علاقة الجيش و«حزب الله»: تاريخ من «التعايش» بقرار سياسي

دخلت منعطفاً جديداً مع تبني الحكومة اللبنانية «حصرية السلاح»

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون على مدخل مخيم برج البراجنة جنوب بيروت (الشرق الأوسط)
عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون على مدخل مخيم برج البراجنة جنوب بيروت (الشرق الأوسط)
TT

علاقة الجيش و«حزب الله»: تاريخ من «التعايش» بقرار سياسي

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون على مدخل مخيم برج البراجنة جنوب بيروت (الشرق الأوسط)
عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون على مدخل مخيم برج البراجنة جنوب بيروت (الشرق الأوسط)

تُعتبر العلاقة بين الجيش اللبناني و«حزب الله» من أكثر العلاقات تعقيداً، كونها قائمة بين مؤسسة نظامية يفترض أن يُحصر بها حمل السلاح والدفاع عن البلد، ومجموعة مسلحة نشأت تحت عنوان مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، قبل أن تتحول لقوة إقليمية قاتلت في أكثر من ميدان، وتحت أكثر من شعار وعنوان.

وتجنب الطرفان على مر سنوات طويلة أي مواجهة مسلحة مباشرة، واقتصر الأمر على بعض الحوادث التي بقيت محدودة في زمانها ومكانها، وأبرزها إطلاق أحد عناصر الحزب عام 2008 النار باتجاه طوافة للجيش اللبناني، قال إنها عملية تمت عن طريق الخطأ، وأدت إلى مقتل أحد ضباط الجيش.

تاريخ العلاقة بين الطرفين

ونشأت علاقة «تعايش» بين الجيش والحزب، فتولى الجيش ضبط الأمن الداخلي على أساس أن دور الحزب ينحصر بقتال إسرائيل في الجنوب.

وبعد انسحاب إسرائيل من معظم مناطق الجنوب اللبناني عام 2000، برز سؤال حول مستقبل سلاح «حزب الله»، إذ بقي تسلح الجيش ضعيفاً، بينما استمر «حزب الله» في تعزيز قوته العسكرية، متحجّجاً بأن هناك أراضي محتلة يفترض أن يعمل على تحريرها.

عناصر من البعثة الفرنسية في «يونيفيل» يفككون راجمة صواريخ تابعة لـ«حزب الله» في وادي السلوقي بجنوب لبنان (أ.ب)

وخلال الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل عام 2006، لعب الجيش دوراً محدوداً عسكرياً، لكنه انتشر في الجنوب لأول مرة منذ عقود بعد صدور القرار 1701. وبعد ذلك، نشأ نوع من «التنسيق غير المعلن» بين الجيش والحزب في الجنوب، بحيث تولى الجيش الظهور العسكري الرسمي، بينما احتفظ الحزب بشبكته العسكرية غير العلنية.

وكما هو معروف يتولى الجيش اللبناني تنفيذ قرارات الحكومة اللبنانية التي كانت على مر السنوات تتعاطى مع الحزب بوصفه حركة مقاومة، وقد تناولت معظم البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة معادلة «جيش وشعب ومقاومة»، ما أعطى شرعية طوال ذلك الوقت لعمل «حزب الله» العسكري.

وفي قرار تاريخي، أسقطت حكومة رئيس مجلس الوزراء الحالي نواف سلام، في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، «الغطاء الشرعي» عن سلاح الحزب، معلنة تكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة تفصيلية لإنجاز حصرية السلاح بيد مؤسسات الدولة فقط بحلول نهاية عام 2025.

لا تنسيق بل تواصل

ويعتبر الأستاذ المحاضر في الجيوسياسة، العميد المتقاعد خليل الحلو، أن العلاقة بين الحزب والجيش لم تكن «لا باردة ولا ساخنة»، والتواصل الذي كان يحصل كان بإطار تطبيق القرار السياسي، لافتاً إلى أنه «في بعض الأحيان كانت تحصل توقيفات من قِبَل الجيش لشاحنات محملة بالسلاح والصواريخ لكن سرعان ما كان يتم تحريرها بعدما يتبين أنها للحزب».

ويشرح الحلو لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما كان يحصل لم يكن تنسيقاً، إنما حصراً تواصل إذ لم نكن بصدد عمليات مشتركة»، مضيفاً: «كما كان الجيش بالسابق ملتزماً بقرار الحكومة وبالمعادلة القائلة (جيش وشعب ومقاومة) هو اليوم أيضاً ملتزم بالقرارات الحكومية الجديدة وبحصرية السلاح».

وعن احتمال الوصول إلى صدام بين الطرفين على خلفية خطة الجيش الذي كلفته الحكومة «حصرية السلاح»، يقول الحلو: «لا شك أن العلاقة بين الطرفين لم تعد كما كانت سابقاً، لكن لا تشنج بينهما على الأرض، كما أن الاتجاه العام هو لعدم الصدام لأن المسؤولية هي مسؤولية الحكومة والسياسيين، وبالتالي قد نكون بصدد توترات محدودة لا صدام».

تصادم بالمضمون

ويتفق العميد المتقاعد حسن جوني مع العميد الحلو على أنه «لم تكن هناك علاقة رسمية بالمعنى العسكري بين الجيش والحزب، بحيث لا وجود لغرف عمليات مشتركة إنما هناك تواصل حول نقاط وأمور معينة تلافياً لأي صدام».

