الاتفاق الفرنسي - الأميركي على «تصفية يونيفيل» دونه الجدول الزمني

روبيو يناقش المهمة مع نظرائه الأوروبيين وأثرها على لبنان والشرق الأوسط

وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا متفقداً الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل (صور الأمم المتحدة)
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا متفقداً الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل (صور الأمم المتحدة)
TT

الاتفاق الفرنسي - الأميركي على «تصفية يونيفيل» دونه الجدول الزمني

وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا متفقداً الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل (صور الأمم المتحدة)
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا متفقداً الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل (صور الأمم المتحدة)

يصوّت مجلس الأمن، الجمعة، على مشروع قرار معدل قدمته فرنسا للتمديد «مرة أخيرة» للقوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «يونيفيل» 16 شهراً، تليها عملية «انسحاب منظم وآمن»، ومن ثم «تصفية» عملياتها وتسليم مهماتها للجيش والقوى الأمنية اللبنانية.

ويأتي هذا التطور غداة موافقة الولايات المتحدة، عبر مبعوث الرئيس دونالد ترمب إلى سوريا ولبنان السفير الأميركي لدى تركيا توم برّاك، على تجديد مهمة «يونيفيل» لعام إضافي، وسط إصرارها على وضع «جدول زمني واضح» لسحبها من لبنان. وكانت إسرائيل تضغط في اتجاه منع التجديد للقوة الأممية المؤقتة التي بدأت انتشارها الأول عام 1978، قبل إعادة الانتشار عام 2006.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن المفاوضين الفرنسيين الأميركيين أحرزوا «تقدماً إضافياً ولكن غير نهائي» على «التسوية» التي اقترحتها باريس، مستجيبة لمطلب واشنطن الرئيسي، على أن ينتهي التمديد «الأخير» لهذه البعثة الأممية في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2026، على أن تبدأ عملية سحب القوات البالغ عددها 10500 جندي بعد ذلك. في المقابل، دفع المفاوضون الأميركيون نحو تاريخ 31 أغسطس (آب) 2026 كتجديد نهائي، على أن يبدأ سحب «يونيفيل» في الأول من يونيو (حزيران) 2026.

الموقفان الفرنسي والأميركي

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال اجتماع حكومي في واشنطن العاصمة (رويترز)

وخلال زيارته إلى لبنان، أعلن براك أن واشنطن ستوافق على تجديد التفويض لقوة «يونيفيل» لمدة عام. وقال إن «موقف الولايات المتحدة هو أننا سنمدّد لعام» ينتهي في 31 أغسطس 2026، مضيفاً أن القوة تضم جنوداً وعناصر من 47 دولة تكلف «أكثر من مليار دولار في السنة».

وخلال اتصال هاتفي مع نظيرهما الأميركي ماركو روبيو قبل يومين، ركز وزيرا الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، والفرنسي جان نويل بارو، على «أهمية دور (يونيفيل) ودعمها للقوات المسلحة اللبنانية في الظرف الدولي الراهن، ولتحقيق التوازنات في السياق الإقليمي الأوسع»، في إشارة إلى ضغوط الحكومة الإسرائيلية في اتجاه إنهاء مهمة «يونيفيل» التي تؤلف كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا والنرويج وغيرها، العمود الفقري لها، وبالتالي إنهاء آخر دور أوروبي على الأرض، ليس فقط في لبنان، بل في منطقة الشرق الأوسط.

وبعد هذا الاتصال، أدخل المفاوضون الفرنسيون تعديلات جوهرية على مشروع القرار الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه. ووضعت روسيا التي تتولى رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، النص الجديد تحت «الإجراء الصامت» حتى الساعة الأولى بعد ظهر الأربعاء؛ لمعرفة ما إذا الجانب الأميركي يوافق على الصيغة الجديدة أم لا.

