فجَّرت حرائق الغابات في ريف اللاذقية المتواصلة منذ أيام جدلاً واسعاً بين رواد منصات التواصل الاجتماعي حول سببها، وفي الوقت الذي تلتهم فيه الحرائق مساحات كبيرة من الغابات، وعودة اشتداد النيران من جديد؛ بسبب سرعة الرياح، تتباين الردود بين مستخدمي «السوشيال ميديا» حول المسؤولية، ووقوف جهات خلف افتعالها، وفي أثناء ذلك تنتشر الإشاعات المغلوطة بشكل واسع.
على أرض الواقع، وفي كل مرة يظن فريق وزارة الطوارئ أنه اقترب من التحكم بالنيران المشتعلة، تظهر تفاصيل غير متوقعة تؤجِّج النيران من جديد.
وزير الطوارئ رائد الصالح، توجَّه بالشكر، الخميس، للعراق على إرسال فرق إطفاء برية للمشارَكة في دعم جهود إخماد حرائق الغابات بريف اللاذقية. ومن المخطط أن تشارك 10 سيارات إطفاء مع 10 ملاحق تزويد مياه مع الكوادر البشرية.
ولليوم الثامن على التوالي تواصل فرق الدفاع المدني السوري وأفواج الإطفاء وأفواج إطفاء الحراج في محافظة اللاذقية وبمشارَكة من فرق الإطفاء التركية والأردنية، وبدعم جوي من الطائرات السورية والتركية والأردنية واللبنانية، أعمالها في عمليات إخماد حرائق الغابات في محافظة اللاذقية.

غير أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي في وادٍ آخر، يتجادلون حول أسباب حرائق الغابات بأرياف اللاذقية وطرطوس وحماة، التي وُصفت بأنها الأكبر والأضخم والأوسع منذ عقود، بعد اتساع رقعتها والتهام أكثر من 7500 هكتار، ووصولها إلى جبل التركمان وغابات فرنلق، وهي المحمية الطبيعة الأكبر في سوريا على الإطلاق.
وأتتْ الحرائق على مساحات نباتية وأشجار حراجية واسعة من غابات جبال اللاذقية ومصياف بما تشتمل عليه من نباتات عطرية وحيوانات نادرة، كما أجبرت على إفراغ المناطق السكنية، وتضرر المواقع الأثرية المجاورة، وتُعدُّ هذه الغابات من أجمل الغابات غرب البلاد.
وأشاد كثير من رواد منصات التواصل بجهود عناصر الدفاع المدني وفرق الإطفاء الحكومية في التصدي لتلك الحرائق، لا سيما مع العمل ليل نهار في ظل نقص بالآليات الثقيلة المتخصصة والتجهيزات اللوجيستية، فضلاً عن وجود ألغام ومخلّفات الحرب مخاطرين بأرواحهم، لكن آخرين ذهبوا إلى القول إن هذه الحرائق مفتعلة، وتساءلوا عن محاسبة الجهة التي وقفت خلفها، وتسببت في توسّع نطاقها.
حريق حراجي كبير اندلع في محيط قرية نبع الطيب بناحية شطحة بريف حماة، اليوم الخميس 10 تموز، وفرق الإطفاء تعمل على إخماده ومنع توسع النيران في المنطقة. #الدفاع_المدني_السوري #سوريا #حرائق #حماة #حرائق_سوريا pic.twitter.com/GhRSNyMOCV
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) July 10, 2025
وكتب الدكتور محمد ضياف المحمد، عبر منشور على حساب «فيسبوك»، أن الظروف المناخية ليست سبباً كافياً في اتساع نطاق هذه الحرائق، «لا يمكن، ولا بأي شكل من الأشكال، تصديق هذا الكلام، ولا يصدقه حتى المجنون، لم أشاهد بحياتي أنه بسبب ارتفاع حرارة الجو اشتعلت النيران في الأعشاب حتى في أشد البقاع حرارة في سوريا، باختصار: الحرائق سببها البشر».
