«مدونة الفقه الجعفري» تثير جدلاً واسعاً في العراق

منحت رجل الدين سلطة التطليق وأعطت الزوج امتياز إلغاء عقد الزواج

جانب من جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إعلام المجلس)
جانب من جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إعلام المجلس)
TT

«مدونة الفقه الجعفري» تثير جدلاً واسعاً في العراق

جانب من جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إعلام المجلس)
جانب من جلسة سابقة للبرلمان العراقي (إعلام المجلس)

قضت المحكمة الاتحادية في العراق، الأحد، برد دعوى طعن قضائية تقدمت بها ناشطات ومنظمات مدنية، للحكم بعدم دستورية إجراءات مجلس النواب للتصويت على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية وعدم دستورية القانون النافذ بالمجمل، مؤكدة عدم وجود أي مخالفة دستورية.

وصوت البرلمان، الأربعاء الماضي، على «مدونة الأحكام الشرعية للفقه الجعفري» المرسلة من «ديوان الوقف الشيعي». ويفترض أن تكون المدونة الأساس الذي يستند إليه قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي عدّله البرلمان في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، ضمن صفقة سياسية، مرر خلالها البرلمان قانون «الأحوال الشخصية» وقانونَيْ «العفو العام» و«العقارات والأراضي» في محافظة كركوك الشمالية.

وأثارت المدونة الفقهية، المؤلفة من 337 مادة، جدلاً واسعاً في الأوساط القضائية والقانونية والمدنية؛ لما عدّه البعض «خرقاً لنصوص دستورية، فضلاً عن الظلم الذي تلحقه بالنساء؛ نظراً إلى ما تتضمنه من نصوص وأحكام تعود إلى مراحل تاريخية بعيدة تتعلق بأحكام الزواج والطلاق والمواريث، وهي غالباً مستمدة من الفتاوى والأحكام التي تصدر عن رجال الدين ومراجع الاجتهاد لدى الطائفة الشيعية».

«قانون الأحوال الشخصية 188»

المحكمة الاتحادية العليا في العراق (واع)

ولعل من بين أبرز القضايا مثار الاعتراض تلك المتعلقة بسماح المدونة للزوج بالعدول عن نصوص «قانون الأحوال الشخصية 188»، واعتماد التعديل الجديد دون موافقة الزوجة، وهي الطرف الثاني في العقد، بغض النظر عن المدة أو السنوات التي أُبرم خلالها العقد. وفسر المعارضون التعديل الجديد بأنه «يعطي الرجال الراغبين في الانفصال امتيازاً بأثر رجعي».

وبشأن هذا الامتياز، قالت نقيبة المحامين، أحلام اللامي، في تدوينة على «فيسبوك»، إن «الدستور لم يُفرّق بين عراقيٍّ وآخر، ولا بين ذكرٍ وأنثى، فعندما نصَّ على أن العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، كان يعني العراقيين رجالاً ونساءً على حدٍّ سواء».

وأضافت: «لماذا تُحرم المرأة التي تزوَّجت قبل نفاذ التعديل، أو طُلِّقت قبله، من حقِّ الاختيار، فسلَبتم الزوجة والمطلّقة حرية الاختيار، وفرضتم على من عُقدَ زواجُها في ظلِّ القانون اختيارَ زوجها بمفرده، وصادرتم حريتها، أَوَبَعد ذلك تقولون إن العراقيين أحرارٌ؛ فماذا عن العراقيات؟».

امتيازات غير مسبوقة

عدد من المسؤولين العراقيين خلال مشاركتهم في مؤتمر سابق لمناهضة العنف ضد المرأة (الرئاسة العراقية)

وفوق مسألة الامتياز الذي منحه التعديل للرجال، فإنه أعطى رجال الدين؛ مراجع الاجتهاد والتقليد، امتيازات غير مسبوقة، وجعل سلطتهم فوق سلطة القضاة. وفي هذا السياق، قال قاضي النزاهة الأسبق، رحيم العكيلي، إنه وفق «المادة 73ب» من «المدونة الشيعية»، «لا يمكن للقاضي أن يحكم بطلاق الزوجة ولو توفرت عنده شروط الحكم بطلاقها، إلا بعد أخذ موافقة المرجع الديني، فإذا لم يوافق تعذر على المحكمة الحكم بطلاقها».

ووجه العكيلي، عبر منصة «فيسبوك»، نداء إلى المحامين ودعاهم إلى «تجهيز أنفسهم للترافع دفاعاً عن حقوق موكليكم أمام المرجع الديني حينما يمارس دوره في الفصل في قضايا الأحوال الشخصية وفقاً لـ(مدونة المذهب الشيعي الجعفري - المادة 74/ ج)».