ويفيد المشروع المعدل في الفقرة الأولى منه بأن مجلس الأمن «يقرر تمديد ولاية (يونيفيل)، للمرة الأخيرة، كما هو منصوص عليه في القرار 1701 حتى 31 ديسمبر 2026، وبدء انسحاب منظم وآمن بدءاً من 31 ديسمبر 2026، وفي غضون عام واحد». وإذ يعبر عن «دعمه القوي للاحترام الكامل للخط الأزرق، والوقف الكامل للأعمال العدائية»، يذكّر «بهدف التوصل إلى حل طويل الأمد»، مع الترحيب باتفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بوصفه «خطوة حاسمة نحو التنفيذ الكامل للقرار 1701، مع ملاحظة الانتهاكات المستمرة لهذا الاتفاق، بما في ذلك الضربات الجوية والمسيرات على الأراضي اللبنانية»، مطالباً إسرائيل بـ«سحب قواتها شمال الخط الأزرق، بما في ذلك من المواقع الخمسة الموجودة في الأراضي اللبنانية، ورفع المناطق العازلة المحددة شمال الخط الأزرق»، كما يدعو السلطات اللبنانية إلى «الانتشار في هذه المواقع بدعم محدد زمنياً من (يونيفيل)، وبسط سيطرة حكومة لبنان على كل الأراضي اللبنانية، وفقاً لأحكام القرارات 1559 و1680 و1701 والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، حتى تتمكن من ممارسة سيادتها الكاملة، بحيث لا تكون هناك في أقرب وقت ممكن أي أسلحة غير أسلحة حكومة لبنان، ولا سلطة أخرى غير سلطة حكومة لبنان».

التمديد والانسحاب والتصفية

فرقاطة ألمانية تعمل لدى القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «يونيفيل» (صور الأمم المتحدة)

أما الفقرة الخامسة، وهي الأهم، التي يتضمنها مشروع القرار الفرنسي، فتنص على أن مجلس الأمن «يطلب من (يونيفيل) وقف عملياتها في 31 ديسمبر 2026، والبدء من هذا التاريخ، وفي غضون عام واحد، في خفض عدد أفرادها وسحبهم بشكل منظم وآمن، بالتشاور الوثيق مع الحكومة اللبنانية؛ بهدف جعل حكومة لبنان الجهة الوحيدة المسؤولة عن الأمن في جنوب لبنان، وبالتنسيق مع الدول المساهمة بقوات عسكرية وشرطية». وكذلك «يقرر أنه خلال فترة خفض عدد الأفراد والانسحاب، يُؤذن لـ(يونيفيل) بالاضطلاع بمهمات» تشمل «توفير الأمن لموظفي الأمم المتحدة ومرافقها وقوافلها ومنشآتها ومعداتها والأفراد المرتبطين بها»، و«الحفاظ على اليقظة حيال الأوضاع في محيط مواقع (يونيفيل)»، و«توفير الحراسة لموظفي الأمم المتحدة النظاميين والمدنيين الذين يضطلعون بمهمات الدعم التمكيني»، و«تنفيذ عمليات من أجل إنقاذ موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني المعرضين للخطر»، و«تقديم الدعم الطبي، بما في ذلك دعم المصابين، والإجلاء الطبي لموظفي الأمم المتحدة»، و«الحفاظ على تواصل استراتيجي فعال لتعزيز حمايتها»، و«المساهمة في حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية بأمان بقيادة مدنية، ضمن حدود قدراتها». وبالإضافة إلى ذلك «يقرر أن تصفية (يونيفيل) ستبدأ بعد انتهاء مرحلة التخفيض والانسحاب، وكذلك يُؤذن، طوال مدة تصفية (يونيفيل)، بالاحتفاظ بقدرة حراسة محدودة لحماية أفراد (يونيفيل) ومرافقها وأصولها، بالتنسيق الوثيق مع القوات المسلحة وقوات الأمن اللبنانية». ويدعو الحكومة اللبنانية إلى «الاحترام الكامل لأحكام اتفاق وضع القوات المؤرخ في 15 ديسمبر 1995، حتى مغادرة آخر عنصر من القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، ولا سيما الأحكام المتعلقة بحرية تنقل (يونيفيل) في كل أنحاء لبنان، بالإضافة إلى امتيازاتها وحصاناتها»، وكذلك يدعو الحكومة اللبنانية إلى «اتخاذ كل الخطوات المناسبة لضمان سلامة وأمن (يونيفيل) وأفرادها المرتبطين بها ومعداتهم ومبانيهم». ويطلب من القوة المؤقتة «في أثناء تنفيذ انسحابها، وبما يتماشى مع الممارسات المتبعة في الأمم المتحدة واللوائح والقواعد المالية، القيام بكل الخطوات والاحتياطات العملية لضمان نقل الأصول بأمان إلى سيطرة الكيان المعين». كما يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن «يستكشف، بحلول الأول من يونيو 2026، الخيارات المتعلقة بمستقبل تنفيذ القرار 1701 بعد انسحاب (يونيفيل)، بما في ذلك خيارات المساعدة في ما يتعلق بالأمن ومراقبة الخط الأزرق والسبل لتعزيز الدعم لإعادة انتشار القوات المسلحة اللبنانية في جنوب نهر الليطاني من خلال أدوات الأمم المتحدة».

