإغلاق ملف عناصر «حماس» المحاصرين في رفح.

وأشارت الشبكة إلى أن العشرات من مسلحي «حماس» موجودون في خلايا مستقلة بأنفاق تحت الأرض خلف الخطوط الإسرائيلية، في الوقت الذي يحاول فيه الوسطاء إيجاد حل لا يُنهي وقف إطلاق النار المُستمر منذ شهر في غزة.

وتابعت «سي إن إن» أن إحدى الأفكار المطروحة كانت ترحيل العناصر إلى دولة أخرى، وكانت تركيا خياراً محتملاً.

ونقلت الشبكة عن مصدرَين إسرائيليَين القول إن صهر ترمب، المبعوث الأميركي جاريد كوشنر، ناقش هذه القضية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماعات سابقة هذا الأسبوع.

وقال أحد المصدرَين: «يريد الأميركيون المضي قدماً نحو المرحلة التالية وإغلاق ملف عناصر (حماس) في رفح».

وتشمل المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار إنشاء قوة أمنية دولية في غزة، ونزع سلاح «حماس»، وانسحاباً إضافياً للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.


«يوم حوار مع المجتمع المدني» ينتقل من بروكسل إلى دمشق

مشاركون في المؤتمر المنعقد في قصر المؤتمرات بدمشق اليوم السبت (أ.ف.ب)
مشاركون في المؤتمر المنعقد في قصر المؤتمرات بدمشق اليوم السبت (أ.ف.ب)
TT

«يوم حوار مع المجتمع المدني» ينتقل من بروكسل إلى دمشق

مشاركون في المؤتمر المنعقد في قصر المؤتمرات بدمشق اليوم السبت (أ.ف.ب)
مشاركون في المؤتمر المنعقد في قصر المؤتمرات بدمشق اليوم السبت (أ.ف.ب)

في خطوة تعكس اهتماماً أوروبياً في بناءِ شراكة مع «سوريا الجديدة»، بدأت السبت فعاليات النسخة التاسعة من مؤتمر «يوم حوار مع المجتمع المدني السوري»، بالتعاون بين الحكومة السورية والاتحاد الأوروبي، وبمشاركة واسعة من ممثلي منظمات المجتمع المدني في سوريا وحضور لافت لقادمين من مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال شرقي البلاد، مقابل مقاطعة من المنظمات الناشطة في السويداء بجنوبها.

وقالت المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دوبرافكا سويكا، إن تنظيم «يوم الحوار» للمرة الأولى في سوريا يعكس دعم الاتحاد الأوروبي «الدائم للشمولية والمصالحة».

وبينما أكدت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، كايا كالاس، أن دعم الاتحاد الأوروبي لسوريا «ليس مجرد أقوال»، اعتبر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن هذه الفعالية تمثل بداية شراكة متينة مع المجتمع المدني ومع «شركائنا في الاتحاد الأوروبي».

الوزيرة هند قبوات والوزير أسعد الشيباني والمسؤول الأوروبي أولوف سكوغ في مؤتمر يوم الحوار مع المجتمع المدني بالعاصمة السورية السبت (أ.ف.ب)

وتُعقد النسخة التاسعة من «يوم الحوار» في دمشق للمرة الأولى، بعد أن كان يعقد في بروكسل منذ عام 2017، ضمن إطار مؤتمر بروكسل السنوي حول سوريا، وهو منصة تفاعلية للحوار مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العاملة داخل سوريا وفي المنطقة.

ويهدف يوم الحوار إلى تبادل وجهات النظر والخبرات، والمساهمة في صياغة السياسات التي توجّه الدعم الدولي.

ويجمع المؤتمر المنعقد في قصر المؤتمرات بدمشق 500 مشارك منهم ممثلون عن 355 منظمة سورية بما في ذلك 269 منظمة تعمل داخل سوريا و50 منظمة دولية، إلى جانب ممثلين عن السلطات السورية والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، ودول الجوار، والأمم المتحدة. وقالت مصادر حضرت الاجتماع إن ممثلين عن غالبية منظمات المجتمع المدني السوري بالإضافة إلى مستقلين كانوا ضمن الحاضرين.

ولفتت إلى حضور قوي للمشاركين الأكراد وبينهم قادمون من مناطق سيطرة «قسد» في شمال شرقي سوريا. وسُجّل غياب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في السويداء ذات الغالبية الدرزية بجنوب البلاد.

مؤتمر «يوم حوار مع المجتمع المدني السوري» انعقد السبت في دمشق (أ.ف.ب)

وقال الكاتب والإعلامي السوري علي عيد لـ«الشرق الأوسط» إن طيفاً واسعاً من السوريين شاركوا في يوم الحوار، مشيراً إلى أنها المرة الأولى التي يشهد فيها مؤتمراً سورياً على هذا المستوى سواء من حيث التنوع، برعاية ومشاركة الحكومة السورية، أو على مستوى «الطروحات الجريئة» التي تتناول هواجس المجتمع المدني السوري من مختلف أطيافه. ولفت عيد إلى وجود ترجمة بثلاث لغات منها اللغة الكردية، ورأى في حضور اللغة الكردية تعبيراً عن رغبة حقيقية في «مشاركة جميع السوريين».