ومن بين المؤاخذات التي يسجلها القاضي العكيلي على المدونة، تلك المرتبطة بحرمان الزوجة من الميراث المتعلق بالأراضي، قائلاً إن «الزوجة لا ترث من الأراضي المملوكة لزوجها المتوفى، لا عيناً ولا قيمة (المادة 314)، فإذا مات وله دار سكن واحدة وليس له وارث غيرها لم ترث من الدار شيئاً، بل يرثها (الإمام)، ويعطيها النائب عن الإمام (المرجع الديني) ربع قيمة البناء نقداً فقط (المادة 323)».

دور حاسم للمرجع

وفي تدوينة مماثلة عبر «فيسبوك»، قال القاضي المتقاعد مهند الدليمي، إن «المشرع الشيعي أراد أن يعطي دوراً حاسماً للمرجع الفقهي في حياة الناس، ويبدو أن مجتمع المراجع ارتاح كثيراً لهذا الدور الممنوح؛ إذ ستكون عنده صلاحيات قبول إيقاع الطلاق بين الأزواج، وكلمته هي الحاسمة، وكذلك سيكون المرجعُ وارثاً للزوج المتوفى في عقاراته إذا لم يكن هناك وارث للزوج المتوفى سوى أرملته».

وأضاف: «مع شديد احترامي وتقديري لكل المراجع، إلا إن ذلك يعد مخالفة دستورية واضحة، فالدستور على أن جميع العراقيين متساوون أمام القانون ودون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الدين».

وتابع: «وكما هو معلوم، فإن المراجع غير ملزمين أمام أي أحد بتقديم كشف حسابي عن مداخيل حوزاتهم من الأموال المتحصلة من الحقوق الشرعية وغيرها؛ مما يعني أنه لا أحد يعلم مقادير هذه الأموال، ولا رقابة عليها، وأن المرجع سيكون فوق المساءلة والتدقيق عن الأموال العامة، وهذه مخالفة صريحة للدستور».

وتساءل الدليمي عن الكيفية التي «ستحل بها مسألة اختلاف الرأي الفقهي لدى المراجع في المسألة الواحدة. كل هذه الإشكاليات ستكون حاضرة بعد أن دخل هذا القانون والمدونة حيز النفاذ، ولا توجد أجوبة حاضرة عن هذه الإشكاليات».

مشكلات لغة ونصوص

من احتفال «اليوم الإسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة»... (أرشيفية - إعلام حكومي)

ورأى الباحث سليم سوزة «أننا بحاجة إلى أسابيع أو ربما أشهر للتعليق على كل فقرة من فقرات (مدوّنة الأحكام الشرعية للفقه الجعفري) الخاصة بقانون الأحوال الشخصية المُعدَّل».

وأضاف أن «هناك مشكلات لغوية ونصوصاً بحاجة إلى تقييد، مثل المادة الأخيرة في المدوّنة (رقم 337)، التي تقول: (لا يُعمَل بأي نص يتعارض وأحكام هذه المدوّنة). هذا نص مُطلَقٌ وليس مقيَّداً، يُمكن استغلاله لنسف أي قانون أحوال شخصية آخر، بما في ذلك قانون الأحوال الشخصية المدني لعام 1959. كان ينبغي القول مثلاً، (لا يُعمَل بأي نص يتعارض وأحكام هذه المدوّنة بالنسبة إلى مَن يختارها/ تختارها ناظماً لأحواله/ أحوالها الشخصية)».

ويعدّ البعض «قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959 المعدل» من بين أبرز القوانين «التقدمية» في المنطقة العربية والإسلامية؛ لأنه منح الزوجة حقوقاً تتعلق برعاية الأطفال والنفقة بعد انفصالها عن زوجها، إلى جانب حق التوريث الذي تحصل عليه بعد وفاة الزوج.


مقالات ذات صلة

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

في غضون ساعات، تراجع العراق عن وضع «حزب الله» وجماعة «الحوثي» على قائمة إرهاب، بعد ارتباك وذهول بين أوساط حكومية وسياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

السوداني يوجه بالتحقيق في خطأ يتعلق بقائمة لتجميد أموال شملت «حزب الله» و«الحوثيين»

وجَّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، بتحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين بشأن الخطأ بقرار لجنة تجميد الأموال.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)
المشرق العربي 
القنصلية الأميركية الجديدة تمتد على مساحة تفوق مائتي ألف متر مربع وتضم منشآت أمنية مخصصة لقوات «المارينز» (إكس)

واشنطن تدعو العراقيين للتعاون ضد ميليشيات إيران

دعا مسؤول أميركي بارز، العراقيين إلى التعاون «لمنع الميليشيات الإيرانية من تقويض الاستقرار» في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني خلال مراسم افتتاح القنصلية الأميركية في أربيل بإقليم كردستان العراق (شبكة روداو)

واشنطن للتعاون مع الشركاء العراقيين لتقويض الميليشيات الإيرانية

قالت الولايات المتحدة إنها تكثف تعاونها مع بغداد وأربيل لمنع الفصائل المسلحة الموالية لإيران من تقويض استقرار العراق.