وبموجب القرار، يحض مجلس الأمن المجتمع الدولي على «تكثيف دعمه، بما في ذلك المعدات والمواد والتمويل، للقوات المسلحة اللبنانية من أجل ضمان انتشارها الفعال والمستدام جنوب نهر الليطاني وتعزيز قدراتها على تنفيذ القرار 1701».


مقالات ذات صلة

«يونيفيل» تدين بناء إسرائيل جداراً داخل الأراضي اللبنانية: انتهاك للسيادة

المشرق العربي جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)

«يونيفيل» تدين بناء إسرائيل جداراً داخل الأراضي اللبنانية: انتهاك للسيادة

ندّدت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل)، في بيان اليوم (الجمعة)، بأعمال بناء ينفذها الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) (أ.ف.ب)

«اليونيفيل»: الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان «انتهاكات واضحة» للقرار 1701

قالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، اليوم الخميس، إن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مناطق في جنوب لبنان، اليوم الخميس: «انتهاكات واضحة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي دورية لـ«اليونيفيل» على الحدود مع إسرائيل في منطقة الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

لبنان يطرح مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل... تجنباً للتطبيع

يتمسّك لبنان اليوم بمبدأ التفاوض كخيارٍ ضروري لتثبيت وقف إطلاق النار وترسيم الحدود الجنوبية، لكنّه في الوقت نفسه يرفض الخروج عن قاعدةٍ المحادثات غير المباشرة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وزير خارجية ألمانيا يوهان فاديفول بالقصر الرئاسي في بعبدا شرق بيروت... 31 أكتوبر 2025 (الرئاسة اللبنانية)

عون يطلب من وزير خارجية ألمانيا ضغطاً دولياً على إسرائيل للتقيّد باتفاق وقف النار

طلب الرئيس اللبناني، جوزيف عون، من وزير خارجية ألمانيا أن يضغط المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على إسرائيل للتقيد باتفاق وقف النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

«اليونيفيل» قلقة من التوغل الإسرائيلي المسلح في بلدة بليدا بجنوب لبنان

أعربت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل» عن قلقها إزاء التوغل الإسرائيلي المسلح في بلدة بليدا في جنوب لبنان فجر اليوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إندونيسيا تجهز 20 ألف جندي لبعثة حفظ سلام محتملة في غزة

منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)
منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)
TT

إندونيسيا تجهز 20 ألف جندي لبعثة حفظ سلام محتملة في غزة

منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)
منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)

ذكر وزير الدفاع الإندونيسي سجافري شمس الدين، اليوم الجمعة، أن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبياتو أمر القوات المسلحة في بلاده بتجهيز 20 ألف جندي للمشاركة في بعثة حفظ سلام محتملة تابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة.

وفي حديثه داخل وزارة الدفاع بجاكرتا، قال الوزير إن القوة ستشمل أفراداً يتمتعون بخبرة طبية وهندسية لدعم العمليات الإنسانية واسعة النطاق، وفق «وكالة الأنباء الإندونيسية».