ويؤكد جوني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد عام 2006 وصدور القرار 1701، فإن كل نشاط الحزب العسكري في منطقة جنوب الليطاني كان يحصل دون معرفة الجيش ودون التنسيق معه»، مضيفاً: «كان واضحاً أن هناك تحركات وتحضيرات معينة، لكن خروقات إسرائيل المتمادية للقرار خلقت نوعاً من التراخي من قِبَل القوات الدولية والجيش بما يتعلق بتطبيق الـ1701 على الجميع».

قائد الجيش اللبناني يتفقد وحدات عسكرية في شرق لبنان يوم عيد الجيش مطلع شهر أغسطس (مديرية التوجيه)

ويشرح جوني أن «الجيش، بوصفه قوة منفذة للقرار السياسي كان يأخذ بعين الاعتبار أن الحزب قوة مقاومة مشرعة في البيانات الوزارية، وبالتالي لديها حرية عمل معينة ضمن خصوصية معينة»، لافتاً إلى أنه «اليوم وبعد اتخاذ قرار حصرية السلاح، باتت هناك أسئلة كبيرة تُطرح حول مصير العلاقة بين الطرفين بعد إعلان الحزب تمسكه بسلاحه واستعداده للدفاع عنه ضد كل مَن يريد أن ينزعه منه. أما الجيش فكُلف من قِبَل الحكومة بإعداد خطة لتسليم واحتكار السلاح، ما يجعلنا في حالة تناقض وتعارض وتصادم بين الموقفين بالمضمون، فهل يُترجم هذا التصادم بالتنفيذ؟»، ويضيف: «لا أعتقد ذلك، وأرجح ألا يذهب الجيش لتنفيذ خطته بالقوة؛ لأن خلاف ذلك ستكون وحدة الجيش مهددة وقد نصل إلى حرب أهلية، إضافة إلى أنه لن تتحقق النتيجة المرجوة».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

وصفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون (رويترز)

عون: المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»... والهدف تجنُّب «حرب ثانية»

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، إن المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»، وهدفها هو تجنب «حرب ثانية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
TT

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

قالت الرئاسة اللبنانية، اليوم (الجمعة)، إن الرئيس جوزيف عون التقى مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن يزور البلاد، حيث دعا إلى دعم الجيش اللبناني في استكمال عمله والضغط على إسرائيل للانسحاب من الجنوب.

وذكرت الرئاسة في بيان على منصة «إكس»، أن وفد مجلس الأمن «أبدى دعمه للاستقرار في لبنان من خلال تطبيق القرارات الدولية، واستعداد الدول للمساعدة في دعم الجيش اللبناني واستكمال انتشاره وتطبيق حصرية السلاح».

وأضاف البيان أن عون أكد خلال اللقاء، التزام لبنان بتطبيق القرارات الدولية، وقال: «نحتاج إلى دفع الجانب الإسرائيلي لتطبيق وقف (إطلاق) النار والانسحاب، ونتطلع للضغط من جانبكم».

وجرى التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بوساطة أميركية، بعد قصف متبادل لأكثر من عام أشعله الصراع في قطاع غزة، لكن إسرائيل ما زالت تسيطر على مواقع في جنوب لبنان رغم الاتفاق، وتواصل شن هجمات على شرق البلاد وجنوبها.


«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

قالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، اليوم (الجمعة)، إنها رصدت أمس سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية في منطقة عملياتها بعدد من القرى في جنوب البلاد، واصفة هذه الهجمات بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

وحثت «يونيفيل» في بيان، الجيش الإسرائيلي على «الاستفادة من آليات الارتباط والتنسيق المتاحة له»، كما نبّهت الجهات اللبنانية إلى «مغبة أي رد فعل قد يفاقم الوضع».

كانت وسائل إعلام لبنانية أفادت، أمس (الخميس)، بأن الطيران الإسرائيلي نفّذ سلسلة غارات استهدفت منازل في بلدات محرونة وجباع وبرعشيت والمجادل بجنوب البلاد، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم ما وصفها بمستودعات أسلحة تابعة لجماعة «حزب الله».

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) تقوم بدورية في مرجعيون في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل... 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

من ناحية أخرى، ذكرت «يونيفيل» في بيانها اليوم، أن إحدى دورياتها في جنوب لبنان تعرّضت لإطلاق نار خلال الليلة الماضية، ولكن دون وقوع إصابات.

وأوضحت أن «ستة رجال على متن ثلاث دراجات نارية اقتربوا من جنود حفظ السلام أثناء دورية قرب بنت جبيل، وأطلق أحدهم نحو ثلاث طلقات نارية نحو الجزء الخلفي من الآلية، ولم يُصب أحد بأذى».

واعتبرت القوة الأممية أن «الاعتداءات على قوات حفظ السلام غير مقبولة وتمثل انتهاكات خطيرة للقرار 1701»، في إشارة إلى قرار مجلس الأمن الذي أنهى حرباً بين إسرائيل و«حزب الله» عام 2006.

وتابعت بالقول «نذكّر السلطات اللبنانية بالتزاماتها بضمان سلامة وأمن قوات حفظ السلام، ونطالب بإجراء تحقيق شامل وفوري لتقديم الفاعلين إلى العدالة».


قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

قالت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الجمعة)، إن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي توغلت في ريف القنيطرة بجنوب البلاد.

وذكرت الوكالة الرسمية أن القوة الإسرائيلية تتألف من ست آليات، وتوغلت باتجاه قرية صيدا الحانوت، دون ورود معلومات حتى الآن عن قيامها بنصب حاجز في المنطقة.

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، تشن إسرائيل عمليات توغل بري في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، حيث سيطرت على المنطقة العازلة على الحدود بين سوريا وإسرائيل، ثم انتقلت لتنفيذ مداهمات في المناطق الحدودية تخللتها اعتقالات لأشخاص.