وأشار إلى «تعهد حكومي واضح» من قبل وزير الخارجية ووزيرة الشؤون الاجتماعية خلال الافتتاح بأن المجتمع المدني شريك أساسي في عملية التنمية وبناء الدولة.

وقال إن المؤتمر ركز على نشاط ودور المجتمع المدني داخل البلاد، عقب سلسلة مشاورات تحضيرية نُظمت في مختلف المناطق.

وفي كلمة الافتتاح، قال وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني إن إطلاق هذه الفعالية يمثّل «بداية شراكة متينة مع المجتمع المدني وشركائنا في الاتحاد الأوروبي»، مشيراً إلى أن المجتمع المدني في سوريا «ليس ظاهرة جديدة، بل امتداد لنقابات ومبادرات إنسانية وطلابية عملت في أصعب الظروف، وهو اليوم مرآة لنبض الشارع وجسر بين الدولة والمجتمع».

قصر المؤتمرات بدمشق استضاف فعاليات مؤتمر يوم الحوار (أ.ف.ب)

أما وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، فقد أشارت في كلمتها إلى أن «الحوار هو بداية التغيير»، معتبرة أن إعادة بناء سوريا «لا تتم إلا من خلال شراكة وثيقة مبنية على الاحترام بين الدولة والمجتمع».

وأكدت أن المجتمع المدني شريك كامل في «بناء الدولة، والتخطيط، والتنفيذ، والمساءلة» بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والمنظمات الدولية، بوصفه عنصراً أساسياً لتحقيق العدالة والشفافية.

واعتبرت المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دوبرافكا سويكا، أن تنظيم «يوم الحوار» للمرة الأولى في سوريا يعكس دعم الاتحاد الأوروبي الدائم للشمولية والمصالحة، وتوفير مساحة مدنية آمنة وحيوية في سوريا.

وقالت إن هذا الحدث يؤكد «استعدادنا لمرافقة السوريين في طريقهم نحو العدالة والتماسك الاجتماعي والانتقال السلمي»، في حين رأت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، كايا كالاس، أنه بعد عقود من «الديكتاتورية الوحشية»، أصبحت لدى سوريا الآن فرصة لإعادة البناء، بما يعكس إرادة الشعب السوري.

وأضافت أن وجود مساحة «مدنية آمنة ومستقلة وحيوية جزء أساسي من هذه العملية»، مؤكدة أن دعم الاتحاد الأوروبي لسوريا «ليس مجرد أقوال، بل هو أفعال أيضاً»، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يقدم 2.5 مليار يورو كمساعدات لإعادة بناء سوريا.


الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمال اندلاع القتال مجدداً في غزة

مسلحون من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى شرق مدينة غزة للبحث عن جثث الرهائن الخميس الماضي (أسوشييتد برس)
مسلحون من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى شرق مدينة غزة للبحث عن جثث الرهائن الخميس الماضي (أسوشييتد برس)
TT

الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمال اندلاع القتال مجدداً في غزة

مسلحون من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى شرق مدينة غزة للبحث عن جثث الرهائن الخميس الماضي (أسوشييتد برس)
مسلحون من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى شرق مدينة غزة للبحث عن جثث الرهائن الخميس الماضي (أسوشييتد برس)

يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال العودة إلى الحرب في قطاع غزة، ملوحاً بخطة لنزع سلاح حركة «حماس»، في حال لم تنجح الخطة التي تعمل الإدارة الأميركية على دفعها قدماً في مجلس الأمن.

وقال مسؤولون إسرائيليون ومصادر لقناة «كان» الإخبارية العبرية إن الجيش يخطط لاستئناف القتال ونزع سلاح «حماس» بيده في ضوء احتمال فشل الخطة الأميركية.

وقالت «كان» إن الإدارة الأميركية تجد صعوبات في دفع خطتها إلى المرحلة التالية.

وقال مسؤول إسرائيلي لـ«كان»: «السؤال ليس عمّا إذا كان سيتم نزع سلاح (حماس)، بل عمّن سيفعل ذلك».

والاستعدادات في الجيش جاءت في ضوء الصعوبات التي تعتري الخطة الأميركية.

جنود إسرائيليون يخرجون من نفق تحت المستشفى الأوروبي في خان يونس 8 يونيو 2025 (رويترز)

ويصوِّت مجلس الأمن، الاثنين، على مشروع قرار أميركي يؤيد خطة الرئيس دونالد ترمب للسلام في غزة.

وأعربت الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر والإمارات وإندونيسيا وباكستان والأردن وتركيا، الجمعة، في بيان، عن «دعمها المشترك» لمشروع القرار الأميركي الذي يعطي تفويضاً لتشكيل قوة استقرار دولية، من بين أمور أخرى، مبديةً أملها في اعتماده سريعاً، ودعت مجلس الأمن إلى الإسراع بتبني مشروع القرار.