ويجري إعداد الوحدة لعلاج ضحايا الحرب واستعادة الخدمات الأساسية والمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحياة اليومية بالقطاع.

ووفق ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية»، ستركز مشاركة إندونيسيا على حماية السكان المدنيين ودعم الجهود الدولية لضمان سلام دائم.

وأضاف وزير الدفاع أنه لم يجرِ تحديد أي جدول زمني للبعثة حتى الآن، وأن الرئيس سيتخذ القرار النهائي بمجرد أن تحدد «الأمم المتحدة» متطلباتها.

يُشار إلى أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تتضمن إنشاء قوة دولية للانتشار في غزة، وهناك مطالبات بأن يجري تشكيل هذه القوة بقرار من مجلس الأمن يتضمن تحديد مهامّها.

واتفقت إندونيسيا والأردن، الجمعة، على تشكيل لجنة مشتركة لتسهيل تبادل المعلومات بشأن الوضع في قطاع غزة وفلسطين.

وتبلورت المبادرة خلال لقاءٍ جمع وزير الدفاع الإندونيسي مع رئيس هيئة الأركان المشتركة في الأردن يوسف أحمد الحنيطي، في جاكرتا.

وقال شمس الدين إن البلدين «سيشكلان لجنة مشتركة لتبادل الاستخبارات والتحديثات»، مشيراً إلى أن القرب الجغرافي للأردن من غزة يمنح التعاون قيمة استراتيجية لفهم الأوضاع على الأرض بشكل أفضل.


«يونيفيل» تدين بناء إسرائيل جداراً داخل الأراضي اللبنانية: انتهاك للسيادة

جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)
جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)
TT

«يونيفيل» تدين بناء إسرائيل جداراً داخل الأراضي اللبنانية: انتهاك للسيادة

جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)
جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)

ندّدت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل)، في بيان اليوم (الجمعة)، بأعمال بناء ينفذها الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، متخطياً الخط الحدودي الفاصل بين البلدين.

وأوردت القوة في بيان أن وحداتها أجرت مسحاً جغرافياً الشهر الماضي لجدار خرساني «أقامه الجيش الإسرائيلي جنوب غرب بلدة يارون»، وتبين أنه «جعل أكثر من 4 آلاف متر مربع من الأراضي اللبنانية غير متاحة للشعب اللبناني».

وخلال الشهر الحالي، لاحظت قوات حفظ السلام «أعمال بناء إضافية لجدار» في المنطقة، «تجاوز» جزء منه «الخط الأزرق» الفاصل بين البلدين، وفق القوة الدولية التي دعت إسرائيل للانسحاب من لبنان، مؤكدة أن أعمال البناء تشكل «انتهاكاً» لسيادة لبنان.

وكانت تقارير إسرائيلية قد أشارت إلى أن القوات الإسرائيلية بدأت في بناء جدار ضخم جديد بعمق كيلومترين داخل الأراضي اللبنانية وتحديداً خلف الخط الأزرق عند الحدود مقابل بلدتي مارون الراس وعيترون.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن الجدار الخرساني يرتفع خلف الخط الأزرق، مواجهاً لقرية مارون الراس اللبنانية، ويرجح أن يكون جزءاً من خمسة «مواقع استراتيجية» تصر إسرائيل على احتلالها داخل لبنان بعد وقف إطلاق النار.


حرب غزة تتحول إلى منجم ذهب لصناعة السلاح الأميركية

طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

حرب غزة تتحول إلى منجم ذهب لصناعة السلاح الأميركية

طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)

تحوّلت الحرب الإسرائيلية في غزة، منذ اندلاعها في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى أحد أكثر النزاعات ربحاً لشركات السلاح الأميركية الكبرى. فبينما كانت غزة تُدمَّر ومئات آلاف المدنيين يواجهون الموت والجوع، كانت مصانع الأسلحة في ولايات أميركية عدة تعمل بطاقتها القصوى لتلبية طلبات إسرائيل العسكرية المتزايدة، في موجة مبيعات تجاوزت 32 مليار دولار خلال عامين فقط، بحسب تحليل لصحيفة «وول ستريت جورنال» استند إلى بيانات وزارة الخارجية الأميركية.