«الشرق الأوسط» (أربيل)

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
TT

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)

تسود توقعات في حركة «حماس» بحدوث عملية اغتيال إسرائيلية جديدة لبعض قياداتها خارج الأراضي الفلسطينية.

وتحدثت مصادر كبيرة في الحركة إلى «الشرق الأوسط» عن تزايد في معدلات القلق من استهداف المستوى القيادي، خصوصاً بعد اغتيال المسؤول البارز في «حزب الله» اللبناني، هيثم الطبطبائي.

وتحدث أحد المصادر عن أن «هناك تقديرات باستهداف قيادات الحركة في دولة غير عربية»، رافضاً تحديدها بدقة.

واطلعت «الشرق الأوسط»، على ورقة تعليمات داخلية تم توزيعها على قيادات «حماس» في الخارج، تتعلق بالأمن الشخصي والإجراءات الاحتياطية لتلافي أي اغتيالات محتملة، أو على الأقل التقليل من أضرارها.

وجاء في الورقة أنه يجب «إلغاء أي اجتماعات ثابتة في مكان واحد، واللجوء إلى الاجتماعات غير الدورية في مواقع متغيرة».

وتدعو التعليمات القيادات إلى «عزل الهواتف النقالة تماماً عن مكان الاجتماع، بما لا يقل عن 70 متراً، ومنع إدخال أي أجهزة طبية أو إلكترونية أخرى، بما في ذلك الساعات، إلى أماكن الاجتماعات».

في غضون ذلك، أفادت مصادر في غزة بأن مقتل زعيم الميليشيا المسلحة المناوئة لـ«حماس»، ياسر أبو شباب، أمس، جاء في سياق اشتباكات قبلية على يد اثنين من أبناء قبيلته الترابين.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن شخصين شاركا في قتل أبو شباب، ينتميان إلى عائلتي الدباري وأبو سنيمة؛ إذ إن العائلتين إلى جانب أبو شباب ينتمون جميعاً إلى قبيلة الترابين.


إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

حسمت إسرائيل، أمس، التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» الناجم عن المفاوضات المدنية مع لبنان، وأعطت إشارة واضحة إلى أنها ستتعامل معها بمعزل عن المسار العسكري؛ إذ شنت غارات استهدفت أربعة منازل في جنوب لبنان، أحدها شمال الليطاني، بعد أقل من 24 ساعة على اجتماع لجنة تنفيذ مراقبة اتفاق وقف النار «الميكانيزم».

وبدا التصعيد الإسرائيلي رداً على ما سربته وسائل إعلام لبنانية بأن مهمة السفير سيمون كرم، وهو رئيس الوفد التفاوضي مع إسرائيل، تمثلت في بحث وقف الأعمال العدائية، وإعادة الأسرى، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتصحيح النقاط على الخط الأزرق فقط، فيما أفادت قناة «الجديد» المحلية بأن رئيس الجمهورية جوزيف عون «أكد أن لبنان لم يدخل التطبيع، ولا عقد اتفاقية سلام».

وقال الرئيس عون خلال جلسة الحكومة، مساء أمس: «من البديهي ألا تكون أول جلسة كثيرة الإنتاج، ولكنها مهدت الطريق لجلسات مقبلة ستبدأ في 19 من الشهر الحالي»، مشدداً على ضرورة أن «تسود لغة التفاوض بدل لغة الحرب».


العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
TT

العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

أثار نشر العراق، أمس (الخميس)، معلومات عن تجميد أموال «حزب الله» اللبناني، وجماعة «الحوثي» في اليمن، باعتبارهما مجموعتين «إرهابيتين»، صدمة واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة، وتقول إنه «خطأ غير منقّح» سيتم تصحيحه.

وكانت جريدة «الوقائع» الرسمية قد أعلنت قائمة تضم أكثر من 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، في خطوة رأى مراقبون أنها كانت ستُرضي واشنطن، وتزيد الضغط على طهران، قبل سحبها.

وأثار القرار غضب قوى «الإطار التنسيقي» الموالية لإيران؛ إذ وصف قادتها خطوة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأنها «خيانة»، فيما نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين.

وقالت لجنة تجميد الأموال إن القائمة كان يُفترض أن تقتصر على أسماء مرتبطة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» امتثالاً لقرارات دولية، وإن إدراج جماعات أخرى وقع قبل اكتمال المراجعة.

ووجّه السوداني بفتح تحقيق، وسط جدل سياسي متصاعد حول مساعيه لولاية ثانية.

وجاءت التطورات بعد دعوة أميركية إلى بغداد لـ«تقويض الميليشيات الإيرانية»، وفي ذروة مفاوضات صعبة بين الأحزاب الشيعية لاختيار مرشح توافقي لرئاسة الحكومة الجديدة.