وأطلق الأميركيون رسمياً الأسبوع الفائت، مفاوضات داخل مجلس الأمن الدولي الذي يضم 15 عضواً حول نص يشكل متابعة لوقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ عامين بين إسرائيل و«حماس»، وتأييداً لخطة ترمب.

وقالت واشنطن وشركاؤها في البيان: «نؤكد أن هذا جهدٌ صادق، وأن الخطة تُوفر مساراً عملياً نحو السلام، والاستقرار، ليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل بالنسبة إلى المنطقة بأسرها».

جنود إسرائيليون في رفح بقطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

يرحب مشروع القرار بإنشاء «مجلس السلام»، وهو هيئة حكم انتقالي لغزة سيترأسها ترمب نظرياً، على أن تستمر ولايتها حتى نهاية عام 2027.

ويُخول القرار الدول الأعضاء تشكيل «قوة استقرار دولية مؤقتة» تعمل مع إسرائيل، ومصر، والشرطة الفلسطينية المُدربة حديثاً للمساعدة على تأمين المناطق الحدودية، ونزع السلاح من قطاع غزة.

وأشارت مسودة أخيرة للقرار الأميركي إلى إمكان قيام دولة فلسطينية مستقبلية.

وأكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» وجود خلافات رئيسية في مجلس الأمن حول الخطة. ونقلت عن مسؤول إسرائيلي اتهامه الفلسطينيين بأنهم يؤيدون الخطة علناً لكنهم يحاولون إفشالها وراء الكواليس.

وقالت «يديعوت أحرونوت» إن مسؤولين إسرائيليين، أعربوا عن ارتياحهم للإعلان، لكنهم حذّروا من «لعبة مزدوجة» من جانب الفلسطينيين. وصرح مسؤول إسرائيلي كبير: «بينما يعلنون دعمهم للمشروع الأميركي، فإنهم يُخرّبونه خلف الكواليس».

ويريد الفلسطينيون أن تعمل قوة الاستقرار الدولية على الحدود، وأن يتولوا هم الأمن داخل قطاع غزة بما في ذلك مسألة تسوية سلاح الفصائل.

ومنذ وقف النار قبل أكثر من شهر سُجِّلت عدة خروق في القطاع، وفشل المفاوضون حتى الآن في تسوية أزمة مقاتلي «حماس» في رفح.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن أزمة مسلحي «حماس» في رفح ونزع سلاحها تَحول دون التقدم إلى المرحلة الثانية.

صورة منشورة بتاريخ 1 نوفمبر 2025 لقوات من لواء «ناحال» الإسرائيلي تعمل في رفح جنوب قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي)

كانت الولايات المتحدة قد وصفت وقف إطلاق النار في غزة بأنه «هش». وحذرت، الخميس، من مخاطر عدم اعتماد مسودتها.

وكتب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «أي رفض لدعم هذا القرار هو تصويت لاستمرار حكم إرهابيي (حماس)، أو للعودة إلى الحرب مع إسرائيل، مما يحكم على المنطقة وشعبها بالبقاء في نزاع دائم».

وقال والتز: «أي انحراف عن هذا المسار، سواء كان من جانب أولئك الذين يرغبون في ممارسة ألعاب سياسية، أو إعادة إحياء الماضي، سيأتي بتكلفة بشرية حقيقية».

وحسب تقرير سابق في صحيفة «بوليتيكو»، فإن مسؤولين في إدارة ترمب أبدوا فعلاً قلقاً بالغاً من أن الاتفاقية التي تم التوصل إليها بين إسرائيل و«حماس» قد تنهار بسبب صعوبة تنفيذ عديد من بنودها الأساسية، وعدم وضوح مسارها.

وأظهرت تصريحات ومجموعة من الوثائق عُرضت خلال ندوة جرت الشهر الماضي، واستمرت يومين، لقادة القيادة المركزية الأميركية وأعضاء مركز التنسيق المدني العسكري الذي تم إنشاؤه جنوب إسرائيل كجزء من اتفاق وقف الحرب الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قلقاً خاصاً بشأن ما إذا كان يمكن بالفعل نشر ما تسمى «قوة الاستقرار الدولية»، وهي مبادرة أمنية متعددة الجنسيات تهدف إلى حفظ السلام في غزة.

ونقلت «بوليتيكو» عن مسؤول أميركي في وزارة الدفاع، قوله إن هناك «مخاوف مكبوتة» لدى الإدارة الأميركية بشأن مستقبل المنطقة.

وتكشف الوثائق عن عقبات تواجهها إدارة ترمب وحلفاؤها في المنطقة في خلق «سلام دائم»، مما يتناقض بشكل صارخ مع الخطاب المتفائل في الغالب الصادر عن كبار مسؤولي الإدارة.

وقال مسؤول أميركي إن الجيش الأميركي لديه بعض الخطط حول دعم المرحلة الانتقالية، لكنَّ وزارة الخارجية لم تلعب دوراً كبيراً في تطوير الخيارات الخاصة بالسلام في غزة.