منذ الهجوم الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تبعه من عملية عسكرية إسرائيلية واسعة ضد غزة، سارعت واشنطن إلى فتح جسر تسليحي غير مسبوق، شمل ذخائر دقيقة التوجيه وصواريخ بعيدة المدى وطائرات مقاتلة ومعدات ميدانية.

وفي حين تبلغ المساعدات العسكرية السنوية المعتادة لإسرائيل نحو 3.3 مليار دولار، تضاعف هذا الرقم في عام 2024 ليصل إلى 6.8 مليار دولار من التمويل المباشر، من دون احتساب أشكال الدعم غير النقدي الأخرى، كالإمداد اللوجستي أو التدريب والتنسيق الاستخباراتي.

طائرة إسرائيلية من طراز «إف 16» تحمل صواريخ جو - جو، وخزانات وقود إضافية، خلال إقلاعها من إحدى القواعد الجوية (الجيش الإسرائيلي)

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن «إدارة ترمب ما زالت ملتزمة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، مشيراً إلى أن واشنطن «تقود حالياً جهداً إقليمياً لإنهاء الحرب عبر ترتيبات أمنية دائمة».

لكن رغم الحديث عن «نهاية محتملة» للصراع، تشير بيانات «البنتاغون» إلى أن خطوط الإنتاج في مصانع الأسلحة الأميركية لم تهدأ، وأن عقود التوريد تمتد حتى عام 2029. ما يعني أن تدفق السلاح إلى إسرائيل سيستمر حتى بعد توقف المعارك.

مَن المستفيد الأكبر؟

تتربع شركة «بوينغ» على رأس قائمة المستفيدين من الحرب، بعد أن حصلت على صفقة تاريخية بقيمة 18.8 مليار دولار لبيع طائرات «F - 15» مطوّرة لإسرائيل، يُتوقَّع تسليمها بعد أربع سنوات. كما نالت الشركة عقوداً إضافية بقيمة 7.9 مليار دولار لتزويد تل أبيب بقنابل موجهة وأنظمة تسليح مرتبطة بها. هذه الصفقات وحدها تمثل قفزة هائلة مقارنة بالتزامات إسرائيل السابقة مع «بوينغ» التي لم تتجاوز 10 مليارات دولار خلال عقد كامل.

دبابة إسرائيلية على حدود قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

أما شركات «نورثروب غرومان» و«لوكهيد مارتن» و«جنرال دايناميكس»، فقد نالت عقوداً متخصصة في قطع غيار الطائرات المقاتلة، والصواريخ الدقيقة، وقذائف الدبابات من عيار 120 ملم المستخدمة في دبابات «ميركافا». في حين استفادت «كاتربيلر» من الطلب الكبير على الجرافات المدرعة «دي 9» التي استخدمها الجيش الإسرائيلي على نطاق واسع لتدمير المنازل والبنية التحتية في القطاع.

وتشير بيانات «هيئة التعاون الأمني الدفاعي» الأميركية إلى أن الجزء الأكبر من الصفقات يتركز على الذخائر الجوية والمقاتلات الهجومية، فيما تمثل المعدات البرية، كالدبابات والعربات المدرعة، نسبة أقل بكثير من إجمالي المبيعات.

الحرب كفرصة اقتصادية

الحرب لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل مثّلت أيضاً رافعة اقتصادية لقطاع الصناعات الدفاعية الأميركي، الذي واجه في السنوات الأخيرة تحديات تتعلق بسلاسل التوريد والإضرابات العمالية. فقد أكدت «بوينغ»، في تقريرها السنوي لعام 2024، أن قسمها الدفاعي شهد «طلباً قوياً من الحكومات التي تعطي الأولوية للأمن والتكنولوجيا الدفاعية في ظل التهديدات المتزايدة»، في حين سجّلت «لوكهيد مارتن» ارتفاعاً بنسبة 13 في المائة في إيرادات قسم الصواريخ، لتبلغ 12.7 مليار دولار خلال عام واحد فقط.