الادعاء بأن المقطع المتداول يُظهر استخدام الأهالي قوارير المياه لإطفاء الحرائق في منطقة رأس البسيط باللاذقية مع العجز الكبير في احتواء الكارثة، ادعاء مضلل.إذ أظهر البحث أن المشاهد مقتطعة من فيديو نشره صحافي تركي بتاريخ 3 تموز/ يوليو الجاري، وتُظهر مواطنين أتراك خلال محاولتهم... pic.twitter.com/Fqzhv0Z3IK
— تَـأكّـدْ (@VeSyria) July 9, 2025
ويرى ناشطون أن تصاعد الحرائق في الساحل السوري يأتي في ظل غياب أي إجراءات حقيقية لوقف الحرائق ومحاسَبة المتسببين، ما يعزز الشكوك حول وجود مخطط لتدمير المساحات البيئية في منطقة الساحل، وأنها بفعل فاعل، على حد تعبيرهم.
بينما ذهبت آريا عمري إلى تحميل الحكومة السورية مسؤولية منع تمدد الحرائق إلى مناطق ثانية، وكتبت في منشور على صفحتها أنه «من الطبيعي وفق التغير المناخي الحالي حدوث حرائق غابات، ومن الطبيعي وجود حكاية أن ثمة أيادي أسهمت في انتشارها، لكن من غير الطبيعي عدم وجود خطة حكومية، والمفروض تشعر بك وتتحرك بشكل رسمي لحمايتك»، منوهة إلى أن هذه الحرائق ابتلعت الأخضر واليابس، «لتقوم بعض فرق الدفاع المدني والـINGO ومتطوعون بتحمل المسؤولية وحدها»، على حد كلامها.
بينما توجَّهت الإعلامية آلاء عامر عبر منشور على صفحتها بالشكر لجهود عناصر الدفاع المدني، وأن كارثة احتراق الغابات جمعت كل السوريين، لتقول: «ذكرتنا أنو السوريين لبعض وما لنا إلا بعض، رجال الدفاع المدني واجهوا النار ببطولة، وشباب من كل الأطياف مدوا إيدهم للتطوع، احترقت الأشجار، لكن جذور المحبة رح تبقى حيّة، ورح نزرع إلى احترق، تحية لكل يدٍ أطفأت ناراً، أو منعت فتنة».
ونشرت صانعة المحتوى اليوتيوبر السورية ريم خليل، التي يتابعها نحو 2.5 مليون متابع، فيديو بعنوان: «حرائق اللاذقية مفتعلة أم مناخية»، حصد نحو مليونَي مشاهدة، وتفاعلت معه آلاف التعليقات والمشارَكات ما بين رافض لفكرة افتعالها بشرياً، ومؤيد لأنها احترقت بفعل فاعل.

وتعليقاً على هذه الردود والتباينات حول حرائق الغابات في سوريا، أكد منير مصطفى، رئيس الدفاع المدني السوري، أن هذا الجدل مستمر ولم يتوقف، ويرى خلال تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الجدل لن يتوقف هنا، مين تسبب في إشعاله ومين طفى ولماذا طولنا، هذا جدل مستمر، لكن المفروض أن الكارثة تجمع كل السوريين وتوحدهم، فالحرائق لا تعرف طوائف وإثنيات ومكونات، لأن النيران تلتهم الشجر والحجر والحيوان»، موضحاً أن الحرائق طالت حتى الآن أكثر من ألف هكتار من المساحات الخضراء، وهو ما يعادل 3 أضعاف مساحة مدينة اللاذقية نفسها. وشدَّد مصطفى على أن العمليات البرية والجوية المشترَكة لفرق الإطفاء في إخماد الحرائق الحراجية في ريف اللاذقية «نجحت في السيطرة على الحريق في قرية البركة ووادي كورنكول في منطقة جبل التركمان بمشاركة جوية من الطيران المروحي والشراعي السوري والتركي».
وكان وزير الداخلية أنس الخطاب قد نفى في تصريحات إعلامية وجود أي أدلة على أن الحرائق مفتعلة، وأن الوزارة نشرت حواجز ونقاط تفتيش على جميع الطرق الفرعية والرئيسية في المناطق المتضررة؛ لتوفير الحماية والأمن للفرق المحلية والخارجية المشارِكة في إخماد هذه الحرائق منذ أيام.