حتى شركة «أوشكوش»، المنتجة للمركبات العسكرية التكتيكية، قالت إن طلبيات إسرائيل أنقذت خط إنتاج كان على وشك الإغلاق العام الماضي. أما مجموعة «ليوناردو» الإيطالية التي تعمل وحدتها الأميركية في بيع مقطورات عسكرية لإسرائيل، فأكدت في تقريرها المالي الأخير أن «استمرار النزاعين في أوكرانيا وإسرائيل» يضمن استقرار مبيعاتها الدولية لعام 2025.

جثامين 40 فلسطينياً قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي وُضعت أمام مستشفى ناصر تمهيداً لدفنها في خان يونس جنوب قطاع غزة (أرشيفية - د.ب.أ)

تكاليف الحرب ومن يدفع الثمن؟

ورغم أن مليارات الدولارات المتدفقة عبر عقود التسليح تُظهر جانباً من الانتعاش الصناعي الأميركي، فإن الجانب الإنساني والسياسي من المعادلة يثير جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها. فقد أسفرت الحرب، بحسب وزارة الصحة في غزة، عن مقتل أكثر من 68 ألف شخص، بينهم نحو 18 ألف طفل، بينما لم تُفرج إسرائيل عن أي إحصاءات رسمية لعدد مقاتلي «حماس» الذين قُتلوا.

وفي الوقت الذي تموّل فيه واشنطن جزءاً كبيراً من هذه المبيعات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، بدأت بعض المؤسسات المالية الغربية باتخاذ خطوات احتجاجية؛ فقد سحبت ثلاثة صناديق نرويجية استثماراتها من شركات، مثل: «كاتربيلر» و«أوشكوش» و«بالانتير»، احتجاجاً على استخدام منتجاتها في العمليات داخل غزة. كما باع صندوق التقاعد الهولندي حصته التي بلغت 448 مليون دولار في «كاتربيلر» للأسباب نفسها.

مبانٍ دمَّرها الجيش الإسرائيلي في حي الشجاعية بمدينة غزة (أرشيفية - أ.ب)

وفي أوروبا، أعلنت ألمانيا في أغسطس (آب) 2025 وقف جميع تراخيص تصدير السلاح إلى إسرائيل للاستخدام في غزة، بينما خضعت شركات التكنولوجيا الأميركية أيضاً لضغوط داخلية، دفعت «مايكروسوفت» إلى تقييد وصول وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى بعض خدماتها السحابية.

الذكاء الاصطناعي في الميدان

إلى جانب الأسلحة التقليدية، شكّلت الحرب مسرحاً لتوسع التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية، فقد دخلت شركة «بالانتير» التي يملكها الملياردير المحافظ بيتر تيل، في شراكة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية مطلع عام 2024. وعندما وُجّهت إليها انتقادات باستخدام تقنياتها في عمليات القصف، ردّ مديرها التنفيذي أليكس كارب قائلاً إن الذين قُتلوا «كانوا في الغالب إرهابيين»، بحسب وصفه.

كما أبرمت إسرائيل قبل الحرب اتفاقيات مع «غوغل» و«أمازون» و«مايكروسوفت» لتزويدها بخدمات حوسبة سحابية متقدمة، وواجهت تلك الشركات احتجاجات متزايدة من موظفيها المطالبين بوقف التعاون العسكري.

المفارقة أن بعض الشركات الأميركية نفسها التي تزوّد إسرائيل بالسلاح، تشارك أيضاً في برامج المساعدات الإنسانية لغزة؛ فقد خصصت وزارة الخارجية الأميركية 30 مليون دولار لمؤسسة «غزة هيومنيتاريان فاونديشن» التي يشرف عليها المستشار السابق في إدارة ترمب، جونّي مور، لتنسيق توزيع المساعدات داخل القطاع. وقد استعانت المؤسسة بشركات أمن أميركية لتأمين عملياتها وسط فوضى واتهامات بسوء التنظيم.